الحديث الخامس

Start from the beginning
                                    

فصل
في ذكر بعض اسباب الحسد
 للحسد اسباب كثيرة ، يرجع اكثرها الى رؤية الذلة في النفس ، تماما كما ان الكبر ، ـ نوعا ـ يتم على عكس ذلك . فكما ان المرء عندما يجد في نفسه كمالا لا يجده في غيره ، تنشا عنده حالة من الترفع والتعزز والتعالي في نفسه ، فيتكبر . واذا لاحظ الكمال في غيره ، انتابته حالة من الذل والانكسار . ولولا وجود عوامل خارجية ولياقات نفسانية ، لنتج من ذلك الحسد . وقد ينشا من تصور ذلته في تساوي غيره معه ، مثل ان يحسد صاحب الكمال والنعمة مثيله او الذي يليه . ويمكن القول ان الحسد هو ذلك الانقباض والذل النفسي اللذان تكون نتيجتهما الرغبة في زوال النعمة والكمال عن الآخرين . وقد حصر بعضهم ـ كالعلامة المجلسي قدس سره ـ (1) اسباب الحسد في سبعة امور : 
 «الاول : العداوة . 
 الثاني : التعزز : ان يكون من حيث يعلم انه يستكبر بالنعمة عليه وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه . 
 الثالث : الكبر : ان يكون في طبعه ان يتكبر على المحسود ويمتنع ذلك عليه بنعمته وهو المراد بالتكبر . 
 الرابع : التعجب : ان تكون النعمة عظيمة والمنصب كبيرا فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة كما اخبر الله تعالى عن الامم الماضية اذ قالوا :«ما انتم الا بشر مثلنا»(2) و«انؤمن لبشرين مثلنا» (3) وامثال ذلك كثيرة فتعجبوا من ان يفوزوا برتبة الرسالة والوحي والقرب مع انهم بشر مثلهم فحسدوهم وهو المراد بالتعجب . 

(1) بحار الانوار ، المجلد الثالث والسبعون ، ص 240 .
(2) سورة يس ، آية : 15 .
(3) سورة المؤمنون ، آية : 47 .الاربعون حديثاً109
 الخامس : الخوف : ان يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمة بان يتوصل بها الى مزاحمته في اغراضه . 
 السادس : حب الرئاسة : ان يكون يحب الرياسة التي تنبني على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها . 
 السابع : خبث الطينة : ان لا يكون بسبب من هذه الاسباب بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله» . 
 ولكنني اعتقد كما اشرت اليه سابقا ، ان معظم هذه الاسباب بل كلها تعود الى رؤية ذل النفس ، وان السبب المباشر للحسد حسب التعريف المشهور له هو ما ذكرناه ـ انبعاث الحسد من رؤية ذل النفس فلا مجال لذكر هذه الاقسام ـ . واما بناءا على ما ذكرنا في معنى الحسد من ان نفس هذه الحال تكون حسدا فلا اعتراض على صحة ذكر هذه الاقسام . وعلى اي حال يكون البحث حول هذه المعاني بعيدا عن مقصودنا وعن طبيعة موضوعنا . 

فصل
في بعض مفاسد الحسد
 اعلم ان الحسد نفسه احد الامراض القلبية المهلكة ، ويتولد منه ايضا امراض قلبية كثيرة ، كالكبر وفساد الاعمال وتعد كل واحدة منها من الموبقات . وتشكل سببا مستقلا لهلاك الانسان . ولسوف نباشر بذكر المفاسد الواضحة منها . ولا شك في ان هناك مفاسد خفية عن نظر الكاتب . 
 واما مفاسد الحسد فسنكتفي بما نقل عن الصادق المصدق : 
 ففي صحيحة معاوية بن وهب قال : قال ابو عبد الله عليه السلام : «آفة الدين الحسد والعجب والفخر» (1) . 
 وفي صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام : «ان الرجل ليأتي باي بادرة فيُكفّر ، وان الحسد لياكل الايمان كما تاكل النار الحطب» (2) . 
 ومعلوم ان الايمان نور الهي يجعل القلب موضع تجليات الحق جل جلاله ، كما جاء في الاحاديث القدسية : 

الاربعون حديثاًWhere stories live. Discover now