الحديث الخامس

ابدأ من البداية
                                    

(1) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الحسد ، ح 5 .
(2) اصول الكافي ، المجلد الثاني ، كتاب الايمان والكفر ، باب الحسد ، ح 1 .الاربعون حديثاً110
 «لا يسعني ارضي ولا سمائي بل يسعني قلب عبدي المؤمن» (1) . 
 فهذا النور المعنوي ، وهذه البارقة الالهية التي تجعل القلب اوسع من كل الموجودات ، تتعارض مع هذا الضيق والظلام اللذين تسببهما هذه الرذيلة ، رذيلة الحسد . ان هذه الصفة القبيحة تضغط على القلب وتضيقه فتبدو آثارها في كل كيان الانسان ، باطنه وظاهره . انها تصيب القلب بالحزن والكدر ، والصدر بالاختناق والضيق ، والوجه بالعبوس والغضب . وهذه الحال تطفئ نور الايمان ، وتميت قلب الانسان ، وكلما اشتدت ازداد ضعف الايمان . 
 ان جميع الصفات المعنوية والظاهرية للمؤمن ، تتنافى والآثار التي يوجدها الحسد في ظاهر الانسان وباطنه . ان المؤمن يحسن الظن بالله تعالى ، وهو راض بقسمه الذي يقسمه بين عباده . اما الحسود فساخط على الله تعالى ، يشيح بوجهه عن تقديراته . لقد جاء في الحديث الشريف : ان المؤمن لا يتمنى السوء للمؤمنين ، بل هم اعزاء عنده ، والحسود بعكس ذلك . 
 المؤمن لا يغلبه حب الدنيا ، والحسود انما هو مبتلى بشدة حبه للدنيا . والمؤمن لا يداخله خوف ولا حزن الا من بارئ الخلق تعالى ، اما الحسود فخوفه وحزنه يدوران حول المحسود . 
 والمؤمن طلق المحيا ، وبشراه في وجهه ، والحسود مقطب الجبين عبوس الوجه . 
 والمؤمن متواضع ، والحسود متكبر في معظم الحالات . فالحسد ، آفة الايمان التي تاكله ، كما تاكل النار الحطب . 
 ويكفي في شناعة هذه الرذيلة هو ان الحسد يقضي على الايمان الذي يعد وسيلة النجاة في الآخرة ، وباعثا لحياة القلوب ، ويجعل الانسان مفلسا ومسكينا . 
 وان من المفاسد الكبيرة التي لا تنفك عن الحسد ، سخط الحسود على الخالق وولي نعمته واعراضه عن تقديراته تعالى . 
 في هذا اليوم ان حجب الطبيعة الدكناء والحجب الحاصلة من انشغالنا بهذه الطبيعة قد حجبت جميع مشاعرنا ، فاعمت اعيننا واصمت آذاننا ، فلا ندري اننا غاضبون تجاه مالك الملوك ومعرضون عنه ولا نعلم ما هي صورة هذا الغضب والاعراض في الملكوت حيث مساكننا الاصلية الدائمية ؟ وانما يصل الى اسماعنا قول الامام الصادق عليه السلام : «ومن يك كذلك فلست منه وليس مني» ولا نفهم ماذا يحمل لنا تبرؤ الحق تعالى منا واعراضه عنا من 

(1) احياء العلوم ، المجلد الثالث ، ص 12 . اتحاف السادة المتقين ، المجلد السابع ص 234 . غوالي اللئالي ، المجلد الرابع ص 7 .الاربعون حديثاً111
مصائب ؟ ان من يخرج عن ولاية الله ويطرد من ظل راية ارحم الراحمين لن يكون له امل في النجاة ، ولن يشفع له احد « من ذا الذي يشفع عنده الا باذنه » من ذا الذي يتقدم ليشفع لمن يسخط عليه الله ويكون خارجا عن حرز ولايته ، وقد انقطع حبل المودة بينه وبين مالك الرقاب ؟ واسوأتاه ! واحسرتاه على ما نفعله بانفسنا ! لم يفتأ الانبياء والاولياء يصرخون في آذاننا ويريدون ايقاظنا من النوم ، ولكننا نزداد غفلة وشقاء يوما بعد يوم . 
 ومن مفاسد هذا الخلق الذميم ، كما يقول العلماء ، ضيق القبر وظلمته . اذ انهم يقولون ان صورة هذا الخلق الفاسد الرديء ، التي فيها ضيق نفساني وكدر قلبي ، تشبه ضيق القبر وظلمته ، اذ ان ضيق القبر او اتساعه منوط بضيق الصدر او انشراحه . 
 روي عن الامام الصادق عليه السلام ـ الى ان قال ـ ، وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جنازة «سعد» وقد شيعه سبعون الف ملك . فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راسه الى السماء ثم قال : مِثل «سعد» يُضم ؟ قال : قلت جعلت فداك انّا نحدث انه كان يستخف بالبول فقال معاذ الله ، انما كان من زعّارة في خلقه على اهله (1) . 
 ان الضيق والضغط والكدر والظلام الذي يحصل في القلب بسبب الحسد قلما يوجد في خلق فاسد آخر . وعلى اي حال ان صاحب هذا الخلق يعيش في الدنيا معذبا مبتلى ، ويكون له في القبر ضيق وظلمة ، ويحشر في الآخرة مسكينا متالما . 
 هذه هي مفاسد الحسد نفسه دون المفاسد الخلقية الاخرى ، او الاعمال الفاسدة الباطلة ، التي يمكن ان تتولد عن الحسد ، وقلما يتفق ان لا تتولد عن الحسد مفاسد اخرى بل ان عددا من السيئات الاخلاقية والاعمال الباطلة الاخرى تكون وليدة الحسد ، كالكبر في بعض الحالات ، كما سبق ، والغيبة ، والنميمة ، والشتم ، والايذاء ، وغير ذلك مما هو من الموبقات والمهلكات . 
 فعلى الانسان العاقل ان يشمر عن ساعد الجد لينقذ نفسه من هذا العار وايمانه من هذه النار المحرقة والآفة الصعبة ، وان ينجو بنفسه من ضغط الفكر وضيق الصدر في هذه الدنيا ـ وهما نوعان من العذاب المرافقان للعمر كله ـ وكذلك من الضيق والظلمة في القبر وفي البرزخ ، ومن غضب الله تعالى . على الانسان ان يفكر قليلا ليدرك ان امرا له هذا القدر من المفاسد يجب ان يعالج ، مع العلم ان حسدك لن يضر المحسود . فلا تزول نعمته بمجرد حسدك له ، بل يكون له نفع دنيوي واخروي ، وذلك لان شقاءك وحزنك وانت عدوه وحاسده يعد نفعا له . فهو يرى انه متنعم وانت معذب بتنعمه ، وهذه نعمة له . فاذا انتبهت لهذه النعمة الثانية التي تتوفر 

الاربعون حديثاًحيث تعيش القصص. اكتشف الآن