فصل
في بيان درجات الكِبَر
 اعلم ان للكبر ، من منظور آخر ، درجات :
 الاولى : التكبر على الله تعالى .
 الثانية : التكبر على الانبياء والرسل والاولياء صلوات الله عليهم .
 الثالثة : التكبر على اوامر الله تعالى ، وهذا يرجع الى التكبر على الله .
 الرابعة : التكبر على عباد الله تعالى ، وهذا ايضا يراه اهل المعرفة راجعا الى التكبر على الله .
 اما التكبر على الله فهو اقبحها واشدها هلكة وياتي على راس درجات الكبر ، وتراه في اهل الكفر والجحود ومدّعي الالوهية ، وقد تراه احيانا في بعض اهل الدين مما ليس من المناسب ذكره . وهذا هو منتهى الجهل وعدم معرفة «الممكن» حدود نفسه ، وعدم معرفة مقام «واجب الوجود» .
 واما التكبر على الانبياء والاولياء ، فكثيرا ما كان يحصل في زمان الانبياء . قال تعالى على لسانهم :
 «... انؤمن لبشرَين مثلنا ...» (1) .(1) سورة المؤمنون ، آية : 47 .الاربعون حديثاً87
 وقال تعالى على لسان آخرين منهم : ـ
 «... لولا نزّل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم» (1) .
 وفي صدر الاسلام وقع الكثير من التكبر على اولياء الله . وفي هذا الزمان ايضا نجد نماذج منه في بعض المحسوبين على الاسلام .
 واما التكبر على اوامر الله فيظهر في بعض العاصين ، كان يمتنع احدهم عن الحج بحجة انه لا يستسيغ مناسكه من احرام وغيره ، او يترك الصلاة لان السجود لا يليق بمقامه ، بل قد يظهر ذلك احيانا عند اهل النسك والعبادة واهل العلم والتدين ، كأن يترك الآذان تكبرا ، او لا يتقبل مقولة الحق اذا جاءت ممن هو قريب له او دونه منزلة .
 فقد يسمع الانسان قولا من زميل له فيرده بشدة ويطعن في قائله ، ولكنه اذا سمع ذلك القول نفسه ، من كبير في الدين او الدنيا ، قبله (2) . بل قد يكون جادا في رد الاول وجادا ايضا في قبول الثاني . ان شخصا هذا شانه لا يكون من طلاب الحق ، بل يكون تكبره قد اخفى عنه الحق ، واعماه تملقه لذاك الكبير واصمه . ومثل هذا التكبر يتصف به ايضا من يترك تدريس علم او كتاب باعتباره لا يليق به ، او يرفض تدريس اشخاص لا مركزية لهم ، او لان عددهم قليل ، او يترك صلاة الجماعة في مسجد صغير ولا يقتنع بعدد معدود من المامومين حتى وان علم ان في مثل تلك الجماعة رضا الحق تعالى . وقد تصبح هذه الحال من الدقة بحيث ان صاحبها لا يدرك ان عمله هذا يرجع الى الكبر ، الا اذا تدراك الامر باصلاح لانفسه وتخلص من مكائد هذه الحال .
 اما التكبر على عباد الله تعالى فاقبحه التكّبر على العلماء بالله ، ومفاسده اكثر من كل شيء واهم . ومن هذا التكبر رفض مجالسة الفقراء ، والتقدم في المجالس والمحافل ، وفي المشي ، وفي السلوك . وهذا النوع من التكبر رائج وشائع بين مختلف الطبقات ، ابتداءا من الاشراف والاعيان والعلماء والمحدثين والاغنياء حتى الفقراء والمعوزين ، الا من حفظه الله من ذلك .
 ان التمييز بين التواضع والتملق ، والتكبر والاباء يصبح احيانا على درجة كبيرة من الصعوبة ، فلا بد للانسان ان يتعوذ بالله ليهديه الى طريق الهداية ، واذا تصدى الانسان لاصلاح نفسه وتحرك نحو المقصود ، فان الله تعالى سوف يشمله برحمته الواسعة وييسر له سبيل الهداية .
YOU ARE READING
الاربعون حديثاً
Non-Fictionالاربعون حديثاً الامام روح الله الموسوي الخميني « قدس سره » تعريب محمد الغروي مؤسسة دار الكتاب الاسلام
الحديث الرابع
Start from the beginning