الفصل الثامن عشر

15.7K 290 3
                                    

الفصل الثامن عشر
الألم يتصاعد بنزيف حاد قاتل ولا قدرة لأحد منهم على منعه..تجمد وجهه بقسوة متمردة ليحسم صراعه و نظر إلى وجه هدير الشاحب ويدها المرتعشة التي تصم أذنيها في إستسلام لمصيرها ، لقد نحره عجزها وثقتها أنه لن يتردد في ذبحها !
تعالىّ غضب أمه وهي تطالبه بقيد العادات التي قتلتهم جميعاً وقضت على سعادته بمهدها في يوم حصوله على إمرأته ، إنتقلت عيناه العاجزة على شبح أثيلة المنهارة وعيناها تتعلق بظهر حبيبها بعدم فهم أو إستيعاب وكأنها تستجديه وحده التوضيح..تناديه بصمت قاتل عاجز لكي يعود إليها وينتشلها من دوامة الضياع التي سُحبت إليها .
هدر صوت أمه بغل وحقد:
"إنطقها يا أصيل..ماذا تنتظر؟!"
نقل نظراته بينهم وإشتعلت عيناه بثقة وقوة تنبع من بين رماد نيران محرقة جارفة لكل العادات القاتلة التي أوقعتهم جميعاً ضحايا..وكانت النتيجة تحطم أخته الملقاة بين أقدامهم ، دوى صوته الخشن رنان وقاطع يخاطب هدير ذات الوجه الشاحب:"هدير أنتِ زوجتي وستظلين زوجتي حتى أفقد آخر أنفاسي"
عاد ليتحرر من شريط الذكريات الذي مر أمام عينيه وعشق العمرالذي كان يرنو إليه لقد قتل حبيبته الزهرة اليافعة بين يديه حولها لزهرة ميتة..شبح لإمرأة وتمثال بارد !!
لقد عادت هدير إليه تحاول إنتشاله من ضياعه..عادت زوجة إحتوته في أشد لحظات ضعفه بحنان وقوة ، ولم تفضح لحظات إنهياره أبداً ، ولم تُشعره بإنهيار حصونه وأم..أم وتين قلبه .
برقت عيناه الحازمتان وأخبرها بقوة:"هدير..أنظري إليَّ"
رفعت وجهها إليه..حدقتيها العسليتين الدافئتين تهتز بعدم ثقة مرافقة لهز رأسها الرافض الغير مصدق لجملته القاطعة الحازمة..خفق قلبه ألماً..لا يعلم من أين أتى إليه شبح إبتسامة مريرة..العالم كله سكن من حوله فإقتصر على وجودهم هما فقط ، خاطبها صامتاً إن حربه لأعوام إنتهت وأُصدِر الحكم فيها لقد ترك القلب قبل العقل يأخذ قراره وينطق كلمته الأخيرة ليعلن رايات إستسلامه ، كان حديثه الصامت القصير يصل إليها واضحاً:
"لقد إخترتُك أنتِ يا هدير وإنتهت حربي بغير رجعة ، حبي لم يقتلنا وإنما علق كلانا بين الحياة والموت وقد حان وقتي لإنقاذه"
فهبطت يدها ببطء..فكها يرتعش ودموعها تدفقت بغزارة تبلل وجهها وتتساقط حباتها فتمتزج مع دموع أثيلة المنسابة منها دون وعي ، و يدها تعود طواعية لتضمها بتشدد وكأنها تخبرها أن مصيبتهم واحدة ، وأن العاصفة التى ضربت كل حياتهم سيعانون منها سوياً..رفعت عيناها مرة أخرى بعجز وذنب ينضح من بين قسمات وجهها الذى يعاني من شعور وكأنها تُحمِل نفسها كل ما حدث بين أخته وأخيها .
إلتفت أصيل لأمه التي تتنفس جحيم يُخرج دخان غير مرئي من كل جزء فيها وعاد صوته القوي الرنان برغم النارالمحرقة التى تشتعل بصدره وأخبرها بتشدد:"أنا لن أطلقها ، ولن أتركها"
صمت لبرهة وشمخ برأسه لينظر لهم جميعاً و عيناه تخترق ظهر القائم هناك كتمثال جليدى رغم الألم الذى يتقافز بوضوح من كل جزء فيه ليردف:
"هذه العادات أرفضها وأعلن منذ اليوم أنني لن أنقاد إليها أبداً مرة أخرى ، ولن أنصاع و أدفن رأسي كالنعام ، وأحطم زوجتي وإبنتي بخدعة تسمى العادات !!"
لم يلتفت تليد مرة أخرى ولم يتوقف لحظة ، وقد حسم أصيل برده الصادم لهم جميعاً الصراع وبدون إبطاء إنصرف .
إنحنى أصيل سريعاً تجاه أثيلة وهدير يتلقف أثيلة التى مازالت لا تبدي أي ردة فعل..فقط عيناها المتعلقة بتليد المنصرف كانت تتوسع بذهول وإنكسار متضامن مع عدم التصديق أنه تركها بالفعل !!
ذراعيه إمتدت تحاوطها بتشدد..تربت عليها بحنو و رأسها مال إلى صدره ، إرتفع كفها بإرتعاش وتمسكت بقميصه تمتمت بإنهيار وشهقاتها تتعالى بتقطع أخبرته:"تركني !!لقد وعدني بعدم مفارقتي أبداً !"
خفت صوتها بتتابطؤ لتردد فقط بعدم تركيز:"تركنى بعد أن أخبرته أن لا شيء يدوم ، و لقد وعدني لكنه طردني من عباءته بعد أن لجأت إليها وأخبرته أني لا أريد غيرها"
أغمض أصيل عيناه بوجع مخرجاً أنفاساً محترقة ثم رفع يده ليضعها خلف رأسها يدفعها أكثر لدفء صدره قائلاً:
"إهدأي فكل شيء سيكون بخير..أعدك"
هزت رأسها وعيناها تنغلق بإستسلام لتخبره بانهيارها:"لا شيء أبداً سيكون كما كان ، لقد فقدته"
هربت الحروف منه والعقل عجز عن تحديد مع من يتعاطف ومن يساند؟!
تنازع وحارب بين ما سمع من صديق رأى بين عيناه حقيقة تحطمه وكسرته..وما أصعب كسر الرجال !!
ألم يجربه هو من قبل؟!
بصمت مطبق كان يمد ذراعه الأخرى يحتضن كتفي هدير يساعد كلتيهما على النهوض ، كأنه يعلن للجميع منذ هذه اللحظة أنه تولى رايته ، وأخذ دوره الصحيح والمقدر له منذ الأبد دون تردد و سيكون جدارهن الحامي الصلب من أي مصائب قد يجرها الزمن عليهن...همست هدير ونبراتها تخرج مختنقة مرتجفة:"أنا بخير أعتنِ بها"
تردد للحظات في تركها..ليعود يشعر بانهيار أثيلة بين يديه غير قادرة على الوقوف ، مازالت مكومة في جلستها ويدها تتشبث به كطفلة فقدت أمان أهلها والوطن..
حرر ذراعه التي تطوق هدير ووضعها خلف ظهر أخته وبيده الأخرى وازن جسدها..حملها وهب بها من جلسته ، وبدون تباطؤ كان يصعد بها متوجهاً إلى شقته تلحقه هدير بسيقان مرتعشة تاركة خلفها خطاب مازال فى إنهياره على الحائط..وفاطمة التي تضم رأسها بين ركبتيها تعاني من ذكريات مريرة كانت تأمل ألا تعاني منها إبنة أخيها أبداً..ونعمة التي مازالت تشعر بالحقد والعجز للذهاب وضم إبنتها وتقديم العون لها رغم قلب الأم الذي إنشطر وجع على تحطم إبنتها .
........................
بعد وقت كان أصيل يمسد على رأس أخته بحنان بعد أن منحها إبرة مهدئة كانت تحتاج إليها الأن: لتغادر عالمهم وتلجأ لغيبوبة تفصلها عن صدمتها العصبية التى دخلت فيها حتى لا يتفاقم الوضع معها وتمتم بشرود:
"ما الذى فعلتيه بنفسك يا (شقيِّة )؟! كيف أصدق أن تفعلي ما قاله زوجك؟ولما إعترفتي كما أخبرنا حبيبتي؟!"
مازالت تهذى بصوتها المنهار ببضع كلمات يبدو أنها تخص تليد وحده ، تطالبه بوعود كما وصل لفهمه أنه قطعها لها ، تحدثه وكأنه مازال هنا معها ويسمعها !!تنهد بضيق وهو يقف من جلسته بجانب جسدها الممدد على فراش وتين ، شد الغطاء عليها جيداً وإنصرف مغادراً الغرفة ، فتوقف للحظات عند باب الغرفة ومنحها نظرة أخيرة محملة بالأسى ومن ثم أطفأ الضوء وإنصرف .
رفعت عيناها تنظر لوجهه الوسيم فشعرت بالإعياء..كانت منهكة المشاعر والجسد والروح..راقبها وهي تضم وتين لصدرها بتشدد..تلتف بالغطاء لتستمد دفء واهي منه فلم يتردد لحظة وإلتف حول الفراش باندفاع..رفع الغطاء وتمدد بجانبها إمتدت بحزم إحدى ذراعيه من الخلف مُتسللة تحت جسدها والأخرى إرتفعت تحاوطها ، فإلتقت يداه ليشدها ويلصقها بجذعه محاوطا لها وإبنتهم سوياً .
عادت برأسها لتريحها علي صدره وتنفجر في بكاء حاد بشهقات منهارة متتالية..بكت وبكت حتى أخرجت كل ما هو مدفون فى قلبها من ألم الخسارة..شعور الذنب يقتلها ونظرات أخيها كصقر جريح تطعنها طعنة قاتلة بمنتصف قلبها..
صدمة أثيلة وحياتها التي هُدمت ، شابة صغيرة في مجتمع ظالم لن يرحمها ، تجعلها تتلوى وجعاً وبعثرت داخلها إلى شظايا صغيرة .
عاد القلب العاشق يذكرها بمرارة الشعور أنه كان سيختار حكم عقله وتغلبه قسوة قلبه نحوها فصدمها بنصره إليها أخيراً ! ولكن هناك في القلب غصة أخرى سببها محراك الشر نعمة .
عادت تقوس جسدها لتلتحم به أكثر وأكثر ويزيد بُكائها بهسترية غريبة ، بهدوء حررأحد ذراعيه ومد أطراف أنامله ليمسح دموعها وبحنان وحذر متمهل أخبرها:
"يكفي حبيبتي..أحتاجك بجانبي يا هدير فحربنا القادمة لن تكون سهلة"
إرتعش صوتها ونبراتها تخرج متهدجة لتسأله بعدم تصديق ونكران:
"تليد طلقها؟!لا أصدق أنه تركها !!أنت لم ترَى كيف كان متعلق بها لدرجة أثارت عجبي..وجهه كان يعلن بوضوح عن حبه لها فكيف إستطاع كييييف؟!"
تنهد أصيل بعمق وأنفاسه المشتعلة تلفحها بوجهها الذي مال عليه وأخبرها بتصلب:
"هيا للنوم الآن يا هدير فما قاله أخوكِ وما حدث لن ينتهي هنا ، ولكن كل ما يهمني الآن أختي..يجب أن تستعيد وعيها لأفهم منها حقيقة ما جرى؟"
تجمدت الدماء فى عروق هدير ويدها ترتفع لتقبض على يده المحاوطة لها وبرجاء ضعيف مضطرب سألته:
"أنت أخبرتني حقا أنك لن تتركني؟!"
ضمها أكثر وأغمض عيناه بأسى ثم طبع قبلة على رأسها ومال يلثم خدها المغرق بغلالات دموعها بحنان وأجابها مستسلماً:"لقد إخترتك يا ست البنات ، ولن أتركك مهما حدث ، لم تخطئي في شيء لآخذك بذنب أخرى؟!"
أنفاسها هدأت ببطء على صدره رغم أنها مازالت تتهدج ببكائها ، وجسدها كله تراخى بين ذراعيه مستسلمة..وهو فقط إكتفى بضمها وعيناه تتسلل تتخطاها لينظر إلى وجه ملاكه البريء التى عانت بصمت من تمزقه وتحوله معها بين فينة وأخرى ما بين حنانه الجارف وجفائه المحطم لقلب صغيرته البريئة فلا تستوعبه !!
إمتدت يده تداعب وجه صغيرته الطفولي المحبب هامساً بخفوت:
"أنتِ تستحقين يا وتين..فحبيبتي وإبنتي الأولى تستحق مني الوقوف في وجه الجميع من أجلها ، لقد حان الوقت أن أخذ موقعي الحقيقي بينكن كأب وزوج وأخ وحامي للجميع"
........
رفعت أحلام رأسها وقالت بتصلب مخفية عنه رجفة أعماقها والخوف الشديد الذي كان ينتابها مما قد تسمعه من إبنها:
"أين زوجتك؟!وماذا فعلت هذه المرة في نوبات فقدانك لسيطرتك"
أطبق فمه بقوة وعيناه تقدحان الشراربوحشية سبق أن رأتها ليلة زواجه العصيبة وما قام به من تهور..فتح فمه قائلا بجمود:
"هل أنتِ متأكده أنكِ تريدين سماع هذا؟! هل حقاً على إستعداد لتتحملي المزيد من إنفجاراتي أماه؟!"
وقفت أحلام كجدار صلب أمامه وهى تدفع نفسها لبذل مزيد من الجهد لتثبت مكانها وهى تقول بقوة مردده سؤالها:
"أين زوجتك يا تليد؟! لقد طلبت عدم تدخلي وانا لم أنطق بحرف واحد وأنت تسحبها خلفك بأنصاف الليالي يا سيادة الصحفى !!"
تحرك ناحية السلم الداخلي متوجها إلى غرفته وهو يقول بجمود:
"طلقتها..أرحتها وأرحت نفسى من قيد كُبل به كلينا"
خفق قلب أحلام والدماء تنسحب من وجهها..فالصدمة كبلتها للحظات لتنتفض تضرب بيدها على صدرها تخبره:
"يا الهى!! الرحمة من عندك يارب..لماذا؟! ما الذى فعلته وما الذى فعلته بقلبك؟!"
توقفت خطوات تليد يطالع السلم بضحكة مريرة مؤلمة يتذكر أيامه القليلة اليتيمة معها عندما كانت تتعالى ضحكتها المشاكسة وهو يطاردها في أرجاء المنزل فى عدم وجود أحلام..عصفت الذكريات القريبة البعيدة بعقله..فتسمر مكانه غير قادر على التواجد بالمكان الذي شهد عشقه العاصف بها وإستسلامها بين ذراعيه وهمسها المتخبط بحبه
أغمض عينيه بقوة مخبراً! نفسه بسخرية..كم كان أحمق مراهقاً أرعناً! صدق إكتفائها به ونسيانها للماضى..
إلتفت لأمه التى كانت تراقب عيناه الجامدتين بألم مزق قلبها متوسلاً بصمت للتفهم والاحتواء كالماضى والاعتذار المبهم ينضح من كل خلية فيه..بتردد مُوجع كانت تفاجئه قبل أن يجلدها بخيبته فيها قائلة:
"كنت أتمناها لك دائماً..وأنا أراها صبية يافعة..خجلة..قطعة من الذهب البراق تشبه فاطمة..رغم عني كان قلبي مثل كل أم هنا تتمنى لك الأفضل فتاة منا تربطك بجذورنا.."
حقاً كان مستنفز تماماً لقد قام بكل شيء قتل وزعزع كل ثوابته التي أرساها..لم يملك الجهد للثورة ولإخراج كل حرقته بمواجهة نازفة أخرى..أرجع رأسه للوراء نظر لعلو السقف كأنه عاجز عن رؤيتها والاستماع لأسبابها التي لا تخفف أبداً مرارته ولا تبررالفخ والخداع الذي تواطئ الجميع ليوقعوه فيه..رد بصوت خشن:
"أتقصدين أنكِ برغم معرفتك بي أمي كنت تتمنين لي مراهقة؟! وليتها إقتصرت وقتها على وصفها بقاصر بل كانت طفلة محطمة جاهلة بكل أساليب الحياة؟!"
توترت أحلام وهي تخبره بإستفاضة لعله يفهمها:
"تمنيتها فقط..أثيلة تجمع بها كل الصفات التي تجعل أي عائلة تتمناها..فأصلها يماثلنا عزة وبرعمها الخام الذي راعاه أهلها جيداً وأحاطوها لحمايتها..جمالها الذي لا يكرر كثيراً فى بلدنا وكنت أعلم أنها تشبه فاطمة في قوتها مع قليل من اهتمامك ستن.."
قاطعها تليد بصوت جامد وبارد لا حياة فيه قائلاً:
"يكفى..هذا لا يبرر خداعي يا أحلام..فما ذكرتيه جعلني أتأكد أن المكيدة حيكت عن سبق إصرار منكم جميعاً ولم تكن أبداً مصادفة"
إقتربت منه أحلام تهتف بنفى مؤكد:"لا ورحمة والدك الذي ليس عندي أعز من ذكراه..لم أرتب لشيء ولم يخطط أحدنا لما حدث..كنت أتمناها لك ولكنِ لم أأمل يوماً بإقترابكما من بعضكما ولم أفاتحك أبداً..لأني أعرفك تليد..أعرف إبني وما هي مبادئه"
أجفلت حقاً عندما تعالت ضحكاته بهسترية وكأن مَس قد أصابه فخرجت ساخرة حزينة جعلتها تئن بألم ودموعها تتسابق لتبكي جرح سندها وصقرها الجارح وقد ساعدت في يوماً لجره إلى هوة سحيقة وراهنت عليه كجواد أصيل في سباق لم تخبره قبلها عن طبيعة أرضه..
قطع ضحكاته ونظر لها بعينين عاجزتين مستسلمتين وقد إنطفأ بريقهما وبنبرات متحسرة قال باستنكار:
"مبادئي؟! هل تمزحين أمي؟!"
صمت لبرهة زفر بخفوت وأكمل بإعياء:
"وتحقق حلمك يا أحلام وأصبحت زوجتي وربطيني بجذوري ولكن بخدعة..لما صمتي وتركتيني لجحيم غضبى عندما إنفردت بها..أنتم دفعتوني لأغتال قاصر..لماذا حاولتي هدمي متعمدة ياأمي؟!!"
إشتعلت زيتونية عيناه وهو يجز على أسنانه يردف:
"ألا تملكين إجابة؟!!صحيح مجرد تمنيات فقط..ولكن ليس لها في قاموسي مكان ولا تغفر لكِ ما حدث وقتها.."
كانت أحلام تنظر له ذاهلة مكتومة الأنفاس..قول أي شيء للدفاع عن نفسها..لدقائق كان يقف فى مكانه جامد ينتظر منها المزيد ثم ما لبت أن قال بصوت مكتوم وهو يتحرك إلى باب (المندرة الداخلية) لعله يبتعد عن أي ذكرى تحمل ريحها:
"احب أن أعلمك أن أمانة خطاب عادت إليه وأمنياتك تحولت لكابوس بشع..قطعة الذهب البراق والتي تشبه عمتها كما تمنيتي ردت الضربة بضربة أشرس وأعنف !!حطمتها قبل سنوات وعادت الأن لتجعلني..أهوي إلى الحضيض"
حبست أحلام أنفاسها وهى تراه يتحرك ناحية إحدى (الدكك ) وينهار فوقها متكوماً..أغمض عيناه المشتعلة وجسده كله يسكن دون حراك..إحدى يديه إمتدت لتفرد عبائته على جذعه متمتما بمرارة وغضب يتخللان كل كلمة من كلماته القاسية على نفسه:
"لقد طردتها من عبائتي التى تشبثت بها يوماً وأعلنت عن لجوئها إليها مؤكدة بصمت وهى تندس فيها أنها إكتفت بي..وكم كانت طفلتي الساذجة كاذبة؟!"
تقدمت أحلام نحوه تهتفت بجزع متلهف وكل ما فيها يرتعش منهارة بالتضامن مع إنهيار جدارها وسندها:
"رباه..تليد ما الذي حدث؟!كيف تنعتها بالكاذبة؟لما لم تتمهل يا ولدي ربما أحد الحاقدين دس بينكم سمومه..هل تعلم عن من تتحدث؟!!إنها أثيلة."
رفع عيناه فى تلك اللحظة نحوها فصدمتها تلك النظرة الخاوية في عينيه الزيتونتين وجهه الشاحب تماماً كان يُخفي أي أحاسيس كانت تعتريه وهو يقول:
"لم يعدهناك شيء مهم..أتركيني أغفو قليلا لعل عقلي المشتعل ينطفئ كما إنطفأت روحي"
............................
كان يراقبها وهى تضع له (صينية العشاء) في غرفتهم بعد أن صعدت بها من الطابق الأرضى للدوار ،مد يده يزيح الأغطيه وهو يخبرها بإتسامة هادئة رزينة:"سلمت يداكِ يا زينة ."
إبتسمت بتوتر وهى تهز رأسها تخبره:"أتمنى أن ينول إعجابك إنه من صنع يدى"
رفع حاجبيه ونظر لها مستنكراً ثم سألها بتمهل:
"من صُنع يداك!! كيف سمحت لك والدتي بدخول المطبخ؟!"
عقدت زينة حاجبيها وهى تجيبه مستعجبه من سؤاله:"هي من طلبت مساعدتي..هل هناك مشكلة؟!"
راقبته وهو يتنفس بعمق محاولاً أن يُهدئ نفسه ثم ما لبث أن إبتسم لها برزانة قائلاً:
"إجلسى للتتناولي معى الطعام"
إقتربت منه وجلست بجانبه على أرض الغرفة طوت ركبتيها تحتها وإبتسمت له بإهتزاز لم يصل سببه لعقله..بهدوء كان يرفع يده يغمر قطعة خبز ب(الملوخية ) ووجهها إلى فمها مباشرة قائلاً:
"أنا لم أعلم تحديداً سبب طلب خالتك لمشاركتك منذ الآن مهام المنزل وأنتِ مازلتِ عروس وهى بالفعل لديها من يساعدها من نساء!!"
تناولت منه القطعة وهي تتحرر من إضطرابها وعيناها تبرق له بإمتنان صامت لحنانه المرافق دائماً لتعامله معها..
مرة أخرى إقتطع قطعة من اللحم وناولها إياها وهو يقول بصوته العميق:
"العادات يا إبنة خالتي كما سمعت أمى مراراً تكررها..أنكِ لا تشاركين فى أي شيء لشهر كامل فقط تستقبلين التهاني من عائلتك أو نساء العائلات الأخرى..ولهذا أنا أستعجب الأمر"
فإبتسمت بخجل وأخبرته ببساطة:"لا مشكلة فالأمر لا يزعجني فأنا أجِد ما أنشغل به عن غيابك"
بصوت أجش كان يخبرها:"ولكن هذا ربما يرهقك ، أعلم أن أعمال المنزل هنا تختلف عن بيت أهلك..فهناك أنتِ تقومين بخدمة والديكِ وإخواتك فقط ولكن هنا فيتم تجهيز الطعام للعاملين فى الأرض غير أهل الدار"
كل مافكرت به أنها لا تريد إغضابه..حاولت مهادنته فقالت بخفوت:"خالتي تحبني ولكنها فقط تريد أن تعلمني كل شيء سريعاً"
صمت مريح لفهمها وكان أبلغ من الكلمات..فقط راقبته بهدوء مبتسمة وهو يتناول طعامه شارداً محدثاً نفسه..الخلاصة أنها أصبحت جزءاً منه وهويرفض أن تُعامل أقل من إخواته..كان عاجزاً عن تفسير تصرفات أمه الغريبة منذ أن أتم زواجه أسبوع واحد وهو يراقب محاولتها الدؤوبة لجعلها تعمل يداً بيد مع الخادمات و التحكم حتى بموعد نومها أو جعلها تلحقه عند عودته..ربما يبالغ قليلاً لأن تلك الفترة لا تتعدى الأربعة أيام..ولكنه يشعر أن والدته لديها هدف محدد ولن تتراجع عنه وهو السيطرة التامة على إبنة أختها..وما يجعل عقله حقاً في حاله صراع إصرارها على وليد بل ومحاولة دفعه هو ووالده دائما بكلماتها الثائرة لتُباعد بينهم وبين أعمامه وأبنائهم..من أجل زواج نجلاء..ومما فهمه ربما لجأ إليها وليد ليجعلهم يتراجعون عن قرارهم..
رفعت زينة يدها تربت بها على كتفه بهدوء وقالت بدفء ورقة:"لا تغضب هكذا..لا شيء يستحق أن يقلب مزاجك"
رفع حاجبيه وإلتفت اليها برأسه قائلاً:"هل تهتمين بما يغضبني؟!!"
إقتربت أكثر ووقفت على ركبتيها ويدها الأخرى ترتفع لتضعها على كتفه الأخرى..دلكت بكفيها الناعمتين ببطئ على طول كتفيه وإمتدت إلى صدره لتعود مرة أخرى تتسلل إلى ظهره وهى تخبره بنبرات خفيضة:
"أجل أهتم وأخاف عليك كلك..ليته كان بيدي أن أمسح عنك كل تعب وأفديك بروحي"
تمتمت له وشعرت بعضلاته المشدودة والمتعبة من العمل في الأرض تسترخى ببطئ..وأفكاره المشتعلة غضباً مما يحدث حوله تستريح بهدوء لذيذ فقال:"أنتِ رائعة حقاً وتجيدين فهمى دون حديث وأيضاً بارعة فيما تفعلين"
زادت يدها ضغطاً عليه تحاول أن تستمر فى ما تفعله بمهارة وقالت بدلال:
"فقط..هل هذا كل ما أعنيه لك ،، أليس لديك شيء آخر تريد إخباري به بعد؟ لقد وعدتني قبل زواجنا!!"
أجفلت وأصابعه الغليظة تمتد تسحبها بعنف من وراء ظهره..وبلحظة واحدة كانت ذراعه الأخرى تتلقفها ليضعها مباشرة على ركبتيه..عيناه السوداوين كانت تبرق وسط وجهه الأسمر الجذاب بلمعان سرق فؤادها وهو يخبرها بنبرة غامضة مثيرة:
"ما الذى وعدتك به وتتمني سماعه يا زينة؟"
إزداد إحمرار وجهها وحاولت التهرب فغمغمت له:"لا شيء..لم أنتهي بعد..كنت أساعدك على الإسترخاء فقط"
زاد تركيز نظراته فوقها حاولت التحرر من بين ذراعيه وهى تقول بإضطراب خجول:
"دعنى.أعيد الأطباق الفارغة إن كنت إنتهيت"
أخبرها ببساطة وإبتسامة متسلية تتوسع على فمه:"ولكن أنتِ لم تأكلي ما رأيك أن أطعمك بنفسي..ولكن لا تعتادي على هذا يا عروس"
ضحكت بتوتر وراقبته يمد يده ويغمر قطعة الخبر في (الملوخية ) ويخبرها مازحاً بعبث جعلها تتلوى حباً له:
"أعلم أنها أكلتك المفضلة مثلي تماماً..كما أعلم عن توترك الدائم وخوفك من البوح الصريح بحبي الذي يملأ عيناكِ وكيانك.."
دس قطعة الخبز في فمها وإقترب أكثر يلامس شفتيها بخفة مثيرة قائلاً:
"أعلم عنك الكثير يا إبنة خالتي..ولاأضن عليكِ بمشاعري كما تعتقدين ولكن كل ما هناك أني لا أُجيد التعبير بكلمات منمقة ،، فأكتفي بما أحاول بثه لك عندما يجمعنا فراشنا"
إحمرت أكثر وعيناها تغمض بإستسلام لتستقبل عطاياه..حاولت أن تحجب عنه ذلك الخاطر المزعج الذي أخبرتها خالتها لأمها سابقاً عن حب حسن لهدير..والذى فشل بسبب إبن عمه الكبير الذي رفضه بتعنت لحقده على عمه تهامى ورغم أنها تأكدت أن الأمر لم يكن أبداً كما صورته خالتها ولكنه مازال يطبق على أنفاسها..بقلق أبعد وجهه عنها ليسألها:"ما بكِ..فيما شردتِ وحزنت ملامحك"
هزت رأسها سريعاً وإبتسمت تخبره:"لا شيء ربما فقط أريد قطعة خبز أخرى"
فإبتسم لعينيها بدفء رجولي وعاد يكررها لمرات ومرات. يديها تتشبس به أكثر وذراعيه ترتفع تضمها لدفء حاوطها وغمرها أكثر بين رحابه..إرتجفت وهى ترفع عينيها لتقع فى سواد عيناه التى تلمعان بشدة وتلتهمان تفاصيل وجهها بجوع لم يهدأ قط خلال الأيام الماضية..أنفاسها كانت تسابق نبضات قلبها المجنونة وهو أيضاً كانت يتنفس بعنف مماثل إليها..
كانت تحاول ضبط مشاعرها التي تهفو إليه وتفضح فؤادها العاشق الذي يطالب بوده وخلال لحظة كان يحسم الصراع وشفتاه تغزو شفتيها بدون أي تحفظ يداه تضمها إليه حتى إلتصقت بجسده..
كادت أن تنهار كلياً بين ذراعيه وجسدها الرقيق يشعر بكل عضلة وبكل وتر مشدود..بكل نبضة قلب تهرب منها إليه عاد قلبها المسكين وعقلها الفاقد الثقة في حبه يسخر منها ويؤكد لها بل هو عاشق وإن كان لن ينطقها يوماً ألا يكفيها إهتمامه ورعايته وإنصهاره فيها؟!
إنفصل عنها طالباً الهواء ومنحها فرصة للتنفس..شفتيه الغليظتين هبطت بقبل متمهلة رقيقة نحو عنقها وجيدها قائلاً بإثارة متأوهاً:
"اليوم فقط علمت ماذا يعني أن( الملوخية كالشهد) يا زينة الصبايا"
وبرفق متمهل كان يميل بها على أرضية الغرفة يمددها برقة ثم يميل فوقها مرتكزاعلى يديه حول رأسها ليخبرها لاهثاً:
"ليتنى أجيد كلمات الغزل لكنت أمطرتك بها ولكن كل ما أملكه أن أعترف أنك قطعة لا تنفصل عنى وليس مجرد اسم حملتك اياه ولكنِ سترك وحمايتك دائماً وابداً"
فطوقت بذراعيها عنقه تخبره وهى تشده اليها بأنفاس لاهثة مثله:
"ووعدك هذا يكفيني ولا أريد غيره يا حسن فكلمات الحب التى أحملها لك بقلبي تكفىي كلينا"
عاد يئن بمشاعر جامحة فإكتسحها بضراوة..ولفترة طويلة جداً كان يكتفى كليهما بكلمات عشقها..
............
جلس وليد أمام خالته يخبرها بدهاء:"كما أخبرتك يا خالة..ذلك الأستاذ يلتف حول خطيبتي ويستغل صغر سنها وبراءتها ليجذبها إليه"
إرتسم الغضب الأسود على وجه عواطف بجسدها الضئيل قصير القامَه الذي إنتفض بغل وحقد قائلة:
"كنت أشعر بهذا من تمسك ذلك الكريه المتبجح إبن أحلام وعمه..إنهم يريدون إبنتى..لذلك المدعو أيمن"
عاد وليد يلتف حولها وهو يخبرها بفحيح متصنعاً الخوف على خالته:
"الآن صدقتك خالتي..بإستمالتهم لحسن وخطفهم نجلاء منى سيضعون أيديهم أخيراً على الأرض وأموال عمي تهامى بعد موته"
إلتفت له عواطف مجفلة فأكمل سريعاً متصنعاً الخوف:
"حفظه الله بالطبع ومنحه العمر المديد..ولكن هذا ما يرنو إليه جميعاً"
إحتدت ملامح عواطف القاتمة بالفعل وأخبرته بصوت مكتوم:"إذاً ما الحل أخبرني؟؟ منذ زمن أصارع ليبتعدوا عن أولادي فعلت كل الحيل لإقناع تهامي..بخطبتك نجلاء مستغلة زيجة حسن"
قلب يديه بين بعضها يتظاهر بالهم وهو يطلق زفرة طويلة مخبرها:
"الحل في يدك وحدك خالتي..أنا أحاول إستمالة نجلاء لأني أحبها بالفعل ،،ولن تجد من يخاف عليها ويحفظها مثلي ولكن..عدم وجود عقد رسمي بيننا يقلقني ويمنعني من التقدم ناحيتها أكثر"
كانت عواطف تهز رأسها بتوتر غافلة عن ذلك البريق المنتصر الذى لمع فى عينى إبن أختها وهى تردف:
"نعم..نعم أعلم هذا لذلك منحتك كل الرخص من وراء ظهورهم لتقترب منها وتكسب قلبها..لثقتي أنك ستحافظ عليها أكثر من نفسك"
إلتفت له عواطف فجأة تسأل بعينين ضيقتين حادتين:
"إذاً ما إقتراحك ما الحل معهم ،، أنت يجب أن تعقد قرانك عليها قبل أن يحاول ذلك الكريه أن يقطع خطبتك.."
صمتت وأوداجها إنتفخت بنيران مظلمة تخبره بصوت خافت عنيف:
"أكرهم جميعاً..قديماً سمحو أن تأتى تلك الجنية بأعمالها السفلية وتغوي زوجي وتأخذ مكاني .،ولولا إستعانتي بكل شيخ لأحرره منها . لا أعلم ما مصيري الان"
صمتت وعيناها تضيق أكثر وأكثر بغل دفين حاقد تحترق بنيران الغضب والرغبة في التدمير وهى تتذكر *عشق تهامي الذي تعلم جيداً أنه لم يتحرر منه حتى اللحظة..فضمه للخبيثة كل ليلة ولعُه بعشقها كغر ساذج رغم عنادها ورفضها إياه بل وعلامات النفور التي كانت تكسو وجهها عندما تقع عيناها عليه..*
نبراتها المحترقة تصهرها داخلياً فتخلصها من كل ضمير لم يكن فيها من الأساس..تذكرت عامين عاملها تهامى فى بيتها كالخادمة..لا ينظر إليها ولا يقترب منها..وراقبت بعينيها محاولاته الدؤبه فى كسب قلب الاخرى والتى تنتهى كل ليلة بالفشل وصراخها وسبها له معلنة عن عذابها فتشفى قلبها المغلول فيها..لم تأخذها بها شفقة ولم ترحم أنوثتها ولا أمومتها وهى تترجاها في ليلتها الأخيرة فى هذا البيت بأن تنقذ طفلتها التى ماتت على صدر فاطمة والدماء المنسابة تتناثر منها تغرق أرض غرفتها..أغمضت عواطف عيناها وجسدها إنتفض للذكرى بشفقه رغم كل الغل الذي تحمله لها كل السعادة والانتشاء وهى تراقبها تصرخ بعذاب جذعها الرقيق المنتهك المكلوم بيدي تهامى مطروح على أرض الغرفة بجانب الفراش صراخها يتعالى بأنين وجزع ساقيها يتباعدا ودمائها تتدفق منها بدون هوادة حتى ظهرت مولودتها تتذكر يد فاطمة المرتعشة وهى تمتد تنتشل ابنتها التي مازالت تتصل بها عبر الحبل السرى فتضمها لصدرها وتترجاها المساعدة..ضحكت بسخرية وهى تتذكر بنت المكي تتذلل لها لتنقذ إبنتها..لوهلة أرادت فعلها ولكن ما حدث فى تلك اللحظة جعل حقدها يتعاظم وتبتهل بداخلها للتخلص من كلتاهما..
إبتسامة شامتة إعتلت شفتيها وهى تقطع الصمت الذى طال لتخبر إبن أختها:
"لا تقلق يا غالي يا إبن الغالية..ستمتزج دمائك بتلك العائلة كما إمتزجت دمائي أنا..وإبنة خالتك لك..فى زيارتك القادمة ستجد كل شيء كما ترغب"
إبتسم وليد بخبث وبريق عيناه يزداد وحشية بإنتصاره وهو يقول:"وأنا لا أريد إلا رضاك يا خالة ومصلحة أولاد خالتى"
صمت مهيب عم مرة أخرى وكلاً منهم يشرد في أفكاره..قطع الصمت وليد قائلا بحذر وبطئ ليحجب أفكاره:
"أين نجلاء لم أرها في الدار و أريد وداعها قبل إنصرافي"
تنهدت عواطف بضيق وهى تخبره ملوحة بإحدى يديها:"ذهبت إلى إحدى أبناء عمتها..بعد ان أوجعت رأسى بطلب زيارتها..بيتها يقع بجوار أرضنا (القبلية ) بجانب المصرف المائى مباشرة..
مط وليد شفتيه يخبرها بإدراك:"أعتقد أنى أعرفه لقد ذهبت مع حسن مراراً مجبراً..وهو يدعي أنه يريد أنن يعرفني على البلد"
أردفت عواطف غير منتبهة وهى تقول:
"جميع (عيالى) يتعلقون بالأرض..أعلم أن نجلاء تتحجج بالذهاب لعمتها ولكنها فى الحقيقة تحب الجلوس وحيدة تحت (الثلاث نخلات )التى يتوسطن أرضنا"
إبتسم وليد بخاطر خبيث وهو يجاريها قائلاً:"حقاً .ولكن ألا تخافى أن يستغل أحد وحدتها"
عبثت ملامح عواطف وهى تخبره..هذا الوقت من العام يتعالى محصول الذرة ليحجب أي جالس على الارض عن الأعين كما أن لا أحد يجرؤ على التعدي علي أراضي العمارية فما بالك بإحدى بناتهم:
هز وليد رأسه بإهتمام مؤكداً وخاطر آخر متلاعب يعصف بعقله ودون تردد كان يخطو إلى الخارج متحجج بأنه لديه موعد مع خاله قبل سفره..
.................
بنزق كانت تعيد حجابها الذى تطايرت أطرافه بفعل الرياح الحارة التى تلفحها..فتعيد لفه جيداً حولها وإبتسامة خجولة تزيد محياها الأسمر جاذبية .. وهى تتذكر أيمن يهدر بها منفعلاً يأمرها بالتحشم ..فعضت على شفتيها بحياء وفتحت إحدى الدفاتر التي منحها إليها..لتذاكر ما فاتها من دروس..عيناها تجري على السطور بإعجاب لتنظيمه المنمق وإهتمامه بوضع إشارات بإحدى الجمل وشرحها جانبياً بإستفاضه فتهمس بخفوت:"جيد يا إبن عمي أنك تعلم أن عقلى بطيء الفهم بعض الشيء"
فعادت بعيناها تقرأ السطور بنهم مستمتعة ببعض التحرر والعزلة عن الجميع رغم الريح الحارة والتى تسببه (غيطان) الذرة من حولها..تنهدت وهى تتمتم بخجل تمدحه بقولها:"خط جميل ومنظم يا أيمن كما حالك؟!
أطلقت شهقة ذعر وهى تنتفض من مجلسها بخوف عندما شعرت بيد غليظة تمسك بأحد عضديها رفعت رأسها سريعاً تحاول أن تكتشف من الذي تجرأ وتعدى على حرمة أراضيهم وعليها..عينيها البنيتين إحتلهم الخوف وهى تتعرف على هيئة وليد..نظر لها بشراسة دبت الرعب فى أوصالها راقبته وهو يقترب منها يقرفص بكسل على ساقيه..مد يده يحاول لمس وجهها وهو يقول بنبرات خفيضة مخيفة:
"خطيبتي المصون..السمراء الشهية تتغزل بغيري أنا!!"
أزاحت وجهها عن مرمى يده وملامحها تتكلل بالنفور والخوف والضعف الملازم دائماً لها ويتمكن من كل جزء فيها وقالت:"كيف عرفت مكاني؟!وما الذى تريده مني؟"
لم ييأس ومد أحد ذراعيه يجذبها من مرفقها نحوه قصراً ويده الأخرى تقترب بإعتداء غاشم تحررها من حجابها..يستغل عيناها المذعورة وجسدها المرتعش بوهن مرتعب يخبرها بنبرات عنيفة متمتم بنعومة متوحشة:
"سألتك ولم تردي..نجلاء تتغزلين بإبن عمك الأحمق..وأنا الأحق بكِ تحريميني من الإقتراب منكِ"
إرتفعت يدها الضعيفة تقاومة وحاولت أن تستجمع كل قوة لديها فعقلها الرافض المشمئز منه ينادي جسدها الضعيف بصحوة قوية دفاعاً عن نفسها..يأمرها بالثورة على منتهك حرمة روحها فإرتعش صوتها برغم كل محاولاتها أن يخرج صوتها حازم وهى تقول مدافعة:
"إبتعد عني يا وليد..أخبرتك أنا أكره أساليبك تلك إن ما تفعله حرام وأنا تأكدت كما أنه فضيحة لي وحدي"
فتتقبضت يداه بعنف حولها وفمه المقيت إقترب يحاول أن يعتدى على حرمة شفتيها وقال بغلظة وحقد منفلت:
"عندى أنا حرام ووقوفك مع ذلك الأحمق أيمن ،، ومبادلته الحديث ليس عيب أو حرام"
هزت رأسها برفض مبتعدة عن أنفاسه القذرة أخبرته ونبراتها يختلجها قوة دفاع بالتدريج:
"أيمن ليس أحمق إنه إبن عمى وأستاذي لا تنعته هكذا ."
رغم النيران التى إشتعلت فى صدره حقداً وغيرة وهى تدافع عنه كانت رغباته الحيوانية الدنيئة تسيطر على عقله يهمس داخلياً وأنفاسة المقيته البشعة تخرج بلهاث عنيف * فقط أتذوق شفتيها وأشعر بها بين ذراعي وألمس منحنياتها المثيرة ربما أستطيع كسبها في صفي..ربما أنجح اخيراً فى إستمالة قلبها..محاولة لجعلها تنتمى لي بقلبها الذى أشعر رفضها إياه وجسد أضع عليه أول راياتي ..*
غاب عقل الحقير تماماً وهو يمددها بعنف وجسده يجثم فوقها بإعتداء غاشم ككلب ضال ينهش كل ما يطوله منها رغم مقاومتها المستميتة حتى وإن كانت واهنة..أفلتت منها شهقات باكية بصوت مرتعش وهمست متوسلة:
"وليد أرجوك إبتعد عني..أتوسل إليك أنا إبنة خالتك عرضك يا وليد..أرجوك سيرانا أحد"
فغرت شفتيها بذعر وهي ترى ملامحه الذئبية يكللها سواد مظلم كما روحه و يده المغتالة تجتاح أنوثتها البريئة..إجتياح غاشم مغتصب لكل براءة فيها ويده الأخرى تثبتها مع جذعه على الارض المليئة بالحصى المسنن فأصبح العذاب مضاعف..تئن لوعه وجسدها الرقيق يعانى منه وجروح الارض الصلبه وأظافره الوحشية التى تنبش فى مواطن أنوثتها صرخت بصوتها المجروح فكتم فمها سريعاً بإحدى يديه وأنفاسه الكريهة تقترب منها لاهثا بوحشية ولعابه القذر يسيل فيصيبها الغثيان الشديد..لم يرحم ضعفها ولم يهتم بقيئها الذي إنفجر تحت يديه يخبرها:
"مرة واحده فقط لتعلمي من سيدك..لتعرفى كيف تتقززى مني يا قذرة..وليعلم ذلك الأحمق أيمن الذي يذوب عشقاً في سمارك البشع..من هو رجلك الذي إمتلك هذا الجسد ودمغه بصك ملكيته"
من بين الجحيم الذي أُلقيت فيه وإنهيارها وشهقاتها ببكاء طفولي متوسلاً تعالى صراخها مستنجداً بصورة أيمن تنضح من بين ربوع الذاكرة التي تعاني بتخبط وصور متتالية متلاحقة لأيمن منذ طفولتها حتى مراهقتها يهتم..يراعى..يستمع يحيط..يغار أيمن يغار ويحزن من ذكر هذا الحيوان المقيت..إستعارتها لأشيائه ولا يريد إسترداد جزء هام منه..فتتضح الحقيقة لعقلها البريئ..(الأحمق يحبك )
فيثور الجسد العاجز بمقاومة شرسة يده التى مازالت تكممها أطبقت عليها أسنانها بتشدد صرخت بقوة وهى تدفعه بعيداً عنها فيعود بوحشية كريهة يجثم فوق صدرها بإحدى ركبتيه ويده المعتدية تحفر جسدها البض فى محاولة لإرضاخها وقد أصبح فقدان السيطرة التام هو ما يتحكم فى كل تصرفاته فزمجر:
"يا ساقطة هل جننت ،، تحاولين الاعتداء عليّ..سأحصل على ما أريده مهما فعلتِ"
ورغم دموع قهرها وألم عظام قفصها الصدري التي تشعر بتحطمها كانت تهتف بوحشية:
"أبداً الموت لي أفضل من حصولك عليّ يا قذر"
حاصرها كلها بجسده المقزز ويده تمتد تكمل ما بدأه من تمزيق أثمالها..فصرخت بجزع والشرف يثور في عقلها جاعل الدماء الحارة الحرة تدفق بعروقها إحدى يديها تتحرر لتبحث عن أي سلاح لصد هذا المعتدي الذى يحطمها ويغتال روحها وأصدر الحكم عليها بالإعدام البشع الشنيع
فأغمضت عيناها بإصرار مرير تهمس لنفسها مشجعة ومقاومتها لم تهمد قط تحت جسده القذر الذي حاول أن يسيطر عليها:
"الموت يا نجلاء هو إختيارك قبل أن تسمحي له بإغتيالك"
فتعثرت يدها الحرة بشيء أحيا فيها بعض الأمل الذي سرعان ما إنزوى زئيرها كلبوة صغيرة جريحة أُطلق عليها سهام مسمومة من صياد جشع معتدى بغير حق..
.......
مسحت دموعها التي تساقطت على وجهها المكلوم الملتهب من أثر الصفعات لا يتيح لها رؤية الطريق من حولها لملمت ملابسها الممزقة وهرولت بعرج واضح..تلفتت حولها بخوف وجزع غير مبالية بالدماء التي تتساقط بتدفق على ساقيها..
تراقب الحقير الآخر من بعيد يخرج من بين أعواد الذرة العالية يعدل من ملابسه وينفض الأتربة التي علقت به من بين صراعهم..رفع إحدى يديه يكتم جرح ما على جبهته
إلتفتت مذعورة أمامها تبحث حولها عن أي إنسان تستنجد به..تبكي منهارة خوفاً وذعراً من أن يلحقها مرة أخرى يزيد عرج قدمها المصابة وتشعر بدمها تزيد تدفقاً والإعياء والوهن يحتل كل جزء من جسدها المنتهك..وعقلها المحدود العاجز لا يسعفها إلا بإسم واحد فقط ربما يكون فيه نجدتها تذكرت بيتها الذي يقع على الطرف الآخر من تلك المنطقة ودون أن تلتفت إلى الوارء كانت تهم بأنين تتمنى أن تجيرها في مصيبتها:
"هدير"
و كانت هناك عينان شامتتان متشفيتان بين الزرع العالي تراقب كل ما يحدث بظفر وقد وجدت أخيراً مادة للإنتقام....

عادات خادعةWhere stories live. Discover now