الفصل الحادى عشر

22.4K 463 6
                                    

الفصل الحادي عشر

ابتلعت باقي حروفها وعجبها في حلقها الذي جف في الحال بصدمة عندما حجب النور من خلفها جسد ضخم يحيطها. يميل يهمس بجانب أذنها بنارية غاضبة:
"خطأ صغيرتي..إن أخبرك رجلاً انه يود الحديث معك على إنفراد وأنتِ وافقتي..بل وترددين أنه يريدك..هذا عيب أثيلة عيب كبير وسوف تعاقبين عليه"
للحظات تجمد الكون من حولها ولم تستطع حتى الإلتفاف للتأكد من الحقيقة التي ضربتها بالفعل:"هل أحبال الكذب قصيرة هكذا ؟!"
كيف وجدها ومن أين علم ،أم هو حظها السيء الذي جعله يراها هنا ؟!همست بإسمه بوجه ممتقع:
"تليد!"
لم يتحرك من وقفته ولم تأخذه رأفة بوجهها الذي شحب في الحال وهو يجيبها من بين أسنانه بحنق بالغ:
"نعم تليد! أثيلة هانم..ما بك مصدومة هكذا هل توقعتي أني لن أكتشف كذبك وأفعالك من وراء ظهري"
وكأن جنونها المعتاد هو الأسرع ،عندما جمعت كل عزمها لتستدير تواجهه بعينين يتصاعد فيهما الغضب دون هوادة وهي تقول:
"بل لم أتوقع أنك تراقبني وتحاول تحجيم تحركاتي ،وأنا لم أكذب!"
قاطع سيل إتهماتها بصوت خافت حاد كنصل السكين:
"إخرسي..لنا حساب طويل لاحقاً"
كان ماجد ينظر لهم مراقباً بدقة يحاول أن يفهم همسهم الغاضب والمتبادل، لم يستطع فهم بعض الكلمات الحانقة التي كانت تخرج من تليد..يستعجب من ملامسته لتلك الطالبة دون تحفظه وحذره المعتاد,لن ينكر حيرته عندما إتصل به تليد في الصباح يطلب منه أن يهتم بالطلاب القادمين للتدريب في الصحيفة,وأيضاً أن يحاول أن يُبقي تلك الطالبة وحدها ليقابلها هو ،وزاد تعجبه من قدومه قبلهم وإنتظارهم في الغرفة الأخرى,ومع تصاعد غضب تليد كان ماجد مجبر أن يتدخل فقال: 
"هل هناك مشكلة تليد تواجهها مع الآنسة أثيلة"
إلتفت تليد بملامح وجه مغلقة لا تفسر وأخبر ماجد بجمود:
"عذراً ماجد يبدو أن هناك لَبْس ما في فهمك لحالة أثيلة الاجتماعية!"
ضيق ماجد عينيه بعدم فهم وهو يسأله بحذر:
"ماذا تقصد ؟!"
توسعت عيني أثيلة غير مصدقة عندما سمعت تليد يقول ببطئ وهو يلتفت لينظر لها دون تعبير:
"أقصد يا ماجد ،أن اللقب الصحيح مدام أثيلة خطاب زوجتي !"
فقط للحظات إرتبك ماجد ولم يجد ما ينطق به ،إنه يعلم أن تليد متزوج منذ سنوات وعلي الرغم من صداقتهم المتينة والثقة المتبادلة بينهم لكنه لم يتطرق يوماً لذكر شيء عن زواجه أو عن هوية زوجته..عاد تليد بعدها لماجد وأخبره بدون مقدمات:
"مدام أثيلة ،يبدو أنها أصابها حرجُ ما أن ترفض ترشيح الجامعة في التدريب معك ،وأنا فقط أتيت لإزاحة الحرج عنها وإخبارك بعدم رغبتها في الإكمال!"
تقدمت أثيلة خطوة واحدة لكي تقف قبالته نظرت له غير مصدقة لما قال ! عيناها إشتعلت بغضب وفتحت فمها تنوي أن تستمر في جنونها ،ولكن الإشتعال الغاضب كالجحيم في عينيه أخرسها فعادت تضغط على شفتها السفلي بقوة حتى كادت أن تدميها، وهي تعاني لكي لا تنطق وتكذبه ،تحاول تحجيم نفسها فالقواعد التي أرساها منذ زمن فيها، تفعل ما تريد بينهم ولكنه لن يغفر لها أبداً إن حاولت حتى المساس به أمام أي بشر ودون أن يخبرها كانت هي تعلم قواعد حدودها معه جيداً هزت رأسها يأساً مطبقة جفنيها عندما سمعته يقول:
"أعذرني ماجد لتعريضك لهذا الموقف ولكن أنا لم أرد أن أتخطاك وأبلغ العميد بنفسي،وفضلت أن يأتي الاعتذار منك أنت"
........
بعد وقت قصير
كانت ترافقه وهما يخرجان من مبني الصحيفة مصدومة بما فعل لقد حرمها من فرصة عمرها التي سعت اليها عبر الأسابيع الماضية,لا تصدق أنه جعل صحفي كبير كماجد السباعي يرفض تدريبها ويقبل باقي زملائها ،هو يعلم كما هي تعلم جيداً معني فعل كهذا تحطيم أي فرصة لها في إيجاد تدريب جيد وفي أي صحيفة لها سمعتها الجيدة وعراقتها فمن سيقبلها بعد أن رُفِضت من صحفي له أسمه ومكانته ،زمت شفتيها بقوة تحاول أن تكبح نفسها عندما رأته يفتح باب السيارة وهو يقول بصوت جامد آمر:
"إصعدي! ،أم تحتاجين دعوة ما ؟!"
استدارت بعيدا عنه وهي تتمتم من بين أسنانها بغضب قائلة:
"لا أريد أن آتي معك ،سأذهب بسيارتي"
أخذ نفس ثم آخر بهدوء كان يحاول أن يجبر نفسه عليه ،وهو يقاوم نفسه أن لا يمسك رأسها الآن بين يديه ويهشمه الى قطع صغيرة فقال ببساطة:
"لا أصدق يا وقحة ما تفعلينه بدلا من أن تسارعين للإعتذار تحاولين إستفزازي!"
وقفت وهي ذاهلة عقب كلماته لتسمع صوته يأتي بوعيد محذر:
"إصعدي حالاً الى السيارة وإلا سأجرك اليها جراً غير عابئ بمظهرك أو كرامتك"
إستدارت مرةً أخرى تخبره بصوت ميت:
"تفعلها وما الجديد ،لن أستغرب فعل همجي منك بعد ما فعلته معي أمام الأستاذ ماجد"
عندما إستقر كلاهما في السيارة سمعت صوته يخرج ساخر ضاحك دون مرح:
"همجي!!وأستاذ ماجد، وكل هذا الحزن في عينيك! وأنا ماذا أعمل؟!بائع صحف !"
إرتفع حاجباها وهي تقول مندهشة:
"أنا لم أقل هذا أبداً ،ولم أقلل من مكانتك كما تحاول أن تتدعي !"
إلتفت اليها وهو يقول بشرر ينبعث من عينيه:
"حقاً ولكن ليس هذا ما وصلني عندما إتصل بي رئيس القسم يخبرني أن زوجتي تتقدم من أسابيع دون هوادة لترشيحها للتدريب في إحدى الصحف,وأنا بنفسي كنت قد طلبت منك سابقاً أن تأتي معي وأنتِ رفضتِ"
إرتفعت يداه تخبط على المقود بفقدان سيطرة وكأنه يحاول أن يفرغ كل نوبة غضبه فيه ليقول صارخاً:
"ولم يصلني هذا أيضاً عندما سألتك بالأمس، وحذرتك كم أكره الكذب أثيلة !أخبريني كيف أثق بك مرة أخرى"
غضبه المنفلت جعلها تحاول أن تتراجع قليلاً عن إستفزازه ليس خوفاً منه ولا شعور بالخطأ بما فعلت حتى اللحظة!!ولكن رؤيته هكذا جعل خاطر ضعيف غريب يتسلل اليها،وهو إن فقد أعصابه معها ستكرهه وهي لا تريد كرهه بل تريد الإقتراب منه !!تنازع بين كبريائها وعدم خسارته ورغم كل صراعها الداخلي، هتفت بصوت حاد إلا أنه مهتز قليلاً:
"أنا لم أكذب ،ولم يكن من حقك محاصرتي! قديماً قلت بنفسك لي إفردي جناحيك أثيلة وجدي طريقك والآن تقف في وجه مستقبلي وتحاول تدميره!"
لم يسيطر على نفسه ويده ترتفع تخبط بشده جبهته من كتلة الغباء اليي إبتُليّ بها في حياته ولزيادة مصيبته أصيب قلبه بنار عشقها ! هتف بصوت محترق مغتاظ:
"لم أنكر أني قلت ومازلت أطالبك بها ،ولكن أمامي وليس من وراء ظهري ،يا كتلة الغباء ،ألم تفكري لما دائماً أطاوعك في عدم إعلان إنتمائك لي !ألم يأتي في خاطرك أن تقعي في يد أحد من أعدائي!؟"
عاد الجنون يغلف عقلها كلياً وهي تصرخ بعنف:
"لا لم يأتي في خاطري ،أنا لن أكمل باقي عمري أنتمي لأحد ما !! أطيع ما تخبروني به صامتة،أنقاد وراءكم كإنسان فاقد للأهلية أعمى البصر والبصيرة"
صمتت لبرهة لتردف بأنفاس مشتعلة:
"أنا لن أظل في عباءتك طوال حياتي يا تليد ،ويجب أن أحرر نفسي منها بنفسي دون أن أنتظر أن تطردني منها كما حدث معي سابقاً ؟!"
وكأنه جبل من نار وأطفئ فجأة لما قالته للحظات ظل ينظر لها بطريقة غريبة,عندما علم بالأمس ما صدر منها عقله أخذ يتطرق لجميع الأسباب التي جعلتها تتصرف بتلك الطريقة الغريبة عن طبيعتها ولكنه لم يتخيل أبدا ما نطقت به للتو وفهم بوضوح ما يدور في عقلها ؟! لم يرد وهو يراقب الطريق أمامه بصمت ويصل الى مسامعه أنفاسها التي تخرج بصعوبة وما تهمس به لنفسها حانقة وكأنها ندمت حقاً على ما تفوهت به ،بينما هو أخذ قراره الحاسم في كيفية التعامل معها
....
دخلت أثيلة غرفتها وصفقت الباب بعنف فهي مازالت في موجة غضبها المنفلت، وتخلصت من حجابها ورمت به على أرضية الغرفة بعنف!!لم تكد تمر عدة لحظات ،حتي أقتحم تليد الغرفة فصرخت به بغضب محتد:
"ماذا تريد الآن ألم تفعل ما في رأسك وحققت عقابي,أخرج من غرفتي حالا!ً"
كان ينظر لها مقطب الجبين مفكراً ،قبل أن يقول بحزم:
"لن أنبهك مرة أخرى لحديثك معي بأدب"
دارت حول نفسها بعجز وكأنها تجاهد ما بين الإنفجار فيه وبين أن تلتزم الصمت معه ،لن تنسي له ما فعل ولن تغفر أبداً إذلالها بتلك الطريقة !كان يعلم وصمت فقط لعقابها لقد فهمًت جيداً فتليد يحكم النطاق عليها ويراقبها، ليس صدفة أبداً أن يبلغه رئيس القسم بنفسه عن تحركاتها  إلا بطلب منه هو عند هذه الخاطرة عاد الجنون يسيطر على أفعالها وهي تقترب منه بتهور وأنفاسها تخرج كبركان مشتعل ،يقذف حمم يهدد بحرق كل من أمامه !عيناها تطلق عاصفة كموج هادر قادر على إغراق مدينة بأكملها ،جسدها يتشنج بوضوح وهي تصرخ به بالتضامن مع يديها التي تخبط على صدره بعنف:
"هذا ليس عدلاً أبداً ،من أعطاك الحق بمراقبتي وبأي صفة تمنعني,وتحاول هدم مستقبلي"
أمسك يديها بعنف ليرفعهما فوق رأسها وهو يعود بها الى الوراء نحو الجدار ليخبرها بغضب وهو يجز على أسنانه:
"بصفتي زوجك !!يا بنت الأصول..بصفتي صانعك أم نسيتي كيف كنتِ قبل سنوات ؟!"
جسدها كان يتلوى بعنف تحت ضغط جسده بالتضامن مع قولها بثورة:
"لا تغير الحقائق يا تليد .وتحاول إدعاء المثالية ،أنت مثل الجميع ولكن بنسخة مطورة تدعي المدنية وما أنت إلا مالك آخر كان يريد تشكيلي حسب أهوائه !!"
إرتفع حاجبي تليد وهو يستمع الى جنونها وعقله يحلل كل ما تنطق به إذاً الأمر لا يقتصر على نوبة تمرد فقط ،ولكن مدللته لديها أسباب أخرى وقد وصلته كاملة سابقاً في حديثهم في السيارة !! صمت للحظات طويلة يتأملها بتلك العينين التي تربكها حتى وهي توشك على الإنفجار وسألها بنبرة خافتة رغم حدتها:
"هل تعلمين ،من هي الزوجة الناشز؟!"
بهتت ملامحها فجأة وهي ترد بأنفاس مشتعلة مرتبكة:
"بالطبع أعرفها ،ولكن هذا ليس قائم بيننا من الأساس"
رد وهو يمط شفتيه بدون تعبير يخبرها:
"مازلتِ غبية!! أو تدعي الغباء ،تفهمين ما يناسبك وما لا يناسبك تحاولين الهروب منه ،تتصنعي عدم الانتباه"
عَلا صوته وهو يقول بأحرف مشددة:
"الزوجة الناشز يا محترمة هي من تلف وتدور من وراء زوجها ،من تكذب وتتبجح بإنكار الأمر"
إرتسمت الصدمة على ملامح وجهها وهي مازالت على عنادها الغاضب وقالت
"أنا لست هكذا ،ومن حقي إختيار شكل حياتي مثلما أريد"
أمال رأسه حتى كاد أن يتلامس وجهيهما وقال بأنفاس غاضبة، قاسية، خطرة وهو يحرك أطراف أنامله التي تسللت تحت قميصها لتلامس جيدها
"ما رأيك أن ننهي معاناتنا كلياً الليلة وأوضح الحقائق المختلطة عليكِ لتعلمي جيداً ما هي حقوقي وحدودك"
توسعت عيناها بصدمة ورهبة ،أردف بنبرة حادة قاطعة:
"وبعدها تنالين عقاب الزوجة الناشز ،وستكون البداية بفرض الحصار الكلي عليك داخل حدود المنزل فقط"
هبط قلبها بين قدميها ،وهي تشعر بيديه التي تتجول على جيدها ،وتلمس بعضاً من مفاتنها بحُرية تامة إرتعاشة ضربت جسدها كله بين يديه ليشعر بها هو ،ولم يستطيع أن يفسر حقيقتها !! الصمت حل على كليهما وهو ينظر لها بتحدي غاضب رغم ما يفعله بها ،جاهدت !!يعلم الله كم جاهدت أن لا تدفعه عنها وتصرخ الى أن تذبح حنجرتها,لعلها تعبر عن كم القهر الذي تشعر به الآن لعله يفهم العذاب الذي تعاني منه حتى لا تنهار !!مازال يضغط عليها ،وهي لم تبدي أي إعتراض تحاول تذكير نفسها أن من أمامها تليد لن يؤذيها ،تليد الذي أخذها لعالم جديد ،رغم عدم فهمها لأبعاده ولكنها لن تنكر أنها إستمتعت بكل لحظه فيه ،رغم تخبط وجنون ردود أفعالها ،لن تستطع أن تهرب من تلك المشاعر المفعمة بالعاطفة التي أثارها بها !!لم يعلم متي أقترب أكثر فحشرها بينه وبين الحائط، ذراعه هبطت لتلتف حول خصرها,وتحول غضبه منها لشيء أخر و تبددت رغبته في تهديدها ،نسي من الأساس كل عزمه أن يجاريها في الكلام ليفهم حقاً سبب فعلتها!!  جو غرفتها الأنثوية بلمساتها العفوية مثلها كان ينشر داخل روحه مشاعر من نوع آخر ،تجعل رغبته الرجولية في تلك اللحظة هي كل ما يسيطر على تفكيره ،سكونها وعيناها التائهة جعلته ينفصل عن كل ما حدث وينحني طواعية يقطف من شهد شفتيها ،برفق وحذر يداها إرتفعت لتضعها على صدره ،تتبعه دون تفكير تحاول إجبار عقلها الرافض، لتدخل عالمه مره أخرى,أغمضت عينيها وهي تستقبل قبلته النهمة،فقط مرة أخيرة لتجرب خياراتها ربما تستطيع منحه القرار راضية !!
توقف الزمن من حولهم ،لم يشعر أحدهما بالمكان أو الزمان ،فقط هو يحركها بين يديه كما يريد ويهوى ،إنفصل عنها للحظات ليجعلها تأخذ أنفاسها ثم عاد بهجوم كاسح على براءتها يقبل خديها بحلاوة ،ويهبط ببطئ مستقيم يغرق عنقها بقبلات نارية جامحة جائعة. أغمضت عينيها تتأوه بخفوت غير مستوعبة كل هذا الحنان المتدفق كنهر عالي العذوبة غير قادرة على فهم كل هذا الشوق النهم للمزيد من عنف عاطفته، أرجعت رأسها للوراء بإستسلام تفسح المجال أكثر لتلك القبلات التي زادت جنونا..يداها تتحرك بغير سيطرة تضعها على تلك المضخة الهادرة بمشاعر جياشة بين أضلعه ،تكاد تقسم أنها تسمع تدفق الدماء المنبعثة من قلبه عبر أوردته، لم تعلم متي هبطت يديه تباعد أطراف قميصها وهبط أكثر بخط مستقيم يقبل أحد كتفيها,همس هو بين قبلاته ويده الأخرى تتسلل من بين ملابسها تلامس بشرة بطنها ،وهو يخبرها بصوت أجش مبحوح:
"كم يحلو عقابك يا بحرية وأنتِ مستسلمة لعاطفتي هكذا"
فتحت جفنيها فجأة ويدها المتشبثة بصدره تدفعه عنها بوهن أعطته جانب وجهها لتقع قبلته الموجهة لخدها على كتفها مباشرة تخبره من بين صراعها:
"إبتعد عني، أنا أرفض ما يحدث"
لم يفق هو من غيبوبته تماماً وهو يخبرها من بين شفتيه التي تلامس جلدها
"ومن قال أني أنتظر موافقتك ؟!"
إرتبكت أكثر وعيناها تدور حولها بتخبط تنظر لكل مكان عداه..قالت بغباء وهي تحاول أن تدفعه عنها:
"حتى إن وافقت على ما تفعله ،هذا لا يجوز فأنا في فترة إجازتي الشهرية !!"
توقفت قبلاته المتصاعدة بعينين ذاهلتين وصدمة حقيقية ،هل حقاً قالت ما وصل أذنيه حقا ؟! إزداد غبائها كعادتها وهي تزيد في صدمته وأكملت حديثها الذي بدا أنها لا تدرك فحواه:
"لا أعتقد أنك تفضل مرتك الأولي معي,وأنا...."
"إخرسي يا مُتخلفة لا أريد تخيل الصورة البشعة التي حاولتي رسمها"
عندها فقط عادت لتركيزها عقدت حاجبيها بإستغراب و إستعادت ما قالته فجحظت عيناها بإرتياع ،وكسي وجهها كله إحمرار خجل
إرتفعت يديها تخبط على خديها الملتهبتين بقوة وهي تصرخ بقوة من هول خزيها:
"يا إلهي لم أقصد أن..،أنا فقط..كنت أحاول أنبهك"
رفع تليد يديه يبعد كفيها عن وجهها ليخفض وجهه يساويه بوجهها وهو يقول بصوت خافت أجش حذر:
"هل أفهم من هذا ،أنك لا تمانعين قربي ولكن حالتك الحالية ستجبرنا لنؤجل الأمر"
كادت أن تبكي حقاً وهي تحاول أن تداري وجهها بكلتا يديها لتنطق بحلق متورم لتقول بتحشرج وغصة بكاء:
"لا ،أقسم لك لم أقصد هذا أبداً أنا كنت أحاول دفعك بعيداً عني ولم أفكر بماذا أخبرك ،يا إلهي أرجوك إنسى ما قلت,أنا فقط أخبرتك سابقاً أن تفكيري يشل كلياً عند إقترابك مني,وما حدث الآن أني كنت أعاني من غضبي منك وأحاول الهروب  من ذلك العقاب"
رد تليد بهدوء:
"أنتِ كنت متجاوبة بين ذراعي أثيلة,وأعتقد أني أخبرتك سابقاً أن إجابتي على أختيارك ستكون عبر التجربة"
لم تستطع مجابهته وهي تقول يائسة بعذاب:
"تلك لم تكن تجربتك أو حتى إجابة! ما حدث منذ دقائق كان عقاب:هل تذكر؟!"
رفع تليد حاجبيه متعجباً وهو يفلتها ويبتعد عنها خطوات ليقول:
"من أخبرك أن العاطفة بين الزوجين تكون عقاب ربما أنا أخبرتك منذ قليل بتفعيل زواجنا ،ولكن هذا رداً على تبجحك أني ليس لي حقوق بك.."
إقتربت منه تمد إصبعها تضربه على صدره في أشاره حانقة وهي تهتف به:
"لا تثير جنوني وتستغل جهلي وتتلاعب بي,منذ دقائق كنت تنوي عقابي بجعلي إمرأتك ،والآن تعود لتخبرني بأنه ليس عقاب ؟!"
ببرود كان يرفع حاجب واحد وهو يري غضبها المتصاعد أمسك بعضديها وهو يقول ببرود:
"لا أنا أخبرتك أن عقابك كزوجة ناشز يقتصر فقط على تحجيم تحركاتك,لا جامعة،ولا زيارات للدار ببساطة أنت ستبقين في المنزل,وتكوني زوجة لي فقط"
عادت تحاول التملص من بين يديه وهي تصرخ بعنف:
"هذا لن يحدث,أنا لن أكون أبداً لعبة في يد أحد آخر يشكلني كما يريد ،وعند أول عقبة في حياته يزيحني من طريقه، أثيلة المستسلمة لمصيرها,وتنفذ فقط دون قدرة على الرفض ماتت يا تليد و أبداً لن تعود وتصاب بخيبة الامل والخذلان..أنا يجب أن أحمي نفسي من غدركم,ومستقبلي المهني أول خطوات إستقلالى"
أخذ تليد نفس عميق بغضب، لم يستطع تفسيره اليس هذا ما كان يحاول فعله منذ تفوهها بنفس الحديث في طريق عودتهم ،إذاً لمَ الآن يشعر بنار تستعر بداخله ،ربما لإكتشافه أن كل ما فعله معها كل تلك السنوات كان سراب ؟! حاول أن يكون هادئ وهو يقول:
"ما تقوليه حُجة واهية لتبرري خطئك نحوي أثيلة  لمَ لم أتركك لثلاث أعوام مضت إذاً!! ،ما الذي يجعلك تفكرين ولو لدقائق بأني سأتركك الآن ؟!"
هزت رأسها بيأس لتخبره ببديهية ومنطقها الخاص:
"ولما لا تليد !لقد حماني هو سبعة عشر عاماً وعند الاختيار والتضحية كنت أنا العنصر الزائد للتخلص منه"
تهدل كتفاها وإغرورقت عيناها بالدموع وهي تردف حديثها بعذاب:
"كان يخبرني مثلك تماماً ،عندما أندس في صدره ويدفئني بعبائته أنتِ مدللتي ،يا قرة عين أبيكي ،أنا أضحي بروحي من أجلك أثيلة !!"
رفعت عينيها الدامعة وهي تقول بإستسلام:
"وأنظر النتيجة !ضحى بي من أجل سعادة أصيل,دمرني كلياً عندما إستنجدت به بعد فعلتك أنت وعمتي وأمي ولم تأخذه بي شفقة..هل تعلم وقتها شعوري وأنا وحيدة أتخبط عاجزة ولا أعلم ما الحل ،هل كنت تشعر بضعفي وهواني,وأنا لا أَجد غير عباءتك أنت لألجأ اليها!!؟"
حديثها المرير وترديدها لمعانتها صعقته..هل مازالت تراه بهذا الشكل؟!! ،يعلم أنها لم ولن تنسي يوماً ولكن تكرارها بهذا الشكل جعل الدماء تضرب في رأسه بعنف ليجيبها بجمود:
"خطاب لم يتركك لأحد,لن أحاول أن أجمل صورته,ولكن لم يضحي بك كما تدعين لقد سلمك لي أنا"
صمت لبرهة وهو يقترب منها بنظرات جامدة وملامح موجعة ليردف:
"مازلتِ، لم تنسِ ،تتحججين بفعلتي وتهربين عند كل محاولة منا لتوضيح ما حدث ،هل تريدين أن أخبرك كم مرة أتي والدك الى هذا البيت ورفضتي رؤيته ؟!، هل تحبين أن أذكرك كم من المرات حاولت أن أخبرك ما حدث معي في ليلتنا الاولي ،وأنتِ تتشبثين بالرفض؟!!"
أمتقع وجهها وهي تقترب منه سريعاً تضع يدها على فمه وهي تقول متوسلة:
"ومازلت لا أريد أن أعرف ،أنا نسيت فقط ذكرته الآن لأنك تضغط عليّ,لم أقصده"
كان يقف متشنج تماماً قبضتيه مضمومين الى جانبه، يقاوم أن لا يمسكها ويهزها يصرخ بها ،الى أن يخرج كل غضبه ويخبرها بعدها مجبرة عن كل ما حدث لعلهم يصلون الى نتيجة غير هذا العذاب المتواصل لكليهما,أما هي كانت لا تزال تنظر له بتوسل مرير ككل مرة يحاول هو معها,أن يفتح الذاكرة ويتطرق الى الماضي,هي ببساطة لا تريد أن تتذكر الأمر،لا تريد أن تستمع لأسبابه,تكتفي فقط بدحرها بعيدا في مكانها الآمن لتبقي منسية هناك كما هي..لم تلن ملامحه وهو ينظر لها بوجهه الخالي من التعبير رغم الصمت المخيف الذي ساد بينهم،فأخبرها بجفاء:
"أنتِ دائماً لا تقصدين,و أكثر من مرة رددتي أنكِ تتمردين وتتصرفين دون علمي لتأمين نفسك,تجزمين بأني سأتركك رغم كل وعودي التي كررتها لكِ,رغم صبري الذي لايتحمله رجل فقط من أجل الحفاظ عليكِ وأخيراً تخبرينني بأنكِ لا تثقين بي"
تعلقت نظراتها بالأرض من تحت أقدامهما وهي تهز رأسها بقنوط ،وهي تجيبه
"بل لم أثق في حياتي كلها إلا بك أنت,أتمنى كل ليلة أن أستطيع رد جميلك على,بل أصارع نفسي حديثاً مع مطالبتك لي بأن أترك نفسي قليلاً وأجرب ما أخبرتني إياه فقط لأنه معك ،وليس لغريزة أو رغبة تحركها في!!"
لعقت شفتيها قلقاً عندما راقبت أنفاسه المضطربة وملامح وجهه المنفعلة تلعن لسانها المنفلت دائماً في حضرته ما الذي يجري معها لتخبره بكل ما يثقل صدرها ويجب أن لا يسمعه هو بالذات..قبض على كفيها المستريحة على صدره فجأة يخبرها بأنفاس عنيفة:
"وما الذي يمنعك إن كنتِ تثقين بي؟! ما الذي يؤخرك طالما تريدين أن تجربي معي مشاعر من نوع آخر!!"
إبتسمت بإرتعاش وهي تنظر له بضياع تخبره:
"لأني خائفة، مرتعبة من الإقتراب ومذعورة من الإبتعاد ،رغم عني تليد ليس بيدي أبداً حاول أن تفهمني,أنا لا أريد التحرر أو الإبتعاد عنك كما تعتقد ،لم أقلل منك أبداً عبر ما فعلته,لم تكن حالة تمرد مني ولكن فقط كنت أحاول أن أجرب مقدرتي على الوقوف وحدي، أنا لم ألتف من ورائك كما إتهمتني أو أني لا أحترمك,أنا لا يملأ عيني سواك,وستبقي أنت قدوتي الأولي والأخيرة"
مظهرها الضعيف ضربه في الصميم عيناها الباكية ،وكلماتها القاتلة والمتخبطة مثل مشاعرها ،جعلت دفء يتسلل الى قلبه ،كلماتها جعلت حزن غريب يتسلل اليه ليسألها بصوت خافت أجش:
"إذاً لم كل هذه التصرفات غير المسئولة منكِ ولمَ هذا الشعور الغبي مثلك بأني سأتركك!!"
ضحكت بإهتزاز وتلك الدموع التي كانت تقاومها سمحت لها أخيراً بالهبوط ربما تقلل من تلك الشحنة الغريبة المبهمة التي بداخلها فاجأته وهي تصيح بحنق
"هل تحاول تعذيبي أم أن غبائي تسلل اليك وأصابك بالعدوي !! لأني لا أريد أن أعاني إن تركتني، لأني سوف أُقتل ألف مرة إن إبتعدت، وهذا سيحدث يا تليد لا شيء يدوم للأبد!!"
قلبه سبقه اليها عندما إقترب منها يسيطر على إنفعالاتها يضمها الى صدره بقوة يخبرها بأحرف مشددة:
"لن أتركك أبداً يا كتلة من الغباء تمشي على قدمين، مهما حاولتي أن تقعني نفسك بغير هذا"
تشبثت به وهي تدفن ذراعيها تحت ذراعيه تحتضنه بكلتا يديها المتسللتين تحت إبطه من كتفيه في حضن غريب متملك وكأنها تريد أن تخترع حضن خاص بها وحدها داخل دفء صدره، لم يخيب هو محاولتها وهو يرفعها قليلا عن الارض يلف ذراعه حول خصرها وبيده الأخرى يتشبث بقوة بظهرها ،ليدفعها دفع بين أضلعه دفنت رأسها في عنقه تستنشق رائحته الرجولية بعمق ،ودموعها تهبط دون قدرة على التوقف ليسمع صوتها المبحوح من أثر البكاء يسأله:
"هل تعدني مرة أخرى ،بعدم تركي مهما زاد غبائي؟!! هل أستطيع الثقة بك ،بأنك لن تضحي بي مهما كانت الأسباب!!"
أغمض عينيه وهو يميل برأسه يدفنها بين خصلات شعرها الملتوي، يخبرها وهو يأخذ نفس عميق يملأ صدره برائحتها المسكية ،قائلاً بإبتسامة مستسلمة:
"وأنا أرددها لكِ ،أبداً لن أتخلي عنك، ولو وضعوا كل العالم في كفة ،وأنتِ وحدك في الكفة الأخرى سوف ترجح كفتك أنتِ!"
شددت على كتفيه أكثر في إحتضانها الغريب تسأله:
"لمَ تفعل هذا تليد !!هل هناك شيء ما في علاقتنا يستحق!"
تنهد بتعب وكأنه تعود على ردودها الغبية ليقول:
"علاقتنا لا تخضع للمنطق ،ولا للقوانين أنتِ صفقة ربحتها رغم غبائك بحريتي سأتمسك بك ولن أتركك أبداً سأتحمل كل جنونك ،ولكن تذكري دائماً ،إلا كرامتي أثيلة إن إقتربتي منها يوماً متعمدة ،لن أغفرها لك!!"
لم تستطع أن تقاوم تلك الموجة الخفية من الخوف وهي تتشبث به أكثر ولم ترد:
إستمر إحتضانها دقائق ليغير هذا الجو المشحون من حولهم مازحاً يسألها بخبث
"هل أخبرتيني بأنكِ غير متاحة ؟! أم كما أنكرتِ أنها محاولة غبية منكِ لإبعادي ،لأن في وضعنا هذا ربما لن أستطيع أن أسيطر على حدة مشاعري ؟"
شهقت بخجل داخل عنقه وهي تتشبث به لترد بتقطع وصوت مختنق
"تحشم يا عديم الحياء عيب عليك!!"
تنهد بيأس وهو يضمها أكثر يسأل نفسه فقط الى متي سوف يستمر صبره عليها أخرج تحسبن صامت بها وبغبائها ،وكل تركيزه نحو نقطة واحدة يجب أن يتخلص من تشبثها به ويتوجه الى الحمام حالاً وبدون بطئ ولو لدقيقة واحدة،لعل حمام بارد يبرد من حدة دمه الفائر أو مشاعره الثائرة..همس بخفوت لم يصل لمسامع غبيته
"منك لله يا ابنة نعمة ،سأتحمص بجانبك وأخرج من الدنيا دون أن أدخلها !!"
............................
كانت هدير تعاني لإخراج الطفل وهي تحاول ان تسيطر على أعصابها..تلعن هذا الغباء,الذي جعل زوج المرأة يتشبث بعناد قراره أن يجعلها تلد ابنه في المنزل,وهو يصرح برأي غريب أن إبنه يجب أن يولد على فراشه مكان أن زرع بذرته في أحشاء أمه .ومع تعسر الحالة,تنازل أخيراً وجاء بها الى عيادتها في المركز مضجرة بالدماء  والرحم يكاد أن يكون منتهي,ولم تستطع بالطبع أن تعجل بولادة قيصرية,لانفتاح الرحم بالفعل,ووصول الجنين لمرحلة أجبرت فيها لمحاولة الولادة الطبيعية..صوت صراخ المرأة الذي يملأ أرجاء المستشفي يعلن عن معاناتها,يأتي متوسلاً بعذاب من وسط أنفاسها اللاهثة:
"أتوسل اليك يا دكتورة,أن تنقذي إبني,هذا الولد الذي إنتظرته لسنوات,ستدمر حياتي وحياة بناتي،إن أصابه شيء"
رفعت هدير يديها تمسح العرق الذي يتصبب على جبينها بمعصمها، غير قادرة على الرد تعاني مع حالة النزيف الحادة,مترددة في إتخاذ القرار الصعب !بمن تضحي بالأم أم طفلها ؟!خرج صوتها تحاول أن تترجي كل ذرة هدوء لتطمئنها وهي تقول:
"فقط ساعديني يا رجاء,كل ما يهمني حياتك أنتِ"
قاطعتها رجاء وهي تصرخ بصوت مجروح:
"لا..انا أتنازل عن حياتي،أنقذي إبني فقط,لن أستطع ان أعيش في ذُل وهوان نظراتهم لي وهم يدعوني بأم البنات مبتورة الولد"
بقوة وتجلد كانت هدير تتابع عملها في محاولتها لإنقاذ كليهما وتستمر في طمئنتها مجبرة:"سينجو كليكما لا تخافي فقط إستمري في الدفع وساعدي طفلك.."
دقائق مرت بطيئة مرعبة على هدير ومساعدتها تحاول بكل تجلدها وقوة أعصابها أن تركز على هدفها..الى أن ظهر الطفل أخيراً يعلن عن إنتهاء معانتها..خلصت الطفل الصامت..وقبضة مؤلمة تعصر قلبها..أخذته بلهفة تضعه على سرير طبي آخر تحاول إنعاش الطفل وتحيي ذلك النبض الخافت الصادر منه..جسدها كله يكسوه العرق،والتوسل المرير الصادر من مريضتها بإنقاذ طفلها لا يساعدها أبداً على التركيز..لم تكد أن تأخذ نفس مرتاح تعلن مع صرخات الطفل لأمه بحياته بين يديها بفرحة تملأ عينيها..إلا وتصدم بالنزيف الحاد لرجاء مع تغيبها عن الوعي وآخر ما سمعته منها ترديدها بالحمد لله لإنقاذ طفلها ليكون عوناً وسنداً حامياً لبناتها الخمسة..تحركت هدير بِجذْع تحاول إفاقتها توقف نزيف الدماء ولم تستطع ،علمت أن مريضتها أصيبت بهبوط حاد في الدورة الدموية..

عادات خادعةWhere stories live. Discover now