الفصل الرابع عشر

20.5K 402 11
                                    

الفصل الرابع عشر

راقبها منذ ساعات وهي تتكور على نفسها وتندس في صدره..تتشبث به وكأنه درع حماية لها حتى في نومها لا يفهم ردة فعلها..بل أصبح لا يفهمها كلياً..وكأنها كرهت رؤيته لها عارية؟! رغم سترها لنفسها به...منذ أن أخبرته بحديثها القاتل لسعادته في مهدها وهي ترفض حتى الاستماع اليه بل دخلت في شبه حالة من رثاء الذات..تجذم أنها باردة وأنه سيتركها..غبيته الصغيرة !! تنهد بقلب مثقل وتحرك من الفراش فتململت للحظات معترضة عاد لشد الغطاء حتى ذقنها جيداً وملس على شعرها المتناثر على وسادته بهدوء فعادت للنوم مره أخرى وهي تتنهد براحه !!
إبتسم بسخرية وهمس لنفسه متحسراً:"سامحكِ الله حبيبتي..لقد أضعتي بغبائك المعتاد ليلة عمري..وحولتي كل مخططاتي سراب"
علي ضوء الأنوار التي مازلت تتسلل للغرفة عبر النافذة جلس لدقائق على طرف الفراش يتأمل وجهها الذي خبئته منه..عقله تطوف به الافكار المشتعلة..ما قالته عن خِتانها لم يفاجئه..لقد سمح لنفسه سابقاً وعلي غير عادته ان يتسلل الى مكتب عبير ويقرأ الملف الخاص بها..والذي أثار شفقته المختلطه بالتعاطف معها..لن يكذب على نفسه أنه لم يتوقع شيء كهذا..ولكنه لم يتخيل أبداً أن يحدث في ليلتهم الاولي..وبعد كل هذا التجاوب منها معه..
وقف بهدوء ثم إتجه الى خزانة ملابسه وإرتدي بعض ملابس البيت البسيطة..وكله عزم ألا يؤجل الأمر للصباح يكفيها تلك الساعات من النوم لكي تستعيد بعض من نشاطها ووعيها للحديث الهادئ المُتأني..أتم إرتداء ملابسه و تحرك بذات الهدوء..فتح باب الغرفة وتوجه الى مقصده هز رأسه بقنوط و إلتوي فمه بشبه إبتسامة ساخطة..:    "طريقي معك طويل جداً يا بحرية..ولكن لن أيأس أبداً في الوصول معك لمرسي بنفسي.."
..............
أنارضوء المطبخ ووقف مكانه للحظات عاقداً حاجبيه وقال مستغرب:"ما الذي تفعليه هنا..وأنت مازلتِ بملابس العرس"
لم ترفع هدير رأسها عن المائدة الكبيرة لتجهيز الأطعمة في المناسبات و التي إستخدموها في العديد من المرات لتناوله أيضا برغم رفض أحلام لتلك العادة التي تدعوها بعادات أهل المدينة ولا تليق بهم..جاوبته بنبرات مستسلمة متمتمة بشرود:
"أهرب من أمك التي تُلِّح على لأخبرها ما يجري بيني وبين أصيل..فلم أَجِد إلا ظلام المطبخ يبعدني عنها قليلاً"
هز رأسه بقنوط أشد ومازال سخطه الداخلي لم يهدأ (يعاني هو وأخته سوياً من أولاد خطاب وهم نيام كالملائكة )
تقدم منها..أزاح أحد المقاعد التي تجاورها وجلس عليه وهو يسألها بخفوت:
"وهل أستطيع سؤالك..مما تهربين تحديداً يا هدير..ولم لا تخبري أحلام ما يزعجك"
رفعت عيناها المرهقه اليه دون أن تتخلي عن رفع رأسها من على المائدة وقالت بصوت هامس:
"لقد تعبت من الكلام يا تليد أُرهقت من النصائح الغير المجدية معه أو معي..ببساطة أصبحت لا أريد لأحد التدخل..فقط أنا أريد حلها بنفسي"
ظل ينظر اليها وإبتسامة متفهمة تُظلل شفتيه..يفهمها !!ألم يكن هذا قراره السابق والدائم مع زوجته..وهدير تماثله تماماً
بحربها الخاصة التي تريد خوضها بنفسها لتسترد حياتها..قطع الصمت قائلاً بهدوء:
"وهل تعتقدي أنه يستحق يا هدير؟!..لقد رأيت بنفسي خلال الأعوام الماضية كيف وصل الأمر بينكم..
صمت لبرهة و جذب كوب شاي بارد قليلاً من أمامها وإرتشف منه..و نظر الى عينيها التي تناظره برفض مسبق لما سيقوله ولم يتأخر عندما أردف:
"لأصُدقك القول أتساءل أحيانا لما لم يبادر أصيل بالطلاق بينكم حتى اللحظة ؟؟ لماذا يتمسك بكِ رغم كل حقارته معك ؟؟ ربما خاف أن أطلق أخته إن فعلها مثلا.."
ردت هدير وهي تنتصب بقامتها قائله بقوة وحزم:
"لا..أصيل أعلنها دوماً يا تليد..تمسكه بي لم يكن من أجل أثيلة يوماً"
فمال برأسه اليها يسألها بفظاظه:
"اذاً ما الذي أوقف ست البنات عن إرجاع زوجها..أتذكرتي الأن أنكِ تريدين إستعادته ؟!!"
عيناها كانت تلاحق..ملامح وجهه المتفهم رغم قناع فظاظته الموجه اليها..تعلم انه يستفزها للحديث كعادته ولم تُخيب توقعه أبداً عندما أجابته مستسلمه:
"لأني كنت يائسة ومجروحة..لقد قتل أنوثتي بسكين بارد..وحطم أمومتي على طرف حاد من صخر الجبل المصنوع منه قلبه فلم يعد بي طاقة او حتى أمل لإسترداده وإسترداد هدير القديمة !
عيناها برقت بدمعه حائرة وهي ترفع وجهها بإنفة وكبرياء وكأنها تمنعها من الهبوط..رفضت ذلك الخاطر المؤلم وتلك الخيبه الموجعة..تغاضت عن وجعها الكامن حين إتصل بها أصيل متحججاً بعمل طارئ حتى لا يأتي لإصطاحبها كما وعدها !!
مد تليد يده وأمسك بيديها التي ضمتها سوياً ووضعتها أمامها على المائده..سألها بنبرات هادئه:
"وهل تظنين يا قلب أخيك..انه يستحق حقاً إهدار مزيداً من العمر..بعد أن فعل بكِ كل هذا..؟! لا أريد لك الدمار يا هدير ولا وجع القلب..ولكن لم أعد أحتمل ذبولك وخيباتك المتعاقبة.."
قاطعته هدير سريعاً ودموعها المتحجرة تهبط أخيراً قائلة بخفوت صادق:
"نعم..نعم يستحق..لقد إكتشفت متأخرا جداً أن عذابه يماثل أضعاف مضاعفة من عذابي..أصيل يعاني يا تليد..ينازع في حرب شنعاء بينه وبين نفسه"
هزت رأسها بيأس ذابح وقالت بوجع:
"ويالىتني أعلم سببها..وكأنه آخر غير ذلك الشاب المرح العاشق الذي أحببته وتزوجته..رفعت عيناها مرة أخرى وقالت مشدده على حروفها:
"إنه يحتاجني لقد فتح لي الباب أخيراً لأخطو أنا اليه وأحارب معه في ميدان معركته..وأنا لن أستسلم ابداً ولن أخرج إلا منتصرة"
هز رأسه بتفهم تام و قال بتأني:
"أتعلمي ما هو خطئك الحقيقي معه ؟؟"
سارعت لسؤاله وهي ترفع طرف معصمها لتمسح دموعها المنسابة:
"ما هو برأيك؟"
تراجع تليد في كرسيه أكثر ومدد ساقيه أمامها بأريحية وأخبرها بثبات:
"العناد يا هدير..عاندتي معه ولم تستطيعي أن تفهميه جيداً وتحتوي غضبه"
فغرت هدير فاهها بذهول ونظرت له بغير إستيعاب لما يقول..رفعت حاجب واحد وسألته بنوع من البلاهة مرددة:
"العناد..العناد..هل تمزح,أم ماذا ؟! لقد حاول إذلالى وتعدي على وأنت قمت بضربه هل تذكر؟!!"
قاطعها تليد بخشونه قائلاً بقوة:
"هذه هي مشكلتك الحقيقية أنتِ لم تتخطي قط ما حدث..لا تريدي النسيان .، وإصلاح حياتك حقاً..ولا تريدي إتخاذ القرار القاطع في الابتعاد عنه"
إهتزت حدقتي هدير بعدم ثقه وأخبرته بتقطع هامس:
"لا أنا نسيت حقاً..ولا أريد البعد عنه وحرمان إبنتي منه"
رد تليد مصححاً بهدوء:
"تقصدين لا تريدين البعد عنه من أجلك أنتِ هدير..أصيل رجل..يحمل عقلية الرجل الشرقي بجدارة..وأنتِ ضغطتي على جروحه بغباء"
صمتت هدير للحظات وسألته بعدها متحيرة:
"ما الذي تقصده تليد؟ انا لا أفهم مقصدك حقاً!!"
تنهد تليد بصبرمرة أخرى لا يعلم هل يلعن حظه الذي ألقي في وجهه هدير الأن..وأخره عن الصعود لمتبلدة المشاعر خاصته..أم يشكره أنه إستطاع أخيراً التحدث مع أخته ونصحها بطريقته..بعد أن كانت ترفض الحديث معه في الأمر متعللة..قطع الصمت قائلاً بنوع من العملية:
"إسمعيني وإفهمي ما أقصده تحديداً وبعيداً عن ثورتي على ما كان يحدث بينكم..الرجل صغيرتي يحتاج منكِ الصبر والتفهم..الاحتواء في ثورته ضدك بهدوء وحكمة وعقل..بعض من الرجال وليس جميعاً..يحتاج أن تمتصي غضبه..تعلني موافقتك عن أمر حتى وإن كنتي ترفضيه ثم عُودي بذكاء الأنثي فيك وطالبي بِه وسيفاجئك بموافقته ؟!
صمت لبرهة وإقترب منها أكثر قائلاً بصوت رخيم:
"الرجل لا يحتاج المرأة الضعيفة الخانعة يا هدير..ولا تلك الصلبة الباردة المتحدية لرجولته..لا يحتاج منكِ أن تشعريه أنه أقل قيمة أو آخر إهتماماتك..ولا يريد أن تبجليه لدرجة العبادة وتضيقي الخناق حوله وتصبح كل حياتك تتمحور في مداره"
إبتسمت وهي تقول بخفوت متحير:
"والله أنا لم أفهم شيء..ما بال عقولكم ؟!لقدأصبحت أكثر تعقيداً منا"
إستقام تليد ببطء وراقب ملامحها..المتهربة وأردف بقوة متشددة:
"نحن أبسط بكثير من عقولكن يا هدير..ولا نطالب الا بالتوازن منكن..أتريدين حقيقة ما حدث معكم وربما سبب إبتعاده عنكِ"
أومأت برأسها دون صوت فقط تريد أي قشه للنجاه..ربما كلمة او نصيحة تساعدها في تلمس طريقها نحوه..وفهم ما يدور في عقله:
ظل صامتا للحظات يتلاعب بكوب الشأي البارد بين يديه..وما لبث أن قال ببساطه تُغلفها لهجة شديده الجدية:
"أهنتي كرامته مراراً..رددتي له صفعته لك بصفعة أكبر كسرتي رجولته..وللاسف غضبي منه أنا الآخر ساعدك في هذا ببساطة يا هدير أُهان رجُلك المعذب بالفعل..أنا أعلم الناس به لفترة طويلة من صداقتناً وأعلم جيداً عزة نفسه التي أطحنا بها"
كانت هدير تتفاعل مع كلامه وكل ما مر من مواقف قاتلة مع أصيل مرت أمام عيناها دون هوادة..فتوقفت عند كلمة واحدة قالها أخيها (أهان..رجولته ) وكم فعلتها بالرفض مرة والبرود مرة..وعدم اللامبالاه في أدق لحظاتهم العاطفية الخاصة..لهثت من فرط الانفعال و تمتمت بنوع من الذعر الداخلي:
"يا ألهي..هل تعتقد حقاً أني السبب في فقدان زوجي كل هذه السنوات ولكنه السبب..لقد عذبني كلياً بأفعاله وجموده حتى الصغيرة وتين لم تنجو من أفعاله..لقد..."
قاطعها تليد مهدئاً و قال بصرامة:
"خذي انفاسك قليلاً وتوقفي..أنا لا أتحدث معكِ..لتخبريني عن السبب ومن البادئ..لقد قلتِ انك تريدين إستعادة زوجك وأنا كل ما أفعله إخبارك بنظرتي كرجل..ربما تستطيعين فهم زوجك حقاً إن أردتي البدء من جديد يا حبيبة أخيك..إنسي يا هدير..وإصنعي معادلتك معه جيداً..ليس أنا من سيخبرك كيف تكوني إمرأة لزوجك..ومتحدية محتوية لشريك حياتك"
إتسعت عينا هدير غير قادرة على ايجاد اجابة أخرى وافية تزن كلامه وقرارها السابق في عقلها..حاولت ايجاد نقط تلاقي لتنسجها معاً وتنصبها كجسر متين قوي بدايته قلبها ونهايته تصب في قلب أصيل مباشرة..
قطع الصمت حركة تليد من خلفها فعقدت حاجبيها بغرابة متي تحرك من جانبها ؟وماذا يفعل تحديداً.؟!وأتتها الاجابة عندما سألها بعملية:
"أين تضع أمك العسل الأبيض؟ أريد بعضاً منه.."
رفعت هدير جفنيها تقلب نظرتها بينه وبين كوب حليب بارد يمسكه بين يديه بدون تعبير سألته مقرة بحقيقة ما وصلت اليها ممتعضة:
"هل هذا سر قدومك بهذا الوقت الى هنا..كوب حليب لطويلة اللسان أثيلة هانم"
لم يهتم تليد كثيراً وهو يعود للبحث بالرفوف العلوية..دون إهتمام أخبرها بصوت غامض مداعب:
"هل تغاري منها على أم ماذا؟! وكيف علمتي أنه لها"
ضحكت هدير بخفوت وهي تستقيم من جلستها وأخبرته بمشاكسة:
"بالطبع أغار عليك أنت فارسي الاول من بعد أبي رحمه الله..ولا أراقبها..فقط بالأمس لم تستطع أن تنام الا عندما أتيت لها بكوب حليب مماثل لكوب وتين"
إبتسم تليد بوقاره المعتاد وهو يأخذ منها..العسل الذي أتت به وهو يخبرها:
"منذ أكثر من ثلاث سنوات حاولت أن أثنيها عن عادتها تلك ولم أستطع..اعتقد انها شبت عليها في بيت والدها.."
شرد للحظات بتفكيره وتذكر..تلك الأيام التعيسة التي مرت على كليهما عندما كان يعاني معها فقط من أجل ان تتناول بضع لقيمات لتبقيها على قيد الحياة..عاد يتذكر سريعاً عندما إستقامت حياتهم قليلاً وأصبحت تتقبله..فجائته تخبره في إحدي المرات..أنها تريد كل ليلة حليب طازج و معه العسل الابيض جيد الخامة:
قاطعت هدير شروده وهي تسأله بإستفهام متحير:
"صحيح أين إختفيتما كليكما..ولما لم تأتي أثيلة للبيات معي كالليلة السابقه لقد سألت عنها وتين.."
تنحنح تليد بخشونة وقال بمداره:
"لقد حل عليها تعب السفر والزفاف فجأة..إنها لم تعتد هذا المجهود منذ زمن..فإستلسمت للنوم"
إستمرت هدير في أسئلتها وهي تخطف إحدي حبات الكعك تأكلها ببطئ دون أن تلاحظ محاولة تهربه وقالت:
"وأنت أين ذهبت لقد سأل عنك عمك زين العابدين..للتحدث مع حسن لإيقاف تلك المهزلة التي حدثت..إتصلت عليك كثيراً ولم أجدك..جذبت إهتمامه مرة أخرى ليسألها بحرص:
"أي مهزلة ؟؟تحدثي"
تنهدت هدير بقنوط وهي تخبره بإشمئزاز:
"لقد فعلها حسن بالطريقة القديمة..والمصيبة أن زوجة عمك عديمة الأخلاق..كانت تريد ان تدخل معه هي وعدة نساء ولكن حسن تصدي لهم بقوة ولكنه لم يستطع ألا يمنحهم.."
اختنق صوت هدير واحمر وجهها حقداً وغضباً و قالت بمداره مترددة:
"تلك الخِرقة..أنت تفهم..لقدأخذتها عواطف ورقصت بها وتبادلتها مع كل الموجودات..أنا كرهتهم جداً يا تليد ألن يأتي الوقت لنتخلص من هذا التخلف"
صمت عم كليهما..كانت ملامح تليد لا تفسر من شدة الغضب والانفعال..لقد تذكر ليلة مماثلة و حقد أعمي كاد ان يجرفه وزوجته..هز رأسه هو الآخر و قال ببطئ وصوت غريب خشن:
"سيأتي يوم يا هدير..لابد أن يأتي يوم صافع للجميع لنتخلص من تلك العادات تباعاً ."
قالت هدير:"أتمني هذا من كل قلبي وأنتظر هذا اليوم جداً"
تحرك وهو يحمل كوب الحليب الى الخارج ينوي الصعود الى الأعلي عندما أوقفته هدير مرة أخرى تسأله بعدم إنتباه:
"لم تخبرني سر إختفاء كليكما وترك الزفاف الذي أتيتم من أجله في الأساس"
إلتفت ينظر لها بدون تعبير وهو يقول بهدوء ساخر:
"إذهبي ونامي يا دكتورة هدير من أدخلك الطب ظلمك حبيبتي..حقاً بدأت أشك بسبب بُعد أصيل عنكِ..ولكن وجُود وتين نفي ذلك الخاطر الذي طرق عقلي فجأه"
للحظات كانت هدير تضيق ما بين عيناها بعدم فهم لجملته غير واضحة المعني..عادت عيناها للتوسع وغصت بتلك الكعكعة وهي تسعل بشكل حاد عندما أكمل هو دون إهتمام قبل أن يغادر:
"رجل وزوجته إختفوا في ليلة عرس..بإعتقادك ما سبب إختفائهم يا( جهبز) زمانك؟!!"
......................
"أثيلة حبيتي هيا..إستيقظي قليلاً"
مرر يده على صفحة وجهها بهدوء وهويجلس على الفراش..ورفعها كلها بين ذراعيه محتضنا جسدها بين ساقيه..في إجراء إحترازي حتى لا تفتعل إحدي نوبات جنونها إن أفاقت..لم تطول محاولته في إيقاظها كثيراً وبدأت تحرك رأسها المُلقي على رحاب صدره بتململ متعب وأخبرته بصوت ناعس:
"أتركني قليلاً فقط..أشعر بالنعاس الشديد وجسدي كله يئن ألماً.."
عقد حاجبيه بغرابه وهو يقول بإستنكار ساخر:
"لماذا؟! هل صدمك قطار ما حبيبتي دون أن أدري ؟!!"
فتحت عينيها ورمشت بجفنيها عدة مرات بغير إستيعاب..رفعت وجهها لأعلي فكشفت عن عينيها الزرقاء ببحورها الساكنة..أثارها وجهه المبتسم لها بفرحة جعلت إبتسامتها الناعسة تتسع لتشمل وجهها كله..إرتفعت يده تزيح تلك الخصل المحمرة الى وراء أذنيها بتروي فكشف عن كل وجهها الصبوح..مازالت تنظر له بتلك الأمواج الهادئة الممتعة بين شاطئ عيناها..أمال برأسه قليلاً وإقتطف برقة قبلة صغيرة جداً من شهد شفتيها فتأوهت براحة أكثر ثم تركها تعود لتدفن رأسها في صدره..ضحك بخفوت وهو يعد بالأرقام حتى خمسة متحديا نفسه أنها ستعي وضعها الجديد جيداً الأن..ولم تُخيب ظنه عندما إنتصب جسدها كله مرة واحدة وشهقت بصدمة..تشبثت بالغطاء من حولها وحاولت الفرار من أحضانه..فكبلها كلياً بكلا ذراعيه وساقيه إلتفت حولها وحجزها جيداً وثبتها في الوضع الذي يريده..تلاحقت أنفاسها وعيناها تبرق بدموع عادت سريعاً لمقلتيها وأخبرته بصوت متحشرج يكاد ان يفتك به الخجل وشيء أخر أكثر غموضاً وإيلاماً لها عندما قالت:
"أتركني تليد ،لن أستطيع التحدث او البقاء هكذا بين أحضانك..أرجوك حاول الشعور بي..قليلاً"
رد بهمس خافت بجانب أذنها وهو يضمها اليه أكثر:
"هشش ،، إهدئي قليلاً..تعلمين جيداً أني لن أفلتك..لقد ولي زمن الهروب يا بحرية المشاعر"
حرر إحدي يديه المعانقه لها ومدها الى الطاولة الجانبية..وجلب كوب الحليب بالعسل وأخبرها بإبتسامة مهادنة:
"أشربي هذا أولاً..حبيبتي لنستطيع التحدث"
أجبرت نفسها بصعوبة قاتلة ان ترفع عينيها الزائغتين تنقل بصرها بينه وبين يده الممتده بالكوب تسأله بتعجب مستنكر:
"حليب ؟!..تحضر لي بعد ما فعلته بي حليب هل تظن نفسك توقظ إبنتك"
لم يستطع منع ضحكته الخشنة من الخروج وأخبرها:
"ألايوجد شيء يمكنه ان يمنع طول لسانك ؟..تناوليه أثيلة إن تكرمتي..ليمنحك بعض الطاقة"
دس الكوب بين يديها وإحتوي كلتا كفيها المرتعشة بكفيه يشجعها برقه قائلا:
"من أجلي صغيرتي"
فكها إرتعش بغصة بكاء لم تعرف سببها وهي تطاوعه فيما يريد..عينيها طافت فوق وجهه منحته إمتنان صامت..من فوق طرف الكوب..رشفة فأخرى وجسدها عاد لارتخائه بين ذراعيه
أجبرت نفسها بصعوبة قاتلة أن ترفع عينيها الزائغتين اليه مره أخرى وأخبرته بصوت خافت باهت:
"أنا أسفة..لكل ما حدث لم أقصد أبداً أن أجرحك هكذا بحقيقتي المخذية..ولكن لم أستطع الكذب عليك..حتي إن أردت الكذب..فبالتأكيد أنت علمت بالأمر كله"
أخذ تليد نفس عميق بصبر وهو يقول بفتور:
"هل شخصتي حالتك أثيلة وأيضاً علمتي ما هو شعوري بكِ..ما شاء الله عليكِ..هل يجب أن أخاف على غبائك من الحسد؟!!"
خفضت عيناها بعيد عنه وقضمت شفتيها بتوتر ولم تجد قدره على الاجابة..وبصراحته الدائمة عاد وإتخذ الجدية عندما أخبرها بحنان مغلف بالحزم:
"صغيرتي..ستسمعيني جيداً وتفهمي كلامي وأيضاً ستجيبي عن كل أسئلتي بصراحةً"
لم تبدي أي ردة فعل ولم ترد وتشبثت بالغطاء أكثر لتحاول ستر كل جزء من جسدها حتى وإن كان غير ظاهر..لم يهتم تليد كثيراً بأفعالها إنه يتفهم كلياً التخبط الذي تمر به..
سحب الكوب مرة أخرى يعيده الى مكانه..شعرت بتصلب جسده كلياً تحت جسدها الرقيق الملتصق به..أجفلها وهو يقول بصوت غريب:
"لماذا أخبرتيني بهذا الكلام؟ وما حدود معرفتك أثيلة بالأمر لتؤكدي برودك بين أحضاني؟!!"
احمر وجهها بقوة وكادت أن تبكي من شدة الخجل والخزي مرة أخرى ! أطرقت برأسها تبحث في قاموسها عن إجابة وافية تجيبه بها فلم تجد
عندما تبين تليد خجلها القاتل وحيرتها الواضحة أخذ نفس آخر أعمق وملامحه العاصفة عندما تذكر كل حرف نطقت به هدأت ليسيطرعلي جنونه و بتأني واضح قال:
"أنا لا أعاتبك صغيرتي..إن الحديث المتبادل بهذا الأمر ضروريا ولن نستطيع أبداً تجنبه..حتي نبني حياتناً القادمة بوضوح"
الصمت عم مرة أخرى..حررت إحدي يديها من تحت الغطاء وتمسكت بأحد ذراعيه الملتفة حولها وضغطت عليها بتشدد وكأنها تستنجد بها من الغرق بأمواج عاتيه على وشك أن تصدمها..قطمت شفتها السفلي بقوة كادت ان تُدميها قبل ان تفلتها متأوهة وأخبرته بإندفاع متعاقب وأنفاس متتابعه:
"عندما..طالبت بتفعيل زواجناً..مشاعري بدأت تتحرك نحوك بقوة وكنت أجاهد نفسي لأبتعد عنك خوفاً ورهبة..ولكني قررت خوض التجربه..و تذكرت بأحد المرات أني قرأت مقال عن الختان..يوضح المصائب التي تحدث من خلفه..فبدأت أبحث بتلهف عن جميع المقالات وكل شيء عن أثاره السلبيه..فأصبحت أدرك وأعرف دون الحاجه بي للتجربة أني غير صالحه كأنثي"
عندما صمتت أخيراً كانت أنفسها متلاحقة تهدر بإنفعال..صدرها يعلو ويهبطبتوتر..
مال برأسه ونظر اليها جيداً بسكون غريب..كان يقاوم جنونه المتوحش كي لا ينفجر غضبه أغمض عينيه وفتحهما وقال ساحرا:
"هل تعلمي إن قتلتك الأن لن يلموني أحد..ثلاث سنوات من الصبر..ثلاث سنوات من الحذر..ثلاث سنوات أعيد تأهيلك وبعد كل هذا وأخيراً أقفز على ذلك الجدار العالى الذي بنيتيه حولك..فتأتي مرة أخرى برعونتك المعتاده لتكسري تلك السعادة الوليدة بيننا..لأنك قرأتي مقالات غبية لأراء متخلفة مثلك ؟!"
عادت أثيلة لجنونها وقاطعته:
"انهامقالات علمية مؤكدة..وما حدث لي لم ولن أنساه يوماً..لا تأتي الأن وتتهمني بالتخلف لمعلوماتك هذه حقائق مؤكدة"
قاطعته أثيلة تعود لجنونها تهتف به:
لم يسيطر على نفسه وهو يضغط عليها بثقل جسده يكبلها جيداً وبعنف سمح له ينفلت قليلاً وأخبرها من بين أسنانه:
"هذا خطأ كامل..يا بلهاء هذه الامور لها عدة أراء وجوانب مختلفة لنستطيع الحكم عليها كامله..هناك أراء علميه وأراء تخص الجانب النفسي وكلاهما انتِ جاهله بهم تماماً"
توترت وهي تضغط على معصمه أكثرقائله:
"ما الذي يعنيه هذا؟! كل ما قرأته أكد على بشاعة الأمر وخطورته وأنه لا يمكن العلاج منه..أما عن الجانب النفسي انا لا أعاني من أي مرض نفسي"
لم يجاملها وهو يمط شفتيه قائلا بسخرية لاذعه:
"في الحقيقة أثيلة أنتِ كتلة من الأمراض النفسية المتحركة تمشي على قدمين.."
إستدارت أثيلة اليه تحاول التخلص من ثقل جسده المحاوط بها بتململ وأخبرته بثورة:
"لا تسخرمني..أنا سليمة تماماً ولا أدعي شيء ليس بي..هل تلومني على صدقي معك وعدم خداعك؟!"
أومأ تليد بعينيه الساخره وهو يقول ببساطة:
"الله أكبر على رزقي في زوجتي..كالورد يا حبيبتي أخشي عليكِ من العين"
صمت لبرهة ونظرت له شذرا فزفر قائلاً بنوع من الضيق:
"دعيناً من تخلفك لأنه أمر مفروغ منه تماماً..هل حقاً تستوعبي ما تهتمي نفسك به وتتهميني به معك؟"
تداركت أثيلة نفسها سريعاً وهي تقول:
"لا أفهم ما تحاول الإشاره اليه تليد..انا فقط أخبرتك ما شعرت به بكل وضوح.."
إلتقط انفاسه مهدئاً نفسه وهو ينظر اليها مبتسماً بدبلوماسية قائلاً:
"أنتِ لم تشعري بكل ما أخبرتيني إياه..حكمك على كل الأمر تم بتسرع دون حتى سؤالى عن شعوري انا بكِ،وكيف وجدت انفعالك بين ذراعي"
أطرقت بعيناها مرة أخرى بخجل وهي تقول بتلعثم:
"وكيف تستطيع أنت الحكم عن شعوري انا الداخلي؟!"
تنهد تليد بيأس قليلاً ورفع أصابعه يضغط ما بين عينيه بقوة..وعاد يذكر نفسه أنها غبيته الصغيرة ويجب ان يتمهل جيداً في كل إنفعال يصدر منه ليستطيع ثبر كل أغوارها..وبالفعل أنزل يده مرة أخرى أزاح الغطاء الذي تشبثت بِه بذعر رغماً عنها فأحاطها بكلتا ذراعيه جيداً وضمها الى صدره ووضع جسدها على ركبتيه مترفقا بها وأخبرها بهمس:
"لا داعي للذعر يا فتاتي مازلتي تتسترين بعبائتي فأنا لم أنزعها عنكِ كما أني أعي خجلك جيداً"
أخفضت عيناها لتتفحص نفسها جيداً وتتاكد من كلامه الذي تثق فيه بالفعل..نظرت لعبائته الملتفة حولها جيداً تحاول التذكر متي وكيف وضعها فيها تنهدت وعادت تضع رأسها على أحد ذرعيه مستسلمة..عم صمت مهيب للحظات بينهم في ظلام الغرفه..بعد ان أغلق جيداً كل منافذها التي من الممكن أن يتسلل منها بعض الضوء..ذلك ليمنحهم خصوصية يحتاجان اليها في هذا الوقت الحساس جداً لها..إكتفي بمصباح صغير بجانب السرير ليستطيع الحديث معها جيداً..
قطع الصمت الدائر قائلاً بصبر حليم للغايه..ودون مقدمات:
"ما تحدثتي عنه أعذرك تماماً لارتباكك ولأنها تجربتك الاولي ولذلك لم أغضب أو يزعجني الأمر كثيراً ولكن كالعادة أفكارك مغلوطة وخاطئه تماماً لأن العلاقه الزوجيه لا تقاس من هذا المنظور فقط"
لم ترفع وجهها اليه وهي تهمس طواعية متسائله بخفوت:
"كيف أذن..أسمعك"
حرك يده الحرة وداعب خصلات شعرها برقه وهو يقول مبتسم بجاذبيته المعتاده:
"هناك عدة مراحل صغيرتي ،. يمر بها الطرفين ليستطيعا الحكم جيداً على البرود العاطفي او الجسدي..وبناء على ثقتي بجهلك انتِ لم تفهميها..أتذكري كل مرة كنت أقترب منك وتخبريني انك تتخبطين وتفكيرك يشل تماماً من اقترابي منك وتجتاحك مشاعر مبهمه لا تستطيعي فهمها ؟!"
أغمضت عيناها من شدة الخجل وهي تهز رأسها موافقه ويدها تتحرر أخيراً لتضمها سوياً وتسندها الى صدره معقودتين ،
ابتسم وهو يكمل بإسترسال:
"مشاعرك المبهمة والتي كنت أتلقاها انا بكل وضوح..كانت تجاوب كامل معي..تبادل لمشاعري الثائرة وان إختلفت طبيعة تعبير كل منا وإنفلات عاطفته..وهذا نعزيه لكونك إمرأة فبطبيعة الحال التعبير عن مشاعرك يكون بحذر وتمهل وتعثر بالخجل..ونعود لنقطة جهلك بالأمر من كل جوانبه..أنتِ أختلط الأمرعندكِ بين ميلك العاطفي وإثارة مشاعرك ورغبتك لممارسة العلاقه الشرعية معي كما أخبرتيني وبين الإستمتاع بالأمر كما حدث بالأمس..لتسطيعي الوصول الى متعتك الكاملة..اثناء العلاقة..ربما يكون هناك ترابط وثيق بين الأمرين..ولكن الشيء الأكيد أنكِ لا تعاني من أي مشكلة في تجاوبك الفطري ورغبتك وميلك لما نفعله بالكامل..مشكلتك الحقيقية ان عقلك النشط كوّن الصورة مسبقا وحكمتي على نفسك بالبرود..قبل حتى أن تجربي الأمر..الحاجز الذي بنيتيه بجانب العملية التي أجريت لك سابقاً هي من جعلتك تقيمي حاجز بينك وبين مشاعرك ليمنح عقلك الإشارة لجسدك بمنعه في أخر مرحلة من العلاقة بالحصول على متعته الكامله ويترك له الالم فقط ولهذا كنتِ تشعرين بالتخبط..وعدم فهم ما يحدث معك"
رفعت له عيناها تطوف على وجهه الهادئ الجذاب بتأمل لتسأله مندفعه:
"وكيف علمت بكل هذا ؟كأنك خبير بالأمر..ألم تخبرني انك مثلي تماماً والأمر جديد عليك؟!"
فغر فاهه بذهول وهو يرمش بعينه بعدم استيعاب..هل تجاببهه بغبائها المعتاد ؟!
كانت ملامحها ساكنه تماماً وقد تخلت عن ذلك الخجل المميت ونظرت له ببرود متحدي وكأنها في معركه وتريد ان تكسبها بأي طريقة..وكان رد فعله الأقوي والأعنف عندما ضمها بشده اليه يعصرها بعنفه المقصود على صدره و يسحقها الى ان سمع تأوه عالى مع طرقعة باضلاعها وأخبرها بغضب:
"أنتِ فتاة وقحة,ويالىتكِ توجهي تلك الوقاحه لمكانها السليم..بل كلها توجهيها كالرصاص في وجهي..أشعر أحياناً أني أريد خنقك بيدي او إخراج لسانك كاملاً وقصه"
جحظت عيناها وهي تقول بإرتياب متوجع:
"أنت لن تستطيع فعل هذا..كما اني لم أخطئ انا فقط أتسائل لأفهم..الىس هذا من حقي لأستوعب حقيقة ما تقوله"
أبعدها عنه مره أخرى ونظر لها بسكون..حاول أن ينهي الحديث الذي طال قائلاً:
"أثيلة أفهميني جيداً لأن هذا الحديث هي ما ستبني عليه باقي علاقتناً الزوجية كامله"
صمتت ولم ترد. حاولت ان تستمع اليه بأهتمام ووجنتيها تتلون بالون الأحمر القاني ببطئ مع كل كلمة منه:
"الرجل هو قائد العلاقة بطبيعة الحال..هو من يستطيع رفعك للنجوم التي نفيتي عدم الإحساس بها..او حتى أن تصبح العلاقه خامده روتينية كالجليد..وهو ايضاً من يستطيع الشعور بك جيدا، وبناء على تجربتناً سوياً فالمرأة التي كانت تنصهر بالأمس بين ذراعي وتوحدنا سوياً في كيان واحد وعاطفة مفعمة جارفة صعدنا بها الى قمة المتعة..لم تكن أبداً..أبداً باردة ."
ارتبكت وهمت بمقاطعته فرفع يده بهدوء ووضعها على فمها قائلا بتروي حازم:
"ربما كانت تجربتناً الأولي سوياً كما أخبرتك بالفعل..ولكن الغريزة السوية التي خُلقنا بها كلينا جعلتني أتلمس طريقي نحوك بتجلد وإندفاع متفهم جداً لكل رد فعل منك..أنت حكمتي بالألم وهذا صحيح نظراً لطبيعة تكوينك بالفطرة ولكن أثيلة..ألمك وبرودك لم يكن إلا هنا فقط"
رفع إصبعه بعلامة تأكيد خبط به على جبهتها مشير لعقلها المتحفز النشط..وهو يردف بقوة:
"كان الأجدر بكِ عندما قرأتي هذه المقالات المغلوطة وشعرتي بكل هذا الجنون أن تتحدثي معي فيه او حتى سألتيني أولاً ماذا شعرت انا معك..لا ان تقتلينا سوياً بما قلتِ"
ظلت تتنفس بصعوبة من هول حديثه وان كان هادئ عاقل متزن..هزت رأسها بنفي غير مستوعبة لتعود بعينيها الجميلتين وسألته بحيرة:
"انا لا أفهم تليد..حقاً اشعر بالتخبط انا..انا.."
ترددت أكثر وهي تقضم جانب فمها بقوة غير قادره عن التصريح أكثر بما تشعر حقاً..رفع وجهها بيده وسبابته تمتد تخلص شفتيها من بين أسنانها و مشفقاً عليها حقاً من تخبطها..فهو أعلم الناس بها..وتسائل بتعاطف الىس من المفترض في وضعها هذا أن تكون أمها هي اقًرب الناس اليها لتحدثها في هذه الأمور بتروي بدلا من حيرتها هذه..
خرج صوته هادئا مشجعا لها كعادته وهو يقول بعطف:
"ولكن ماذا صغيرتي؟ أخبرتك ان الأمر يحتاج كلياً الى مكاشفة صريحة"
ترددت اكثر ويدها تتشبث بعبائته..أرخت أهدابها بقوة لتخبره بتعجل وأنفاس لاهثه:
"الأمر لا يقتصر على البرود الذي أخبرتك عنه فقط..بل أنا أكره الأمر برمته..لأني أمقت التعري أمامك وأشعر بالنفور والاشمئزاز من نفسي إن كشف اي جزء مني أمام اعين احد حتى عيناي انا عبر مرآتي..بالأمس كنت مندمجه معك تماماً ولكن عندما..عندما.."
صمتت ولم تستطع ان تنطق بها وتحشرج صوتها أكثر وأكثر وهي تقول بغصه مريره تعلقت بحلقها:
"عندما وصلت لنقطة ما معي ذكرني بكل الماضي ومراتي المريرة التي تعريت فيها مجبرة فعاد ذاك الشعور المقيت بالعار يتلبسني كلياً يا تليد..للحظات كرهت نفسي بشدة معك وكرهت إستسلامي بنفسي هذه المرة وتعريضها لذاك الشعور القاتل لأنوثتي"
كان ينظر لها هو الأخر قاطع الانفاس لاهث المشاعر..قبضه موجعة مظلمة تمسك بصدره..هزت كتفيها بقلة حيلة وهي تنظر له ودفنت رأسها في صدره وأخبرته ببساطة مستسلمه تماماً لهدير قلبها المتعاطف مع ملامحه القاتله:
"ورغم كل هذا تليد..انا كنت أريد تلك العاطفة وبشدة..أحتاجها كما تحتاج الزهور للشمس والهواء..كنت أريد وبشدة أن أرتوي من أنهار عاطفتك وأزرع بذوري في أرضك..فهل رأيت جنون أكثر من جنوني"
تشنج جسده للحظات وأمسكها من كتفيها وأبعدها عنه يسألها بعينين مظلمة بمشاعر مفعمة:
"هل تدرين بما تخبريني إياه حقاً أم مجرد حديث لتصلحي بشاعة كلماتك ؟!!"
هزت رأسها وابتسامة مهتزة تلمع في عينيها وأخبرته:
"لا..اقسم لك..ومنذ متي أجاملك او أحافظ على مشاعرك حتى"
لم تشعر إلا وهو يميل بها الى طرف الفراش المعاكس ببطئ لذيذ..عيناه تأثرها كلها ويديها تحاول مقاومته لتدفعه عنها فأخبرها بتأوه خافت:
"نعم..أعلم هذا جيداً يا سيدة دبش الكلمات,ولكن كل ما أخبرتيني به وما قُلته لكِ بلا قيمة إن لم نُطَبق درسنا بعملية مرةأخرى..لكي يستطيع كل طرف ان يحكم على مشاعر الأخر"
همهت مستنجدة ويديه تعبث بطرفي العبائه لتحررها منها:
"تليد أرجوك إبتعد..انا لن أستطيع بل كيف مازلت ترغب بي بعد.."
قاطعها بإنفلاته المعتاد وإلتهم باقي حروفها بين شفتيه بقبلة شرهة جامحه:
أخبرها بأنفعال متقطع:
"أخرسي يا متخلفتي وكوني فتاة مطيعة تستمع لكلام معلمها..وتفهم كل درس موجهه منه اليها..لانها سوف تسأل في كل حركة وفعل منه وتتحدث عن شعورها الحقيقي"
نظرت اليه بعينيها التي زادت بريقاً مدافعاً رغم تفاعلها الظاهر بينهم لتهتف بقوة:
"يكفي تليد..لا أريد أن أشعر بخيبة كلينا معا"
ضحك دون مرح ورفع وجهه عنها وأخبرها بتسلط وعيناه تبرق بتحدي رجولي:
"زمن إعتراضك قد ولي..وأنا فقط من لي سلطة السيطرة على مشاعر كلينا..سوف تستمعين الى جيداً وتطاوعيني في كل أفعالى للنجاة بعلاقتناً..وسنخطو نحوها ببطئ شديد وتمهل متأني..حاجزك نفسي فقط أثيلة..داخل أفكارك..أن لم اكن واثق من حقيقة ما تعانيه..وقدرتي على حله للجأت..لمعالج لكلينا..ولكن حبيبتي..أنتِ انثي كاملة..لم اشعر معك بنقص واحد بالامس بل كنت أمتلكك كما تخيلتك دوماً..انتِ الطرف المستلقي في العلاقة..قد يكون تبادل مشاعرنا الجياشة هو ثلاث ارباع العلاقة وهذا ما انتِ عليه بالفعل ولا ينقص عنصر واحد فيه..اما البقيه فهي لي انا..وكل ما أطلبه منك ان نزيل هذا الجنون من رأسك فلا تترقبي أبداً وتنتظري شعورك بالكمال"
همست بمشاعر لاهثة من فرط الانفعال:
"اذاً ماذا أفعل بالضبط..غير توقيف عقلي"
أخبرها بصوت خافت جذل رغم انفعاله:
"فقط أتركي لمشاعرك العنان ودعيني انا أقودك فيها وامتثلي لكل ما أريد دون خجل..إبحثي عن حقك فيّ كما أطالبك انا بحقوقي..أشعري بأنوثتك الطاغية بين ذراعي والتي تعصف بعقلي كلياً..طالبيني براحتك بل ومتعتك كما أحصل انا عليها منك.."
كانت تستسلم لنبرته المتسلطة رغم نعومتها وتركت نفسها بين يديه وكلامه الحازم يعصف بها يطبب على جروح أنوثتها المهدره ويهدئ من روعها وكأنها كانت تحتاج كل حرف منه تحدياً..
همست بمشاعر لاهثه من فرط الانفعال..وتركت نفسها بين يديه وكلامه الحازم يعصف بها يطيب جروحها ويهدئ من روعها وكأنها كانت تحتاج كل حرف منه تحديداً..طوقت خصره بكلا ذراعيها وهمست له برجاء أخير تتشبث بخجلها القاتل:
"الضوء لن أستطيع فعلها وأنت تراني"
ضحك بخفوت وهو يعود يلتهمها كلها دون هوادة ولم يعتدل من موضعه ولم يبدي اي بوادر للبعد عنها ابتسم لها بنظرة الفرح الأثرة من زيتونية عينيه المشاغبة وغمز بخبث قائلاً وإحدي قدميه تزيح ذلك المصباح الجانبي بإهمال ليقع على ارضية الغرفه ويصدر ضجيج خافت وقال:
"سأهتم بهذا الخجل جيداً..يا فتاتي لا تقلقي ولكن لن أتوقف قط عن أفعالى معدمة الحياء نحوك"
شهقت بخجل حقيقي عندما إمتدت يده تلامس بشرة بطنها العارية و....
بعد وقت أطلقت زفرة حارة بين ذراعيه وسألته دون قدرة على السيطرة على نفسها:
"بماذا شعرت معي تليد"
رفع وجهه عنها ونظر لها بعينين عاصفة وقلبُ هادرا بمشاعر عنيفة قوية معترفا لها بزهو:
"بالإشتعال ،،، والإكتمال..يا بحرية المشاعر"
....
دلفت هدير..الى تلك الغرفة الواسعة المجهزة بأثاث حديث وعصري مختلف عن باقي أثاث المنزل..غرفة شديدة الخصوصية بمنزلهم بما تحمله من ذكريات..صباها هي وأخيها سوياً..ملجأ أمها الدائم والتي تهتم به بنفسها ولا تسمح لأي أحد غريب بأن يتخطها ،،
رفعت أحلام عيناها مبتسمة بود مشجع وهي تخبرها:
"تعالى..يا هاربة من أمك منذ أيام..أجلسي بجانبي"
ضحكت هدير بصفاء وهي تندس بجانبها وألقت برأسها على كتف أمها بشقاوة طفولية وقالت:
"وماذا أفعل إن كانت أمي شديدة الفراسة تقرأ ما يدور في خاطري وتصر على مواجهه لا أريدها"
نظرت لها أحلام شذراً وعادت تغزل ذلك الفستان من خيوط الصوف والتي تبدع في صنعهم وقالت:
"إرفعِ رأسك المتصلب عن ذراعي..سيضيع كل مجهودي في فستان تينة حبيبة جدتها"
إعتدلت هدير ونظرت لأمها بإستسلام قائله:
"ماذا هناك يا أحلام..لما هذا الجفاء معي ؟!"
أبعدت أحلام ما في يديها من الخيوط ورفعت رأسها بعزم حقيقي وهي تقول دون مقدمات:
"ما الذي كانت تقوله تلك المرأة يا هدير ؟!ولما كل هذه الثقة بحديثها؟ لقد ترفعت ولم أنزل بمقامي وأحدثها بنفسي..وإكتفيت برزانتك وكبريائك يا إبنة بطني"
أطرقت هدير برأسها تنظر لأرضية الغرفه بشرود صامت..وبكل عزمها ملتزمة بقرارها بعدم إثارة الأمر أو أن تخبر أحد بما يدور حتى تعرف ردة فعل أصيل أولاً على ما تبجحت به تلك المرأة وصغيرتها الوقحة التي بدت أنها تعلم تماماً بأنها عروس حبيبها المرتقبة قبضة من نار تمكنت من صدرها المشتعل طعنتها الغيرة القاتلة بحد سكين بارد وحطم قلبها العاشق لأشلاء صغيره متناثرة..قطعت أحلام صمت إبنتها..حاولت فهم ما يدور في عقلها قائله:
"سؤالى محدد ثقة عديمة الأصل تلك بفعل من يا هدير؟هل زاد تطرف أصيل معك ليصل الى حد إهانتك بالزواج بمن هي أقل منك أصلاً ومكانة علمية ؟"
قاطعتها هدير ورفعت عيناها بثقة مدافعة بقوة شرسة:
"لا أبداً..أصيل لن يفعلها يوماً أماه مهما زاد جنونه وتخبطه لعقابي..لن يقل من مكانتي أبداً ولن يحطمني ويذبحني..مازال قلبه يمتلئ بعشقي وحدي ولن يتحرر منه يوماً"
خبطت أحلام بقوة على ركبتيها وسألتها بتشدد جلل:
"فمن اذاً الذي فعلها ؟من الذي منحهن القوة ليتحدوكِ ويجابهوكِ هكذا؟ من جرأهن ليضعن رأسهن برأس إبنة العمارية؟ لم يبقي إلا..متدنين الأصل ليشمتو في إبنة جلال العماري."
إمتقع وجه هدير وتراجعت عن شراستها فجأة وقالت بجمود قاتل:
"خالتي نعمة أمي هي من تسعي لتزوجيه ويبدو أنها عشمتهم دون حتى إذن من أصيل أو عمي خطاب وإلا كانا أوقفاها عند حدها"
هتفت أحلام متسائله بقوة أشد وطئة:
"هل تريدين القول ان أصيل لا يعلم بما تفعل أمه؟! هل ستزوجه دون علمه يا هدير؟!!"
همست هدير ووجهها شاحب تماماً:
"ليس هذا ما حدث تماماً ولكن أنا كلِ ثقة ان أصيل لن يتجرأ ويفعلها بنا أمي..أرجوكِ لا أريد إثارة ذوابع على أمر أستطيع حله بنفسي"
كانت عينا أحلام قد زادت خطرا وهي تمسك بكتف إبنتها تديرها اليها بقوة وتخبرها:
"حل ماذا بالضبط؟ جميعناً دعمناكِ وقدمناً لكِ العون لتكسبي زوجك وأنت ماذا فعلتِ إبتعدتي أكثر فخسرتيه وخسرتي نفسك..هل تريديني أن أصمت مرة أخرى وأنتظر ان أراكي تقتلين أمام عيني حية"
هتفت هدير متأوهة بصوت معذب والذكريات القاتلة تعصف بعقلها دون رحمه ةأخبرتها:
"قديماً عندما زادت ثورتي وجنوني لأن أبتعد عنه رفضتي الأمر..ووعدتيني أن تخلصيني من عشقه وتداوي جروح روحي وقلبي ولم تنجحي يا أحلام كما فشلت أنا من إنتزاعه من داخل قلبي..انا أحبه يا أمي..بل عشقه يتوغل بكل ذرة بروحي و جنوني به يسري مسري الدم في شراييني..أدمنه أماه ولن أستطيع البعد عنه كما كلِي ثقه أنه لن يستطيع فعلها أبداً..صمتت لبرهة وأخذت أنفاسها المتألمة وأردفت بتوجع مرير:
"الرجل الذي دافع عني قديماً رغم رأسهم التي مرغت بالوحل..والحبيب الذي رفع رأسي حديثاً ليتفاخر بي ودافع عني و أنقذ مهنتي التي كانت على المحك..لن يكسرني أبداً"
تراجعت أحلام عن غضبها وغيرتها العمياء على كيان طفلتها..ضمتها بين ذراعيها بعاطفة أمومية فياضة تحتوي ضعفها وعذابها..سألتها بصبر متعاطف:
"وإذا كنتِ تعلمين كل هذا يا هدير..ما الذي يوقفك حبيبتي عن إرجاع زوجك اليك..لمّا فعلتِ بزوجك ونفسك كل هذا؟ لمّا بنيتي عبر السنين جدارا عازلا بينكما؟ لمّا لم تسلميه ما يريد وتريحيه وتريحي نفسك ؟"
رفعت هدير عيناها بإرهاق من بين أحضان أمها تخبرها بصوت لا يقبل الجدال:
"لأنه لسوء حظي أصيل لن ينفع معه أبداً الإستسلام لقد فهمًت متأخر جداً انه يتعذب مثلي ويعيش في صراعه الخاص..إنه يعاني يا أمي..وان عُدتُ لخضوعي القاتل سأنصر ذلك الجزء المنفر فيه والذي عانينا بسببه كل هذه الأعوام انا اتعذب أمي ولا أجد الخلاص..وحبيبي يموت ببطئ ولا أجد القدرة لشفائه فأخبريني أنت كيف أحل مُعضلتي !!"
إبتعدت أحلام عنها بعد صمت طويل عم أرجاء الغرفة..توجهت لطاولة جانبية صغيرة من الأرابسك الحديث..وضعت عليها مشروب النعناع المنقوع في الكركديه البارد والتي تحرص دائماً ان تعده بنفسها..كبصمة خاصه بها..حافظت عليها منذ زمن مشروب كان يفضله شريك حياتها وتوأم روحها (جلال ) طفرت عيناها بدموع حنّين لذلك الرجل الرائع الحنون والمحتوي والقوي من نجا بها من عادات قاتلة لقوتها..بجانبه منحها كل عزة وأنفة ومكانة بين ربوع قريتهم حتى بعد وفاته..لم يهينها يوماً ولم يقلل من كيانها أبداً..وكم يشبه إبنها الغالى..لولا ثورة غضبه الذي يصبح فيها خارج السيطرة لأصبح نسخة من جلال بكل عنفوانه ؟!
صبت بعض من المشروب المهدئ..وهي تعود لهدير وقدمت لها الكوب بصمت تناولته هدير بهدوء دون جدال وإرتشفت منه بذات الشرود الذي عادت اليه .جلست أحلام بمواجهتها مره أخرى..نظر ليدها التي تعبث بعبائتها السوداء الأنيقه..أخذت نفس عميق وهي تعود لإبنتها ولفتت انتباها وهي تخبرها بصوت رخيم متزن عاقل:
"نصيحتي الأخيرة لكِ فضعيها بعقلك جيداً يا تنفذيها بدون كبريائك القاتل كأخيك..يا إما تبتعدي وترحمين نفسك وأصيل..فلعل إفتراقكم يكون الافضل لكليكما"
توسعت عينا هدير بذعر حقيقي وقالت بنبرات متوترة:
"لا لن أستطع أبداً..الإنفصال عنه او تخيله وهو.."
قاطعتها أحلام قائلة بصوت رخيم:
"لا حاجه بك للتوضيح..أعلم جيداً أن عشق نسائناً لا يختلف أبداً عن تطرف عشق رجالنا"
صمتت لبرهة وعادت تردف بقوة مشدده على كل حرف بتركيز:
"أسمحي لنفسك أن تشعريه بإحتياجك دون مكابرة..أخبريه بكل عشقك له يا هدير بحكمة وذكاء..لا تثيري جنونه صغيرتي..ولا تقدمي استسلامك وخنوعك..وبينك وبينه كوني الزوجة التي يريد..إحتويه وهادنيه كأنه أحد أبنائك..ان جاءكِ كبركان مشتعل فتعلمي ان تكوني نهر عالى العذوبة يُطفئ براكين غضبه..قاوميه بكل حيلك..لا تمنحيه اليأس بحبك ولا الأمل في إمتلاكك..أذيبي الجليد..كم تحتاجِ من النصائح والدعم لتنجني بحياتك"
كلمات أمها نزلت كالماء البارد على صدرها المشتعل..فأثلجته وكأنها منحتها ذلك الخيط الرفيع الذي حاولت إيجاده في طريقها شديد الحلاك..حديثها رغم بساطته ولكنه منحها الحياة التي إندفعت لتنعش روحها الخامده .
رمشت هدير بعينيها للحظات وحاولت إستعادة إتنزانها الذي إختل عند ذكر أصيل وهمست مرغمة بوعدها الأخير لنفسها قبل أمها:
"سأصل اليه يا أمي..في اقًرب وقت سأثبت لك ولنفسي قبلك أني إبنة بطنك أنتِ"
ابتسمت أحلام ابتسامة وقورة مشجعة وهي تتراجع على طرف مقعدها الواسع..عادت تلتقط ذلك الفستان لتينتها الغالىة..وعقلها شرد مع فلذة قلبها الأخر..تدعو له بصمت بالصلاح والهداية و تُمني نفسها بأمل واعد منذ الأمس وقلبها يبتهل لربها:
"هداك الله بُني وأصلح بينكم وجعلها زيجه عمرك التي تُريح قلبك..وتكون رفيقة دربك كما تعشمت دائماً بينكم ."
تعلم أحلام جيداً..رغم محاولة إبنها المتكتمة بشدة عبر زيارتها العابرة له في منزله في العاصمة..أنه كان يبتعد عن زوجته في السنوات الماضية..يكفر عن ذلك الخطئ الذي شاركو جميعاً فيه ودفع ثمنه وحده..وبراءة زوجته في الردود عندما كانت تحاول بذكاء متواري أن تستشف منها طبيعة العلاقة بينهم أثبت لها أنه لم يمسها قط..ولكن منذ أون قرر إبنها العودة أخيراً معها..وعبر نظراتها الثاقبة إستطاعت أن تستشف أنه أخيراً ربما أخذ خطوة معها للأمام ولكنها لم تستطع أن تفهم تأكيده المُلح عليها أن تُجهز غرفته القديمة دون غيرها لكليهما لم تستطع أن تمنع وجهها الذي أشرق بأمل وذلك الخاطر الذي يتراقص بين أضلعها بحنان فياض ان تحمل طفله قريباً جداً بين ذراعيها..أن تزدهر فروع شجرته بأطفال من صلبه..تُخلد ذكراه وذكري والده..تغرز جذوره في أرضهم بعمق ولا تتزحزح أبداً..من أي هبة ريح عاتيه:
"حفظك الله يا سندي وعزوتي وأبعد عنك كل عين حسودة لك أنت وزوجتك ومنحكم الذريه الصالحه"
قطعت هدير الصمت وأخبرتها بخجل..عندما تذكرت كلمات تليد الوقحة عكس طبيعته المتحفظه وهي تسأل أمها بتردد:
"الظهيرة إقتربت أمي والرجال في (المقعد الكبير ) تسأل عن تليد عبر الهاتف عدت مرات..أرسل اليه أحد الخدم أم أصعد أنا لايقاظه"
بهدوء ردت أحلام دون أن تتوقف عن غزل ما بين يديها وأخبرتها:
"أتركيهم على راحتهم..ولا يزعجهم أحد كما أني حذرت أم إبراهيم ألا تقترب من تلك الغرفة طوال إقامة أخوكي بها سأهتم بها بنفسي"
لم تجيبها هدير بشيء وحاولت أن تفهم تكتم أمها..منذ أتي تليد وزوجته الى هنا ولم تغفل أبداً عن نظرات أمها المراقبة لزوجة أخيها تذكرت جيداً عندما إصطحبتها أمها لغرفتها المشتركة مع تليد أول ليلة ورفض أثيلة المتعنت بعدم بياتها معه وتشبثها بالبيات في غرفتها هي متعللة أنها تريد أن تقضي مع وتين بعض الوقت..إكتفت أحلام بالصمت الهادئ بل ومطاوعتها دون جدال..وأيضاً عندما عادو من الزفاف بالأمس..رفضت بقوة غريبة..أن يصعد أحد للدور العلوي..دون سبب واضح وباتو ليلتهم..جميعاً..في غرفة أمها الخاصة..
...
انتهى

عادات خادعةWhere stories live. Discover now