الفصل السابع عشر

17.6K 364 17
                                    

السابع عشر

فتحت عيناها ببطء ووجهها  تعلوه إبتسامة راضية بعد ليلة طويلة قضتها بين ذراعيه يبثها غرامه وعشقه الذي عاد ناري بجموح إفتقدته معه خلال الأعوام الماضية..أذاب فيها جليد قلبها وعادت هي لمنحه دون حذر أو تمهل تغدق عليه من أنهار أنوثتها وعشقها الأبدي له دون حذرها أو كبريائها الذي بنته كسد منيع بينهم بسبب أفعاله القاسية بحقها سابقاً ..تسللت يديها طواعية تبحث عنه فصدمها برود جانبه من الفراش بجوارها..تنهدت بتعب وهي تعتدل تبحث عن مأزرها الملقى على طرف السرير..رغم الجنون الذي يعصف بكليهما من يوم إنهياره بين يديها..ولكن مازال حبيبها يأخذ الحذر طريق بينهم..تعلم أنه يحارب نفسه ليقتل ذلك الجزء المنفر فيه والذي إغتال حبهما الكبير وكسرها معه في طريقه..يأخذ الصمت عنوان لا ينطق بكلمات الغزل إلا أثناء علاقتهم الحميمية..هزت رأسها تهمس لنفسها بثقة:
"سننجو سوياً وأنا فقط القادرة علي موازنة قلب حبيبي وعقله المتحاربين"
..يكفيها ما حققته في تلك الأيام البسيطة علي الأقل لم يعد يحاول أن يفرض سيطرته عليها..إنها تعلم جيداً أن ما بنوه حائط سد بينهم لأعوام لن يُمحيه حتي شهور من الهدوء الرتيب فأصيل لا يتحرر إلا بين ذراعيها ويعود بعدها لصراعه توقفت خطواتها وعقدت حاجبيها بغرابة من ضحكات وتين الطفولية العالية..بتمهل وقلب متقافز الدقات..خطت ببطء نحو غرفة إبنتها وتوارت خلف فتحة الباب الجانبية ونظرت بعينين متوسعتان لما رأته أمامها بصدمة حقيقة..
أصيل يتمدد على فراش صغيرتها بأريحية وإبنتها تعلو صدره تجلس مربعة ساقيها وتهدر معه بكلماتها الطفولية رغم يده التي تدغدغ بحنان أبوي مرح رقبتها..فتنطلق ضحكات صغيرتها قائلة:
"أثيلة تفعل هذا"
توقفت يده وهو يضم الطفلة إلي ذراعيه يخبرها بشجن سكن عيناه:
"هل تحبين أثيلة حبيبتي؟!"
فإرتفعت يد صغيرته تربت علي وجهه كأنها تراضيه..إنها متعودة منذ زمن علي فعلتها الغريبة تلك وأخبرته بطفولية:
"نعم أحبها..هي تحبني وتلعب معي مثلك؟!"
لمعت عيني شقيته وهي تردف قائلة بهمس وكأنها تفضي بسر عظيم:
"لقد أخبرتها عن غرفتنا السرية..وقالت أنها تعرف ولعبت معك بها سابقاً وتريد العودة لمشاركتنا ألعابي"
ضحك أصيل بصخب جذاب فخفق قلب الواقفة هناك بالألم تخالطه السعادة وهي تراه يعتدل ويمدد طفلتها علي ساقيه يدغدغ بطنها بوجهه الذي مال يخبرها بمرح:
"يا (رويتر) أخرجتي سر أبيك كيف أأمن لكِ مرة أخري يا وتين قلبي؟!"
توقفت ضحكاته وأخبرها بنبرات خافتة حنونة وهو يميل يلثم خديها:
"أحب الرائحة المنبعثة منكِ يا وتين..لطالما كانت تُصبر قلبي على جمود والدتك وأنا أتلمسها فيك"
.......
سارعت هدير تغادر المكان غير قادرة علي الاستماع لإعترافاته..عاجزة عن فهم ما يجري فعقلها توقف حرفياً عن تفسير كل ما يحدث وسؤال هامس مرتعش يخرج من بين شفتيها:
"لما..لما فعل هذا؟!! يتواصل مع إبنتي يتلمس ريحي فيها..وأنا أمامه لأعوام و لم يحاول أن يمد الجسور بيننا"..ليراضي أنوثتها المهدرة و أمومتها الجريحة علي يديه رغم الدموع التي طرقت مقلتيها ولكنها كانت تحاربها بتعنت رافض..لا بكاء علي ما فات ستصبر وتفهم..سيأتي ليعترف بنفسه أو ستواجهه هي ولكن بعد أن تجمع كل خطوطه التي غفلت عنها عن غير قصد!!
دخل أصيل الغرفة غير منتبه لجلستها الجامدة علي طرف السرير..تسمر في مكانه وعيناه تقع في عمق عيناها التي تتأمله بغموض مبهم للحظة واحدة لمحت في عيناه طيف إرتباك وهو يخبرها:
"منذ متي أنتِ مستيقظة"
لم ترد للحظات وهي تتأمله كله بنفس النظرة وقفت تقترب منه ببطء ورسمت إبتسامة لم تصل لعيناها . إرتفعت علي أطراف أناملها تتمسك بعنقه وتطبع قبلة علي كل وجنتيه وأجابته:
"منذ قليل وكم خاب أملي عندما لم أجدك بجانبي..صمت لبرهة وهي تعود تطبع قبلة علي إحدي كتفيه لتردف بعدها بدفء حقيقي إنبعث منها:
"أشكرك"
هز رأسه بحيرة يسألها:
"علي ماذا تشكريني"
أسندت رأسها علي صدره لتخبره وهي تستمد من إصرارها لكسبه قوة قالت بدلال:
"لأنك لم تُخيب أملي ومازلت هنا حبيبي"
كانت تتمسح في صدره ويدها ترتفع تطوق خصره بتملك؟! وأردفت متنهدة بحرارة:
"هل أخبرتك أني أحبك اليوم أم لم أفعل علي ما أعتقد.."
أرجع رأسه للوارء بتعجب من أفعالها مؤخراً يخبرها بهدوء:
"لا في الحقيقة أنتِ لم تقوليها منذ زمن يا هدير"
أطلقت زفرة طويلة وهي تجيبه بخفوت:
"سأغرقك بها إذاً كل يوم وساعة ودقيقة لتعلم فقط كم أذوب بهواك..ربما تعلم جزء ولو زهيد من جنوني بك"
ضيق ما بين عينيه بإرتياب وهو يرفع يده يجس جبهتها قائلاً:
"هل أنتِ مريضة او تعانين من حمى اليوم"
إنطلقت ضحكاتها الرنانة في أرجاء الغرفة لتجعل دقات قلبه تتعالى مرغماً..بسعادة خفية لأن وصال إمرأته قد بدأ بذبات قبول ومحاولة منها لتحطيم كل قيود النار التي فرضاها سوياً؟! رفعت عيناها تخبره بتألق سرق نبض قلبه وهي تقول:
"نعم أنا مريضة بك يا طبيب فأرجوك لا تمنحني أي علاج ،.إن كان عشقك مرض فأنا أفضل الموت به..حبيبي"
تسارعت أنفاسه و مد يديه ليحيط خَصرها ويطوقها بتشدد ليغرسها فيه وكأنه يريد أن يدمجها للتوحد في جسده"
كان عاجز كلياً مع صراعه الأبدي بين عقل يكتفي بما حصل عليه من إمرأته وقلب يريد الصراخ بحبها حتي يُبح صوته..فآثر الصمت كعادته وإكتفي بإحتضانها الذي شع دفء مخدر ينزل علي قلبيهما السكينة؟!
دام تعانقهما لدقائق طويلة قطعته وتين بدخولها الصاخب لتندس بينهم وتتعلق به كعادتها..عندما إنفصل عنها وإبتعد عن كليهما بلطف بالغ..إكتشفت بوضوح صراعه الذي إرتسم بوضوح علي تعبيرات وجهه..لم تغضب بل شعرت بالشفقة عليه؟! ومالت لتحتضن طفلتها وتخبرها بمرح:
"صباح الخير حبيبة ماما إشتقت اليكِ"
حاوطت وتين بكفيها الصغيرين وجه هديرتمطرها بقبلات لذيذة وتخبرها:
"وأنا ماما..هل سأذهب عند أثيلة..لدي سر آخر أريد. إخبارها به"
رفعت هدير حاجبيها وهي تسألها بتمهل قائلة:
"مزيد من الأسرار للجميع إلا ماما حبيبتك..ألن تخبريني أنا؟!!"
جعدت وتين وجهها وأخبرتها هامسة:
"لا بابا يقول انك ستفسدين اللعبة إن علمتِ"
إقترب أصيل منهما مرة أخري ومسد على شعر وتين وبتردد سألها:"بماذا تُخبرك؟!"
أغمضت هدير عيناها للحظات لتخبره بوجع تمكن منها مرغمة:
"لا شيء..تريد أن تذهب لعمتها..الدماء تحن لبعضها يا أصيل"
تراجع مرة أخري يحجب نفسه عنها يخبرها بجمود:
"أنا سأذهب الأن يجب أن أمرعلي الوحدة قبل ذهابي للعيادة ،ليس لدي وقت فجهزي نفسك سريعاً لأصحبكما بطريقي"
أنزلت إبنتها علي الارض وهي تجيبه بعملية:"لا تتعب نفسك سأذهب بسيارتي اليوم"
لم يبالي بإعتراضها وكأنه مازال يتشبث بمحاولة فرض سيطرته حتي وإن كان الأمر بسيط كهذا فقال:
"ستذهبين معي وإعتادي هذا فأنا لا أحبذ أن تقودي بنفسك في المركز او تذهبي مع أحد السائقين.."
لم تجادله وإبتسمت بمرح وأخبرته مازحة:
"عُلم ويُنفذ يا فندم سأجهز حالاً وألحق بك"
هم ليذهب إلي الحمام فإلتقطت أذناه تعالي صخبهمها من ورائه إلتفت برأسه ونظر لهدير ووتين تلقيا بنفسيهما معا علي الفراش بطفولية ولعبهما بمرح..نداها بخفوت:"هدير"
إلتفت اليه مبتسمه تنتظر ما يريده لتسمعه يقول بتردد وكأنه يعاني لإخراج جملته:
"أنتما أغلي ما ملكت يوماً..ولا أحب علي قلبي من رؤيتكما سعيدتين"
...
هبط دراجات السلم الداخلي للمنزل قاصداً مجلس والده عندما أوقفته أمه مناديه إياه بصوت معاتب:
"أصيل..ألن تُرحب بالضيوف"
إلتفت أصيل نحو صوت أمه في صحن الدار..نظر الي ما تشير إمرأة تبدو في منتصف العمر تصحبها فتاة صغيرة خمرية البشرة تتطلع إليه بتفحص جرئ رغم محاولتها تصنع الخجل الذي لم يصدقه بنظره واحدة..غض بصره سريعاً كعادة رجالهم حتي لا يجرح حرمة النساء بصوت خافت عادي كان يقول:
"عذراً يا أم أصيل لم أنتبه..مرحباً بضيوفك علي كل حال"
إقتربت منه أمه تربت علي كتفه تحاول لفت إنتباهه وهي تقول معرفة:
"هذه خالتك (رواية زوجة عوني صادق) وإبنتها..المليحة. سماح ."
لم يُبدي أصيل أي رد فعل للتقدم وإكتفي بأن أومأ برأسه ناحيتهم..رفع حاجبيه مندهش عندما أتاه صوت الفتاة رقيق خافت متصنع التلعثم:
"تشرفت بمعرفتك دكتور أصيل..سمعت عنك من أمي نعمة كثيراً ولكم آثرت فخري أن رجل مثلك بيننا"
رفع عيناه ينقل نظراته بينهم وبين أمه بإدراك وقد وصله جيداً من هما وما تحاول أمه فعله وكعادته أيضاً لم يرد أكتفي بإبتسامه هادئة يراقب ما يحدث بتسلي:
لم يستعجب كثيراً عندما أتاه صوت أمه بفخر يعدد محاسن الفتاة وأمها تؤكد علي حديث نعمة:
"سماح فتاة ربة منزل منذ صغر عمرها..طعامها لم أذق مثله قط..كما تفانيها في المنزل وخدمته يعادل عشر فتيات مطيعه وهادئه كما ترى"
لوت أمه فمها بإمتعاض وهي تردف بلوم:
"ست البنات علي حق..يستحقها رجل كبير عائلة تتفنن في إرضائه..وليست نافرة تريد وضع رأسها برأسه"
أخد أصيل نفساً بعمق وأخبر أمه بغموض لم تفهمه:
"وأنت يا أم أصيل كعادتك دائماً ثاقبة النظر..ومدركة لحاجة أبنائك .."
أخفضت سماح عيناها في الارض بإبتسامه خجولة..عندما ردت أمها قائلة بعتاب لم يستسيغه أصيل:
"يكفي يا أم (الدكتور ) أحرجتي الفتاة..سماح تخجل من ظلها وتنخرط في البكاء"
قطعهم الصوت الساخر رغم وجعه الذي يغلف نبراته:
"غريب يا أم سماح لم أرى هذا الخجل وهي تتراقص بين الحريم في بيوت العمارية"
وجوه الثلاثة إمتقعت بالغضب و شرر متطاير..لم تتحرك هدير من وقفتها رغم الألم الذي نحر صدرها من وقفة أصيل وتبادله الحديث معهم..لم تستطع أن ترى إنفعاله من خلف ظهره..ولكن ألا يكفي محاولة الداهية نعمة لجعل كل سعيها الجديد في كسبه للإنهيار ..لخسراتها؟!
إبتلعت ريقها وهي تشمخ برأسها بقوة تشجع نفسها كعادتها مؤخراً..تعلم أن نسبة نجاحها تتساوى مع نسبة الخسارة ولكنها لن تكون عمارية إن إستسلمت من البداية..وهو فقط من سيحسم الصراع الدائم أصيل..العاشق بين ذراعيها والأب المراعي لطفلتها والتي عرفته مؤخراً يستحق الصبر والمجازفة ...؟!
وبنفس كبريائها كانت تخطو إلي الخارج ضامة إبنتها إلي صدرها ولم تمنح الذي تابعها ووجهه يعلوه غضب مبهم مكتوم نظرة واحدة؟!
............................
تقطع أرجاء الغرفة منذ ساعات أمام عيني أحلام التي تراقبها بسكينة..تحاول أن تهدئ من قلق زوجة إبنها..ليومين متتاليين أتاها صوت أثيلة وهي تغلق الهاتف بإحباط مزعج:
"لم يرد أيضاً..يومان متتاليان منذ أن سافر لم يرد علي مكالمتي ولا رسائلي"
رفعت أحلام كوب الشاي ترتشف منه وهي تخبرها برتابة:
"أنا لا أفهم كل هذا القلق الذي تبديه..أخبرتك أن هذا من عادته عندما ينخرط في عمل ما لا يجد وقت للرد حتي علي مكالمتي أنا"
هزت أثيلة رأسها بالرفض وهي تقترب لتجلس بجانب أحلام علي الاريكة تخبرها بتأكيد:
"ليس معي ،، تريدين إقناعي أنه لا يجد حتي وقت ليلاً فأنا أتصل به في كل وقت من اليوم حتي فجراً ولا يجيب"
بهدوء قالت أحلام:"ربما حبيبتي لقد إبتعد عن العمل وقت ليس بقليل إمنحيه عذره"
تهدلت كتفاها بإحباط وهي تخبرها بخفوت:"قلبي يحدثني بشيء حدث معه ،، تليد لم يبتعد عني ثلاثة أعوام كاملة..ليأتي فجأة الآن لا يهتم حتي بسماع صوتي"
تنهدت أحلام بيأس ولا تجد ما تقوله ليهدئ من روعها الغير مفسر بالنسبة لها..
قطعت وتين القلق المحيط بهما وهي تندفع إلي الغرفه نحو أثيلة التي تلقفتها بين ذراعيها..تجبر نفسها علي الابتسام لوجه إبنة أخيها المحبب..
رفعت عيناها لهدير التي تخبرها من علي باب الغرفه بتعجل:
"سأمر عليكم ليلاً..أشتاق للجلوس معكم قليلاً..ولكن الآن أصيل ينتظرني بالخارج لا يوجد لدي وقت"
إنصرفت هدير سريعاً قبل أن تهتف أثيلة ورائها قائلة بعتاب:
"أوصليه سلامي وأخبريه أني مازلت أنتظر وصاله الذي وعد به"
إلتفت مرة أخري لحماتها تمحنها وتين وهي تقول بإصرار:"سأتصل به مرة أخري لن أتركه إلا إن سمعت صوته"
تلقفتها أحلام بين ذراعيها وهي ترد مبتسمة:"إلي هذا الحد إشتاقتي إليه"
تلعثمت أثيلة ووجها يتخضب بالخجل بمشاعر مكشوفة ناحيته مؤخراً لم تستطع أن تمنح أحلام إجابة مباشرة غير قادرة بعد على المصارحة بمشاعرها نحوه فأجابتها بمداراه:"ربما أنا لم أعتد علي إبتعاده عني أو جفائه معي"
ضحكت أحلام وهي تنظرلتصرفها وتذكرت تلك المراهقة المذعورة من إبنها في الماضي وتأكيد عقلها يومها أن زواجه فاشل لن يكلل بالنجاح يوماً ولكن يبدو أن شبيه والده حذى حذوه وإستطاع بجدارة كسب قلب إمرأته حتي وان إستغرق بعض الوقت الذي كان يصيبها بالخوف ،. لن تكذب على نفسها لطالما تمنت له هذه الفتاة بالذات وهي تلمحها تتخفي خلف والدها فكانت تأسرها بخجلها وأدبها وجمالها البادي ولكنها لم تأمل يوماً بتقارب بينهم لمعرفتها جيداً بولدها الذي كان يرفض الامر..لذا ربما رغم كل ما حدث من أسباب مكروهة أدت بها لزواجهم كانت تشكر القدر الذي رتب لربطه بها هي بالذات ليظل ولدها دائماً مرتبط بقريتهم..في النهاية هي كأي أم هنا تريد لإبنها الأفضل والارتباط بأحد بناتهم؟!
طال رنين الهاتف حتي كاد يصيبها بالخيبة ككل مرة وقبل أن ينقطع كانت تُرفع سماعة الهاتف لتسارع أثيلة قائلة بلهفة مندفعة معاتبة:
"لن أنساها لك تليد..هل هذا وعدك بمهاتفتي كل دقيقة . إشتقت إليك"
صوت كسول مغيظ. خبيث أتاها متلاعب بالقول:"عذراً من أنتِ؟!"
لم تعرف ما الذي شعرت به وصوت دينا يأتيها مجيباً لهاتف حبيبها..أرضها وحدها؟!أهو ألم قلبها الذي تعالت دقاته بوجع مزعج أو خفقان صدرها الذي أطبق علي أنفاسها توقفها؟! جاهدت وهي تسألها بجمود مقتضب:
"أين زوجي ولما تجيبين علي هاتفه"
أطلقت دينا زفره طويلة لا مبالية ثم ما لبثت ان أجابتها بفظاظة:
"أه أنتِ،، تليد غير متفرغاً حالياً لمهاترات نزقة..وأخبرني أن أجيب علي الهاتف وأعلم ما الذي تريديه"
ظل كل منهما علي الهاتف لدقائق دينا تتعجل إجابتها بقلة صبر وهي تتنفس بصعوبة غير قادرة علي إستيعاب ما تقوله الأخرى وغير قادرة علي تصديقه..ببطئ مرير كانت تنزل الهاتف من علي أذنها وأغلقته في وجه دينا دون أن تجيبها ،، فكلماتها المسمومة الخبيثة ترن في أذنها ،. مهاترات نزقة!! تليد جعل أخرى ترد عليها بعد إنقطاع يومان عنها..ما الذي يعنيه هذا؟!!أحست بالاضطراب يعتريها..بتأكيد علي هذا الخاطر المزعج الذي قض مضجعها في الليلتين السابقتين وجعلها تتقلب علي جمر خوفاً..تتساءل عن ما حدث ليمنعه ويجعله يبتعد عنها..كيف بعد ما تبادلاه سوياً في ليلتهم الاخيرة أن يجافيها؟!بل كيف وجد القدرة على عدم مهاتفتها بعد أن كان لآخر لحظة في وصاله معها قبل دخوله مكتب أمجد..يبثها أشواقه إليها بصوت خافت مدغدغ كل مشاعرها!!
رفعت يديها تضم ذراعيها وشعور بالبرد والخواء يلفها كلياً تهز رأسها بالرفض لا مستحيل ليس بعد كل ما حدث..أبداً لن يعاملها هكذا بعد أن توحدا أخيراً ومنحته ما كان يرنو إليه دائماً..قلبها..عقلها..وكل حقه فيها؟!
..........................................
على الطرف الآخر كانت دينا تضع هاتفه على المكتب الخاص به بهدوء..مشاعر ظفر وإنتصار كانت تجتاح كيانها فما خططت له يسير بسلاسة عجيبة..وكأن القدر يمنحها كل أسباب الانتصار لما تسعى إليه بل ويساعدها في تحطيم الأخرى دون أن تبذل جهد يذكر..نبراته الجافة أتتها وهو يقول:
"دينا ما الذي تفعلينه هنا؟؟"
إلتفت إليه تضع قناع التفهم والهدوء تخبره بصوت معاتب لعوب وهي تراقب خروجه من باب الحمام بوجه مرهق وخصلات من شعره مهدلة على جبينه تلمع بقطرات من الماء:
"لما تصدني هكذا تليد وأنا كل ما أردته الاطمئنان عليك"
إقترب تليد نحو المقعد الجلدى وتناول معطفه بهدوء رتيب لا يعكس النار التي تشب في صدره ولا قدره له على إطفائها ..أخبرها بصوت مكتوم:
"انا بخير دينا ولم أطالب احد بالتربيت علىّ"
إقتربت دينا منه مرة أخرى تنظر له بعيون مغوية واثقة تخبره بخفوت:
"لا تحتاج للحديث أو الطلب تذكر فقط أني أمد لك يد العون لأُزيح عنك وأقف بجانبك..لأني أريد فعل هذا تليد"
للحظات طويلة لم يرد وهو يرتدى معطفه ينظر لها نظرات لم تستطع أن تفسرها..قطعت الصمت لتخبره بإمتعاض ساخر:
"لقد إتصلت بك..وكانت غاضبة منك لجفائك معها لقد إشتاقت إليك كما تدعى"
توقف للحظة يحاول أن يبتلع ذلك الجحيم الذي يشتعل فيه عند ذكرها أخبر دينا هادراً بغضب:
"من منحك الحق لتجيبي على هاتفي دينا؟؟"
هزت كتفيها بلا مبالاة أنيقة تخبره دون إكتراث:
"لم أتبين إسمها جيداً..وهي قد ألحت في الاتصال وإعتقدت أن هناك شيء هام يخص تلك المصيبة التي نحاول أن نحتويها"
كاد أنكك ينطق بكلمات جافة ينهاها كعاداته ويبعدها عنه ولكن للحظة خاطر خبيث مُتشفي نبض من قمة وجعه جعله يصمت لمعرفته بكم الوجع الذي تعرضت له الأخرى بإجابة دينا..أغمض جفنيه يخبرها بجفاء:
"لا تتدخلي فيما لا يعنيك يا دينا الذي حدث يخصنى وحدي وأنا فقط من سوف ينظف خلف .."
صمت يبتلع مرارته وتحطمه في حلقه واللسان يعجز عن وصفها بإمرأته مرة أخرى لقد أثبتت أثيلة مرة وراء الأخرى أنها لا تخصه تحاول التحرر منه وهو كان من الغباء ليتبع قلبه ويكابر عقله الذي كان يرسل له ذبذبات تمردها ومحاولتها التحرر منه ووضعها له في خانة الرجل الغريب الذي رموها له مرغمه !!بدون كلمة إضافية كان يمنح دينا ظهره بصمت مغادراً..عندها أتاه صوت دينا برقة ونبرات متعاطفة صادقة لم تصل إلى فؤاده المحطم:
"أخبرتك يوماً أني لا أتنازل عن شيء أريده وأنت كل ما أريده تليد..فإمنحنى الفرصة لأثبت لك ما أنا قادرة على فعله"
إلتفت لها يخبرها بنفاذ صبر وعيون مطفأة محذراً:
"ألا تري أن توقيتك خاطئ تماماً يا دينا وتقدمك نحوي غير مدروس أو حريص..لأخر مره أنبهك لا تتدخلي فيما لا يعنيكِ ولا تفرضي نفسك على حياتي"
هتفت دينا في وجهه بحنق:
"أخبرنى فقط ما الداعي لما تفعله لماذا حتى اللحظة مازلت متمسك بها بعد فعلتها التي كادت أن تهدمك وتهدم الجريدة على رأسنا جميعاً"
كتمت باقي جملتها التي همست بها لنفسها من يوم أن أخبرها حازم عن زواجه من تلك الطفيلية المراهقة الصغيرة ولكم أرادت أن تدفع نصف عمرها وتعلم لما تزوج منها وما أسباب حبه الذي يتقافز من عينيه نحوها..ولكن الغبية ربما كتبت بعض ظروف زواجهم ولكنها تتكتم على باقى حياتهم سوياً عبر سنين ..؟!
نفس أخر كان يأخذه مهدئأ كسرته التي يعاني منها والطوفان الهادر بكل ما فيه لم يكن يسعفه لتبادل دفاع أو إتهامات مع أحد بل لم يمنحه قدرة على تفكير منطقي وسليم لكل ما حدث..مازالت روحه المغدورة هناك في مكتب ماجد تدور في دوامة (الآه ) المحطمة التي خرجت تعاني من فمه مجبراً .......
................
"أنت لن تخطو لداخل الدار مهما كانت أسبابك وحججك يا هذا."
كان ينظر لتلك الشابة بإهتمام يتفحصها بتمهل وكأن هناك قيد مبهم يشده لها..فتاة بيضاء البشرة بعيني خضراوين داكنة وشعر قصير بنى اللون مستريح علي كتفيها..تجابهه وتصده بقوة أعجبته..بهدوء أزاح نظارته الشمسية عن عينيه ليخبرها:
"أنسة منذ نصف ساعة أخبِرك أنتِ والحارس الذي إستدعاكِ أني في مهمة متعجلة هنا ولن أستطع إنتظار الدكتورة عبير أو تليد"
ربعت حياة يديها علي صدرها وهي تخبره بتشدد:
"وأنا أيضاً. أخبرتك أننا دار فتيات وغير مسموح لك بالدخول..لترى إحداهن إلا بوجود صاحبها أو مديرتها"
بمهادنة كان يجيبها محمد:"أنا ليس لدي مزيد من الوقت فقط بضع دقائق مع براءة وسأنصرف"
مطت حياة شفتيها بإمتعاض تجيبه بفطنة مبطنة بسخرية:
"كيف تريدني أن أصدق أنك مقدم كما تدعي وأنت تمنحني إسم شهادتك بسهولة هكذا"
تراجع محمد برأسه للوارء وسألها متحيراً:
"ألستِ إحدي المشرفات كما فهمت..وبالتأكيد تعلمين كل المعلومات عنها وما الذي أتيت من أجله"
زفرت حياة بضيق وهي تجيبه ببرود:"لا يخصك ما صفتي هنا..أنت ستنتظر هنا دقائق والمسؤلة ستصل وهي من ستقرر إن كنت تستطيع مقابلة الفتاة من عدمه"
عاد محمد للإبتسام وهو يحاول أن يتعرف عليها قائلاً ببشاشه:
"سأنتظرها بضع دقائق أخري لن تضر ولكن علي الأقل أريد أن أعلم إسم من تقف تمنعني من الدخول"
عادت حياة لداخل الدار خطوات تحجب نفسها عنه خلف الباب الضخم للحظة واحدة طاف تعبير توجس وخوف بين حدقتيها المهتزة وكأنها واحدة أخري غير تلك القوية التي كانت ترفض دخوله بإصرار تحاول حماية كل من فيه بنبرات مترددة لم تخلو من الرفض كانت تقول:
"أيضاً هذا لا يخصك فلا تتعدى حدودك..من فضلك أتيت لحالة محددة فلا تحيد عن هدفك بمعرفة أخري"
أومأ محمد بهدوء رزين متفهماً طلبها لم يستعجب للحقيقة رفضها أى مبادرة منه فى تجاذب حديث بينهم ..
لدقائق كان يستند على مقدمة سيارته يسترق النظرات إليها وكأنه عاجز عن غض بصره عنها..وهى تمنحه جانب وجهها تنظر إليه بترقب ..هل تخافه الفتاة وتتجوس أنه ربما يقتحم المكان رغماً عنها ..زفرة طويلة مرتاحة هى كانت إجابته عن سؤاله المعلق عندما لمح سيارة عبير تقف أمامه ..أخيراً ..لتبث فى الأخرى بعض الاطمئنان إعتدل مرحباً بعبير عندما هبطت من السيارة متوجهة إليه قائلة بوقار ؛"مرحباً سيادة المقدم وعذراً عن التأخير ..كان لدى موعد هام"
هز محمد رأسه متفهم وهو يقول ؛"العذر منك أنتِ فأنا أتيت بدون موعد ..ولكن أحتاج حقاً الحديث مع براءة طالما تستطيع منحى بعض المعلومات حتى تكون حجة قوية لى ضد قتلة أختها"
تحركت عبير ببطئ يلزمها مؤخراً بسبب ثقل حملها تشير إليه بأن يتقدمها ..تخبره بصوت هادئ خفيض ؛"أتفهم حاجتك معها للحديث بالطبع ولكن كل ما أطلبه منك عدم الضغط على الفتاة مازالت مرتعبة ..وكلمات قليلة جداً هى ما أستطيع الحصول عليها منها بمساعدة الطبيب النفسى الذى منحها أدوية علاجية"
بجديه كان يقول محمد وهو يخطو إلى الدار وعيناه لا تفارق الأخرى التى فرت إلى الداخل ..؛"لا تقلقى أبداً..أعلم بحالتها جيداً ويمكن أن تحضرى المقابلة ..حتى تطمئنى وتوقفينى إن إحتاج الامر لتدخلك"
..............................

عادات خادعةWhere stories live. Discover now