- اللحظة السحرية

1.9K 61 0
                                    


حاولت روزالبا تجنب هذا العذاب اليومي , الذي يفرضه عليها منذ أسبوع كامل , ولكنه أمسك بقدميها وصرخ بها قائلا :
" ضعيهما في الماء , ولا تتحركي!ّ".
أطاعته بتردد واضح , فبدأ على الفور بتنظيفهما من بقايا القروح التي أصيبتا بها .... عندما ركضت وراءه ليلة أستدعائه ألى بيت عمته , تذكرت كيف أرتمت على مقعدها فجر ذلك اليوم وهي تصرخ من الألم , بمجرد نهوضها والوقوف على قدميها , وتذكرت أيضا العذاب الذي تشعر به منذ ذلك الحين , كلما لامست يداه قدميها لتنظيفهما ومداوتهما , أنهى الطبيب عمله , فوقف وقال لها بأرتياح ظاهر :
" أتصور أنك لن تشعري بعد اليوم بأي أوجاع في قدميك , فقد شفيتا تماما ".
أكدت له بأمتنان صحة كلامه , وشكرته على كل ما قام به أتجاهها , قال لها ببرودة تكشف ألى حد ما عن أعتراف ضمني بالمسؤولية :
" معظم الفتيات كن سيتهمنني بأن قصر نظري هو الذي أدى في المقام الأول , ألى وقوع هذه المشكلة".
حبست روزالبا أنفاسها دهشة , لدى سماعها هذه الجملة التي تصل ألى حد الأطراء , وعندما ألتفت سلفاتوري نحوها وتلاقت نظراتهما , شعرت وكأن الزمن توقف ألى ما لا نهاية في تلك اللحظة الخاطفة , الخطر محدق بهما من كل حدب وصوب .... رجال مسلحون ومتعطشون للدماء يجوبون الوادي والسفوح , ويقلقون راحة أبناء القرى المشتبه في أنهم متعاطفون مع ديابولو ! ومع ذلك .... فقد نسيت روزالبا تماما في هذه اللحظة الوجيزة السحرية سبب وجودها في هذا الكهف , وأحست بأنها .... ولدت من جديد , ثم .... أفاقا معا من ذهولهما وغيبوبتهما , ولكن بطريقتين مختلفتين جدا , ففي حين كانت روزالبا سابحة في بحر الخيال وأحلام اليقظة , سمعته يقول لها بأزدراء ... قطع به ذلك الخيط الرفيع من العلاقة الحميمة القصيرة:
" حان الوقت لزيارة العمة جيوسبينا".
منتديات ليلاس
 أرادت أن تعرف المزيد عنه , فتجاهلت لهجته القاسية وسألته ببرودة مصطنعة :
" كيف تمكّن صبي يتيم , ولد فقيرا وعاش مشردا ,من دراسة الطب؟ ألم تقل بنفسك أن المال كان نادرا بصورة دائمة ؟ أليست الدراسة الجامعية , وما يليها من مراحل التخصص , باهظة التكاليف؟".
لم يتضايق أطلاقا من أسئلتها , التي تحاول من خلالها معرفة أمور شخصية جدا عنه , بل بدا مسرورا لتمكنه من التحدث عن هذا الموضوع , قال لها :
"كنت سعيد الحظ , لوجود بعض الأثرياء المحبين والمخلصين في في الولايات المتحدة , فقد شاءت الظروف أن يهاجر الشقيق الأكبر لوالدي قبل أندلاع الحرب , ويتحول خلال فترة قصيرة نسبيا ألى رجل أعمال ناجح , أستدعاني عمي عندما بلغت العاشرة من عمري , وبقيت معه حتى تخرجي وحصولي على كافة شهادات التخصص التي كنت أطمح أليها , وعندها .... شعرت بأنني مضطر للعودة ألى وطني".
" ألم تعجبك الولايات المتحدة ؟".
تردد قليلا , ثم قال لها بهدوء لم تكن تتوقعه :
" يحلم كل فلاح صقلي بالهجرة ألى هناك , حيث الثروة والصداقة والمساواة والعدالة و......".
شجعته على متابعة كلامه , بالقول :
" ومع ذلك...".
أستدار نحوها وهو يوجه أليها أبتسامة جعلت قلبها يتوقف عن الخفقان , ثم قال لها :
" ومع ذلك , كنت أمضي أوقات الفراغ القصيرة والمتباعدة .... في حدائق الحيوانات .... شعرت بتعاطف قوي مع تلك المخلوقات التي أبعدت عن بعضها ووضعت في أقفاص حديدية .... محرومة من حريتها وأدغالها! ".
سارا ألى القرية تحت جنح الظلام , فدفعها سكون الليل ألى تركيز تفكيرها بكامله على الرجل الذي يسير أمامها بخطى بطيئة للحؤول دون تعثرها أو وقوعها , تألم قلبها لدى تصورها ذلك الصبي ... أبن الصخور والجبال... يشحن في سن مبكرة ألى أرض غريبة .,.... ويعاني من زجّه داخل سجون من نوع آخر , هي غرف البيوت وقاعات الجلوس .... ألى أن يتم تدجينه وتعليمه ومنحه في نهاية الأمر شهادة موافقة وقبول من الحضارة والمدنية ! لا شك في أنه تحمل عذابا لا يطاق, وبكى بقلب جريح ليلة بعد ليلة ...وهو يشرب الحليب المجفف ويأكل اللحوم المعلّبة ويتنشق الهواء الملوث , ولا يعرف طعم النوم والراحة بسبب الضجيج والصخب!

على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبيرالقديمةWhere stories live. Discover now