8- مشاعر تشبه الغيرة

2K 56 0
                                    

أغمضت روزالبا عينيها بحذر شديد , وكانت تفتحهما لدى سماعها أضعف صوت أو أدنى حركة من الرجل الجالس على مدخل الكهف.... أشار ألى البندقية السريعة الطلقات التي يصوبها نحو الخارج , وقال موضحا سبب وجودها :
" ذكر لي بعض الأصدقاء أن ثمة كلابا مسعورة تتجول على هذه السفوح , كما أن الثعالب المتواجدة هنا بكثرة تشكل خطرا دائما".
يا له من رجل غريب الأطوار وكثر التناقضات !ساعة يكون باردا كالجليد , وفي لحظة غير متوقعة يتحول ألى نار متأججة .... مثل بركان أتنا , الذي سلطته الطبيعة فوق رؤوس أهالي صقلية منذ زمن بعيد , بدا كأنه غير مرتاح ألى المهمة التي أنيطت به.... كأن ثمة شخصيتين مختلفتين تتصارعان في داخله .... بحيث يهددها أحيانا بعواقب وخيمة مرعبة ولا ينفذ شيئا منها , كما أنه في أحيان أخرى لا يتصرف بالرقة والنعومة اللتين بدأت تظن أنه يتحلى بهما!
لم تتمكن روزالبا من المضي في تحليل شخصية خاطفها ونفسيته , لأنها شاهدت فجأة أنسنا ينحني فوق رأس سلفاتوري ويهمس في أذنه بعصبية ظاهرة جملا سريعة ومتلاحقة , لم تفهم شيئا بالطبع , ولكنها لاحظت ترداد كلمة طبيب بكثرة ملفتة للأنتباه , لا شك أذن في أن أحد الأشخاص بحاجة ماسة ألى طبيب!
" هل أنت مستيقظة ؟".منتديات ليلاس
 ردت عليه بالأيجاب ثم رفعت رأسها قليلا , فتبين لها أن الذي تصورته رجلا قصير القمة لم يكن ألا بيا في حوالي الثالثة عشرة من عمره.
" أرتدي ثيابك أذن , لأننا سننزل فورا ألى القرية ".
" ماذا؟ في مثل هذا الوقت المتأخر؟".
أجابها بشيء من الحدة والعصبية , قائلا :
" نعم! كم من الوقت ستحتاجين لأرتداء ملابسك؟".
" أنا جاهزة , لأنني لم أخلع ثيابي ".
فوجىء بجوابها , فصمت ثم سارع ألى القول :
" حسنا , حسنا! هيا بنا حالا , وحاولي ألا تحدثي أي ضجة على الأطلاق , لقد أرسل جدك عددا كبيرا من الرجال لتعقب أثرنا , ولذلك فمن الضروري جدا تجنّب أي صدامات متسرعة وغير مخطط لها... وقد تؤدي ألى ما لا تحمد عقباه , أريد عنقك الأبيض الناعم الجميل أن يظل سليما , على الأقل ألى أن يلبي جدك مطالبي".منتديات ليلاس
 أوه! أنه يسعى أيضا ألى المال , بقدر سعيه وراء الثأر والأنتقام ! تألمت كثيرا , عندما تأكد لها أنها كانت واهمة في تحليلها لأمكانية وجود بعض الرقة والحنان في قلب هذا الرجل , كادت تتعثر مرات عديدة , وهي تتبعه في ممرات مظلمة تربط بين كهف وآخر ..... تصعد حينا وتهبط أحيانا , وبعد فترة قصيرة نسبيا , أنتبهت روزالبا ألى أنهم أصبحوا خارج تلك الممرات والأنفاق , حدقت نحو الوادي السحيق , فلاحظت بصعوبة مجموعة من البيوت الصغيرة تفصل بينهما طريق واحدة , كانت جميع المنازل غارقة في الظلام , ألا أن مصباحا صغيرا كان يلمع بصورة سريعة متقطعة من نافذة أحداها , ثلاث مرات متتالية يعقبها توقف لبضع لحظات , ثم يعود الضوء ألى مراته الثلاث , تحدث سلفاتوري مع مرافقه الصغير , فهز الصبي رأسه وأنطلق كالسهم نحو القرية , وبعد حوالي خمس دقائق , أخترق الصمت المخيم بكثافة على تلك المنطقة صوت عصفور , فأمسك سلفاتوري بمرفق روزالبا وقال لها:
" كل شيء على ما يرام , وقد أصبحت طريقنا الآن آمنة , هيا بنا! ".
" لماذا؟".
أخرسها بحدة , قائلا لها بصوت كفحيح الأفاعي :
" سأشرح لك الموضوع في وقت لاحق , سيري الآن قربي , وألتزمي جانب الصمت التام ".
أطاعته دون أي أعتراض أو مناقشة , وراحت تقفز وراءه في محاولة يائسة للتخفيف من الآلآم المبرحة التي حلّت بقدميها , وعندما أرتطمت ركبتها بحافة صخرة ناتئة , أحست بوجع شديد ولكنها أرغمت نفسها على عدم الصراخ أو التفوه بكلمة واحدة , وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي بذلتها لأخفاء ضعفها وألمها , ألا أن الدموع كانت تنهمر بغزارة من عينيها لدى وصولهما ألى البيت الصغير الذي يقصدانه.
جففت دموعها وأخذت تتأمل النوافذ المغلقة , فيما أقترب سلفاتوري من الباب الخشبي الصلب ونقره بأصبعه ثلاث مرات متتالية , سمعت روزالبا بعد هنيهة صوت باب داخلي يفتح , وشاهدت عبر فتحة صغيرة في الباب عينين تتفحصانها بدقة وعناية , ثم فتح الباب بطريقة أضطرا معها ألى الدخول بشكل جانبي , قبل أغلاقه مجددا وأحكام أقفاله, وما أن دخلا ألى قاعة الجلوس الصغيرة , حتى تكررت العملية ذاتها بالنسبة للباب الداخلي.

على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبيرالقديمةWhere stories live. Discover now