7- كأنها طيف أبتسامة

1.9K 60 1
                                    

كانت الحرارة خارج الكهف شديدة ألى درجة لا تطاق , فيما كان الجو في الداخل خانقا ويعج بالذباب , تطلعت روزالبا حولها , فلاحظت أن أرض الكهف مسرح لمجموعات هائلة من النمل الكبير الحجم وعدد مختلف من الحشرات ذات الأشكال المفزعة .
وضع ديابولو حقيبتها قرب قدميها , ثم أمرها بأن ترتدي ثيابها وغادر الكهف , ألا أنه عاد فجأة لدى سماعه صراخها , الناجم عن رؤيتها سحلية تزحف قربها , ضحك بأستهزاء عندما شاهد ملامح الخوف والرعب في وجهها , وقال لها:
" أنها ليست من الزواحف المؤذية , كنت أمضي في صغري الساعات الطوال , ألهو بملاحقتها والأمساك بها , أنظري , سأريك الآن كيف كنت أفعل".
غادر الكهف على عجل , ثم عاد ومعه أحد الأغصان الصغيرة المرنة , ربطه كعقدة , ثم أمسك بطرفيه وركع على ركبته قائلا:
" تزحفين نحوها ببطء وهدوء شديدين , وتقتربين بالعقدة فوق رأسها برقة ونعومة... هكذا.... بحيث يظل أنتباهها مركزا عليك , وليس على العقدة ,وفجأة .... تضعين العقدة حول الجزء الأسفل من رأسها .... وتجذبين طرفيها بقوة .... على هذا الشكل .... حتى لا تعود قادرة على التملص منها!".
رفع ديابولو السحلية , التي كانت تنتفض بعنف وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة , ووضعها أمام أنف روزالبا , أقشعر بدنها قرفا وأشمئزازا من تصرفه , وأبعدت وجهها عنه بعصبية قائلة:
" أنت رجل قاس متحجر القلب , تتمتع بتعذيب هذه المخلوقات المرعبة ..... التي قلت عنها أنها غير مؤذية".منتديات ليلاس
 " أعترض فورا على قولك أنها مخلوقات مرعبة , وأؤكد لك بالتالي أنني لم أقتلها لأجل المتعة , ففي هذه المناطق الجبلية الجرداء , لا يذهب أي شيء هباء.... لأن كل ما هو قابل للأكل يستخدم للطعام , وكل ما يمكنه أن يخدم غرضا أو يحقق هدفا يستغل ويستعمل , والمعروف عندنا هنا أن جسم السحلية عندما يجفف ويطحن , يشكل دواء جيدا جدا".
غادر ديابولو الكهف مجددا , فعادت روزالبا مرة أخرى ألى وحدتها .... وذبابها.... وزواحفها , فتحت حقيبتها وراحت تقلب محتوياتها بذهول وأستغراب , ثم صرخت بصوت متألم :
" أوه , أبريل! كيف تصورت أنني سأقبل مثل هذه الثياب الرهيبة!".
لا شك في أن أبنة عمتها تطرفت كثيرا في تشجيعها على أرتداء الملابس العصرية .... الجريئة , فأختارت لها من بين الأزياء التي عرضت الليلة السابقة أكثر جرأة وأقلها حشمة , ماذا ستفعل الآن بفساتين السهرات هذه , التي قد تتردد بعض شابات المجتمع المخملي في أرتدائها؟ تكشف عن الكثير ولا تستر ألا القليل , فكيف ستواجه بها هذا الرجل الحاقد على الأثرياء وتفاهة هذه المجتمعات ... وفي مثل هذه المناطق الجبلية النائية بالذات؟
تضايقت كثيرا من جحافل النمل والذباب وبقية الحشرات الصغيرة الكبيرة , فأختارت بسرعة سروالا جلديا أسود اللون وقميصا قطنيا ضيقا بدون أكمام وسترة حمراء رقيقة وخالية من الأزرار ,اللعنة! أنها تبدو في هذه الملابس السخيفة التافهة , وكأنها تتعمد أغراء خاطفها وأغواءه! ولكن.... ماذا يمكنها أن تفعل غير ذلك , وهذه هي الثياب الأقل جرأة في هذه المجموعة القبيحة .... الوحيدة ؟ تنهدت بحسرة وألم شديدين وخرجت من الكهف , وهي تعد نفسها لهجومه الساخر والقاسي , كان يجلس في مكان يشرف على السهل بصورة تامة , بحيث لا يتمكن أنسان أو حيوان من التسلل نحو الكهف دون أن يراه .... تماما كما كان رفاقه يفعلون في السابق للدفاع عن هذا المعقل الحصين , أحس بوجودها فور خروجها , فهب واقفا ثم أبتسم بسخرية لاذعة جارحة وأقترب منها ... وهو يتأملها بأستهزاء مشبع بالحقد والكراهية , قال لها , بعد أن خلع سترتها ورماها على كتفه بأزدراء واضح :
" أوه , ما هذا! لم أتصور أبدا أنني مضطر لتحديد نوع الملابس التي سترتدينها أثناء أقامتك غير المريحة هنا , لأنني أعتقدت أنك ذكية ألى حد كاف وستختارين الثياب المناسبةلوضعك الحالي , وماذا فعلت عوضا عن ذلك ؟ خرجت من الكهف وكأنك ذاهبة ألى حفلة تنكرية , لا يحضرها ألا الذين يصفون أنفسهم بالمحتررين من القيود الأجتماعية والرافضين للقيم الأخلاقية , هل أنت حقا ساذجة ألى هذه الدرجة , أم أنك قررت على ما يبدو القيام بحملة أغراء .... تتعمدين فيها تعذيبي , وتأملين من خلالها في أن يكون لجاذبيتك وجمالك تأثير على عقلي ومخططاتي ؟ أذا كان ذلك صحيحا , فأنك تلعبين بالنار وتسعين ألى أحراق نفسك".
ذعرت من تهديده الصريح , فسارعت ألى نفي التهمة .... مرتبكة متلعثمة :
"لم ....لم يكن لدي.... أي خيار , فهذه الثياب ..... ليست لي! أعني... أنها لي , ولكنني.... لم أخترها بنفسي , كما....".
" حقا؟ كانت هذه الملابس في حقيبة تحمل أسمك وموضوعة في غرفتك وقرب سريرك , ومع ذلك فأنك تحاولين أقناعي بأنها ليست لك!".
جذبها نحوه بقوة , ومضى ألى القول :
" لا ترتدي الثياب الرخيصة ألا المرأة الرخيصة , وقد ورثنا عن أسلافنا نظرية تقول أنه يمكن لليد أن تلمس كل شيء تراه العين!".
تسللت يداه فجأة نحو ذراعيها , أذهلتها الصدمة العنيفة الممزوجة بالرعب الشديد , فتسمرت في مكانها دون حراك ..... وهي تعلم علم اليقين بأن سلفاتوري سيعتبر جمودها نوع من اللامبالاة , أو .... دعوة صريحة للمضي قدما , ومما لا ريب فيه أن الرجل أختار الأحتمال الثاني , ذلك أنه أحنى رأسه فوق وجهها وعانقها .
أشتعلت دماؤها في شرايينها ثم أرغمت نفسها بعد قليل على دفعه بيديها غير المطوقتين بذراعيه , ولكنه ضمها فورا ألى صدره بقوة وقساوة شديدتين , كادت تذوب من حرارة عواطفه , فأرتجفت .... ولكن ليس بسبب الخوف والذعر وحدهما , أحست بالأشمئزاز , ولكن ليس نتيجة تصرفاته فقط .... بل أيضا بسبب تلك المشاعر التي أحياها بها , لم تبادله عناقه لأنها لم تكن تعرف كيف تفعل ذلك , أغرقتها المشاعر والأحاسيس الجديدة في دوامة مرهقة , فتعلقت بقميصه .... وكأنه خشبة النجاة والخلاص , كادت تهوي على الأرض , عندما أبعدها عنه بأنزعاج بالغ وهو يقول:
" النار تتأجج داخلك وتصرين مع ذلك على حرماني من التنعم بدفئها , أليس كذلك , يا آنستي الجميلة ؟رغبتك لا تقل عن رغباتي , ولكنك تمثلين دورا معينا ! تحاولين أقناعي بأن أبنة عائلة روسيني ليست بالضرورة حية سامة , ولكن قد تكون هادئة .... لطيفة .... رقيقة.... ومسالمة كالحمامة , ليكن لك ما تريدين يا ذات الوجه الملائكي ! أستمري في لعبتك هذه , فلن....".
منتديات ليلاس
 " أنا لست ملاكا , ولا أحاول التظاهر بذلك , أنا شابة عادية بسيطة كنت حتى يوم أمس , أعيش حياة عادية بسيطة , أما أنت , فلست ألا مجرد حيوان متوحش ومتعطش للدماء! أنت.... أنت شيطان , أسما وفعلا!".
ضحك بصوت عال تردد تردد صداه في تلك الجبال العالية , وقال :
" وأنت , يا ذات الوجه الملائكي , هل تعرفين بماذا سيصفك الناس بعدما يسمعون بوجودك معي هنا لفترة طويلة.... بمفردنا .... وفي هذه المناطق النائية ؟ ستصبحين في نظرهم ملاك الشيطان .... وهو اللقب المهين الذي أطلقه جدك العزيز على والدتي , فور زواجها من أبي , أعذريني لأن قلبي يرقص فرحا لتألم الكونت المتوقع , عندما يعرف أن سمومه وأحقاده هي التي ستدمر شخصية حفيدته وتشوه سمعتها ".
أدخل السيارة ألى الكهف ودحرج صخرتين كبيرتين ألى مدخله , ثم غطى الفتحة المتبقية بكمية كبيرة من أغصان الشجر ليخفي معالم الكهف بصورة تامة ,وبعد ذلك أخذ مجموعة أخرى من الأغصان وأزال بها آثار عجلات السيارة من ذلك السهل الصغير وصولا ألى المدخل ذاته , وعندما أنتهى من عمله هذا , أمرها بالسير على الصخور .... ليتأكد من عدم تركهما أي آثار لأقدامها , وفجأة , برز أمامهما ممر ضيق يتجه صعودا بشكل شبه عامودي .... وكأنه سلم يربط الأرض بالسماء .
" هيا بنا!".
" ماذا؟ هل تتصور أنني قادرة على الصعود بهذا الحذاء , الذي لم أستخدم مثله من قبل... حتى داخل البيت؟".
" أنا لا أتصور شيئا , ولكنني أطالبك بالصعود , وعندما تجدين صعوبة بالغة في متابعة طريقك , فسوف أساعدك".
كيف يمكنه أن يفعل ذلك , وهو يحمل هذا الكيس الجلدي الثقيل على ظهره وحقيبتها في يده ؟ على أي حال , لا جدوى من معارضته أو محاولة عصيان أوامره.... فهي في وضع لا يسمح لها بذلك أطلاقا , رفعت رأسها بشموخ وأصرار لم تعهدهما في نفسها من قبل , وبدأت تسير .... لا بل تصعد وراءه نحو قمة الجبل.

على حد السيف - مارغريت روم - روايات عبيرالقديمةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن