الجزء التاسع والأخير

987 34 9
                                    

كان سامي يراعي مشاعري في كل أفعاله، لم أكن أستوعب كيف يدرك مشاعري تجاه شئ ما لم أفعله من قبل حتى.
والآن، كما في السابق ، راعى مشاعري بالذهاب لمشفى آخر غير الذي ذهبنا اليه قبل شهرين، كان أكبر منه و أسرع في العمل. خاطبت نفسي بينما كنا ننزل من السيارة.
-(كيف عرف أني خائفة من لقاء نفس الطبيبة مجددا؟)
تنهدت بثقل  بينما كنا نتجه للمشفى، كانت خطواتي ثقيلة، وكان جسدي يرتجف، كنت أنظر للأرض وأتجنب النظر لجدران المشفى البيضاء.
كان هذا اللون مريحا بالنسبة لي في المرة السابقة، لكنه الآن يبدو مخيفا ، وتألمت في معدتي من شدة التوتر. فخاطبت نفسي.
-(الآمر معكوس هذه المرة هاه؟، هل سيكون معكوسا أيضا في العودة؟ ، هل سأكون سعيدة في العودة ؟)
ضممت ذراعاي اليّ حتى أخفف من توتري وخوفي، شعرت بدموعي تتكون في عيني.
لم أعتقد يوما أني بهذا الضعف....
فقط عندها أحسست بجزء قليل من الآمان،كان سامي يربت على رأسي بهدوء ويبتسم قائلا.
-"لا تقلقي، سيكون كل شئ بخير باذن الله"
آه...رباه كم أحمدك على نعمة زوجي..
أحسست بالتوتر ينخفض تدريجيا، حتى وصلنا لمعمل الفحص، وبعد الانتهاء هممنا بالخروج فاستوقفتنا الفتاة قائلة.
-"يمكن للنتيجة أن تظهر مباشرة ، انتظري أمام مكتب الطبيبة من فضلك"
كان هذا متوقعا من مشفى كبير، ذهبنا لمكتب الطبيبة و أخذنا رقمنا وانتظرنا قليلا ثم دخلنا.
جلست أمام مكتب الطبيبة، كانت امرأة بتعابير بشوشة في منتصف العمر، كانت تمسك بورقة في يدها.
-(هل تلك نتيجة الفحص يا ترى؟)
استمرت الطبيبة بالتحديق في الورقة لفترة ثم انشرحت ملامحها، وزادت نبضات قلبي حينها.
رفعت الطبيبة رأسها، ونظرت اليّ مباشرة، ثم قالت بنبرة صوت قد ارتفعت قليلا.
-" مبارك لك يا سيدة هند!!، أنت حامل!!"
تجمدت في مكاني، لم أدرِ كيف أتفاعل، وتحركت شفتاي.
-"ه..هل أنت واثقة؟ ،.اق..اقرأي الورقة مجددا.."
أمسك حينها سامي الذي كان بقربي بيدي، التفت ورأيته واضعا رأسه في كفه ويردد.
-"الحمد لله..الحمد لله.."
أحسست بالدفء، فقط عندها سالت الدموع على وجهي، وخاطبت نفسي.
-(أنا....أنا...حامل؟)
شهقت حينها، ووضعت يدي على قلبي ، وانفجرت بالبكاء.
-"آآآآه..... حمدا لك يا الهي، الحمد لله... الحمد لله"
كنت أحمد ربي بين كل شهقة وأخرى، وسرى في جسدي طمأنينة لم أشعر بها من قبل.
مرت الشهور، وأعددت اللوازم لاستقبال طفلي، كانت بطني تكبر يوما بعد يوم، لم يكن هذا الشعور غريبا عليّ، فلقد حملت بطفلي وليد قبل ذلك،لكن شعور السعادة الآن كان أعظم وأقوى، لكني رغم ذلك كانت تنتابني شكوك بين الفينة والأخرى وأخاطب نفسي.
-(هل حقا أنا حامل؟ هل صحيح ذلك؟)
كانت تنتابني هذه الوساوس الى أن أتى ذلك اليوم، كانت قد مرت خمسة شهور بالفعل، وكنت أعد طعام الغداء وسامي في غرفة الجلوس ، فقط حينها احسست بشئ في  بطني، فتعجبت و تلمستها ، عندها شعرت بحركة داخلها، غمرتني السعادة حينها، وارتجفت من شدة الفرح! أحسست كأن طفلي يقول لي:" أنا هنا!!"
لاشك بعد الآن!! أسرعت الى سامي لأخبره ، فنهض عندما رآني مسرعة نحوه.
-"لا يجب عليك أن تسرعي هكذا !!"
-" سامي، سامي!! لقد تحرك! لقد أحسست بحركته"
انشرحت تعابير سامي، وقال بفرح.
-"حقاً؟!!"
ثم تلمس بطني فشعر بها، عندها ابتسم بدفء، فكرت أن هذا بالنسبة له كأول اتصال أبوي بينه وبين الطفل، فضحكت.
فتحت عينيّ ببطء، كنت أتحرك..لكنني لم أكن أمشي لقد كنت مستلقية، رأيت سقفا غريبا فوقي، فأغمضت عينيّ ثم فتحتهما مجددا ونظرت عن يميني، فوجدت فتاة تجري بقربي و كانت شفتاها تتحرك لكنني لم أسمع ما تقول، ثم نظرت عن شمالي فوجدت سامي يتحدث مع الفتاة بوجه قلق، فتحدثت اليه.
-(سامي ؟ لِم أنت قلق هكذا؟ ماالذي يحدث؟)
لكن فمي لم يتحرك فأصبح حديث نفس.
أدركت حينها أنني في المشفى، وأنهن كن يأخذنني لغرفة العمليات، دخلنا، ومنعن سامي من الدخول، وبأدت الطبيبة و اثنتان من الممرضات بالعمل، عندها استجمعت قوتي وأمسكت بملابس الممرضة بقربي وسألتها بضعف.
-"طفلي...هل سيكون طفلي بخير؟"
حدقت فيّ الممرضة بصمت، ثم قالت.
-"لا تقلقي، سيكون بخير"
كان ذلك آخر ما أسمعه قبل أن أفقد وعيي.
استيقظت بعدها على صوت شخص ينادي عليّ،
-".....هند ، سيدة هند!! "
بعد أن استيقظت، رأيت تلك الممرضة ، بتعابير سعيدة تقول لي.
-"مبارك لك!! انها فتاة!!❤"
أدركت لتوي أنها تمسك بطفل بين يديها.
-"هل..هذه...؟"
وامتدت يداي لا شعوريا لأمسك بها، نظرت اليها ، كانت طفلة جميلة جدا،كانت صغيرة ولطيفة، تقبض  يديها الى صدرها.
نادت الممرضة سامي من الخارج، فأتى، وعندما رآني أحمل طفلتنا أسرع نحونا وقبلها، كان وجهه منشرحا وسعيدا، وفرحت حينها، لأنني لم أرَ تلك التعابير منذ زمن.
بعد فترة شعرت بالتعب،فقبلت طفلتي،ثم أخذتها الممرضة الى غرفة الحضانة قائلة.
-"يجب عليك أن ترتاحي قليلا"
فرافقها سامي. أغمضت عيني، وارتخى جسدي ونمت، كان آخر ما أراه هو ظهر سامي وهو يبتعد.

كان سامي في غرفة الحضانة يراقب طفلته الصغيرة في فراشها، عندها قدمت اليه الممرضة التي قد خرجت قبل فترة للاطمئنان على هند وفي وجهها تعابير قلق ممزوجة بالخوف، وطلبت من سامي الخروج للتحدث قليلا. ودار بينهما حوار.
-"ماذا هناك؟"
-"سيد سامي، أرجو منك أن تكون هادئا ولا تنفعل"
فسرت في جسد سامي قشعريرة.
-"لماذا؟ ماذا حدث؟"
-"في الواقع....."
ذُهل سامي مما سمع، وتسارعت نبضات قلبه، وفي لحظة ركض الى غرفة زوجته، وفتح الباب على مصراعيه ودخل ونظر الى زوجته، ثم نظر الى الاجهزة بقرب السرير، فخارت قواه، ووقع على الأرض ، وانهمرت الدموع غزيرة على خديه.

أريد طفلا!Where stories live. Discover now