الأوهام لا تزول بسهولة

182 6 1
                                    

#للوهم_أسرى

(٦)

حاول سعيد والد شاهي إقناعها بوجهه نظرة ومراضاتها بكل الطرق : يا بنتي أنا وأمك كبرنا وأختك اتجوزت ...عاوزة تسيبينا لوحدنا ؟!
ردت شاهي بغضب : يا بابي دي فرصة ماتتعوضش
نظر لها سعيد محاولاً  : أنا مقدرش أسيب بنتي تسافر لوحدها ومقدرش أبعد عنها
لم تستطع شاهي تمالك نفسها : قصدك عشان أنا بنت مش عاوزني أسافر
اضطر سعيد أن يكون حاسماً : اختاري الجامعة اللي تعجبك هنا واعملي الماجيستير أيا كانت تكلفته ... يا بنتي أنا عاوزك جنبنا وعاوز أفرح بيكِ وأجوزك

غضبت شاهي غضباً رهيباً واعتزلت الجميع . قضت أيامها حزينة ومكتئبة لا تفارق فراشها فقد تصورت إنها فقدت جميع فرص النجاح في الحياة وإنها بدون تلك السفرة لألمانيا قد تحطمت كل أحلامها
ذهبت الأسرة جميعاً  للحوار معها بتعقل في محاولة لانتشالها من ذلك الحزن
بدأت عمتها هيام الكلام بتعقل : مش هقول لك مالكيش حق تزعلي بس فيه فرق بين تزعلي وتنهاري ... تسمحي تقوليلي ليه مادورتيش على الماجيستير في أي جامعة هنا أو أونلاين ؟
قالت شاهي بآسف : السفر حاجة تانية
حاول عمها كمال تهدئتها : النجاح خطوات اعملي الماجيستير دلوقتي ويمكن على الدكتوراه باباكي يغير رأيه أو أنتِ تكتشفي إن فرصتك هنا مناسبة ليكِ أكتر
بدا على أختها شمس التأثر : مش هقول لك غير  إننا ساعات بنزعل على حاجات حصلت وبنكتشف بعد كده إنها خير لينا وساعات بنجري ورا حاجات وبتطلع مؤذية لينا ... ابدأي ماجيستير هنا وشوفي الدنيا هتمشي إزاي ... هتفضلي مكتئبة لحد ما ميعاد التقديم يروح؟!
تصنعت جنة المرح لتخرجها مما هي فيه : أنتِ عارفة خالو سعيد بيحبك قد إيه ...هو حاسس إنه محتاجك جنبه بلاش تحسسيه بالذنب ، رجعيله بنته النعنوشة المجنونة وصدقيني أما ترضيه ربنا هيعوضك
ولم يجد معها نفعاً فقد استسلمت للحزن وشعرت إنها ضحية ضاع منها ما كانت تطمح إليه وبدأ العام الدراسي دون أن تسجل في أي جامعة أو حتى تبحث عن عمل ...وبالتالي علقت سبب فشلها وإعاقتها عن مستقبلها : والديها

في إحدى الإيام رأت جنة على لي لي التهابات الحفاض فقالت لزياد بجزع : إيه ده لي لي ملتهبة على الآخر
زياد نظر للالتهاب ثم قال بهدوء : ماتقلقيش ده التهاب بسيط ، كل الولاد بيحصل لهم كده ، أنا  هطلب الاجزاخانة يجيبوا كريم مضاد لالتهابات الحفاض
ذهب خيالها لشجار مراد مع شمس ، هي وزياد يحبان لي لي حباً فوق الوصف فقد كانا يخافان حرمان نعمة الأولاد مطلقاً لكنه لم يلمها على ما حدث ل لي لي  ولم يعاملها بتلك الطريقة المهينة ...إذن ربما زياد يرى إنها تبذل جهدها فعلاً وربما تكون شمس لا تبذل جهدها بالكامل لذلك يلوم مراد عليها .

بعد شهرين من بداية الفصل الدراسي ، عادت صديقة شاهي من ألمانيا واتصلت بها تعجبت شاهي جداً لاتصالها وسألتها "لحقتي تاخدي أجازة ولا ايه ؟"
ردت نيرة  بحسم : " لا أنا خلاص مش راجعة "
شعرت شاهي بالغضب كيف تترك صديقتها فرصة كهذه : " أنتِ إزاي تفكري ما ترجعيش ؟! "
قالت نيرة مازحة : " يا ستي الموضوع طلع محتاج قوة جامدة مالقيتهاش في نفسي"
تعجبت شاهي مما تسمع : " قوة إيه ؟ "
شرحت لها نيرة بالتفصيل : " تسكني في أودة ١٥ متر فيها حمامك ومطبخك ونومك ومذاكرتك ، بتتعاملي إنك جاية من بلاد متخلفة ، ماحدش مهتم يتعرف عليكِ ، ده غير كل حاجة غالية وعايشة كأني شحاتة "
لم تقتنع شاهي بالطبع : " كل حاجة في الأول صعبة "
أكدت لها نيرة : هي فعلا صعبة ومحتاجة حد أقوى مني ... رحم الله امرؤ عرف قدر نفسه ... إيه اللي يمشيني كل يوم في التلج ربع ساعة للمترو اللي بيكون مكدس وأنا هنا بنزل ألاقي عربيتي جاهزة ومتنظفة كمان ؟ :
تسلت شاهي بالحديث وشعرت إنها ترى ما تصفه صديقتها : " إيه البورجوازية اللي بتتكلمي بيها دي ؟! "
لم تتوقف نيرة عن مزحها : أنا مش بتاعة كفاح للدرجة دي ...أذاكر كتير آه لكن اتبهدل لأ"
ضحكت شاهي رغماً عنها للطريقة التي تتحدث بها فأضافت نيرة " اصبري لما تشوفيني خسيت ٨ كيلو في الشهرين ... مسئولية أكلك وشربك وغسيلك  طلعت مش سهلة "
أجابتها شاهي وقد بدأ المرح ينتقل لها : " أنتِ حسستيني إنك واحدة متدلعة وأنتِ مش كده خالص "
نيرة مؤكدة "أنا بقى في السفرية دي اكتشفت إني متدلعة ...تخيلي الغسيل تحوشيه وتاخديه في شنطة سفر عشان تروحي للمغسلة في عز  البرد "
أجابتها شاهي بتعقل بين ضحكاتها التي لم تعد تستطيع كتمانها "برضة كنتِ كملي السنة "
ردت نيرة : " أنا قلت أحسم الموقف لأحسن مقدرش استحمل وأقعد أضيع التيرم على الفاضي ...أنا هروح الجامعة الكندية يمكن يرضوا يأخذوني متأخر كده تيجي تقدمي معايا ؟ "
شاهي وقد عادت لانغلاقها : " لا مابفكرش دلوقتي خالص "
أنهت الصديقتان المكالمة وبقت شاهي تفكر كيف من يريد الفرصة لا تتحقق له ومن تأتيه لا يستغلها 
لم تتخيل شاهي إن كلام نيرة ممكن أن يكون صحيحاً على الأقل بالنسبة لنيرة فليس كل إنسان قادر على الغربة وترك امتيازاته في الوطن ليبدأ من جديد خاصة مع نظرة الغرب للعرب التي لا تجعل الموضوع سهلاً
ولا يعني ذلك ألا يستغل الإنسان الفرص التي تتاح له قدر استطاعته أو يستسلم بسهولة ولكن ربما ما نتصوره لامعاً ليس ذهباً حقاً

للوهم أسرىWhere stories live. Discover now