انهيارأمل

301 9 0
                                    

#للوهم_أسرى

(١)

عادت جنة الآنسة ذات ال ٢٥ ربيعاً من عملها بأحد مراكز البحوث التابعة للحكومة وهي في قمة السعادة ، فاليوم اجتماع عائلة والدتها الأسبوعي . كل خميس مساء تسهر العائلة كلها في أحد البيوت الثلاثة بيت هيام والدتها أو بيت خالها كمال أو بيت خالها سعيد .
اليوم اللقاء في بيت أسرة جنة ... ورغم إنها تعود مرهقة من عملها كل يوم إلا إن يوم الخميس تهبط عليها الحيوية والنشاط لأنها ستراه ... ومن غيره ... مراد ابن خالها كمال البالغ من العمر ثلاثين عاماً والذي تكن له مشاعر صامتة منذ كانت في السادسة عشر .

كل أيام الأسبوع تعود من العمل لتأكل على عجالة ثم تستلقي بكسل لتصفح جوالها بجوار قطتها أو للحديث مع والديها فهي ليس لديها إخوة أو أخوات أما الخميس حين يكون الاجتماع في منزلهم فلديها طقوس آخرى : تدخل المطبخ لترى ماذا أعدت والدتها لعشاء الليلة وعادة ما تضيف صنفاً أو صنفين من وصفات الطعام التي تحتفظ بفيديوهاتها طوال الأسبوع خصيصاً لهذا اليوم بل وتتفنن في تزيين السفرة والأطباق كشيف مخضرم ... كان كل ذلك يجلب لها ثناء الجميع خاصة مراد الذي تنتظر منه كلمة لتبقى تسترجعها طوال الأسبوع كالبخيل الذي يكرر عد وريقاته النقدية ابتهاجاً بها

جاء المساء متأخراً رغم انشغالها بالمطبخ والتزيين منذ عادت من العمل وجاء أفراد الأسرة تباعاً ، خالها كمال وزوجته وأولاده مراد ومريم وخالها سعيد وزوجته وبناته شمس وشاهي وبدأت أحلى ساعات الحياة بالنسبة لجنة
وكالعادة بعد ساعات من اللقاء ، بدأ الجميع يتحدث عن زواج الشباب ، قال خالها سعيد مازحاً " يا مراد أنت الكبير ... مش هتتجوز بقى وتفك نحس الباقيين "
البنات وقد امتزجت أصواتهم مزحاً " نحس إيه ... العرسان بتترمى علينا وإحنا اللي مش راضيين "
سعيد مازحاً "طب لما مفيش مشكلة بتاخدوا كلامي عنكم ليه وألا اللي على رأسه بطحة ؟ "
اعترض البنات : " بطحة ...ده إحنا قمرات مفيش فينا غلطة "
رد كمال جاداً : "خلاص إن شاء الله مراد هيستلم شقته بعد ٦ شهور وبعدها يقدر يتقدم لأي حد وهو جاهز "
مراد : " طبعاً بابا وعمي عاوزين يدخلوني القفص وأتحبس زيهم "
والدة مراد مدعية الضيق : " عيب يا ولد ... أنا حابسة باباك برضه ؟ "
نظر الجميع لبعضهم نظرة بنعم مؤامرة عليها وإمعانا ً في الضحك فمزحت كأنها غاضبة " طيب محروم يا مراد أنت وأختك من الغدا أسبوع عشان السجان مش فاضي يطبخ "
مريم مدعية الاعتراض " وأخته عملت إيه بس دلوقتي ... هو كده مراد يعمل المشكلة ولازم أشربها انا ... فين العدل ؟ "
واستمر التضاحك والمرح ورغم حب جنة الشديد لكل أفراد أسرتها إلا إن قلبها متعلق بكلام شخص واحد وحركاته ونظراته

رحل الجميع وبقت جنة ساهرة في فراشها حتى الساعات الأولى من الصباح تتذكر كل كلمة قالها مراد ، يا ترى هل يشعر بها ؟
يا ترى حين يستلم شقته هل سيتقدم لها ؟ فربما كان معجباً بها وينتظر الوقت المناسب
أم هل سيختار عروس آخرى ؟ وشعرت أن قلبها يتحطم من مجرد فكرة كهذه .

مرت شهور عدة ، وعادت جنة متهللة كالعادة من عملها فاليوم يوم رؤية الحبيب ... وجدت من والدتها استعدادات أكبر من العادة وتورتة كبيرة من محل شهير فقالت بجزل "يا سيدي يا سيدي النهاردة هيومة راضية عنا آخر رضا "
نظرت لها هيام وقالت باعتراض مرح : " ليه يعني أنا مش دايماً بظبطكم "
جنة : " آه طبعا ً حضرتك مظبطانا على طول بس مش للدرجة دي "
هيام : " النهاردة فيه مناسبة خاصة "
حاولت جنة تذكر أعياد ميلاد الجميع وأعياد زوجاتهم فلم تجد ما يناسب التاريخ فقالت لهيام بتعجب " مناسبة إيه دي يا ماما أنا مش فاكرة حاجة "
نظرت هيام لها بسعادة بالغة وأجابت : "مراد أخيراً هيخطب "
جنة في نفسها : يا ترى أنا ؟! أكيد أنا وإلا ماما مهتمة وفرحانة ليه ؟!
ثم سألت والدتها بهدوء وهي تخشى فضح ما أخفته سنوات : " هيخطب حد نعرفه ؟ "
ردت هيام بجزل : " طبعاً آمال فرحتي دي كلها ليه "
جنة وقد علا اليقين في نفسها وأصبح قلبها لا يقوى على مايشعر به من ترقب : " قولي بقى يا ماما "
أجابت هيام وكأنها ستلقي عليها أسعد خبر : "هيخطب شمس بنت خالك سعيد "

وحلت الصاعقة على جنة وانهارت أحلامها في بضع لحظات وتحولت إلى آلام لا تقوى على احتمالها بل لقد تصورت في تلك اللحظة إن نهاية الدنيا قد حانت وإن قلبها قد توقف إلى الأبد

#فيلسوفة_زمانها

للوهم أسرىWhere stories live. Discover now