تفتحت براعم الحب

157 5 3
                                    

#للوهم_أسرى

(٣)

بعد مرور عام على زواج مراد وشمس ، تقدم لجنة عريس محترم ، زياد ابن إحدى صديقات والدتها ، مهندس زراعي في الثالثة والثلاثين . خططت الأمهات للقاء كأنه صدفة في النادي دون أن يخبرا الأبناء وفعلاً أعجب زياد بجنة

كان  رد فعل جنة الأولي الرفض بالحجة التي كانت تقولها لوالديها مراراً " مش عاوزة اتجوز بالطريقة دي "
حركت هيام رأسها يمنة ويسرة من الغيظ ، دليلاً على نفاذ صبرها وعدم إعجابها بما تقوله بنتها وغالب بنات جيلها : " مالها الطريقة دي ...هو أنتِ هتتعرفي عليه يوم الفرح  ؟ أنتِ هتشوفيه كذا  مرة وهتقعدي معاه ، إذا ماعجبكيش ماتوافقيش وبعدين عندك الخطوبة لو ماحبيتيهوش سيبيه "
تلعثمت جنة في الرد فلم تدر بماذا تجيب ، فأضافت هيام برقة. : " وبعدين يا جنة يا حبيبتي هو الحب ده هيهبط بالباراشوت ؟ في الشغل نفس الناس وفي العيلة نفس الناس إلا إذا أنتِ مستنية حد معين قوليلي ولو طلع كويس ويستاهل أنا أول واحدة تقف جنبك "
أجابت جنة وقد بدأت تشعر بحيرة شديدة  فكلام والدتها يبدو منطقياً :  " مافيش حد يا ماما ولا حاجة "
نظرت لها والدتها بإصرار :  " يمكن حاجة قديمة مش قادرة تتخطيها "
احمرت وجنتي جنة وأجابت بحرج " لا لا مفيش حاجة "
فاجأتها هيام بقولها  :  " تعرفي فاطمة بنت عمي صاحبتي وحبيبتي قد إيه ، كانت زمان معجبة بابن عمنا لكن عمر ما حد فيهم صرح للتاني أتاري هو مكانش شايفها أصلا ولا حاسس بيها ... فضلت ترفض كل العرسان اللي اتقدموا لها رغم انها كانت أحلى بنت في العيلة  وجالها أحسن ناس ...حتى بعد ما اتجوز فضلت ترفض سنين وفي الآخر بطل يجيلها حد ، دايما تقول لي يا ريتني اتجوزت ولحقت اخلف لي حتة عيل  عشان كده بقول لك قابلي الناس اللي بييجوا وهتحبي حد منهم أكيد "
بدأ كلام والدتها يدق ناقوس الخطر في عقلها  ... ماذل لو لم تقابل الحب صدفة ...لماذا لا تسعى للبحث عن الحب بطريقة يقبلها الشرع والمجتمع فقالت لوالدتها بمرح  : "خلاص يا ماما بجد أوعدك هفكر في كلامك ...كل ده عشان ابن صاحبتك "

حكت جنة لمنار فنصحتها بقبول رؤيته مجدداً  فهكذا جميعنا أصحاب حكمة في غير مشكلاتنا "طب كنتِ في الأول بترفضي عشان مراد مكانش خطب واتجوز ... دلوقتي بترفضي مستنية إيه ، العمر بيجري ، لو زياد طلع طيب وظريف ليه لأ ولو طلع سيّء ارفضيه "

فقررت جنة أن تعطي زياد فرصة وسط فرحة عارمة من العائلة ... نجح زياد في حيازة قبولها فهو لطيف ، مهذب ، يعاملها باحترام لكن وآه من لكن ... كانت دوماً تقارنه بمراد فترى مراد يتميز عنه بخفة الدم والمرح  الزائد
ورغم ذلك مضت فترة الخطبة سريعة كلمح البصر ، اطمأنت جنة خلالها لقرارها ولشخص زياد

تزوجت جنة وزياد ... كان واضحاً على زياد إقباله على حياته الزوجية بكل قلبه ، لم يكن النوع الذي يغرقها بمعسول الكلمات لكن تصرفاته كلها مبنية على التفاهم معها ومراعاة مشاعرها . كان كثيراً ما يعود جالباً لها وردة أو وردتين ويشرح لها خصائصها وفي أي جو تزدهر فتسأله ضاحكة " أنت جايبها رومانسية ولا عشان نعمل عليها دكتوراه ؟ "
فيجيبها ضاحكاً " دكتوراه طبعاً ... يعني إيه رومانسية ؟! "
لا تنكر جنة شعورها  بميل قلبها له بسبب حنانه وعطائه ولكن يبقى مراد في ذهنها كأنه مثالي لا يشابهه أحد

تقدم لمنار أحد زملائهم شاب قمة في الخلق والعطاء وتمت خطبتهما  وبقت منار كجنة تقارن تصرفات عزت خطيبها السابق برأفت
منار :  " تخيلي يا جنة رأفت مموت نفسه في إنه يعمل في الشقة أحسن حاجة... بيعمل حاجات اكتر من اللي إحنا بنطلبها بيقول عشان نعيش فيها مرتاحين "
ردت جنة بسعادة حقيقية : " الحمد لله ربنا بيعوضك "
تساءلت منار بدهشة : " قصدك إنه هيكون احسن من عزت ؟ ده عزت كان بيقول لي كام حلو يخليني في السماء السابعة أسبوع "
تعجبت جنة من ردها الخيالي فقالت  : " يا سلام وايه قيمة كلامه الحلو وهو سابك وما فضلش معاك؟"
منار بإصرار : " لا عزت سابني غصب عنه ، مش معقول مايبقاش بار بمامته عشاني لكن انا متاكدة إني أكيد لسه في قلبه "
وهكذا كانت الفتاتين يومياً عالقتين في نقطة زمانية ماضية لا خير حقيقي فيها ... لم تكن خيانة بالمشاعر بقدر ما كانت مقارنة ظالمة بمثالية من صنع خيالهم

بعد عدة شهور من الزواج ، عادت جنة مرهقة بشكل غير عادي من العمل ، قررت كعادة الجميع أيام الإرهاق أن تكتفي بإعداد مكرونة وفراخ بانيه من التي تحضرها مسبقاً  وتضعها في الفريزر للإستخدام السريع . أتمت الأكل على عجالة وخرجت لتستريح قليلاً فوجئت باستيقاظها على صوت زياد" جنة ...جنة أنتِ كويسة ؟"
نظرت فإذا بدخان كثيف خارج من المطبخ ونظرة هلع في عيني زياد خوفاً عليها ... تعجبت ماذا حدث هل استغرقَت في النوم ؟!
حاولت جنة أن تطمئنه رغم هلعها من المنظر الذي تراه : " أنا كويسة ...هلحق المطبخ هو الدخان ده من ايه ؟ "
رد زياد بهدوء مماثل : " ما تخافيش أنا دخلت لقيت الزيت ماسك في كل حاجة ، طفيته بطفاية الحريق بس كنت هموت من الخضة عليكِ "
هنا فقط فهمت جنة ما حدث : " إيه ده  أنا نسيت أطفي على الزيت ؟! أنا راجعة تعبانة أوي من الشغل النهاردة معرفش ليه "
نظر لها زياد بود حقيقي وأضاف  : " سلامتك ألف سلامة ... طب خليكي مرتاحة ، هنظف المطبخ على السريع على بال ما تطلبي لنا أكل بدل اللي اتحرق "
شعرت جنة بالذنب لما حدث وقالت جنة بتصميم : " لا لا ، هقوم معاك "

دخلت جنة المطبخ فإذا بالشفاط الكهربائي قد احترقت أجزائه كأن لم تكن والحلل تفحمت . كما وصلت النار للكيتل (البراد الكهربائي ) ومحضر الطعام الذي فرمت به البصل والطماطم وللأرفف البلاستيكية التي بها البطاطس والبصل ... الخسائر كانت كبيرة غير التنظيف الذي سيحتاجه المطبخ لكثرة الرماد والسواد الذي غطى السيراميك والدهان
قالت جنة بحزن : " إيه ده مطبخي الجديد باظ "
نظر لها زياد بحب : "  أنتِ بتقولي إيه ... أنتِ ربنا نجاكي من الموت النهاردة لازم نسجد لله سجدة شكر "
لازالت جنة تشعر  بالأسى على أشيائها  : " الحمد لله بس كده هنتكلف مصاريف جامدة"
زياد شاكراً لله بصدق على نجاة جنة وعدم انتشار النار لباقي الشقة : "مصاريف إيه بس فداكي "
وبدأت جنة في السعال المتواصل وعاد لها الشعور بأنها على غير ما يرام
فقال زياد بحنان  : " اخرجي أنتِ دلوقتي أنا هنظف على قدي ... عارف إني فاشل في التوضيب بس بكرة أما تبقي كويسة نظفي على رواقة "
طلبت جنة الطعام فعلاً والعجيب إنها استغرقت في النوم تماماً حتى جاء الأكل

بعد عدة أيام كانت جنة لازالت مريضة ، فصمم زياد على اصطحابها للطبيب

#فيلسوفة_زمانها

للوهم أسرىWhere stories live. Discover now