الوسادة الخالية

167 7 0
                                    

#للوهم_أسرى

(٥)

ووضعت جنة مولودتها " لي لي " وسط فرحة عارمة من زياد والأسرتين وأخذت أجازة من عملها لرعاية طفلتها .
بعد الإنجاب بدأت شمس تتصل بها كثيراً  ربما لتشابه وضعهما ، وربما لذهاب الحرج بعد شفاء جنة وإنجابها

وفي إحدى المكالمات بينهما قالت جنة : " أنا مابقيتش عارفة بيتي ، والله ما ملاحقة غسيل في كل حتة " رغم إن جنة سيدة منزل ممتازة في الوضع الطبيعي
أجابتها شمس مؤكدة : " نحن السابقون ... أنتِ هتقولي لي "
واصلت جنة ضاحكة : " لا والنوم نفسي أنام ٤ ساعات متواصلين ، هتجنن أو هبقى زومبي "
ردت عليها شمس ساخرة : وفي الآخر ما حدش يصدق إنك تعبانة ويعتبرك كسلانة ومتدلعة

شعرت جنة بالحرج الشديد ، يبدو إن الحوار الذي سمعته بين شمس ومراد في منزل والدتها لم يكن عابراً بل مشكلة دائمة
شكرت جنة ربها فزياد لم يتغير معها رغم بعض  الإهمال الواضح على المنزل ، بل كثيراً ما كان يقول لها "لي لي نامت ... الحقي نامي لك ساعتين أنتِ كمان"
فإذا أخبرته إنها تريدأن تطبخ للغد أو تغسل الأطباق أو... أو ... أجابها "ارتاحي بس الأول وبعدين الباقي مقدور عليه "
لم يكن زياد من النوع المحترف في المساعدة المنزلية لكنه كان يبذل جهداً واضحاً في عدم اضافة أعباء عليها والتخفيف عنها .

ذهبت جنة وزياد لعقد قران منار ورأفت ... كان واضحاً على رأفت سعادته الفائقة ، دعت جنة في نفسها " يا رب يكون طيب وابن حلال ويسعدك يا منار "

بعد عقد القران خرج منار ورأفت إلى أحد البواخر الفخمة التي تسير في النيل وتقدم عشاء للمدعوين وحين استقرا على مائدتهما ، بدأ  رأفت حديثه باسماً
  " النهاردة بالظبط أتحقق حلمي اللي حلمته من سنتين"
تعجبت منار فمنذ سنتين لم يكونا قد خطبا بعد  " حلم إيه ؟"
التمعت عينا رأفت كأنه سيلقي اليها بسر خطير " فاكرة المشكلة اللي حصلت في  البحث اللي كان مقدمه فهمي عبد العال ، الكل كان عاوز يكذب على المديرة إلا أنتِ صممتي تقولي الحقيقة ... يومها قلت الحقانية دي هي اللي أنا هتجوزها بس كنت بدبر أموري عشان أتقدم وانا جاهز "
فغرت منار فاهها بدهشة لتذكره ذلك اليوم وإعجابه بها الصامت طويل الأمد فاستطرد رأفت " طبعاً بعد كده اتخطبتي وحلمي كان اتدمر بس ربنا رجعك ليه "

نزلت دموع منار رغماً عنها ، ففي الوقت الذي كانت تبكي فيه آسفا عل نفسها وعلى مستقبلها الذي ضاع دون عزت ، كان تدبير الله لها بالعوض الجميل ... الشخص الذي لم تر منه منذ بداية الخطبة سوى التفاني
نظر رأفت لدموعها بقلق وقال : " أتمنى الدموع دي تكون دموع فرحة "
طمأنته منار باسمة : " مش هنكر إن خطوبتي القديمة جرحت كرامتي ومامته كسرت كبريائي كتير بس أنا واثقة إني عرفت أختار المرة دي " وببقايا تعقل لم تخبره عن جرح قلبها النازف فليس من الحكمة في شيء الحديث عن التعلق السابق بشخص آخر
فرح رأفت بجوابها وأضاف :  "شفتي بحب صراحتك ليه ... واحدة غيرك كانت ماقالتش إنهم حسسوها بقلة القيمة قدام خطيبها ... بس أنا عاوزة أقول لك أنتِ قيمتك عالية وهما اللي خسروكي وأنا كسبتك "
ودخلت الفرحة ببطء قلب منار الجريح .

بعد عدة أشهر من زفاف منار ورأفت ، ذهب جنة وزياد لتهنئتهم وكالعادة تركت الزوجتان زوجاهما وذهبا لغرفة آخرى ليتحادثا على انفراد ...فقد افتقدا حوارهما اليومي المطول في العمل بسبب أجازة جنة

سألت جنة منار باهتمام حقيقي : " طمنيني عليكِ مبسوطة مع رأفت ؟ "
ضحكت منار بسعادة طاغية وقالت :  " الحمد لله بصراحة مفيش حاجة ممكن اشتكي منها "
ابتسمت جنة لحماس صديقتها في الإجابة وردت : " طب الحمد لله "
بدا التذكر على منار  وهي تقول : " سبحان الله كل حاجة استخسرتها فيا والدة عزت ، رأفت عملها من غير ما نضغط عليه خالص ... تحسيه كده راجل جدع وقد المسئولية "
أرادت جنة نصحها بشكل غير مباشر فقالت  : " أنا متاكدة إن أنتِ كمان جدعة وهتحسسيه بحبك وتقديرك "
طمأنت منار صديقتها قائلة :"  أنا فعلاً  بقدره جداً وبحترمه ومتعلقة بيه جداً بس تفتكري التجربة الأولى ممكن تتنسي ؟ "
ردت جنة مازحة لأنها حقاً لا تعرف الإجابة بعد : " ياه على جو فيلم الوسادة الخالية اللي أنا وأنتِ عايشينه ده "
أردفت منار  بحيرة شديدة : " تصدقي عرفت إن عزت خطيبي الأولاني مجرجر طليقته اللي هي بنت خالته في المحاكم عشان مش راضي يصرف على ابنه ! "
اتسعت عينا جنة ذهولاً مما تسمع : " ربنا نجاكي ... معملش حتى حساب للقرابة آمال لو اختلف مع واحدة غريبة كان هيعمل فيها ايه؟! "
دافعت منار  عن تصرف عزت بالطبع :" ليه ماتقوليش إنه وحش معاها عشان محبهاش ؟ "
جاوبتها جنة بانفعال زائد : " حتى لو مش بيحب مراته ذنب ابنه إيه ؟! الحب الحقيقي حب الولاد ... اللي مايحبش ابنه ضناه ميعرفش يحب حد تاني "
بدا على منار التفكير في رأي جنة وردت مازحة : " لا والله ... دي الأمومة بتعقل الظاهر "

بعد انتهاء الزيارة فكرت جنة في الحب الأول ، هو لا يخطر على بالها كشخص لكنها دائماً تتصوره أحسن من الجميع وتتخيل معاملته أرقى من أي معاملة يعاملها بها أحد تماماً كما نتخيل مطربنا العاطفي المفضل وإنه لابد في واقعه يتمتع بتلك الرومانسية التي يتغنى بها في جميع أغنياته .
  لا تنكر  جنة إن زوجها زياد احتل جزءاً كبيراً في قلبها  رغم إنه غير رومانسي بالمعنى المتعارف عليه لكن حنانه يعوض أي نقص . بينهم خلافات بالطبع لكنها لا تستمر ولا تتحول لمعارك... أغلب خلافهم بسبب خجلها من أهله وبسبب خروجه الكثير مع أصدقائه ... أشياء ثانوية لا تفسد المحبة

منار أيضاً كانت تفكر لقد كسر عزت قلبها فكيف تهبه تلك المنزلة ؟!
كانت والدته تعاملها كأنها طبقة دنيا او كأنها ستخطف ابنها الوحيد ... كانت أيام خطبتهما أغلبها لوم لها على أشياء لم تقصدها والكثير من البكاء وقليل من الكلمات الحلوة التي لا يُنسى مذاقها أما زوجها فيقدرها ويشعرها بعلو مكانتها وقدرها ...بينهم مشاكل أحياناً لكنه أبداً لم يعاملها بطريقة فيها لؤم أو لوم مستمر لكنها للآسف احيانا يسيطر عليها  فكرة " كيف ستكون حياتي مع عزت لو تزوجنا بكل هذا الحب في قلوبنا ... كيف كانت ستكون حياتنا وسعادتنا "

حدثت مشكلة كبيرة بين شاهي أخت شمس ووالدها سعيد فقد استطاعت شاهي الحصول على منحة  لدراسة الماجيستير في ألمانيا ورفض والدها سفرها نهائياً
مما جعل شاهي تنخرط في حزن كبير وشعور إنها فقدت كل نجاح وأمل في حياتها .

#فيلسوفة_زمانها

للوهم أسرىحيث تعيش القصص. اكتشف الآن