الحلقة (12):

20K 486 4
                                    

*حتي أقتل بسمة تمردك*

الحلقة (12):


إتسعت عيناها في ذهول بالغ عندما رأته أمامها ، في حين تسارعت ضربات قلبها عندما سمعته يحيها بصوته العميق:
-صباح الخير يا داليا.
عقد لسانها و لم تعرف ماذا تقول ، و بصعوبة خرج إسمه من بين شفتيها:
-مستر عز الدين !!
كان"عز الدين"يقف أمامها بثقة و كبرياء و حزم كما عرفته دائما و قد أضفت عليه ملابسه الداكنة قسوة و تمرد بالغين ، فهو لم يكن يرتدي بذلته السوداء الرسمية التابعة لعمله بل كان يرتدي سروالا أسود و قميصا رماديا أسفل كنزة سوداء صوفية ضاقت حول ذراعيه حيث أبرزت عضلاته القوية و بنيته العريضة الصلبة ، حتي في أبسط إطلالاته لم يتخلي عن هيبته و عنفوانه اللتين لطالما تمتع بهما ..
كانت تطل من عينيه نظرة متفحصة شملت كل جزء من ملامحها المصدومة ثم أخيرا نطق فقال بهدوء:
-مش هتقوليلي اتفضل ؟ و لا هتسيبيني واقف علي الباب كده ؟؟
لم تستطع التفكير بسؤاله إذ سألته مذهولة:
-حضرتك عرفت عنواني ازاي ؟؟
إبتسم بخفة ثم أجابها:
-انتي ناسية انك موظفة عندي ؟ و ان كل بياناتك تحت ايدي ؟؟
صمتت تماما ، فقط ظلت تنظر إليه في دهشة بينما جاءت"ياسمين"فجأة و وقفت إلي جانب شقيقتها عاقدة حاجبيها في تساؤل لدي رؤيتها الضيف الغريب فهتفت متسائلة:
-داليا ! مين ده ؟؟
إنتفضت"داليا"منتبهة ثم إستدارت بسرعة نحو شقيقتها و أجابتها في إرتباك و تعلثم واضح:
-أاا أاا ياسمين د ده ده مستر .. مستر عز الدين نصار.
عند ذلك حولت"ياسمين"نظرها إلي"عز الدين"في سرعة و سرعان ما تذكرته علي الفور ثم رمقته بعداء سافر و صاحت قائلة:
-هو حضرتك بقي ؟ اهلا بيك.
رمقها"عز الدين"بهدوء كما ثبت بمكانه بنفس الهدوء و البرود أيضا بينما كان الغضب و الإنفعال يملآن كيان"ياسمين"كلما نظرت إليه و تذكرت معاملته لشقيقتها و ما فعله بها فيما تابعت بحدة قائلة:
-امرك يا استاذ ؟ اي خدمة ؟ عايز ايه ؟ لو كنت جاي لغرض سافل من اغراضك اللي سمعت عنها من اختي و ربنا في سماه لهخرجك من هنا بفضيحة و مش كده و بس جيراننا موجودين حوالينا بردو احسن تكون فاكرنا لوحدنا لأ و اقل واحد هنا يقدر يتصرف معاك كويس اوي فانا بقول احسنلك يعني تاخد بعضك و منغير مطرود يـ ...
-ياسمين !
هتفت"داليا"بغضب جامح مقاطعة شقيقتها ثم تطلعت إلي"عز الدين"بأسف و إضطراب قائلة:
-أ انا انا اسفة .. انا اسفة جدا يافندم اختي ماتقصدش.
-لأ اقصد.
عارضت"ياسمين"بقوة ثم تابعت في غضب يكاد يعميها:
-الاستاذ غلط معاكي كتير و لانك طيبة يا اختي و انا عارفاكي متسامحة كنتي بتنسي اهاناته فطيبتك دي شجعت حضرته علي التمادي في تصرفاته لدرجة انه افتكرك رخيصة يقدر يشتريكي بفلوسه بس لحد هنا و عندك بقي .. انا اللي هقفلك.
-ياسمين اسكتي قلتلك اياكي تتكلمي تاني سامعة ؟؟
هتفت"داليا"بإنفعال هش معنفة شقيقتها ثم عادت تنظر إلي"عز الدين"بوهن متسائلة:
-حضرتك جاي ليه يافندم ؟ انا سيبت الشغل خلاص عايز مني ايه تاني ؟؟
تنهد"عز الدين"بعمق ثم قال بصرامة هادئة:
-انا عايز اتكلم معاكي علي انفراد يا داليا .. و لو وجودي مش مرغوب فيه في بيتك ممكن تيجي معايا و نتكلم بهدوء في اي مكان تاني.
-تيجي معاك فين يا استاذ انت ؟؟
تدخلت"ياسمين"في حدة ثم تابعت:
-لأ طبعا مش هتروح معاك في حتة.
نظر"عز الدين"أرضا ثم ضم قبضتيه في غضب بينما نظرت"داليا"إلي شقيقتها في حدة ثم أشارت لها برأسها بأن تتواري بأي غرفة الأن حتي تنهي حديثها معه ، عارضتها"ياسمين"في بادئ الأمر إلا أنها رضخت بالنهاية تحت إصرار شقيقتها ، حيث زفرت في حنق ثم إستدارت علي نفسها و توارت بعيدا عن نظريهما ..
إنتظرت"داليا"حتي غابت"ياسمين"في الداخل ثم حولت نظرها إلي"عز الدين" و قالت مترددة:
-اتفضل !
عند ذلك رفع"عز الدين"رأسه فلاحظت ملامحه الجامدة التي تبدلت لتصبح واجمة و أكثر حدة جراء ما تلقاه من شقيقتها للتو ، بينما خطي إلي داخل المنزل و هو يتفحص كل ركن و كل زاوية بفضول بالغ ، كان ينظر حوله بإهتمام و إستغراب فتساءلت"داليا"بإنزعاج .. بماذا يفكر الأن ؟ هل يقارن ؟ بالطبع لا شيء هنا يمكن مقارنته بقصره العظيم غير أن الشقة فارغة أساسا !!
و لهذا إستدار إليها بسرعة و راح يحدق فيها بقوة جعلتها تفقد توازن عقلها فتعلثمت قائلة:
-اسفة بقي .. مش عارفة اقولك اتفضل فين ؟؟
-انتي كنتي بتعزلي و لا ايه ؟؟
سألها بفضول فهزت رأسها في إضطراب قائلة:
-حاجة زي كده.
-كويس اني لحقتك بقي.
-خير يافندم كنت عايزني في ايه ؟؟
سألته في جمود بينما رمقها بنظرة ثاقبة ثم سألها:
-بقالك كام يوم مش بتيجي الشركة .. ليه ؟؟
أجابته في هدوء:
-سبق و قلت لحضرتك اني مستقيلة.
هز رأسه في لامبالاة قائلا:
-عموما مش مهم .. انا عمري ما كنت هسمح لمراتي انها تشتغل اساسا.
-مراتك !!
هتفت في صدمة فأجابها باسما:
-اه مراتي .. انا جاي اطلبك للجواز تاني .. بس المرة دي رسمي يا داليا.
إتسعت عيناها في دهشة و ذهول ثم سألته بصوت مختنق:
-رسمي ؟؟
-ايوه .. ايوه يا داليا انا هتجوزك رسمي اظن بالطريقة دي اكيد هتوفقي !
تسارعت أنفاسها و جف حلقها فقالت لاهثة:
-ايوه بس .. بس حضرتك .. انت نسيت اخر مرة لـ ...
-اه نسيت.
قاطعها في سرعة ثم تابع:
-و عايزك انتي كمان تنسي.
حدقت فيه غير مصدقة و قد أربكها تناقضه الغريب ، فتساءلت .. أين مجابهته ؟ أين إسترساله في إهانتها ؟ و لماذا يعاملها الأن برقة و إحترام ؟ ماذا حدث له ؟ أيطلبها للزواج حقا ؟ ..
أفاقت من تأملاتها مذعورة و كادت تجزم بأنها في حلم و يجب أن تستيقظ منه في الحال !
و لكن لا .. هذا
حقيقي .. كل شيء حقيقي ، هاهو ذا يقف أمامها تراه يحدق فيها بعيناه البراقتين ، و لا شعوريا إسترسلت في تأمله ، ما أوسمه ، بالتأكيد إذا إقتربت منه أي إمرأة لابد و أن تفقد صوابها بسبب تلك الجاذبية التي ينطق بها وجهه و جسده القوي ، فيما تركزت عيناها علي عنقه الصلب تحديدا في المنتصف ، حيث شعرت برغبة غريبة في أن تلمس تفاحة آدم و ذاك العصب الجانبي البارز بوضوح !
هذه الرغبة المفاجئة جعلتها تنتفض مرتبكة فسألته بلهجة جامدة شوبها إرتباك بسيط:
-حضرتك جاي عادي كده و فاكرني هوافق علطول ؟؟
سألها دون أن يبالي بنبرتها الجامدة:
-و ليه لأ ؟ ايه اللي يخليكي ترفضي ؟؟
هدأت قليلا ثم أجابت:
-في اسباب كتير تخليني ارفض.
-زي ايه مثلا ؟؟
إلتقت عيناهما طويلا قبل أن تخفض"داليا"نظرها هاربة من سؤاله الثاقب ، كالعادة تذوب شخصيتها تماما ما أن يتكلم أو عندما يوجه سؤالا صارم .. ثم أخيرا رفعت رأسها و نظرت إليه بقوة قائلة:
-اسفة يافندم .. انا برفض طلبك.
همهم في هدوء ثم إقترب منها حتي وقف أمامها مباشرة لا يفصله عنها سوي سنتيمترات قليلة بينما حدقت به في توتر عندما سمعته يقول:
- و انا كمان اسف اني مش بقبل جوابات بالرفض علي طلباتي.
ثم تابع في ثقة:
-انا متأكد انك هتفكري تاني .. و لما اشوفك تاني المرة الجاية و اسألك هتبلغيني بموافقتك .. مش برفضك.
هزت رأسها عابسة ثم سألته:
-حضرتك عايز تتجوزني ليه ؟؟
صمت قليلا ثم أجابها في هدوء:
-معجب بيكي .. عايزك .. و الوسيلة الوحيدة اللي هتوصلني ليكي الجواز .. الا اذا كان عندك اقتراح تاني !
تراجعت و هي ترتجف و قد أخافتها كلماته و نظراته الجريئة ، عند ذلك تيقنت بأن هذا هو السبب الرئيسي الذي يدفع رجلا مثل"عز الدين"للزواج منها و ربما بل و حتما أنه سيطردها من حياته ما أن ينال منها مآربه !
كانت هذه هي المرة الأولي التي تلمح فيها الرغبة الخالصة بنظراته ، عادة كان ينظر إليها بسخريته المعهودة و إزدراءه كلما أحب إثارة غيظها أو أشعارها بالإهانة ، بينما إرتجفت رفضا و نفورا ثم تمتمت بخفوت كاذبة:
-بس انا مش عايزة اتجوزك.
-هتتجوزيني يا داليا.
كان يحدثها بهدوء كمن يخاطب طفل صغير فيما تابع بإبتسامة خبيثة:
-للأسف .. ماعندكيش اختيار تاني.
ضاقت عيناها و هي تنظر إليه في شك ثم سألته:
-قصدك ايه ؟؟
تجاهل سؤالها و عوضا عليه قال:
-هديكي يومين عشان تفكري و هبقي اكلمك.
و دون أن ينتظر جوابها تجاوزها متجها صوب باب المنزل ثم فتحه و إلتفت إليها ، ألقي عليها نظرة فاحصة خاطفة ثم إبتسم في خبث و رحل مسرعا ..
بينما وقفت جامدة ، غير قادرة علي التفكير ، حتي سمعت صوت شقيقتها آت من خلفها:
-داليا.
إنتفضت منتبهة ثم إلتفتت في مواجهة شقيقتها قائلة بنصف وعي:
-ايوه يا ياسمين ؟؟
-هتعملي ايه ؟ بعد ما طلب ايدك رسمي ؟ انتي موافقة ؟؟
تهدجت نبرة صوتها و هي تقول:
-مش عارفة .. مش عارفة ... !



حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖حيث تعيش القصص. اكتشف الآن