الحلقة (2)

22.7K 567 7
                                    

حتي أقتل بسمة تمردك

الحلقة (2):

-يا انسة .. ممنوع تسيبي اي سؤال فاضي حتي لو عن شيء صغير او حاجة مش في الـ cv بتاعك.
كان هذا صوت موظفة الإستقبال التي هتفت لتنبه"داليا"بينما سارعت"داليا"و نظرت إلي تلك الإستمارة ، وجدت أن خانات الأسئلة لا تزال فارغة ، ثم فجأة تذكرت كلام"فاتن"زميلتها في العمل السابق عن أن قليل من الكذب لا يضر و إنما يجمل ، لم يكن هذا رأيها و برغم أن بعض الأسئلة حيرتها كثيرا لكنها قررت أن تقول الصدق و ليساعدها الله ..
ملأت الإستمارة بتمهل و هي تراقب بين الحين و الأخر الفتيات و هن يدخلن و يخرجن .. جاءت فتاتان بعدها فأحست براحة لذلك ، فهي لا تحب أن تكون أخر من جاء .. أعادت الإستمارة للفتاة المسؤولة عن الإستقبال ثم عادت إلي مكانها مرة أخري و تساءلت في نفسها ، هل يقرءون تلك الإستمارات فعلا ؟
و بعد قليل بدأت"داليا"توتر .. كانت ماهرة في عملها السابق حيث كانت تعمل لدي مكتب صرافة و لكنها لم تكن متحدثة لبقة و لهذا تم إستبعادها من الوظيفة ، تمنت في تلك اللحظة أن يكون هناك إختبار للقدرات في هذا المكان و عندها سيتحدث عنها عملها ، أما هي فلن تستطيع التحدث عن نفسها ..
فكرت"داليا"في أن تسأل إحدي الفتيات عند خروجها من المقابلة ، لكنهن كن يذهبن خارج المكان بمجرد خروجهن من الحجرة المخصصة للمقابلة الشخصية
كانت تحتاج إلي العمل ، لكنها لم تكن واثقة من الحصول عليه تماما و لكنها أيضا لم ترد أن تفقد الأمل .. توقعت أن دورها سيحين علي الفور لكن هذا لم يحدث فقد أخذت كل فتاة وقتا طويلا جدا في إجراء المقابلة مما زاد من توترها ، فشعرت بالعرق يملأ راحتي يديها فأخرجت منديلا قطنيا و فردته في هدوء ثم جففت به يديها في بطء و عادت تطويه و تضعه في حقيبة يدها
مرت دقائق أخري خالتها"داليا"دهرا ،و في هذه اللحظة إقتربت منها موظفة أخري نحيلة ذات مظهر طيب و طبيعة حسنة ترتدي زي العمل الرسمي ثم قالت لها:
-اتفضلي معايا يا انسة دور حضرتك.
نهضت"داليا"و هي تشعر بعدم الثقة بنفسها رغم أنها كانت تبتسم مما ضاعف عصبيتها و إرتباكها ، كانت تعلم قدرتها علي العمل ، لكنها شكت في قدرتها علي توصيل ذلك لهم .. و لكنها أخيرا أخذت نفسا عميقا ثم تبعت الموظفة عبر الممر الطويل المغطاة أرضه بالسجاد الأحمر
كانت أعصابها مشدودة كالوتر و لم تكن تعرف ماذا تتوقع فهي علي بعد خطوات من حجرة المقابلة حيث يجلس رب العمل ، فتحت الموظفة أبوابا بيضاء مزدوجة و أشارت لها بالدخول .. دخلت"داليا"إلي الحجرة المخصصة للمقابلة الشخصية ، حدقت إلي تلك السجادة السميكة ذات اللون الرمادي التي وضعت علي أرض بيضاء رخامية و إلي ذلك الأثاث الفاخر .. شعرت و كأنها خارج نفسها بصورة يائسة ، تفحصت المكان في ذهول لم يحدث لها أن رأت مثل ذلك الترف في حياتها أبدا ، مقاعد بيضاء جلدية و ستائر قرمزية ، حشب أسوجي و طاولات تكسوها مفروشات حريرية .. وقفت في ملابسها المتواضعة البسيطة و كأنها بمكتب ملكي و ليس مكتب عادي لإجراء مقابلة عمل إتضح لها أن تلك المقابلات كانت تتم هنا ، بمكتب رب العمل ..
أفاقت من تآملاتها و خيلاتها علي صوت الموظفة:
-يا انسة .. ده مستر عز الدين نصار صاحب الشركة و رئيس مجلس الإدارة.
سرت بأوصالها قشعريرة خفيفة فيما كان يجلس"عز الدين"خلف مكتبه بهدوء محدقا فيها ، ألتقتت نظراتهما للحظة وجيزة قبل أن يتوجه بالحديث إلي الموظفة:
-تقدري تتفضلي انتي يا انجي .. مش جبتي إستمارة الأسئلة إللي مليتها الانسة ؟؟
-ايوه يافندم الاستمارة و الـ cv اهم الاتنين.
قالت الموظفة ذلك و هي تضع الملفات علي المكتب بينما أذن لها"عز الدين"بالإنصراف فأنسحبت بهدوء ..
ثم حول نظره إلي"داليا"و قبل أن يتفوه بكلمة تناول علبة بلاتين أنيقة و أخرج سيكارا وضعه بين أسنانه و أشعله .. شعرت"داليا"في تلك اللحظة كإنما ركبتاها ستبدآن بطرق الواحدة الأخري ، فيما كانت عيناه تتفحصانها بجرآة ساخرة إلي أن نطق أخيرا حيث قال بهدوء آمر مشيرا إليها بالجلوس في أحد المقاعد الجلدية قرب مكتبه:
-اتفضلي اقعدي يا انسة.
تقدمت"داليا"و جلست ببطء في المقعد قبالة المكتب ، كانت خجولة من مواجهته وجها لوجه فأخذت تحدق بالأرض حتي إنتفضت لدي سماعها صوته:
-انتي خريجة ايه يا انسة ؟؟
كان يحدق فيها من خلال نصف عينيه المقفلتين حيث بدا غير مبالي بها فتعلثمت و هي تقول:
-تجارة انجلش حضرتك .. و بعدين كل المعلومات اللي هتعوز تعرفها عن مؤهلاتي موجودة في الاستمارة اللي مليتها قبل ما ادخل.
رفع حاجبه و هو يهز رأسه ساخرا ثم قال:
-بس اعلان الوظيفة طالب موظفة دارسة ادارة اعمال يا انسة .. لان بجانب ب
وظيفة تخصصك هتكوني سكيرتيرة عام للشركة.
أجابت"داليا"في إنزعاج أمام نظرته المتهكمة الثاقبة:
-انا عارفة حضرتك الاعلان طالب ايه و جاهزة للوظبفة و الا ماكنتش جيت .. انا بعد ما خلصت كليتي عملت دراسات علية في ادارة الاعمال و الكمبيوتر ده غير اني بعرف انجليزي و فرنساوي و اسباني.
هز رأسه مرارا بسخرية ثم تناول إستمارتها بينما جفلت عيناها بتوتر ، فيما كان يقرأ بلا إكتراث و سيكاره يميل علي جانب فمه ، عينيه تستشعران أثر الدخان كجسدها المتوتر ..
إنتهي من القراءة سريعا ثم ألقي بالأوراق علي المكتب ثم نظر إليها بإمعان قبل أن يقول:
-إيدك .. كانت بتترعش و إنتي بتكتبي !
لم تجب .. فقط صمتت و هي تعض بقوة علي شفتها بينما تنهد و هو يطفيء سيكارته بعد أن أمتص عبقها الأخير بعمق ، كم يستلذ بذلك النفس الأخير منها ثم تناول الـ cv و تصفحه سريعا ثم ألقاه فوق الإستمترة:
-طب عندي سؤال.
قال ذلك بإرتقاب بينما نظرت إليه متسائلة فقال:
-ليه استبعدوكي من الوظيفة الاخيرة اللي كنتي فيها ؟؟
أجابته"داليا"بصراحة مطلقة:
-المكتب اللي كنت بشتغل فيه كان بسيط شوية فكنت واخدة مكان موظفة الاستقبال و حضرتك عارف ان موظفة الاستقبال شغلها الرد علي المكالمات و خلافه فلازم تكون متحدثة لبقة و الحقيقة دي ميزة مش فيا انا مش بعرف اتكلم كويس انما بعرف اشتغل كويس.
هز رأسه ببطء و هو يحلل كلامها بينما حدقت فيه جيدا .. لم يكن أبدا كما تصورت إذا إختلطت فكرتها عنه بصور غير واضحة عن رجال أعمال ناجحين بدينين ملامحهم غير إعتيادية ..
لم يكن"عز الدين"بنظهرها أحدا من هؤلاء الأشخاص فقد بدا لها طويلا عندما وقف فجأة فوقفت تلقائيا ، لم تكن قصيرة القامة و مع ذلك إضطرت للتطلع إلي أعلي لتكون في مواجهته ، كان نحيلا ذا جسدا ممشوقا مكدس بالعضلات يتمتع بقامة قوية صلبة بالإضافة إلي إناقته المتناهية كان يرتدي ثيابا باهظة الثمن و ربطة عنق من اللون الرمادي غير أن بشرته برونزية ملامحه قاسية بعض الشيء عينان عسليتان ، فمه حسن التكوين شهواني عليه مسحة قسوة ، شعره اسود غزير و أملس ..
إرتخت ركبتا"داليا"من الصدمة .. هذا اسوأ .. اسوأ بكثير مما توقعت و كأنها في مواجهة وحش بشري ، فوق هذا كله تلك البسمة الساخرة السريعة و كأنه قرأ أفكارها فقال:
-طيب .. انتي هتاخدي معاكي الـ cv بتاعك و هتسيبلنا الاستمارة و لو تم اختيارك هيوصلك مننا اتصال.
تلك الجملة لم ترضها ، بل شعرت بالضيق فلملمت أشيائها و غادرت الشركة ثم وصلت إلي بيتها ..
حاولت إقناع نفسها بأن حصولها علي هذا العمل لا يهمها في شيء لكنها لم تنجح في ذلك .. من كانت تخدع ؟ إنها في حاجة ماسة لهذا العمل حقا أنه ليس أخر عمل يمكنها التقدم إليه لكن المكان أعجبها كما أنها تعلم أن لديها الكفاءة اللازمة للعمل و لم يكن من العدل ألا تحصل علي الوظيفة بمجرد أنها لا تحسن تقديم نفسها و التعامل مع الغرباء !
تساءلت .. تري كم سيكون أجرها لو حصلت علي هذا العمل ؟ .. ضايقها التفكير في النقود فضمت قبضتيها بشدة و هي تتنهد بثقل و فكرت ، سحقا لهذا المال .. لا يملك الإنسان ما يكفي منه أبدا ... !



حتى اقتل بسمة تمردك...للكاتبة مريم غريب💖حيث تعيش القصص. اكتشف الآن