إلى أين المفر

5.1K 117 5
                                    


عاد ماكس إلى الحظيرة حيث كانت ماى تجمع البيض وتضعه فى الصوانى المخصصة له وأعلمها قائلاً :"كان ذلك جود"
بدأ قلب ماى يدق بسرعة داخل صدرها لكنها أبقت صوتها منخفضاً وقالت :"آه !"
عندما نادت مارش ماكس الذى كان يساعدها فى جمع البيض قائلة له بأن لديه أتصالاً هاتفياً افترضت ماى أن المتصل هو جود. فالوقت مبكراً جداً كى يقوم أى شخص آخر بالاتصال ما لم يكن صديقاً مقرباً .
بدا من المسلى جداً مشاهدة ماكس وهو الرجل الذى يصعب إرضاؤه يتحرك فى أنحاء خمّ الدجاج البعيد عن مظاهر النظافة يجمع البيض معها . حصل ذلك بعد أن أعرب عن نيته بأن يكون ذا فائدة لها بدلاً من أن يكون عبئاً أثناء وجوده فى المزرعة . إلا أن مظاهر العبث اختفت من وجهه بعد أن نادته مارش إلى داخل المنزل ليرد على المكالمة الهاتفية. وتساءلت ماى عن سبب اتصال جود بالرجل الآخر وخصوصاً أن ماكس بدا متوتراً بعد عودته .
نظرت إليه ولاحظت العبوس الطفيف الذى ظهر ما بين عينيه . لكن ماى حافظت على نبرة صوتها المنخفضة مرة أخرى عندما سألت ماكس :"هل كل شئ على ما يرام؟"
أكد لها ماكس ساخراً:"كل شئ على ما يرام . فـ جود مضطر للسفر لعدة أيام. هذا كل ما فى الأمر"
مضطر للسفر ؟ أم أنه قرر ببساطة أن يبتعد؟ أضطربت خفقات قلب ماى لهذه الأخبار ولم تكن متأكدة هل مرد ذلك إلى الارتياح أم إلى اليأس . فبعد الذى حدث ليلة أمس كان نصف كيانها يتمنى لو أنها لا ترى جود بعد الآن أم النصف الآخر فيشتاق إلى رؤيته . لاشك فى أنها تحبه بكل جوارحها!
كانت تشعر بالإضطراب فى داخلها كلما تصورت نفسها بين ذراعى جود . فكيف يمكنها مواجهة بعضهما البعض بدون تذكر هذا العناق الحميم؟
الجواب البديهى هو أنهما لا يستطيعان ذلك . ولعل تأجيل لقائهما لبضعة أيام هو ما تحتاجه بالضبط من أجل مواجهة تلك اللحظة. من جهة أخرى فإن غياب جود المتعمد عن المنطقة يدل على أنه غير مستعجل لحدوث هذه المواجهة
لكنها شعرت بالأسف لأن غيابه يعنى انتفاء احتمال قبوله عرضها ببيع المزرعة إليه وعلى الفور . وهذا يعنى أن المشكلة التى طرأت بالأمس ما تزال دون حل هذا إذا ما وضعنا جانباً غيابه المربك . المشكلة هى كيف ستتمكن من تجنب قدوم أبريل روبين إلى هذا المكان وتقديم نفسها إلى جانيوارى و مارش؟ ابتسمت ماى ابتسامة مشرقة لكن بدون معنى وسألته :"هل سيغادر جود بمفرده أم أن الآنسة روبين سترافقه؟"
إذا كانت أبريل سترافه فهذا سيحل المشكلة! نظر ماكس نحوها متفحصاً . فبادلته ماى نظراته تلك آملة بأن تبدو ابتسامتها لا مبالية .
أستطاعت ماى أن تعرف ماكس جيداً على مدى الأسابيع القليلة الماضية . عرفت بأنه رجل يتميز بتحفظ شديد لكن تحفظه لا يحجب ذكاءه المؤكد.
كانت جانيوارى قد أشرت لها البارحة بأن ماكس يبذل جهداً حقيقياً للأتصال بأمه على أمل إزالة التوتر الذى يسود بينهما منذ أنفصال والدته عن والده وهجرها إياه مع أبنها ماكس حينما كان هذا الأخير طفلاً .
احتارت ماى ما إذا كان يجدر بها أن تضحك أو أن تبكى عندما جلست هو وجانيوارى البارحة وأخبرتها شقيقتها بذلك وهما تتناولان القهوة سوية. فى الواقع هذه الحالة تشبه الحالة التى وجدت ماى نفسها فيها مع أمها . لكنها ولأسباب معروفة لم تستطيع إخبار جانيوارى بشئ من ذلك....
أخياراً إجابها ماكس:"لم أسأله"
ثم أردف بنعومة :"هل الأمر مهم لهذه الدرجة؟"
ردت ماى بسرعة:"بالطبع لا"
وما أن لاحظت العبوس الشديد لـ ماكس حتى زادت من نعومة صوتها وهى تكمل قائلة لتغير الموضوع :"ذكرت لى جانيوارى البارحة بأنك تحاول الاتصال بأمك وبأنك غير قد تدعوها لحضور الزفاف , أرجو ألا تكون جانيوارى قد أفشت أية أسرار "
زال العبوس من تعابير وجه ماكس على الفور قبل أن يؤكد بدون أكتراث :"أنا أفكر بالموضوع"
ثم تابع شارحاً موقفة بسخرية :"لا شك فى أن لقائى بـ جانيوارى والوقوع فى غرامها غير نظرتى للأمور بعض الشئ"
ابتسمت ماى بحرارة وعلقت :"أظن ذلك صحيحاً"
أومأ ماكس وتابع بمرارة :"أصبحت أدرك بأنه لايمكننى اعتبار الأمور إما سوداء أو بيضاء كما كنت أظنها سابقاً . فالأشياء التى رأيتها بعينى طفل صغير على مدى السنوات الثلاثين الماضية لم تحدث بالضرورة بالطريقة التى أتذكرها بها"
نظرة ماى نحوه بتحيّر لأن ما قاله ماكس حتى الآن عن هجران أمه لها لم يساعدها فى الوضع الذى وجدت نفسها فيه الآن مع أبريل . وتساءلت هل الأمر بهذه السهولة ؟ هل التسامح ممكن إذا كان النسيان ليس ممكناً بالنسبة لموضوع ترك الأمهات لأولادهن؟
قال ماكس بقلق ظاهر :"ما الأمر يا ماى ؟ منذ عودتنا وأنت لا تبدين بخير "
ثم أضاف مفسراً أمام نظراتها المتسائلة:"إنك ليست على طبيعتك إطلاقاً"
قالت بسخرية:"حدد ما هى (طبيعتى المعتادة)؟"
هز ماكس كتفيه ثم أضاف :"هادئة مصممة صريحة وتملكين القدرة على رؤية المواقف بوضوح وقت يعجز الآخرون عن ذلك"
كان ماكس يشير بذلك إلى عجزه عن تحديد مشاعره الحقيقية تجاه جانيوارى قبل أسابيع قليلة. أما ماى فأدركت بأنها لم تعد تتمتع بأى من الصفات التى ذكرها ماكس والذنب فى ذلك يقع على جود و أبريل روبين وعلى هذا الوضع المعقد والمروع برمته
تابع ماكس كلامه بهدوء :"ذكر لى جود بأنك عرضتِ عليه شراء مزرعتك"
أحست ماى بمشاعر بالذنب تظلل خديها . بالطبع ما من سبب يدعو جود لعدم إبلاغ ماكس بهذا العرض فـ ماكس مازال محامى ذلك الرجل على الرغم من كل شئ.ألا أن ماى قالت فجأة :"لم يكن يجدر به أن يبلغك بالعرض لأنه لم يتسن لى الوقت لمناقشة الموضوع مع جابيوارى و مارش بعد...."
هز ماكس رأسه مستنكراً :"ذلك لا يهم لأن جود لن يقبل العرض"
جمدت فى مكانها وارتسمت الحيرة على وجهها على الفور وقالت :"ألن يقبل بالعرض؟"
أكد لها ماكس بسخرية :"لا"
مضت ماى فى إصرارها قائلة:"ولماذا؟ أليس هذا ما أراده والهدف الذى جاء من أجله؟ فماذا بحق السماء؟"
أبلغها ماكس بهدوء تام :"أتصل بى جود الآن ليبلغنى بوجوب تقديم لمجموعة الثانية من الخطط تلك التى لا تشمل هذه المزرعة إلى لجنة التخطيط المحلية"
كانت ماى ترف بأن ويل بصفته المهندس الذى يعتمده جود رسم مجموعتين من الخطط لمشروع النادى الصحى والريفى الذى ينوى جود إنشاءه على أرض هانوارث المجاورة . وكانت تعلم أيضاً بأن إحدى هاتين المجموعتين تضم هذه المزرعة أما الأخرى فلا.
هزت ماى رأسها وقالت:"أنا لا أفهم شيئاً"
ندت عن ماكس ابسسامة ساخرة وقال :"بالواقع , ولا أنا"
انفجرت ماى بالضحك لهذا الاعتراف الصريح الذى جاء من رجل اعتاد أن يكون غامضاً فى تصريحاته بصفته محامياً . ومضت ماى معترفة والعبوس ظاهر فى قسمات وجهها :"حسناً هذه صراحة كافية كما أفترض مع ان ذلك لن يساعدنى بشئ أليس كذل؟"
ابتسم ماكس قليلاً وقال :"ليس إذا ما كنت جادة فعلاً بشأن العرض"
ثم مضى يقول مؤكداً لها ببساطة :"لا شك بأن جانيوارى و مارش ستوافقان على أى شئ تقررينه بشأن المزرعة فبعد كل شئ أنت تملكين أكبر التأثير هنا"
نعم هذا صحيح وفى ظل هذه الظروف قررت أن من الأفضل أن تبيع المزرعة. لكن المشكلة تبقى أن جود لم يعد يرغب بشرائها . عبست ماى بشدة لأنها توصلت إلى قرار مفاجئ وسألت ماكس :"هل غادر جود فعلاً أم أنه ما زال فى الفندق؟"
بدا ماكس مصدوماً للحظة عند سماعه سؤالها ثم هز كتفيه بسخرية وأجابها :"لم يكن يتحدث عبر هاتفه المحمول لذلك أعتقد بأنه مازال فى الفندق..."
استدار ماى على عقبيها لدى سماعها هذه الكلمات وأنطلقت بسرعة نحو باب الحظيرة حيث كانا يعملان فناداها ماكس :"إلى أين تذهبين يا ماى؟"
تطلعت خلفها لتنظر إليه للحظة وأجابت :"إلى الفندق طبعاً "
ـ لكن ....
منتديات ليلاس
رجعت لتقول بنفاد صبر :"ماكس....هل أخبرك جود عن وقت عودته؟"
أجابها ماكس ببطء:"لا"
أومأت ماى وفكرت بأن جود يمتلك الكثير من الوقت الذى يستطيع تضيعه أما هى فبالتأكيد لا تملك مثل هذا الوقت . فقالت :"أذن أنت لا تستطيع تحديد وقت عودته ؟ وفى هذه الحالة أنوى أن أتكلم معه قبل أن يغادر"
قال ماكس بنعومة عارضاً خدماته :"اترغبين بأن آتى معك؟"
جمدت ماى فى مكانها فهى لن لن تفضل أى شئ أكثر من الدعم المعنوى ولا سيما رفقة هذا الرجل الواثق من نفسه والذى وقع فى حب شقيقتها الصغرى.
لكنها أدركت فى الوقت نفسه بأنها بكلامها مع جود قد يعودان إلى إثارة علاقتها بـ أبريل روبين وبالطبع لا تنوى ماى مناقشة هذا الموضوع أمام ماكس . نظرت إليه وهى تبتسم بامتنان وقالت مُظهرة ثقة أكبر مما شعرت بها فى الواقع :"لطف كبير منك أن تعرض علىّ مرافقتك . لكن لا شكراً فأنا متأكدة من أننى سأكون بخير لوحدى"
لم يبدُ على ماكس الإقتناع بكلماتها هذه لأنه عبس بشدة ثم حذرها بسخرية:"هل أنتِ متأكدة؟ بدا جود متحفظاً جداً هذا الصباح "
فى الوقت الراهن ونظراً لحساسية ماى بالنسبة لمشاعر الحب التى تكنها له فإنها تفضل جود المتحفظ على جود الملئ باللإغراء الذى رأته الليلة الماضية . أومأت بثقة وقالت:"أنا متأكدة"
ثم أضافت مداعبة:" أرجو ألا يكون لديك مانع فى الأستمرار بجمع البيض ووضعه فى السلة"
بادلها ماكس الابتسام وقال لها :"لا مانع لدى البتة فالأيام القليلة الماضية أعطتنى فرصة جيدة لأتعرف إلى مقدار التعب الذى يعانيه المزارعون"
ضحكت ماى بتفهم واندفعت إلى خارج الحظيرة إلا أن ابتسامتها تلاشت لتصبح تصميماً عابساً أثناء توجهها بسرعة نحو السيارة

حبيبي المغرور _ كارول مورتيمرWhere stories live. Discover now