وماذا بعد...؟

8.7K 151 2
                                    


حسناً اعترفت ماى أخيراً بأن ما يجرى هو بالتأكيد نقطة تحول هامة ثم تراخت بضعف على أحد مقاعد مطبخها بعد مغادرة جود المفاجئة له.
فـ جود هو آخر إنسان توقعت أن تراه اليوم بل فى أى يوم آخر .كان جود مارشال والشركة التى يرأسها قد أصبحا أشبه بالشبح الذى يلوح فى حياة الأخوات كالندر فى الشهرين الماضيين أى منذ استلامهن لرسالة من الشركة تعرض فيها شراء المزرعة. والمزرعة لم تكن أبداً معروضة للبيع فى يوم من الأيام بالنسبة للأخوات كالندر .
أتت تلك الرسالة من أميركا مما دفع بهن إلى الافتراض بأن جود مارشال هو مواطن أميركى . وهذا يفسر عدم قدرتها على إيجاد صلة بين زائرها غير المتوقع والاسم الذى أجمعت الأخوات الثلاث على كراهيته فى الشهرين الماضيين بعد أن تحدث الرجل بلهجة إنجليزية خالصة.
كان جود مارشال مفاجأة لها فى أكثر من مجال. هذا ما اعترفت به ماى بعبوس. فهى لم تتوقع بأن يكون وسيماً إلى حد الغطرسة كما لم تتوقع من جهة أخرى أن يتحرك فارضاً سلطته فى أنحاء مطبخها ويحضر لها فنجان قهوة هذا الفنجان الذى جاء منتديات ليلاس فى الوقت المناسب
أجبرت نفسها على الاعتراف أيضاً بأنه كان على حق بشأن الجهد والتعب اللذين تلقيهما على عاتقها , إدارة المزرعة بمفردها لاسيما منذ أن غادرت أختها مارش إلى لندن للتعرف على عائلة ويل وذهبت اختها الصغرى جانيوراى إلى الكاريبى.
كانت ماى قد تلقت أتصالاً من جانيوارى أبلغتها فيه بأنها قررت و ماكس البقاء هناك لأسبوع إضافى وقدت بدت سعيدة و مبهورة . لم تشأ ماى أن تبلغها أن مارش غائبة أيضاً وان أعباء المزرعة تقوم على عاتقها لوحدها بل أكدت لها بسعادة كبيرة بأن كل شئ على ما يرام هنا, وتمنت أن تقضى هى وماكس وقتاً سعيداً . أما هى فلم تكن تنعم بأوقات سعيدة على الإطلاق !
كانت الأيام القليلة الماضية تجربة مفيدة لها فقد أعطتها فكرة عما سيكون عليه الأمور ما أن تتزوج مارش وجانيوارى وتعيشان بعيداً عن المزرعة . أدركت ماى بأن الأمور لم تكن على ما يارم بعد اليوم.
لكن هذا ليس سبباً كافياً يدفعها كى تستسلم للضغوط التى يمارسها جود مارشال عليها كى تبيع المزرعة له. هذا ما صممت عليه وهى تعدل جلستها .
لقد أصبحت الآن أكثر تصميماً على عدم البيع بعد أن التقت الرجل , ورأت بنفسها مدى غطرسته وثقته الكبيرة بنفسه.

* * *
لم تشعر ماى بتلك الثقة فى وقت لاحق فى ذلك المساء عندما عادت إلى مبنى المزرعة. كان التعب قد أنهكها إلى حد انها لم تفكر بعناء تحضير وجبة طعام مسائية لها.
أسندت رأسها على ذراعيها المثنيتين بعد أن أرخت جسدها بإعياء فوق طاولة المطبخ. لاشك فى أن دقائق قليلة من الاسترخاء كفيلة بأن تعيد الأمور إلى نصبها مرة أخرى . أكدت لنفسها بأن بضع دقائق فقط....
قاطع استراحتها صوت لطيف راح يتودد إليها قائلاً :"هيا يا ماى حان وقت استيقاظك....."
وسرعان ما ترافق الصوت مع هزة ضعيفة لذراعها.
كانت ماى وسط حلم جميل فعبست باستياء...كانت تسترخى على شاطئ ذهبى تحت أشعة الشمس الدافئة المنعشة فيما أمتد أمامها بحر أستوائى أزرق تتكسر أمواجه برفق على الرمال الموجودة عند قدميها . لكن ذلك التصلب الشديد فى ذراعيها المثنيتين عندما بدأت تعود إلى عالم اليقظة ببطء والمترافق مع ألم فى ظهرها أكد لها بوضوح تام وبأسف شديد بأن ذلك مجرد حلم!
منتديات ليلاس
عاد الصوت االمتطفل ليتشدق بسخرية :"إذا لم تستيقظى فى غضون دقيقة فسوف أفترض هذه المرة بأنك قد تعرضت لنوبة قلبية فعلاً وسأباشر بعملية إنعاش طارئة "
أنه صوت جود مارشال !
استطاعت تمييز نبرته الإنجليزية المتقنة بسهولة هذه المرة فرفعت رأسها لتحدق به باستياء ظاهر وهى واثقة من أن منظرها يبدو الآن أسوأ مما كان عليه هذا الصباح لاسيما أنها لم تبدل ملابسها التى مازالت وسخة . أما تلك التغضينات التى ظهرت على وجهها بعد أن غفت فى وضعها غير المريح فقد زادت من فوضوية منظرها .
ندت عنها آهة تنم الانزعاج وأجابت:"ماذا تريد سيد مارشال؟"
رفع حاجبيه بسخرية تامة وقال معلقاً :"تبدين مغرمة بطرح هذا السؤال علىّ"
كان جود يحمل بيده كيساً بلاستيكياً . تابع مذكراً إياها بسخريته المعهودة : "لكن هذه ليست طريقة مناسبة للتحدث مع شخص أحضر لك عشاءك"
ثم أكمل تفسيره المختصر بالقول:"....المؤلف من طعام صينى جاهز . رأيت كم أنت متعبة هذا الصباح وحست بأن حالتك لن تسمح لك بتحضير وجبة ساخنة هذا المساء"
شعرت بتعب واضح بعد أن خرجت من حالة النوم بسرعة فعبست بوجهه وعاجلته بالقول:"ولماذا أزع7جت نفسك بذلك سيد مارشال؟"
ـ كفىّ عن الجدال يا امرأة وأخبرينى عن مكان الصحون لأسكب الطعام قبل أن يبرد!
وسارع إلى وضع الكيس البلاستيكى أمامها على الطاولة
فقالت بإندهاش :"الخزانة الثانية إلى اليمين"
ما أن حضر مقعدين على المائدة وجهز طبقين وبدأ بإفراغ العلب التى تحتوى على الطعام الصينى حتى تأكدت شكوكها بشأن ما يعتزمه .
ـ آه.....سيد مارشال.....
عدل جود من جلسته وهو يتطلع نحوها بعينين ضيقتين :"هل نستطيع ان نتفاهم الآن ماى؟"
تصلبت ماى وشعرت بالقلق وهى تتساءل عما سيقوله بالتحديد ثم قالت بحذر :"نعم؟"
أومأ على الفور وقال:"أنا متاكد أن لديك أسباباً تدفعك كى تعاملينى بهذه الخشونة....ربما تعتقدين أنك على صواب فى ذلك....."زهرة منسية
قال جملته بتركيز شديد لأنها كانت على وشك الاعتراض على كلامه , لكنه تابع قائلاً :"....لكن لا نية لدى بتناول العشاء مازال يصرّ على مناداتى "سيد مارشال" بنبرة عدائية مع اننى أنا من أحضر هذا العشاء إن كنت تذكرين"
فى الوقت الذى أنهى كلامه معها بدا حاجباه الداكنان مقوسين . تورد خدا ماى لاتهامه هذا لأنها فعلاً تعمدت بأن تكون خشنة معه . إلا أنها لاحظت أنه يحاول أن يكون ودياً معها وهذا الأمر مرفوض من قبلها !
عاد جود ليؤكد لها كلامه قائلاً بإصرار :"اتفقنا؟"
ـ حسناً ,بالرغم من أنه....
قاطعها جود بفظاظة تكفينى كلمة حسناً فى هذا الوقت"
جلس جود فى المق4عد المقابل لها تماماً ثم أضاف باقتضاب :"ابدأى بتناول الطعام "
ما أن شرعا بتناول الطعام حتى انتبهت تماماً إليه ثم تنبهت لقوة أصابعه النحيلة الخالية من الخواتم وبدا الشعر الداكن الذى يبدأ عند معصميه و لربما يغطى ذراعيه وصدره . تنبهت كذلك للطريقة التى ينسدل بها شعره الداكن ليغطى جبهته قبل أن يدفعه إلى الخلف بيد مستعجلة . للذكاء الثاقب الذى ينبعث من عينيه الرماديتين وإلى الظلال الداكنة التى تغطى فكه ما يدل على اعتياده الحلاقة مرتين يومياً إلا أنه استغنى عن الحلاقة الثانية هذا اليوم .
بدا لها الطعام الساخن ألذ بكثير مما تصورت فى البداية فسارعت إلى إبلغه بذلك بصوت أجش:"إنه لذيذ جداً شكراً لك"
يا لغرابة الموقف ! جود مارشال هو من أحضره ولطالما أعتبرت بأن جود هو عدوها....
نظر إليها عبر الطاولة وعيناه تشعان بالتسلية ثم أجابها بجفاء :"كم كان من الصعب عليك أن تتفوهى بهذه الكلمات ؟"
أكدت له ماى بتكشيرة واضحة :"بالطبع "
ثم أضافت وقد ظهر العبوس على وجهها :"آمل بألا أكون قد أخرتك عن شئ ما أو عن لقاء شخص ما ؟"
هز كتفيه نافياً :"ما من شئ لا يحتمل التأجيل "
سددت إليه ماى نظرة فاحصة . هل كلامه هذا يعنى بأن لا أحد ينتظره فى فندقه ؟ أم أن ذلك الشخص ليس من الأهمية بحيث يدفعه للعودة إليه بسرعة؟
ـ تكلمت مع ماكس فى وقت سابق من هذه الأمسية
سددت ماى نحوه نظرة ثاقبة محاولة معرفة المزيد إلا أن تعابيره خلت من أى إيضاح أو تفسير . مررت لسانها على شفتيها قبل أن تبدأ بالكلام منتقية كلماتها بعناية . قالت وقد تعمدت ان تبدو نبرتها لطيفة :"هل أخبرته بأننا التقينا؟"
استرخى جود فى مقعده وهو يتفحصها بسخريته المعهودة ثم قال متشدقاً :"وهل كان على أن اخبره؟"
ها قد عاد إلى الإجابة عن سؤالها بسؤال آخر!
لابد أنه يعرف جيداً بأنها تفضل ألا تعرف ماكس وجانيوارى بوجوده فى هذه المنطقة وبأنه قد عرفها على نفسه لا سيما أنها تدير المزرعة لوحدها
كانت جانيوارى قد تعرضت للكثير من الصعوبات فى بداية هذه السنة بعد أن علقت على أحابيل رجل محتال . وشعرت ماى بارتياح كبير عندما عقدت أختها خطوبتها على ماكس حتى أنها ارتاحت أكثر عندما أقترح ماكس أخذها ماكس بعيداً فى رحلة تدوم أسابيع قليلة من أجل نسيان تجربتها هذه. وإذا ما علمت جانيوارى بوجود جود مارشال فى هذا المكان وبأن ماى وحيدة هنا فى المزرعة فسوف تصر على العودة على أول رحلة متوفرة!
أندفعت ماى تقول مرة ثانية :"حسناً؟"
منتديات ليلاس
هز جود رأسه ساخراً عندما أعادت الكرة إلى ملعبه فأجاب :"إنك محققة....قد نمضى الليل بأكمله ونحن نرد على السؤال بسؤال آخر"
أكدت له ماى بقسوة :"لا لن نمضى الليل بأكمله فأنا عازمة على النوم باكراً وباكراً جداً"
أضافت ماى عبارتها الأخيرة بإصرار واضح ثم مضت قائلة :"وفى الواقع....."
لكنها قطعت جملتها وعبست بعد ان سمعت طرقة على الباب ثم سددت إلى جود نظرة اتهامية . وعلى الفور أدرك جود مغزى نظرتها تلك فأجاب مدافعاً:"من المسبعد أن تطرق جانيوارى باب بيتها"
نهضت واقفة ما أن سمعت طرقة ثانية على الباب . لكنها أرادت أن توضح لهذا الرجل وقبل أن يغادر هذا المساء بأن جانيوارى يجب ألا تُخطر بالوضع هنا فقالت له محذرة قبل أن تتحرك بسرعة نحو الباب :" سنتكلم فى الموضوع ما أن أنتهى من زائرى"
فتحت ماى الباب وإذا بـ دايفيد ميلتون واقفاً هناك . فكرت وهى تشعر بالذهول بأن الوضع أصبح أكثر تعقيداً .
حرصت ماى على الاشتراك فى تمثيليات تقوم بها فرق الهواة . ومنذ بضع سنوات انضمت إلى إحدى الفرق المحلية . ومنذ مدة التقت دافيد ميلتون وهو مخرج سينمائى معروف كان يزور شقيقته لمناسبة عيد الميلاد وقد أعجبته ماى أثناء اشتراكها فى برنامج تمثيلى إيمائى فى هذه المنطقة . فوجئت عندما عرض عليها دافيد دوراً فى فيلم يعتزم البدء بتصويره فى الصيف وهذا إذا ما اجتازت امتحان التمثيل الذى أعده لها . وبالفعل اجتازت ذلك الامتحان لكنها رفضت العرض لأسباب شخصية تتعلق بها . لذا شعرت بالاستغراب لوجود ذلك الرجل على عتبة دارها.

حبيبي المغرور _ كارول مورتيمرWhere stories live. Discover now