لايمكنك الهروب2

5.1K 129 5
                                    


لماذا لا يجد المرء سيارة أجرة عندما يكون بأمس الحاجة إليها؟ هذا ما تساءلت ماى عنه بانفعال أثناء وقوفها على الرصيف وهى تتطلع إلى ناحيتى الطريق بينما انهمرت دموع الخيبة من عينيها .
كان يجدر بها أن تدرك بأن جود لن يساعدها وأنه سينحاز إلى أبريل فى كل ما يجرى. كيف خطر لها أن بإمكانها الاعتماد على حس التعاطف لديه؟ لا بد ان جود مارشال يفتقد إلى مثل هذه الغريزة تماماً . فهو لم يوجه الدعوة إليها للخروج معه هذه الأمسية إلا بسبب نيته فى شراء المزرعة فقط . إنه.....
اقتربت سيارة جود منها وأمرها من خلال النافذة المفتوحة:"إصعدى إلى السيارة يا ماى"
أسرعت ماى لمسح دموعها التى تشى بما يعتمل داخلها من عواطف بظاهر يدها وأكدت له بانفعال :"أفضل أن أذهب سيراً على القدمين إلى منزلى على أن أتواجد معك فى السيارة أو فى أى مكان آخر"
وأستدارت لتنفذ ما أعلنت عنه تماماً
وسرعان ما خرج جود من سيارته ثم أغلق بابها بقوة ومشى إلى حيث واجهته ماى بتحدٍ. أمسك بذراعها مجبراً إياها على النظر إليه وقال غاضباً :"هل تتقاسمن أنتن الثلاثة ميزة التهور؟"
واندفع شارحاً أكثر أمام تعابير وجهها الغاضبة:"أنت الآن تحاولين قطع مسافة عشرة أميال مشياً لتصلى إلى المنزل . تشير الساعة الآن إلى الحادية عشر ليلاً وأنت تريدين السير فى طرقات مظلمة حيث يستطيع أى مهاجم أن يختبئ وراء كل شجيرة"
انهى جود كلامه وهز رأسه بإستياء فحدقت ماى بوجهه الذى ينعكس عليه أنوار مصباح الشارع المعلق وفكرت أين يظن نفسه هذا الرجل ؟ فهذه المنطقة ليست لندن أو أى مدينة أخرى مزدحمة إنها منطقة نائية فى شمال انجلترا....أجابته مستنكرة :"مهاجم وراء كل شجيرة؟"
تذكرت ماى أنه منذ أسابيع قليلة فقط وفى هذه المنطقة بالذات تم إلقاء القبض على مجرم يستمتع بضرب النساء . سخرت من أفكارها هذه على الفور إذ ما هى إحتمالات وجود رجل آخر كهذا و فى هذه المنطقة غير المأهولة؟
هزت ماى رأسها ثم أكدت له بتعالٍ :"سأجد سيارة أجرة فى طريقى"
زم جود فمه قائلاً :"أصعدى إلى السيارة "
لم يكن هناك تهديد فى صوته وإنما فقط القليل من الغضب بينما التمعت عيناه الرماديتان فى ضوء مصباح الشارع المعلق . وما لبث أن توجه لفتح باب السيارة لكى تدخل إليها فنظرت ماى إليه باستياء واضح :"أنك تبالغ فى ردة فعلك جود...."
رد عليها وهو يتفجر غضباً :"هل أنا الذى أبالغ فى ردة فعلى ؟ لقد خرجتِ ونحن نتناول عشاءنا فى مطعم مزدحم...."
قاطعته ماى بنفاد صبر :"كنا نتناول القهوة وذلك بعد إنتهاء عشاءنا"
شد جود على ذراع ماى وقال لها :"لا أستطيع أن أقول بأن هذه الأمسية هى الأشد متعة التى شهدتها فى حياتى حتى الآن . لكنى لن أسمح لك بأن تجعلينى أقلق عليك فى الساعات القادمة خوفاً على سلامتك . يكفى ما حدث من أمور سيئة فى هذه الأمسية"
حدقت ماى إليه بخيبة أمل كبيرة لأنها تعرف بأنه قادر على أن يتبعها بسيارته ببطء إذا ما قررت أن تعاود المشى نجو منزلها . وفى هذه الحالة فمن الأفضل لها أن تكون داخل السيارة الدافئة المريحة...
تراجعت قليلاً إلى الوراء وقالت:"حسناً لكنى لا أريد أن اتحدث عن أبريل روبين بعد الآن"
قوس جود حاجبين داكنين وتمتم بنفاد صبر :"هل تعتقدين يا ماى بأنك الآن فى موقف يسمح لك بوضع شروطك؟"
فتح باب السيارة وكان من الواضح بأن جود أقوى وأكبر منها وهو قادر تماماً على دفعها داخل السيارة فيما لو أراد ذلك سواء بإرادتها أو رغماً عنها . ومع ذلك فقد شكت فى أنه سيقدم على مثل هذا العمل....
لكن فم ماى أبى إلا ان يقول بعناد :"أتوافق على عدم التحدث عن أبريل روببين . إن لم تفعل فلن أدخل السيارة"
تأوه جود بخيبة أمل ثم أضاف بقسوة وقد بدا التعب فى عينيه:"حسناً فقط أدخلى السيارة"
وجهت إليه نظرة متفحصة قبل أن تلتفت وتدخل إلى مقصورة الركاب فى السيارة وهى مصممة على عدم التحدث إليه إلا ىإذا إضطرت لذلك فهما قد تحدثا بما يكفى لهذه الأمسية .
بدا جود لحسن الحظ غير ميال إلى التحدث أيضاً . قاد السيارة بصمت ثقيل وبدا ان الرحلة قد استغرقت ضعف الوقت المعتاد بالنسبة لـ ماى نظراً للتوتر الموجود فيما بينهما .
لكن هل توقع جود شيئاً غير ذلك؟
ما إن توقفت السيارة فى ساحة المزرعة بعد وقت قصير حتى قالت له: "شكراً"
أطفأ جود محرك السيارة قبل أن يتحرك فى مقعده ليلتفت إليها ويقول بجفاء :"بمل تواضع أقول لك ماى أى جزء من هذه الأمسية ستشكرينى عليه ,وجبة العشاء أم الرفقة.؟ فعلى حد علمى أنت لم تستمتعى بأى منهما"
أشاحت ماى ببصرها بعيداً عنه لتفتح الباب وتخرج من السيارة دون أى التفاتة أخرى وتقول :"بالرغم من كل شئ شكراً لك"
لكن بدلاً من أن تتوجه مباشرة إلى منزل المزرعة توجهت إلى الحظيرة حيث تحتفظ بالنعجة والحملين المولودين حديثاً . أضاءت الأنوار الخافتة فوق الباب ما إن دخلت وكانت قد لاحظت بأن المصابيح مضاءة فى المنزل عند وصولهما وأدركت أن شقيقتيها و خطيبيهما مازالوا مستيقظين وهى غير مستعدة فى الوقت الحاضر للدخول إلى المنزل و مواجهتمه جميعاً وخصوصاً مع احتمال كونهم فضوليين فيما يتعلق بأمسيتها مع جود فى الخارج.
الأمسية التى كانت كارثة منذ البداية حتى النهاية كما أدركت معترفةلنفسها وهى تلقى بثقلها على كي من القش لشدة تعبها وتغطى وجهها من فرط يأسها .
ماذا تستطيع أن تفعل؟
ماذا تستطيع أن تفعل إزاء احتمال قدوم أبريل روبين إلى هنا وكشفها عن هويتها أمام جانيوارى و مارش ؟ وإذا ما أقدمت المرأة الأخرى على ذلك , ماذا ستفعل جانيوارى و مارش إزاء أزدواجية ماى طيلة هذه السنين؟
ـ ماى....؟
نظرت بشكل غريزى عندما سمعت صوت جود فى هذا المكان شبه المظلم وكانت تلك أول أشارة إلى أنه تبعها إلى الحظيرة بدلاً من أن يقود سيارته مبتعداً عن هذا المكان ما إن ترجلت منها.
أسرعت تمسح الدموع التى غطت خديها بينما راح جود يتقدم داخل الحظيرة. أخذ نفساً قوياً وقال :"لماذا لم تدخلى إلى المنزل؟"
ابتسمت ماى ابتسامة غير مرحة وردت :"لماذا أدخل برأيك أنت؟"
تقدم خطوة أخرى ليجلس قربها على كيس القش الذى تجلس عليه وأجابها:"كما قلت لك سابقاً آن الأوان لكى تغيرى أسلوب حياتك"
ثم اندفع فى إيضاح قوله عندمنا واجهته نظرتها المتسائلة :"سأكون هناك بانتظارك, هذا إذا سمحت لى"
رمته ماى بنظرة مستغربة فماذا يعنى بالضبط بملاحظته هذه؟
مهما كان مقصده فهى تعرف بأنها لا يمكنها أن تقبل عرضه وأن عليها أن تعالج المشكلة لوحدها تماماً كما أعتادت أن تفعل منذ أن توفى والدها
قالت ببطء ملحوظ :"لعل هناك طريقة تستطيع أن تساعدنى بها يا جود"
أحنى جود رأسه على كتفه وقال:"وما هى؟"
عدلت ماى من جلستها على الفور وتابعت قائلة:"أشتر منى هذه المزرعة, فوراً"
رجع جود إلى الخلف وكأنه تلقى ضربة منها :"أشترى منك المزرعة...؟! لكن....."
ـ فوراً
كررت قولها بينما أخذت هذه الفكرة تتبلور وتأخذ شكلها داخل تفكيرها وتابعت:"بإمكان جانيوارى و مارش أن تتزوجا فى لندن أما ويل و ماكس فيتمركزان هناك بطبيعة الحال ...."
قاطعها جود بخشونة قائلاً :"وماذا بشأنك أنت ماى؟ ماذا ستفعلين؟ هل ستقبلين عرض دافيد مليتون بعد كل شئ؟"
استبعدت الفكرة بنفاد صبر وردت:"بالطبع لا ! فهذا سيفسد مساعىّ بالكامل"
أنهى جود جملتها بإشمئزاز نيابة عنها :"لأن الهدف هو الابتعاد عن أبريل بأسرع وقت ممكن"
استدار ليضع يده على أعلى ذراعيها وأكمل قائلاً :"ألم تصغى إلى أى شئ قلته لك من قبل ؟ ألم تدركى بعد بأن شرائى لهذه المزرعة فى هذه الظروف وبالهدف المعلن الوحيد هو إبتعاد أختيك ونفسك عن هذا المكان لن يحل أى مشكلة."
هزها جود قليلاً ويتابع قوله :"أبريل موجودة هنا الآن وهى حقيقية وما من شئ تفعلينه أو تقولينه سيغير هذا الواقع"
هزت ماى رأسها بتصميم وقالت:"ما أن تدرك أبريل بأننى أعنى ما قلته سابقاً حتى تغادر ثانية وتعود إلى أميركا"
عبس جود وعلق قائلاً :"وماذا ستقولين لها لجعلها تقدم على هذا؟"
رفعت ماى ذقنها بتحدٍ وردت:"الحقيقة الكاملة وهى أن جانيوارى و مارش تعتقدان بأنها ميتة......"
قاطعها جود بفراغ صبر وقال:"رأيت النظرة التى ارتسمت على وجه أبريل فى وقت سابق من هذا اليوم يا ماى وتقول هذه النظرة بأنها مشتاقة إى رؤية جانيوارى ومارش وهى تريد ان ترى كيف أصبحتا تماماً كما رأتك أنت"
وقفت ماى على الفور غير مكترثة لألم ذراعيها وهى تسحبهما من قبضتى جود وصرخت قائلة:"ليس لها الحق بذلك!"
ابتسم جود قائلاً :"ابريل تعتقد بأن لديها كامل الحق فى هذا . اسمعى يا ماى لا أستطيع حتى ان أبدأ بفهم ما حصل هنا قبل عشرين علاماً لكنى..."
أكدت له ماى بمرارة :"لقد تركتنا....تركت أطفالها الثلاثة.....ومن جهتى هذا يكفى"
قال جود بهدوء :"لقد تركت أباكم أيضاً أليس كذلك؟"
اعترفت ماى بخشونة :"وكادت أن تقضى عليه أعرف ذلك لأننى علمت ما فعله هجراها به لم يتزوج ثانية, أتعرف......"
قاطعها جود بنعومة:"ولا أبريل تزوجت من بعده"
هزت رأسها ثم التفتت نحوه بنظرة إتهامية :طليست مهتمة بما فعلته أم لم تفعله . ألا ترى؟ إنها غلطتك يا جود. ما كان شئ من ذلك ليحصل لو لم تحضرها إلى هذا المكان ...."
لم تستطيع ماى إكمال عبارتها لأن جود جذبها بقوة نحوه معانقاً إياها بقوة أربكتها . وبعد لحظات من المقاومة لم تتمالك ماى نفسها فبادلته عناقه . فى تلك اللحظة بالذات تلاشت أهمية الأشياء ما عدا الأحاسيس الجامحة التى التهبت فى ما بينهما . كانت ماى تبادله العناق بعناق مماثل واضعة يدها على صدره الدافئ . راحت يداها تعبثان بشعره الداكن وتشدانه نحوها أكثر وهى تتمنى لو أن الإحساس بقربه يدوم فترة طويلة . سرت الحرارة فى أعماقها وراحت تتزايد بسرعة مجتاحة جسدها بأكمله . احتضنها جود بقوة وقال لها :"لا بأس يا ماى"
ثم تابع مهدئاً من مشاعرها الجياشة:"لا بأس"
شعرت بالصدمة بشكل مفاجئ عندما أدركت ما الذى يحدث بينهما بالضبط . لا! فما يحدث لم يكن امراً عادياً . كيف يمكن أن يكون لك وهى تغرق فى غرام عميق مع هذا الرجل
شعر جود بأن ماى تبتعد عنه عاطفياً و ذهنياً حتى مع استمرار تمسكه بها . وأدرك بأنها عادة مرة أخرى لتضع الحواجز بينهما كما كانت من قبل , بل بدرجة أعلى مما كانت عليه لأنها باتت تعرف بأنه قادر على خرقها بشكل يفوق تصورها .
لكن ما حدث بينهما فاق تصوره هو أيضاً من أين له أن يعرف ذلك؟ فلم يسبق له أبداً أن فكر....
كانت استجابة ماى له واستجابته لها كشفاً عميقاً بالنسبة إليه كشف يفوق كل ما مر به وعرفه فى السابق وحتى هذه اللحظة عندما شعر بها تبتعد عنه وشعر بأنه يريدها وليس فقط من الناحية الجسدية.....
قالت ماى له:"دعك منى يا جود"
سحب جود نفساً متعباً من دون ان يستجيب لطلبها وقال:"ماى...."
ـ قلت لك دعك منى
أصبح صوتها بارداً كالثلج الآن . ومع انها لم تقم بأى تحرك لإبعاده عنها شعر أنها باتت بعيدة عنه مئات الأميال.
يا إلهى! ألا يفترض بها أن تكون كذلك ؟ فالمشاعر التى تقاسماها لتو بالغة الأهمية ولا يجدر بهما إنكارها.
أكد لها بتصمميم كبير :"لن أترك الأمر هنا يا ماى"
منتديات ليلاس
قال ذلك وهو يمسد شعره بأصابع مرتجفة
كان صوتها يشى ببعض المرارة وهى تقول:"تترك ماذا يا جود؟ لقد تشاركنا عناقاً هنا على هذا القش هذا كل ما فى الأمر"
التمعت عيناه من فرط الانفعال ثم التفت إليها وقال بشراسة :"لا. لم ينته هذا الأمر بحق السماء !"
أخذ نفساً عميقاً وانتقى كلماته بعناية تامة ثم تابع قائلاً :"إن ما حدث بيننا الآن هو شئ غير اعتيادى يا ماى"
وقفت ماى لتتحرك بعيداً عنه ثم ردت عليه بسخرية :"وهل يعد الإنجذاب الحسى بين شخصين راشدين أمراً غير اعتيادى؟"
رد عليها بنفاد صبر وهو يتحرك ليقف بجانبها :"لم يكن ذلك مجدر انجذاب حسى يا ماى"
أصرت ماى على موقفها وقالت بلهجة لاذعة :"بالطبع كان كذلك لعل مرد ذلك إلى إلى أن مشاعرنا كانت مشدودة على أية حال"

حبيبي المغرور _ كارول مورتيمرOù les histoires vivent. Découvrez maintenant