زائرة المساء

5.2K 128 3
                                    


ـ ماى.....
مالت ماى برأسها قليلاً وهى تهتم بالنزول من الجرار الذى كانت تقوده باتجاه ساحة المزرعة
فبعد أن أسرعت عائدة إلى المنزل قبل ساعات عدة إثر موعده الغداء الذى أنتهى بالفشل ملأت بقية نهارها وبداية أمسيتها بالمهمات المعتادة التى تستدعيها المزرعة.
بالطبع كانت تنتظر هذه الزيارة . أما الآن وبعد حصولها فعلاً وبعد التحقيق من هوية زائرها فهى تشعر بالصدمة تخترق عظامها ببرودة.
قالت أبريل روبين بصوت أجش :"أظن يا ماى بأنه يجدر بنا التحدث معاً ألا تعتقدين ذلك؟"
لم تستدر ماى بإتجاه المرأة الأخرى لأنها كانت تكافح للتحكم بتلك المشاعر التى تحركت فى داخلها لتحتل مساحة وجهها المعبر. لم تشاهد أى سيارة فى ساحة المزرعة عندما تطلعت قبل لحظات قليلة لذلك لم يكن هنالك من تحذير مسبق لهذه المواجهة . أما الوجه الإيجابى الوحيد للأمر فهو إدراك ماى بأنها وحدها بالمزرعة وأن أختيها ليستا هنا لتشاهدا ما يحدث.
ـ ماى
تصلبت ماى فى مكانها قبل أن تستدير ببطء لتواجه المرأة الأخرى وهى تتقدم فى الساحة فى الوقت نفسه لاحظت السيارة الحمراء المركونة إلى جانب المرآب . لم تكن هذه السيارة مرئية لأى شخص يدخل من جهة الطريق كما حصل مع ماى تماماً
نظرت باستياء إلى المرأة الأخرى وقالت :"تعلمين بإننى لا أريدك أن تاتى إلى هنا"
جاءت كلمتها تصريحاً واتهاماً فى الوقت نفسه أما الممثلة فبدت أقل سيطرة على ذاتها مما كانت عليه وقت الغداء هذا اليوم وظهرت خطوط الإرهاق إلى جانبى عينيها كما بدا وجهها شاحباً وراء مساحيق التجميل التى نضعها . كانت ما تزال مرتدية الكنزة الكشمير والبنطلون الأسود اللون اللذين كانت ترتديهما من قبل.
تابعت ماى كلامها الساخر:"فى الحقيقة فوجئت كثيراً لأنك تذكرت الطريق إلى هنا"
أجفلت أبريل روبين لأن ملاحظة ماى المقصودة أصابت هدفها فردت عليها قائلة:"أتذكركل شئ عن هذا المكان يا ماى...."
قاطعتها ماى قائلة بمرارة :"أحقاً؟ إذن ستتذكرين طريق العودة أيضاً أليس كذلك؟"
ثم ابتعدت عنها وهى تتحرك لتفصل المقطورة عن مؤخرة الجرار ويداها ترتجفان من الغضب والصدمة معاً . كيف تجرأت هذه المرأة على المجئ إلى هنا؟ كيف تجرأت على ذلك؟
كلا.....لن تستسلم للبكاء لن تعطى هذه المرأة الفرصة بأن تعرف كم يسبب وجودها هنا الأذى والاضطراب لـ ماى.
استدارت بعد لحظات لتكتشف بأن الممثلة ما تزال واقفة فى مكانها وكأنها تجمدت فيه . نظرت أبريل روبين إليها نظرة متفحصة وقد بدا وجهها شاحباً وتوجهت غليها بالقول :"آسفة لما سمعته عن والدك السنة الماضية....."
شدت ماى يديها فى قبضتين إلى جانبها بقوة وقاطعتها قائلة :"هل شعرت بالأسف فعلاً؟"
ثم كررت قولها بتأنيب واضح:"أحقاً أنك شعرت بالأسف؟"
التمعت عينا أبريل بغضب شديد بسبب سخرية ماى الواضحة فأجابتها بإصرار تام :"نعم شعرت بالأسف حقاً.أنا....و هو...كنا مختلفين أنا وجايمس لكن ذلك لا يعنى بأننى تمنيت له الأذى...."
قالت ماى باشمئزاز :"من فضلك وفرى على ملاحظاتك المبتذلة غير الصادقة!"
تأوهت الممثلة وهى تقول :"إنها صادقة وهى بعيدة عن التملق . كنتِ صغيرة جداً ماى ولم يكن لديك أية فكرة...."
صرخت ماى بوجه المرأة الأخرى :"لم يكن لدى أى فكرة عن ماذا؟ عن بؤس والدى لأن زوجته قد تركته؟"
ثم هزت رأسها باستنكار قبل أن تتابع :"ربما كنت "صغيرة جداً"فى ذلك الوقت كما قلتِ لكنى لم أكن من الصغر بحيث أعجز عن إدراك أن أبى فقد رغبته فى العيش بعد مغادرتك وأن السبب الوحيد الذى دفعه إلى متابعة حياته هو بناته الثلاثة"
بدا وجهها متوهجاً وعيناها شديدتى الانفعال . وراح صدرها يعلو ويهبط بسرعة تحت كنزتها السوداء السميكة بينما كانت تتنفس بانفعال شديد
صرخت أبريل من شدة التأثر ورفعت يديها بتوسل :"إنهن بناتى أيضاً!"
تسمرت ماى فى مكانها وهدأ الغضب الذى كانت تشعر به تاركاً خلفه ذلك الوخز البارد الذى عاد يخترقها مرة أخرى . نعم جانيوارى و مارش وماى هن بنات هذه المرأة...لكنها تركتهن كما تركت والدهن . تخلت عن كل شئ لتلحق بنجم سينمائى وتصبح نجمة هى الأخرى ولسخرية القدر عرض دافيد مليتون منذ أسبوعين على ماى القيام بدور ستيلا فى الفيلم الذى تلعب فيه أبريل دور أم ستيلا !!
فى البداية شعرت بالإثارة عندما عرض عليها دافيد وهو مخرج الأفلام الشهير أن تخرج إلى عالم المسرحيات الإيمائية لتأخذ دور فى الفيلم الذى سيبدأ تصويره هذا الصيف . يومها قال لها دافيد بأنها أفضل من تقوم بدور ستيلا أبنة بطلة الفيلم . لكن الإثارة اختفت كلياً ما إن أخبرها عمن سيلعب دور أم ستيلا .
يرى دافيد بأن ماى هى أفضل من سيقوم بذلك الدور. وبالطبع فإن ماى هى الأفضل من يمكنه القيام بدور أبنة أمها! لكن كيف له أن يعرف ذلك؟ إنه لا يعلم بأن أبريل روبين هى أمها الحقيقية!
أنكرت ماى هذه الحقيقة لسنوات عدة بالاتفاق الضمنى مع والدها . وهكذا عاشت جانيوارى و مارش وهما تعتقدان بأن والدتهما ماتت عندما كانتا صغيرتين . ظلت تلك هى الحقيقة الوحيدة السائدة إلى ان عادت تلك المرأة للحياة بهذه الطريقة الدخيلو!
نظرت ماى ببرودة إلى المرأة الأخرى وصرحت ببساطة :"أمنا ماتت"
شهقت أبريل وأصبح وجهها أكثر شحوباً ثم قالت بصوت مختنق غير مصدقة ما تسمعه :"هل هذا ما تظنه جانيوارى ومارش أيضاً؟"
أكدت لها ماى بقسوة :"هذا ما نظنه كلنا . وما أعرفه أنا هو أن والدتى كانت امرأة جميلة أنانية اهتمت بالشهرة والثروة أكثر من اهتمامها بزوجها وبناتها الثلاثة الصغيرات"
ثم أضافت ببرودة تامة :"بالنسبة لنا ماتت فى اللحظة التى اتخذت فيها ذلك القرار"
ابتلعت أبريل ريقها بصعوبة وظهر الشحوب والقلق على وجهها فبدت عليها أعوامها الستة والأربعين وقالت :"أدركت بأن جايمس سيكرهنى لكننى لم أظن أبداً...."
قاطعتها ماى بقسوة قائلة :"لم يكرهك...بل كان يحبك ولم يحب سواك حتى يوم مماته "
قالت ذلك والعاطفة تجيش فى صدرها فهى تعرف بأن والدها لم ينظر أبداً إلى امرأة أخرى فى السنوات التى تلت مغادرة أبريل له وأنه استمر على حبه لزوجته السابقة على الرغم من كل ما فعلته به.
أغمضت أبريل عينيها لفترة وجيزة وترنحت قليلاً ثم قالت وهى تتنفس بصعوبة :"لم يكن هناك مجال للاختيار فوالدك....."
حملقت ماى بالمرأة الأخرى وقاطعتها بقوة:"أرفض رفضاً قاطعاً أن أناقش أمور والدى معك . فأنا عشت معه لأكثر من عشرين عاماً بعد مغادرتك ورأيت ما فعله به تركك إياه"
تنفست ماى بصعوبة قبل أن تنهى كلامها :"لذلك لا تفترضى بأنك تستطيعين المجئ إلى هنا بعد كل هذه السنوات لتخبرينى أى شئ عنه !"
ابتلعت المرأة الأخرى ريقها بصعوبة وقالت :"علينا أن نتكلم يا ماى...."
تحدتها ماى قائلة :"ولماذا يتعين علينا ذلك ؟ لا شئ لدى لأقوله لك ولا أظن بأن لديك ما تقولينه لى بعد تلك السنوات كلها"
رقت ملامح الوجه الجميل تاثراً فقالت أبريل :"ألديك فكرة عما خالجنى من مشاعر عندما أخبرنى دافيد بأن الشابة التى أختارها لتلعب الدور أمامى فى فيلمه المقبل تدعى ماى كالندر؟"
تبسمت ماى ابتسامة ملؤها السخرية وأجابتها :"أستطيع أن أتصور ذلك!"
عارضتها أبريل بنعومة قائلة:"لا تستطيعين!"
أكدت ماى بقسوة :"إذا كان ذلك يشبه بطريقة ما شعورى عندما علمت بأنك أنت من ستكونين نجمة الفيلم....عند ذلك نعم أستطيع ان أتصور"
يومها شعرت ماى بصدمة كبيرة. صعقتها تلك المعرفة إلى درجة جعلتها تستقل أول قطار عائدة إلى يوركشاير . وأعلمت أختيها بأنها رفضت عرض دافيد و أنها لا ترغب بمناقشة المسألة بعد الآن . مع أنها تعلم تماماً بأن دافيد ما زال مصراً على أنها أفضل من سيقوم بدور أبنة أبريل روبين فى ذلك الفيلم .
هزت الممثلة رأسها :"لا أوافقك على ذلك لسبب ما"
منتديات ليلاس
ثم تمتمت بنعومة :"اخبرينى عن جانيوارى و مارش هل هما.....؟"
تساءلت ماى فى سرها عن وقت انتهاء هذا الكابوس وأكدت لها :"ذلك ليس من شأنك"
أطبقت أبريل فمها بحزم وإصرار قائلة:"أخبرنى جود بأنهما مخطوبتان إلى اثنين من أقرب أصدقاءه "
قالت ماى باستهجان ظاهر: وهل أخبرتِ جود بأننا بناتك؟"
رفعت المرأة الأخرى حاجبين ساخرين وقالت:"وماذا تظنين؟"
أطلقت ماى صوتاً عبر عن دهشتها وقالت:"أعتقد بأنك لا تريدين أن يعرف جود من بين كل الناس بأن لديك ثلاث بنات تتراوح أعمارهن بين منتصفات العشرينيات وأواخرها "
بالطبع فجود يصغر تلك المرأة بحوالى عشر سنوات ولا يجدر به أن يعلم بأن لديها ثلاث بنات بالغات لا يصغرنه كثيراً . لا شك بأن هذه المعرفة ستكون عائقاً أمام علاقتهما . هذا ما فكرت به ماى على الأقل .
عبست أبريل بحدة وأجابت:"ليس ذلك هو سبب عدم أخبارى إياه ولا أعلم يا ماى ما هو الانطباع الذى أخذته بشأن مرافقتى لـ جود هذا اليوم لكننى أؤكد لك...."
قاطعتها ماى ببرود تام:"لا أحتاج إلى تأكيداتك ولا أريدها أيضاً آنسة روبين الأمر نفسه بنطبق على جانيوارى ومارش ...."
اعترضت المرأة الأخرى بقولها:"لا تستطيعين التكلم بالنيابة عنهما "
قالت ماى بإصرار :"فى هذه الحالة أستطيع التكلم بالنيابة عنهما . فقد نشأتا طيلة هذه السنين دون ام ومن المؤكد بأنهما لا تحتجان إلى أم الآن لا سيما أنهما توشكان على الزواج من الرجلين اللذين يحبانهما !"
أنهت أبريل جملة ماى ببساطة قائلة :"لا سيما إلى امراة مثلى هل هذا صحيح؟"
أومأت ماى موافقة :"هذا صحيح"
تمنت ماى لو أن المرأة الأخرى تغادر المكان بكل بساطة فقد بدأت تشعر بالإجهاد الذى تركته الدقائق عليها. استدارت مبتعدة غير متأكدة من طول المدة التى تستطيع الصمود فيها من دون الاستسلام لدموعها . بحق السماء ! تلك المرأة هى أمها التى أحبتها كثيراً للسنوات الخمس الأولى من حياتها هة المرأة التى كان عليها أن تتعلم العيش بدونها بعد أن تركت زوجها وبناتها لتلاحق مهنة التمثيل . كان يكفيها أن تتذكر عطر أبريل الذى تنشقته فى وقت باكر من هذا اليوم لتصاب بالصداع.
أصبحت ملامح وجه ماى أكثر تحدياً وقالت:"أعطيت دافيد جوابى بشأن دورى فى الفيلم ولا أعتقد بأن لدينا ما نقوله لبعضنا البعض "
قالت أبريل بصوت أجش:"أخبرنى دافيد بأنك ممثلة ممتازة"
هزت ماى كتفيها وقالت:"يبدو أنه يعتقد ذلك"
أومأت أبريل موافقة :"ممن تعتقدين بأنك أخذت موهبة التمثيل؟"
التمعت عينا ماى باللون الأخضر الداكن وقالت:"من المصدر نفسه الذى أتت منه موهبة جانيوارى فى الغناء وموهبة مارش فى الرسم كما أظن"
نطقت ماى بكلماتها هذه وهى تعرف أن أياً من الأخوات الثلاث لم ترث تلك المواهب من أبيها الرزين وغير المبدع
تمتم ابريل غير مصدقة:"جانيوارى تغنى....!و مارش ترسم؟"
ردت ماى بنبرة تعمدت فيها الإهانة :"نعم . لكنى متأكدة بأننا على استعداد على التخلى عن تلك المواهب مقابل ألا تكونى والدتنا!"
ظللت الشحوب وجه أبريل أكثر من ذى قبل وقالت :"هل تتخلين عن فرصتك بالنجومية فقط لأننى أمك"
رمقتها ماى بنظرة ساخرة وقالت:"بعضنا يرتب أولوياته بشكل جيد"
أغمضت أبريل عينيها بسبب تلك الملاحظة المتعمدة وارتفع ذقنها بتحدٍ واضح ثم نظرت إلى ماى بعينين ضيقتين قائلة:"أنت...."
لكنها توقفت عن متابعة حديثها لأن المرأتين سمعتا صوت سيارة قادمة.
أكملت قائلة :"هل تتوقعين أحداً؟"
جــــــــــود ! لا بد أنه هـــــــــــو.

حبيبي المغرور _ كارول مورتيمرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن