الفصل الثانى...بين ود و امتعاض

15.7K 349 0
                                    

بعد أن أخبرها خالها أن جدها سيكون بخير و أنه يرتاح في غرفته صحبها في جولة لترى المنزل... كانت غرف النوم تحتل الطابق الثاني بينما كان الطابق الأول لغرفة الجلوس و غرفة الطعام و غرفتين مكتب و المطبخ و جناح الخدم، كانت محقه في ظنها... إنه قصر، ابتسم خالها:
- لا تدركين مدى سعادتي بعودتك.
نظرت له بتساؤل... كانت ردة فعل خالها مختلفة تماماً عن ما توقعته... لقد تلقى خبر موت أخته بكل هدوء:
- خالي... قاطعها و هو يضع يده على كتفها:
- لقد كنت على اتصال بها و علمت بمرضها و كنت موجود في جنازتها... كم رغبت أن أتقدم منك و أعرفك على نفسي لأواسيكِ لكنك كنت منهارة فخشيت ذلك.
- الآن عرفت لماذا بدوت لي مألوفاً... لقد رأيتك يومها.
ابتسم:
- لقد نظرت باتجاهي أكثر من مره لكنني لم أظن أنكِ انتبهت لي.
قالت بأسى:
- كم أتمنى لو أتت والدتي لترى جدي... كلما أفكر أنها رحلت دون أن تتحدث معه و لو مره واحده.
- لقد كانت عنيدة كم حاولت أن أقنعها بالعودة... لقد زرتها أكثر من مره دون أن يعلم أحد و حاولت إقناعها لكن بلا جدوى.
قالت سالي:
- و كأنها كانت تعاقب نفسها على عصيانها أمر جدي....
صمتت ثم نظرت له بقلق:
- هل سيكون بخير؟
- لا تقلقي إن جدك أقوى مما يبدو عليه... انتظري لتريه و هو يصدر الأوامر هنا و هناك ستتمنين أن يعود إلى غرفته مرة أخرى.
ضحكت سالي بسعادة... إن خالها يشبه والدتها في كثير من الأمور، ظهرت فتاة رقيقة الملامح تلبس مئزر:
- سيدي هل نقدم الغداء؟
- مايا.. اقتربي لأعرفك على سالي... سالي هذه مايا...
قاطعته الفتاة و هي تتقدم من سالي تصافحها بحماسه:
- عرفتك ما أن رأيتك... إنك تشبهين السيدة سيلينا إلى حد بعيد.
بعد أن تركت مايا يد سالي و ذهبت مسرعة لتخبر الطاهي أنهم على استعداد لتناول الغداء ضحك خالها:
- إنها ابنه ألفونسو و كوليت... ألفونسو هو الطاهي و كوليت زوجته التي تعتبر مربيتي أنا و والدتك... لقد ولدت مايا قبل أن ترحل والدتك بخمس سنوات لذلك تتذكرها جيداً فقد كانت والدتك تحبها كابنه لها و تقضي معها الكثير من الوقت.
قالت سالي:
- يبدو أنني سأحاول جاهدةً أن أحفظ أسماء القاطنين ف المنزل ...
- أعلم أنهم كثيرون... لكنك لم تتعرفي عليهم جميعاً... هناك ماري و كريستين خادمتان تقومان بما تقوم به مايا من مساعدة ألفونسو في تحضير الطعام إلى تنظيف المنزل و جون السائق و أظن أنكِ رأيت سلفستر إنه البستاني.
وضعت يدها حول رأسها و قالت ضاحكةً:
- يا إلهي... هل هناك المزيد.
ضحك:
- حسناً سوف أتركك لتتعرفي على الجميع كلاً في وقته... الآن أظن أنك بحاجة لتغيير ملابسك قبل أن توافينا إلى غرفة الطعام.
نادى على مايا التي رافقتها إلى غرفتها التي اختارها خالها بنفسه، وقفت مايا بباب الغرفة:
- لقد رتبت لكِ ملابسك في الخزانة و أعددت لكِ الفراش,.. هل تحتاجين أمر آخر سيدتي؟
- لا تدعيني سيدتي... سالي... سالي فقط.
احمر وجه الفتاه:
- لكن السيدة...
قاطعتها سالي:
- إننا تقريباً في نفس السن فلا حاجه للرسميات... اتفقنا؟
هزت رأسها موافقة ثم قالت:
- سوف انتظرك خارج الغرفة حتى تنتهين لأدلك إلى غرفة الطعام .
سألتها:
- مايا... هل ترتدون هنا ملابس رسمية للغداء أو العشاء.
- لا... أعلم أن منظر المنزل يوحي بذلك لكن والدتي تقول أن هذه العادة انقرضت من زمن... الآن الوجبات لا تأخذ الطابع الرسمي إلا في المناسبات... لكن السيد ريشتارد يصر على التمسك بملابسه الرسمية دوماً.
ابتسمت سالي:
- بإمكاني أن أتخيل ذلك.
*********************
كانت مايا و فتاة أخرى تكبرها في العمر تقومان بوضع الطعام على الطاولة بينما وقفت سيدة بدينة محببة الوجه تشرف عليهما... مؤكد أنها كوليت، لم تفارق ابتسامة خالها وجهه، بينما احتفظت زوجة خالها بتجهمها كأنه صديق غالي و لم تكد تتفوه ببضع كلمات طوال تناولهم الطعام بينما لم يتوقف خالها عن الكلام اعتذر لها قائلاً أن جدها لن يستطيع أن يتناول الغداء معهم لكنه يتوقع أن تزوره في غرفته ثم شرع يخبرها عن أملاك العائلة و شركاتها العديدة ثم أخبرها عن ابنه الذي قرر أن ينفرد بنفسه و يتجه لاستثماره الخاص بعيداُ عن مجال عمل العائلة :
- منذ صغره و هو يملك تفكيره الخاص... إن مارك يذكرني بوالدتك... عنيد و متمسك بآرائه لأبعد الحدود.
سألت سالي:
- و ماذا كان رأي جدي عندما عمل مارك في مجال مختلف عن أعمال العائلة .
- في البداية عارض بشده و حدثت بينهما صدامات عديدة و لكنه في النهاية رضخ فعلى كل حال أعمال العائلة كلها عبارة عن تجارة و مارك أيضا يقوم بالمتاجرة لكن بالمواهب.
رفعت حاجبيها باستفهام:
- متاجره بالمواهب؟
ابتسم والدها:
- نعم... إنه يملك شركة عقارات كبيره لكن اهتمامه الأكبر بشركة الإنتاج الفنية التي أسسها منذ أكثر من عشر سنوات...إنه يستثمر المواهب الشابة.
شرح لها خالها كيف يقوم مارك باكتشاف المواهب الجديدة المتعثرة في أول طريقها و يمهد لهم طريق النجاح حتى يصبحوا نجوم و سمى لها العديد من الممثلين و الرسامين الشباب اللامعين الأسماء و الذي كانت انطلاقتهم من شركته... إذن ابن خالي يبرع في عمله.
بدا الامتعاض على زوجة خالها و التي بدا أنها تفضل أن يهتم ابنها بأعمال العائلة بدلاً من عمله في تلك الشركة الفنية.
تنقلت مع خالها من موضوع لآخر و لم يحظيا من زوجة خالها سوى بنظرات اعتراض لم تفهم سببها.
بعد أن انتهوا من تناول الطعام قدمت لهم الفتاة الأخرى التي علمت أنها كريستين الشاي في غرفة الجلوس ، بعدها صحبها خالها إلى المطبخ عندما أخبرته أنها ترغب في شكر ألفونسو و كوليت على الوجبة الرائعة... كانت ابتسامة ألفونسو ساحرة شأنه شأن كل الفرنسيين و استقبلتها كوليت بالأحضان و شددت عليها قائله:
- اعتبريني والدتك يا صغيرة... إن احتجت أي شئ كوليت هنا.
ضحك خالها:
- نفس الجملة يا كوليت... أتذكرك و أنت تقوليها لي و لسيلينا و نحن صغار.
ضحكت:
- و سأظل أقولها دوماً...
صمتت و قالت بطريقه حالمة :
- كم أتمنى أن أكون موجودة لأقولها لأولاد سالي...
لوح ديفيد بيده أمام وجهها:
- هاي ... أين ذهبت أيتها الحالمة؟
نظرت له معاتبه:
- دوماً ما تقطع علي أحلامي الجميلة كنت على وشك أن أقول و أولاد ذلك الصبي العنيد مارك... هذا إن تخلى عن موقفه المثير للغضب.
سألت سالي باستمتاع:
- أي موقف مثير للغضب؟
قال ألفونسو:
- تمسكه بعزوبيته بشراسة أمام محاولات الكل لتزويجه.
قال ديفيد:
- دعونا لا نتحدث عنه أكثر من ذلك لأنه يظهر عندما نفعل.
سألته كوليت:
- لماذا لم يكن موجود معكم على الغداء؟
- أنت تعلمين مدى انشغاله بأعماله... لقد اتصل و أخبرني أنه لن يأتي على الغداء و العشاء.
قالت كوليت بغضب:
- منذ اشترى تلك الشقة البائسة و هو يكثر من المبيت خارج المنزل.
امسك ديفيد يد سالي:
- دعينا نختفي من أمام كوليت الآن لأنها غاضبه.
عندما أصبحا خارج المطبخ همس لها بمرح:
- لابد أنها ستصب جام غضبها على المسكين ألفونسو.
ابتسمت:
- أظن أن بإمكانه أن بتعامل مع غضبها بسهوله بسحره الفرنسي.
نظر لها باستفهام فقالت:
- كيف عرفت؟ اسمه... لكنته... طبخه الرائع.
- ذكيه.... و الآن فتاتي الذكية بحاجه لقسط من الراحة قبل أن تذهب لملاقاة جدها أليس كذلك؟
وهما في طريقهما للطابق الثاني صادفا فتاة تلبس نفس ملابس مايا و كرستين عرفها خالها عليها على أنها ماري. عندما استلقت سالي في غرفتها على السرير فكرت في كل من قابلتهم... جدها الذي أبدى فرحة منقطعة النظير بقدومها و خالها الدائم الابتسام و الذي لم يخفي سعادته بها... مايا التي كانت تحاول تلبية كل متطلباتها قبل أن تفكر فيها... ألفونسو الودود و كوليت الحنونة...أوليفيا زوجة خالها التي لم تراها تبتسم و لو لمرة واحده و كريستين التي تبدو أنها تشبهها بوجهها المحتفظ بتكشيره تعقد ملامحه و ماري التي تبدو أنها محايدة... تحمل من الود بقدر ما تحمل من التحفظ...
سواء كان من قابلتهم ودودين أم ممتعضين إلا أنها سعيدة بوجودها وسطهم... أخيراً شعرت أن لها عائله... تساءلت... هل سيكون مارك من الودودين أم المتجهمين؟

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)Where stories live. Discover now