الفصل العشرون ... المرأة المجهولة

8.3K 236 1
                                    

تنقلت سالي مع مارك بين المدعوين حتى أشار له باتريك من بعيد، فتركها ليتحدث مع بعض رجال الأعمال، شعرت بالراحة عندما لمحت جوليا تقف في ركن منعزل تحتسي العصير، توجهت لها بسرعة كغريق يبحث عن طوق نجاة: - جوليا... كيف حالك يا عزيزتي؟
- ساااالي... أنا بخير؟ كم أنا سعيدة لرؤية وجه مألوف في هذه الحفلة لقد أتيت مع باتريك لكنه تركني ليتحدث في الأعمال.
ابتسمت سالي: - و هذا ما حدث معي... مارك الآن مع باتريك و هذا ما تركني وحيدة أيضاً.
وقفت تتحدث مع جوليا المبتسمة دائماً، شعرت بالأنس و هي تستمع إلى حكاياتها الظريفة، كما أنها أخذت تحدثها عن مارك الذي رغبت في أن تعرف عنه أكبر قدر ممكن من المعلومات علّها تفهمه أو... تتذكر ماضيها معه، طافت بعينيها في الغرفة الفسيحة و اهتزت يدها عندما وقعت عيناها على امرأة شقراء طويلة ممشوقة القوام، وقع كأس العصير من يدها ليتحطم إلى شظايا، التفت لها بعض الأشخاص، رفعت عينيها بذعر تبحث عن مارك الذي كان بجوارها في ثانية، طوق خصرها بذراعه و شدها إليه بقوة، نظرت له بعينين خاويتين، فتحت فمها محاولة الحديث إلا أن الحروف أبت أن تخرج من فمها: - هذه الــ مــ ر... رفعت يدها مشيرة نحو المرأة إلا أن ذراعها لم تكمل طريقها، نظر مارك إلى حيث حاولت أن تشير لم يرى إلا لمحة من وجه فيكتوريا التي اختفت قبل أن تنهار سالي بين ذراعيه.
***
ضرب مارك بقبضته على المكتب: - لا أعرف ما حدث يا جدي... لا أعرف، كل ما أعرفه أنها رأت فيكتوريا و بعدها انهارت.
- هل تذكرت شيء؟
- قلت لك لا أعرف... عندما سألت الطبيب عن سبب إغماءها أخبرني أنها سليمة مئة بالمائة... قد تكون صدمة، أظن أننا لن نعرف شيء قبل أن تستفيق.
احتقن وجه ريتشارد: - و كيف تجرأت تلك الحقيرة على الظهور مرة أخرى بعد ما فعلته آخر مرة.
- هذا ما سيدفعني للجنون ففي لقائنا الأخير أوضحت لها... بل أوضحنا كلانا لها أن ظهورها في حياتنا مرة أخرى سوف يجر عليها ما لا يحمد عقباه.
صمت مارك ثم حدج جده بنظرات نارية: - هذا ما يأتيك من عقد الصفقات مع امرأة مثلها... لقد انقلب السحر على الساحر.
صاح ريتشارد: - و من أدخل هذه المرأة في حياتنا من الأساس؟
دخلت سالي الغرفة فجأة: - ما بكما؟ إن صوتكما عالٍ.
صمتا فجأة... نقلت نظرها بينهما: - لماذا تتشاجران؟
قالا في وقت واحد : - لا شيء.
ضحكت: - و كأنني ضبطت طفلان بالجرم المشهود... لابد أنكما تختلفان كالعادة على مسائل العمل.
نظر لها ريتشارد باستفهام: - لقد أخبرني مارك عن محاولاتك أنت و أوليفيا لإقحامه في أعمال العائلة... صدقني إنه بارع في عمله.
تنهد ريتشارد و قال: - أعلم.
تقدم منها مارك: - هل أنتِ بخير؟
أومأت برأسها: - أجل... و لا أعلم ماذا جرى لي... كانت الأمور على ما يرام و كنت أتحدث مع جوليا عن مدى روعة زوجي كرئيس في العمل و فجأة وقعت عيناي على تلك الشقراء و لا أعلم ماذا أصابني... شعرت بتسارع في قلبي و بدأت الأرض تميد من تحت قدمي.
تغصّن جبين مارك... عليكِ اللعنة يا فيكتوريا، قال ريتشارد بذكاء ليصرف نظر سالي عن منظر وجه مارك الذي كان مقروءاً بشكل واضح: - و من تلك المرأة؟ هل سبق و تعرفت بها في مكان ما؟
- هذا ما يدهشني يا جدي... لم أرها من قبل.
***
توقف مارك عن اصطحابها للحفلات و عندما سألته عن السبب أخبرها أنه لا يريد أن يتكرر ما حدث في حفلة ستيوارد، حاولت أن تجادله لكنها توقفت عندما لاحظت خطوط الإرهاق التي ظهرت في وجهه، منذ فقدت وعيها بين ذراعيه و هو يتصرف معها كقطعة زجاج هشّة قد تتحطم في أي وقت.
كانت في طريقها للمطبخ عندما سمعت صوت الهاتف، أجابته فأتاها صوت أنثوي ناعم: - هل يمكنني أن أتحدث مع سالي فوكس؟
- إنها أنا.
صمتت المرأة قليلاً ثم قالت: - كيف حالك يا سالي؟ ألا تتذكرين صوتي؟ لقد علمت بأمر فقدانك للذاكرة.
- معذرة... أنا حقاً لا أتذكرك من أنتِ؟
- أنا صديقة.... لقد رأيتني في حفلة السيد توم ستيوارد.
شدت سالي على السماعة بقوة: - رأيتك في حفلة ستيوارد؟ من أنتِ... أتمنى أن تذكريني بنفسك.
- أنا....
لم تسمع سالي باقي المكالمة لأن مارك انتشل الهاتف من يدها: - ألووو.... ألوووو.... نظر إلى السماعة ثم أغلق الخط.
التفت لسالي: - مع من كنتِ تتحدثين؟
نظرت له سالي بغضب: - ما بالك؟ لماذا اختطفت الهاتف مني بهذه الطريقة؟
- لقد سمعتك تذكرين حفلة توم فــ..... قاطعته بخيبة أمل: - كنت على وشك معرفة تلك السيدة التي رأيتها قبل أن أفقد وعيي.... ماذا أصابك لتظهر من العدم و تختطف السماعة مني.
وضع الهاتف مكانه و امسك بيديها.... تفاجأت عندما وجدت يديه الدافئتان و قد تحولتا لقطعتان ثلج: - لا يمكنك أن تتصوري مدى قلقي منذ تلك الحفلة و أن يأتيك اتصال يرد فيه أي ذكر لتلك الحفلة اللعينة، شعرت بالذعر للحظة.
أحاطت يديه الكبيرتان بكفيها الضئيلان و ابتسمت له: - لا تقلق... كل ما في الأمر أنني أريد أن أعرف تلك المرأة، لابد أن لها علاقة بي، لكن لماذا أغلقت الخط عندما سمعت صوتك؟
أحاطها بذراعيه و قال بشرود: - ربما كانت أحد المحاولات السمجة من أحد المتطفلين لإشاعة الفوضى في حياتنا.
- و من يعلم بأمر تلك المجهولة؟
- لا يمكنك أن تتصوري مدى فضول الناس تجاه حياتنا... قد تجدين الكثير من معارفنا يعلمون عن تفاصيل حياتنا أكثر مما تعلمين منذ فقدتِ الذاكرة.
ارتعشت بين ذراعيه: - إن هذا الأمر يبعث على القشعريرة.
***
أخذت سالي تتقلب في الفراش دون أن تستطيع النوم... لم يغب عنها أن مارك لم يكن يريدها أن تتحدث مع تلك المرأة لذلك انتشل منها السماعة، و تلك المرأة بدورها لا تريده أن يعرف بأمر مكالمتها لأنها أنهت المكالمة ما أن سمعت صوته، شعرت أن رأسها على وشك الانفجار، جمدت في مكانها عندما تناهى لها صوت مارك من الطرف الآخر من الفراش: - سالي... توقفي عن التقافز على السرير يا صغيرتي، أشعر أنني في الملاهي.
انقلبت على جانبها الآخر لتصبح في مواجهته: - مارك... صارحني، من تلك المرأة المجهولة التي رأيتها في الحفل و التي اتصلت بي و لم تريد أن أتحدث معها، لا تنكر فقد كانت ردة فعلك واضحة.
رأته في الضوء الخافت يغمض عينيه قليلاً قبل أن يفتحهما، مد يده و وضعها على خدها: - إنها امرأة من الماضي... تسببت في الكثير من الأذى لنا و كادت أن تدمر زواجنا.
ما أن سمعت سالي ما قاله حتى استقامت و جلست: - تدمر زواجنا؟
أمسك مارك بمعصمها و أجبرها على النوم مرة أخرى لكنه هذه المرة أحاطها بذراعيه، في البداية ارتبكت لكنها لم تقاومه، كان ظهرها مستند إلى صدره الذي كان يعلو و يهبط بسرعة مما أنبأها بتوتره، همس لها: - إن علاقتنا لا تحتمل أن تعرفي من هي تلك المرأة... أرجوكِ أن تمنحيني الوقت الكافي و سوف أخبرك بنفسي من هي و ماذا كان دورها في حياتنا بالضبط.
لم تتوقع سالي ما قاله مارك لكنها لم تجادله التفت بين ذراعيه حتى أصبحت في مواجهته و قالت له: - عدني أن تخبرني قريباً.
دهشت عندما قام بوضع جبهته على جبهتها و قال لها بصوت بالكاد سمعته: - أعدك يا ساحرتي الصغيرة... أعدك.
أخذ مارك يتأمل زوجته التي و للمرة الأولى منذ أربعة أشهر تغفو بين ذراعيه، كان جبينها معقود كأنها تفكر في أمور غير سارة... أخذ يربت على جبهتها و هو يفكر، هل اقتربت ساعة الحقيقة؟ هل اقتربت النهاية؟، تساءل عمّا تريده فيكتوريا بظهورها المفاجئ رغم كل التهديدات التي تلقتها، هل قررت أن تحرق كل الجسور وراءها حتى لو كلفها هذا عدم قدرتها على العودة إلى بر الأمان هي الأخرى... لقد قالتها له يوم هروب سالي: - إن لم أحصل عليك فلن يحصل عليك أحد.

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)Where stories live. Discover now