الفصل السابع عشر....اعتذار و وعد

9.3K 247 1
                                    

لم يصدق مارك عندما أخبرته مايا أن سالي تريد رؤيته، بحث عن والده الذي وجده في غرفة المكتب: - هل عرفت أن سالي طلبت رؤيتي؟
ابتسم بإشفاق إزاء القلق المرتسم على وجه ابنه: - لقد توقعت ذلك... بالأمس سألتني عنكما.
- سألت عنّا؟
- أجل... سألتني عن علاقتكما معاً و عن زواجكما...
قاطعه مارك بحدة: - عن زواجنا؟
ابتسم ديفيد: - لا تقلق لم أخبرها بسبب زواجكما... أخبرتها كم كانت الأمور جميلة و مستقره بينكما كما أخبرتها أنك لست ذلك الرجل المتجهم الغاضب الذي يثير الخوف في الناس.
قال مارك بغضب: - هل تسخر مني يا أبي؟
- لا... أنا أتحدث بجدية فأنت لم ترى كيف كانت تصرفاتك في الأيام الأخيرة، أخبرتها أن مظهرك الغريب يرجع إلى قلقك عليها، في نهاية حديثنا شعرت أنها بدأت تتقبل واقع زواجكما و توقعت أن تطلب رؤيتك، أسرع بالذهاب لها.
- حسناً... سوف أذهب الآن.
***
يبدو أنهما متزوجان فعلا... لقد أخبرها خالها بالكثير عن حياتها مع مارك، كما أن هذه الصور توضح أنهما كانا سعيدان جداً في زواجهما، أخذت تتأمل تلك الصورة التي كان مارك يحملها فيها على ظهره و كانت على وشك الوقوع، كانا منفجران في الضحك... لم يبدو يشبه ذلك الرجل الذي كان ينظر لها بدهشة في المشفى و الذي نظر لها بإجفال عندما طردته من الغرفة، نظرت إلى تاريخ الصورة الذي كان منذ أشهر قليلة و رغم ذلك كان يبدو أصغر بسنوات... ابتسمت عندما نظرت إلى الصورة المقابلة لتلك الصورة، كانا يضحكان لشئ قاله خالها.
دخل مارك الغرفة بهدوء... كانت تجلس على الفراش تمسك بألبوم الصور، تسمر ما أن رآها تنظر للصور و ابتسامة هادئة تزين وجهها الذي لم يكن يتصور أن يراه مبتسماً مرة أخرى، فجأة رفعت رأسها و نظرت له، لاحظ ارتباكها و هي تغلق الألبوم و تضعه جانباً، أشارت له ليتقدم.
جلس على الكرسي بجوار السرير: - هل أنتِ بخير؟
- أجل... نظرت له و قد بدا عليها التردد فشجعها: - ماذا تريدين أن تقولي؟ لا تترددي ففي النهاية أنتِ.... زوجتي.
لاحظت سالي أنه صمت قليلاً قبل أن يقول زوجتي بمرارة: - لقد أردت أن أعتذر منك ... أنا آسفة على انفجاري بك، لكن الأمر كان أكبر من استيعابي، آخر ما أتذكره أنني تركت أمي في المنزل و هي تعاني من المرض الشديد و ذهبت لأحضر لها الطبيب و فجأة استيقظت لأجد نفسي متزوجة و والدتي ميتة منذ أكثر من عام و نصف... تجمعت الدموع في عينيها و صمتت عندما اختنق صوتها.
جلس على الفراش و أمسك بيدها: - أعلم أن الأمر ليس بالهين و لا داعي لتعتذري لي، أنا هنا لأكون بجانب حتى تتجاوزي كل ما يحدث.
رفعت عيناها الدامعتان و نظرت إليه بامتنان جعل قلبه يتخبط بين ضلوعه: - حقاً؟؟
أومأ برأسه و قال كأنه يقنع طفلة: - حقاً.
تفاجأ عندما ابتسمت فجأة حتى قبل أن تختفي دموعها و قالت له بحماسة: - هيا أخبرني عنّا...
كاد يسألها عمّا تقصد بكلمة "عنّا" لكنه تذكر كلام والده، سألها: - تقصدين عن زواجنا؟
- لا... عنا بصفة عامة، كيف تعرفنا و كيف انتهى بنا الأمر متزوجان.
نظر لها... من بين كل المواضيع في العالم هذا الشئ الوحيد الذي لا يستطيع أن يخبرها به، ابتسم و قال و هو يحاول أن يلبس حديثه ثوب المرح و الحماسة: - أول لقاء بيننا ظننتني لص.
مسحت عينيها بظهر يديها و قالت بصدمة: - ماذا؟ لص؟
تصارعت المشاعر بداخل مارك... كان شعوره بالسعادة لوجودها أمامه يمسك بيدها و يتحدث معها يتضارب مع شعوره بالألم من نسيانها له و اضطراره لأن يذكرها بما كان بيننا و شعوره بالخوف من أن تتذكر و ترحل مرة أخرى، شعر بأن هذه المشاعر تنهكه و تثقل كاهله، لكن إزاء حماستها و ابتسامتها المشرقة التي تبعث النور بداخله حاول أن ينحي كل ما يشعر به جانباً و أخذ يخبرها بلقائهما الأول و مساعدتها له عندما حاول جده أن يورطه في جولة معها، أخبرها عن أعماله و محاولات جده و والدته لإقحامه في أعمال العائلة، كانت منتبهة معه بكل جوارحها حتى أنها غفلت عن يدها القابعة في يده، مر الوقت سريعاً و دخلت كريستين بصينية الطعام، ما أن خرجت حتى سألته سالي: - ما بها تلك الفتاة؟ إنها تبدو غاضبة مني... هل تسببت لها بالأذى من قبل؟
ابتسم مارك و هو يضع الصينية على ركبتيها: - لا... إنك لم تؤذي أحداً و الجميع يحبك هنا... حتى أن حشرات الحديقة تهواك.
ضحكت: - لا تبالغ.
- لا أنا لا أبالغ يا عزيزتي... صمت عندما شعر بتوترها لسماع كلمة عزيزتي: - سالي... إذا كان يضايقك أن أدعوكِ هكذا.
- لا... أنا أعتذر منك، كل ما في الأمر أنني لم استوعب الأمر، أريدك أن تتحدث معي بطبيعية لأعتاد الأمر، و الآن أخبرني طالما كل من في المكان يحبني لماذا نظرت لي تلك الفتاة كأنها على وشك قتلي.
ابتسم مارك: - لقد بدأت شخصيتك المشاكسة في الظهور... بعد كل شئ ربما نجدك استعدتِ ذاكرتك قبل أن نشعر.
شعرت بالسعادة لما قاله مارك، قال لها: - تلك الفتاة اسمها كريستين... إحدى الخادمات و هي حليفة أمي الكبرى لذلك تجدينها تتبنى مواقفها دون أن تفكر.
- و هل زوجة خالي تكرهني.
- يمكنك أن تقولي أن هناك نوع من انعدام التواصل بينكما.
- يا له من رد دبلوماسي... هل هناك الكثير ممن أعاني من انعدام التواصل بيني و بينهم، أريد أن أعرف ما سأواجهه.
وقف: - سوف أعرفك على الجميع قريباً... لكن الآن تناولي غداءك.
- إلى أين ستذهب.
حاول أن يتركها لينظم أفكاره فهو لم يستفيق بعد من المفاجأة... لم يتوقع أن يدخل ليجد سالي تشاهد صورهما و هي تبتسم تلك الابتسامة التي كانت و ستظل من أكبر نقاط ضعفه... لم يتوقع أن تعتذر له و تتحدث معه بهدوء و تخبره بعزمها على التأقلم، لكنها طلبت منه أن يتناول معها الطعام، أعدّت مايا لهما الطاولة الموجودة في شرفة الغرفة: - تلك الفتاة على عكس كريستين... إنها لطيفة معي... اسمها مايا على ما أذكر.
- أجل... إنها من حلفائك الكثيرين.
قالت بمرح: - قد ابدأ في تصديق كلامك عن المحبين الكثيرين... خالي.. مايا و جدي الذي يتعامل معي كأنني قابلة للكسر، هل من مزيد؟
- أجل... ألفونسو الطاهي الذي يحلو لكِ دوماً أن تتغني بفرنسيته ، يسعده دوماً بتدليلك و مناداتك له بالفرنسي الساحر.
ضحكت: - يجب أن أتعرّف عليه... صمتت فجأة و قد اختفت ابتسامتها: - أقصد يجب أن أراه فانا لا أتذكر شكله.
قال مارك بمرح: - لا عليكِ... إنك الآن لا تعرفينه، سوف أعرفك عليه و يمكنك أن تعودي لتدليلك له ليقوم بإرضائك بوصفاته التي تمتعنا جميعاً.
ابتسمت مرة أخرى: - حسناً... و من هناك أيضاً لأعرفه؟
- كوليت... هي التي قامت بتربيتي تقريباً عندما وجدت أن أوليفيا لا تتمتع بالحنان الكافي.... كادت تسأله عن معنى تلك الجملة التي كانت تقطر مرارة لكنه أكمل بسرعة:- يحلو لها أن تتصرف كمدبرة المنزل و تتصارع مع والدتي دوماً حول القرارات التي يجب اتخاذها أثناء تنظيمنا للحفلات في الفيلا.... و هناك أيضاً مايا و ماري و كريستين الخادمات، كريستين هي مساعدة أمي و عينها التي تراقب كل شئ من أجلها لذلك سترينها تعادي الجميع و تبتعد عنهم و ماري محايدة في كل مواقفها لا تغضب من أحد و لا تتقرب من احد بشكل كافي لكنها في الفترة الأخيرة اتخذت صفك أما مايا فكما رأيت تحبك جدا منذ أول يوم وطأت قدمك المكان، بالمناسبة هي ابنة ألفونسو و كوليت.
سألت سالي ببهجة: - ألفونسو و كوليت متزوجان؟
أومأ برأسه فقالت ضاحكة: - يبدو أنني سوف أستمتع بوجودي هنا.
صمتت عندما وجدته يتأملها صامتاً: - لماذا تنظر لي هكذا؟
لم يستطيع منع نفسه من قول تلك الجملة التي صارعت لتخرج من داخله: - لا يمكنك أن تتخيلي مدى اشتياقي لسماع ضحكتك.
لم يتصور أن تبتسم تلك الابتسامة و تقول له بحماسة الأطفال: - أعدك أن تراها كثيراً... أعدك أن تعود كل الأمور كما كانت لكن يجب أن تمنحني بعض الوقت.
قال ريتشارد الذي دخل الغرفة لينقذ حفيده من ابتسامة زوجته التي تصرعه: - كل الوقت من أجلك أيتها الصغيرة... تعالي لنتمشى في الحديقة قليلاً، لقد اعتدتِ أن تقطفي لنا الورود كل يوم.
***
كانت متأبطة ذراع والده و هي تمشي مبتسمة و تبدي إعجابها بالحديقة، و أظهرت سعادة كبيرة عندما عرفت أنها أشرفت و ساعدت بيدها في تنظيمها:- حقاً؟
أشار لها سلفستر من بعيد، فتساءلت: - من هذا؟
قال مارك: - إنه سلفستر البستاني، كنتِ تقضين معه الساعات في تزيين الحديقة.
ابتسم ديفيد عندما لوحت بيدها بقوة لترد تحية سلفستر، و قهقه ريتشارد ضاحكاً عندما ارتسمت معالم الدهشة على وجه الرجل: - خففي حماستك يا فتاة، إنه يعرف أنك لا تتذكرينه... الآن سوف يشعر بالارتباك و يتساءل هل فقدت تلك الفتاة ذاكرتها حقاً.
مال ديفيد على سالي: - إنك حنونة كوالدتك يا صغيرة.
شحب وجهها عند ذكر والدتها مما حمل مارك على التقدم و تأبط ذراعها: - سوف آخذها منك قليلاً يا أبي... تعالي معي قليلاً يا "صغيرة" كما يقول أبي.
بعد أن ابتعدا قال لها بصوت حنون: - هل نسيتِ وعدك لي بأن كل الأمور سوف تكون على ما يرام؟
هزت رأسها نفياً فسألها: - إذن لماذا أرى وجهك بهذا الشحوب؟ أتعلمين أنكِ أتيت إلينا بعد موت والدتك بفترة قليلة... قدمتِ المواساة إلى ريتشارد عندما انهار عقب الخبر، إنكِ قوية يا سالي فوكس... سوف أسمح لكِ أن تنسيني لكنني لن أسمح لكِ أن تنسي ذلك.
فكرت سالي أن هذا الرجل الذي لم تكن تستطيع تصديق أنه زوجها منذ أسبوع و الذي رفضت رؤيته يُسهّل عليها أمر الوقوع في حبه مع مرور كل لحظة...تساءلت كيف يمكنها أن تنسى كونها زوجة رجل مثله؟!!!

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن