الفصل ٣٢

11.2K 245 0
                                    


فتحت هنا عيناها ببطئ وهي تشعر بالدوار فأمتدت بيداها الي رأسها كي تضغط عليها بسبب ذلك الصداع الحاد ،ثم غفت ثانية وهي تتمتم : انا فين
فجلس محمود بجانبها بعدما اشار لتلك الخادمه الشقراء ذات التنوره القصيره بأن تغادر الغرفه وامتد بيديه الي حجابها الذي اصبح يكشف عن جزءً كبيراً من شعرها وبدء يزيله وهو يتأملها بشغف ليتذكر كل ماحدث وخطط هو له
فلاش باك !!
ألتفت بقلق يتخلله الخوف كي تري هل اغلاق باب المنزل بفعل الهواء ام شئ اخر ، ولكن عندما التفت وجدت ان كل قلقها هذا من خداع الهواء .. فأبتسمت بأرتياح وامتدت بيداها كي تفتح الباب ثانية .. ثم سارت ببطئ وجلست علي ذلك الكرسي المُريح بجانب الهاتف وظلت تنتظر .. مرت دقيقه اتبعتها خمسة عشر دقائق اخري .. حتي اكتملت نصف ساعه .. الي ان وجدت ساعه قد اكتملت ..
فنظرت للهاتف بيأس يتبعه قلق ونهضت كي تذهب الي بيت عمها ثانية ولكن ما لفت انتباهها دخول ابراهيم مهرولاً وهو يقول : ست هنا في اتنين بهوات عايزينك وبيقولوا انهم من طرف فارس بيه
فتأملته هنا بغرابه .. حتي سارت خلفه وهو تحدثه : انت متأكد ياعم ابراهيم انهم من طرف فارس بيه
فنطق ابراهيم وهو يهرول امامها : انا لما رجعت من عند حسنين العطار ، اصل كنت بشتري من عنده البُن بتاعه المحوج ،ولما جيت لقيت البهوات نزلين من العربيه ووقفين قدام باب المزرعه الكبير .. بس انا ياهانم مرضتش ادخلهم احنا ايش يضمنا
فأبتسمت هنا وهي تسير خلفه بتعب ، من ركضه السريع هذا ووضعت بيدها علي بطنها وهي تقول : هما اللي وقفين هناك دول ياعم ابراهيم
فألتف ابراهيم لها قائلا : ايوه ياست هانم ..
فتأملتهم هي حتي ارتجفت من هيئتهم وقوتهم الظاهره من هيئة اجسادهم .. لتتذكر يوم حفل زواج اخت فارس ودخولها علي هيئه جرسونه كي تبحث عن ريم فقد كانوا يشبهون هؤلاء الرجال تماماً.. فأقترب منها احد الرجال وهو يبتسم ابتسامة قد اظهرت اسنانه المرصوفه بعنايه ، ولمعت من شدة بياضها .. فأبتسمت بدورها ولكن ماجعل وجهها يتحول الي الجمود ..
الرجل بأسي : فارس بيه عمل حادثه وهو راجع من المزرعه .. وصمت الرجل قليلاً حتي قال : بشمهندس هشام باعتنا ليكي عشان نبلغك الخبر
فسقطت دموعها قبل ان تنطق من بين شفتيها : فارس حصله حاجه قبل مايسافر ، قولي لاء
فحرك الرجل برأسه لاسفل وظهرت علي وجهه علامات الحزن ببراعه : احنا جينا نبلغك ياهانم .. ولو حابه ترجعي معانا فأحنا هنستناكي في العربيه
فركضت هنا نحو ابراهيم قائله : انا هرجع القاهره ياعم ابراهيم .. ولو حد جيه من بنات عمي يسأل عليا ابقي قولهم اللي حصل
لينظر لها الرجل بعد ان فتح باب السياره الخلفي ، فتتأمل هي السياره قبل ان تردف اليها ، ليبتسم الرجلان ويسيروا بها بعد ان جلسوا بجانب بعضهم في مقدمة السياره ، فيلتف الرجل الذي اخبرها بما حدث بعدما نظر لصديقه نظرة قد فهمها فقال : اهدي يامدام هنا ، ثم رفع منديلاً من جيب بنطاله فأمتد بيده اليها فنظرت اليه هي للحظات قبل ان تأخذه
فأبتسم الرجل قائلا : امسحي دموعك يامدام كل حاجه هتبقي بخير ، ونظر الي ساعته قليلاً قبل ان يلتف ثانية ويجدها قد بدأت تترنح من اثر المخدر الموضوع علي ذلك المنديل
لتتمتم : فارس ، انا عايزه اشوف فارس
فضحك الرجلان ضحكة عاليه قبل ان يتحدثوا : كده احنا هنطلع علي المطار ، طارق بيه قال ان في طياره مخصوص هتستننا عشان تاخد الامانه للعش بتاعها
فقهقه الاخر قائلا : ياريت كل العمليات تبقي سهله زي العمليه ديه ، بس هو المخدر ده مُدته اد ايه
فنظر اليه الاخر : علم علمك .. بس باين علي مفعوله انه قوي انا خايف لتروح فيها البت شكلها حامل
فألتف ذلك الرجل الذي يقود السياره بطرف عينه وتأملها : ربنا يستر !!
باك...
انحني محمود كي يقبلها بعد ان مسح حبات العرق المتناثره علي جبينها ، ولكن ظلت هي تُحرك رأسها بعشوائيه حتي ضحك قائلا : وماله ياهنا خليني صابر عليكي
فبدأت تفتح هي عيناها ثانية بتعب : انا فين ، وفارس فين .. انت مين
وظلت الرؤيه مشوشه قليلا .. حتي بدء مفعول المخدر يزول تدريجياً فالجرعتان التي اخذتهم كانوا كافين بأن يجعلوها تنام يومان كاملان ولولا الطبيب الذي قد فحصها عندما اتت لكان ظن بأن هذا المخدر قد ادخلها في غيبوبه .. فنطقت بصوت ضعيف : دكتور محمود انت بتعمل ايه هنا ، وفارس حصله ايه .. انا فين
فأبتسم محمود بعدما نهض من جانبها قائلا بهدوء : ارتاحي انتي دلوقتي ياهنا .. وبعدين نبقي نتكلم
وسار بخطي بطيئه ناحيه الباب وقبل ان يغلقه خلفه بذلك المفتاح ، تأملها للحظات وانصرف
فرفعت هي برأسها كي تحادثه ثانية ولكن هذا الدوار الشديد جعلها تسقط علي الوساده بأعين دامعه ..
.................................................. ..............
جلس فارس علي اقرب مقعد يفكر في زوجته التي تركها بمفردها ولم يُهاتفها كما وعدها منذ ان اتي من يومان ، ولكن كل ما يحاوطه كان كفيل ان يجعله هكذا ناسياً .. فأخته منذ ان انتهي الاطباء من تلك العمليه واخبروهم انها نجحت .. دخلت في غيبوبه مؤقته لا يعلمون سببها ، ومتي ستفيق منها فوقف كي يقترب من عمته التي تتأمل ابنتها التي ربتها ودموعها تنساب
امال : قلبي وجعني وخايفه عليها اووي يافارس ، ياريت كنت انا وهي لاء
فحضن عمته بضعف وهو يتأمل زوج اخته القادم نحوهم بعيناه الحمراء من كثره بكائه علي زوجته : انا اتصلت بدكتور صديق ليا ألماني يجي يتابع حالتها بدل الاغبيا اللي هنا .. ومن حظنا انه موجود في سويسرا وقالي ساعه وجاي
فتأملته امال بدموع وهي ترتمي بين ذراعي ابن اخاها : لله الأمر من قبل ومن بعد .. يـــــــــــاربــــــــ
.................................................. .................
بدء مفعول المخدر ينتهي تماماً ،فظلت تتأمل الوان الغرفه التي تحيطها ، فقد كانت غرفة انيقة للغايه ولكن كل مايشغل بالها اين هي الان .. فنهضت من علي الفراش بتثاقل وهي تضع بيدها علي بطنها بألم .. ثم حركت أرجلها كي تضعها ارضاً وبدأت تقف وهي تستند علي الفراش حتي استطاعت ان تقف مُتزنه بجسدها .. وسارت بخطي هادئة ناحية الباب وهي ترفع حجابها الملفوف حول رقبتها لتضعه علي شعرها ثانية وهي لا تعلم كيف أنساب من علي رأسها
وحركت مقبض الباب كي تغادر تلك الغرفه التي في البدايه ظنت انها مشفي ولكن أثاثها اصبح لا يوحي لها بذلك .. وبعد ماحاولت باتت بالفشل كي تغادر تلك الغرفه بدأت تبكي وتنتحب بصوت عالي ، فيدخل محمود بجمود قائلاً : ايه الدوشه اللي انتي عملاها ديه .. ثم تأمل بطنها بتفحص ايه مش خايفه علي اللي في بطنك .. مممم اظاهر ان مفعول المخدر انتهي
فظلت تتأمله هنا بصدمه ..حتي قالت بتعلثم : انا هنا ليه ، وفين فارس ...
فنظر اليها محمود بقوه حتي قال : فارس مات ارتحتي ..
فسقطت بكامل جسدها ارضاً وهي تصرخ قائله : انت كداب ..فارس ممتش .. ثم اقتربت من قدميه وهي تزحف : دكتور محمود انت ليه بتضحك عليا وجايبني هنا انت مش ديما بتقولي اني اختك الصغيره
فهبط محمود بقدميه حتي يصبح امامها: ما عشان انتي اختي الصغيره .. جبتك هنا عشان تريحي اعصابك انتي نسيتي انتي كنتي هتعملي ايه اول ماسمعتي الخبر ياهنا
ثم وقف وأدار رأسه ناحية باب الغرفه وهو يقول : محدش كان حاسس بيكي غيري ياهنا ، مكنتش قادر اشوفك وانتي هتموتي علي صديق عمري .. الصدمه فعلا اثرت فينا كلنا بس مش معقول انتي لسا لحد دلوقتي مش مصدقه اللي حصل
ثم أدار وجهه اليها ثانية قائلا بصوت يبدو عليه التأثر اكثر واعين قد ترقرقت فيها الدموع : احنا هنا في لندن ياهنا
لتسقط تلك الكلمه علي مسمعها حتي نهضت وأقتربت منه بقوه : انت كداب فارس ممتش .. انا مش فاكره حاجه من ديه خالص حصلت ثم بدأت تتذكر امر الرجلان .. فيتوقف عقلها عند ذلك المنديل
وبصوت قوي : المنديل .. انا اخدت المنديل منه وبعدين محستش بحاجه .. ثم ابتعدت من امامه وذهبت ناحية الباب : انا لازم امشي من هنا .. عشان اروح لفارس
ليجذبها محمود بذراعيه وينهال عليها ضرباً وبصوت جامد : ما تفوقي بقي .. قولتلك فارس مات .. ومافيش خروج من هنا سامعه
فوضعت بيدها علي شفتيها التي تدفقت منها الدماء وبصوت ضعيف : انت بتعمل كده ليا .. فارس محصلوش حاجه فارس في سويسرا عند نيره .. انت اللي بعت ليا الراجلين وضحكت عليا ، ثم تذكرت ابراهيم ونظراته الحزينه لها : عم ابراهيم كمان باعني ليك .. عشان كده كان بيبصلي وكأنه عايز يقولي سامحيني
وتحركت بضعف مره اخري من امامه كي تغادر تلك الغرفه ولكن ذراعيه القويه قد حملتها ، فظلت تضربه بقبضة يديها علي صدره الصلب ليقول هو بصوت جامد : انتي لازم يشوفك دكتور ياهنا
ووضعها علي الفراش ليذهب من امامها وهو حزين علي حالها الذي صنعه هو : انا هتصل بالدكتور حالاً
واغلق الباب خلفه لتقابله تلك المرأه صاحبه الشعر الأشقر والأعين الزرقاء وهي تحتضنه وتقبله : انت بارع يامحمود ، انا روز صدقت كلامك
ليجذبها محمود من يديها قائلا وهو يتجه نحو غرفته : لازم اوهمها انها مريضه ، ولازم جو قريبك ده يساعدنا علي كده
فتقترب منه روز بعد ان دخلوا الي تلك الغرفه قائله بدلعه : انسي المصريه بتاعتك ديه دلوقتي .. ومتفكرش غير في روز وبس ..
.................................................. ................
تأملت سلمي معاملته الرقيقه لها منذ ان توفي والدها من ثمانية ايام.. ثم تطلعت الي نظرات أنكساره وهو جالس شارداً في ذلك الفراغ الذي يحيطه .. ورغم وقوفها امامه وهي تحمل فنجان القهوة له ظل علي هذا الحال الي ان وضعت تلك الصنيه التي تحمل ذلك الفنجان عليها جانباً ، وجلست تحت قدميه ووضعت برأسها عليها .. فأمتدّ منصور بيديه التي اصبحت ترتعش وظل يعبث بشعرها الاسود الي ان قال : اوعي تكوني زعلتي ياسلمي عشان جوزت منال ، وابوكي لسا معداش علي موته غير ايام .. وقبل ان يكمل حديثه
رفعت سلمي بوجهها : انا مش زعلانه ياسي منصور.. عشان عارفه انه غصب عنك ..وانت طيبت بخاطري كتير
فرفعها كي تقف علي قدميها ثم اجلسها بجانبه وهو يقول بحنان : متقوليش سي منصور ديه تاني .. وقبل ان تتكلم هي ثانية وتخبره ان هذا كان امر ثريا
فنظر لها منصور بجمود : متنطقيش اسمها قدامي .. ثم اخفض برأسه ارضاً : انا انكسرت ياسلمي ، بعد ما بقيت راضي بخلفة البنات اكتشفت ان ابويا كان عنده حق لما قال ان خلفتهم عار وهم
فنظرت اليه ثم تأملت بطنها التي لم يتبقي علي ولادتها ثم شهران ونصف وتضع هذا المولود الذي تنتظر ان تعرف نوعه عند ولادته : طب افرض طلعت بنت
فظل منصور يتأملها حتي جذبها اليه قائلاً : نفسي يكون ولد ... بس ده امر ربنا وانا راضي
فأبتسمت اليه سلمي بسعاده بعدما علمت برضاه لامر الله .. ليبتسم هو الاخر وبصوت حزين قال بعدما تذكر تلك الايه الكريمه :
(ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيثُ لا يحتسِب)
.................................................. ................
اصبح الثراء الذي يحيطها جعلها تحقق ما أرادت ، فجلست نسرين وهي تكشف عن ساقيها من ذلك الروب القصيرالشفاف الذي ترتديه وكأنه لاشئ .. ولكن هذا المبدأ هو ما تعرف دوره جيداً وتتقنه كي تحصل علي ما تريد من ذلك الزوج العجوز الذي يسمي شوقي ، فأقترب هو منها لاهثاً برغبه وهو يقول : كل اللي انتي عايزاه انا هعملهولك يانسرين
فضحكت نسرين بقوه .. قد جعلت لهيب رغبته قبل قلبه تتحرك ، فأنقض عليها شوقي مثل الكلب الذي يريد غايته .. فأبتعدت هي عنه ببراعه قائله : يبقي تكتبلي نص الشركه عشان ولادك ميطمعوش عليا بعد عمراً طويل ياحياتي ، ثم تذكرت ابنه الاكبر صاحب الجمال الصارخ قائله وهي تتمني ان يكون هو زوجها : انا مش مطمنه لفاروق ابنك ده خالص .. كل حاجه لنفسه وبس
فجلس شوقي بتعب علي الفراش : تعبتيني معاكي يانسرين ، انا مبقتش قدك .. وكمان فاروق ابني هو دراعي اليمين .. وانا كتبتلك الفيله عايزه ايه تاني وحاطط فلوس بأسمك في البنك
فأقتربت منه نسرين بدلع اكثر وهي تعبث في خصلات شعرها المصبوغ: طب اكتبلي ارض الساحل بأسمي ياشوشتي
فضحك شوقي .. حتي ادمعت عيناه : وكمان شوشتي ، لاء انا مبقتش حمل دلعك
فتأملت نسرين سكونه ، وهدوء تنفسه حتي قالت بقلق : شوقي انت نمت زي كل يوم
ثم صرخت بقوة بعد ان حركت يديه : شوقي !!
وهبطت دمعة مزيفه حالمه بذلك الميراث الذي ستأخذه اذا حقاً قد مات هو
فنهضت سريعا من علي فراشها.. وخرجت من تلك الغرفه الحمراء بسبب لون الاباجوره ، وامسكت بهاتف فيلتها الواسعه وهي تطلب ذلك الرقم الذي حفظته عن ظهر قلب قائله : الحقني يافاروق ، ابوك مش عارفه ماله
.................................................. ...............
وقفت هنا امام ذلك الباب وهي تهتف بأي احد كي ينجدها .. لتسمع صوت احد الخدم يهدئونها حتي يعود سيدهم ..
فأبتعدت عن الباب بيأس .. وجلست اسفله واتكأت بجسدها عليه وهي تتمتم بيأس : انا مش مجنونه .. وفارس ممتش .. حتي الدكتور بيكذب عليا
فتتذكر نظرات ذلك الطبيب لها وهو يخبرها ، بأن كل الذي هي فيه امر مؤقت وسينتهي عندما تفيق من صدمتها .. ثم تذكرت نظرات تلك السيده التي كانت تقف بجانب محمود وتنظر اليها وكأن بينهم تحدي لا تعلمه حتي ادمعت عيناها التي لم تكف عن البكاء .. فأسبوعاً قد قضته وهي تصرخ وتصرخ ولكن لا مجيب .. فنهضت حتي وقفت امام تلك الشرفه التي بغرفتها وتأملت منظر الجليد الذي يهطل بغزاره ..متأمله كل شئ من زجاج شرفتها التي بدونها لم كانت صدقت انها حقاً ليست في بلدها .. ولكن سؤال واحد عجز عقلها علي ان يفسره لماذا هي الان ؟؟..
فنفتح باب الغرفه بهدوء .. ودخل محمود وخلفه الخادمه وهي تحمل تلك الصنيه الموضوع عليها الطعام وكوب العصير .. فوضعت الخادمه الطعام وانصرفت غالقه الغرفة خلفها
فركضت هنا كي تفتحه .. ليضحك محمود بضحكته التي قد اشمئزت منها ويقول ساخراً : مش هاكلك متخافيش .. ولو عايز ممكن اعملها .. ثم نظر الي بطنها قائلا : انا حجزتلك عند دكتور شاطر هنا في لندن عشان تتابعي معاه .. ثم بدء يقترب منها اكثر وهو يتأملها : متفكريش للحظه انك ممكن تمشي من هنا
فأخفضت هنا برأسها ارضاً وكأنها تفكر في شئ ستفعله ، حتي رفعت وجهها سريعاً ممسكه بكوب العصير لتسكبه عليه قائله : انت مجنون ومريض .. فارس ممتش وهيجي ياخدني انا ليه هو وبس
فنظر اليها محمود طويلا وهو يمسح ما اسكبته هي عليه .. حتي رفع ذراعه وجذبها وهو يقول : انا صبري ليه حدود سامعه
فسقطت دموعها وهي ترتجف من نظرات اعينه الشبيها بالصقر ، وابتعدت عنه بخوف حتي نظر اليها وغادر الغرفه وهو يظفر بضيق
.................................................. ..............
أزاح هشام رابطة عنقه وهو يبتسم بتعب ، فقد أصبحت كل أعباء الشركة حملاً عليه .. ولكن صوت سميه وهي تُغني للطفله وممسكه بتلك الرضعه كي تطعمها حليبها المخصص ، جعله ينسي كل شئ ويظل جالساً يتأملهم
فرفعت سميه بوجهها قليلاً قائلة بلا مبالاه : ياريت متفضلش باصص عليا كده كتير
فأبتسم هشام علي اقتضاب وجهها المصطنع قائلاً : مراتي وابص واتأمل فيها زي ما انا عايز .. غير ان صوتك عجبني اووي ، اشمعنا الدلع ده كله لورد ومافيش حاجه لأبو ورد الشقيان
فنظرت اليه سميه بسخريه ، غير مهتميه بحديثه
ليقف هشام بغضب : عارف اني غلطان وغبي وخدعتك وفيا كل حاجه وحشه ... بس متفضليش تعامليني بالأستخفاف ده متنسيش اني جوزك ، ثم تحرك ناحية غرفته قائلا بضيق : ومش عايز اتعشا
فأبتسمت سميه لما حققته ، ولكن قد دفعها سؤالاً تعرف انه من المفترض ان لا تطرحه الان ولكن رغبتها في استمرار حديثها معه دفعها بأن تسأله
سميه : لسا فارس مسافر ؟؟
فألتف اليها هشام بضيق قائلاً : والهانم بتسأل علي صاحبي ليه ؟؟
فبدأت سميه تهز الطفله علي قدميها ببرود وهي تطعمها رضعتها : عادي سؤال عادي !
وعندما وجدت وجهه تغير اكثر قالت بأرتباك : عايزه اعرف هنا هتيجي امتا من المزرعه عشان اعزيها في عمها .. ومش عارفه اوصلها .. واكيد فارس لو رجع من سويسرا هنا هترجع من المزرعه
فأرتخي اقتضاب وجهه قليلا ليقول : لو كان ينفع نسافر انا وانتي وورد ليها كنا سافرنا ، بس للأسف ان بقيت مسئول عن كل حاجه لحد مافارس يرجع .. ثم تذكر امر نيره : نيره اخت فارس تعبانه اووي ، ودخلت في غيبوبه ، ربنا يشفيها
فنظرت اليه سميه بتأثر قائله : ديه عندها طفل صغير صح ، طب مين اللي بياخد باله منه
فتأملها هشام طويلاً ..حتي قال ضاحكاً : ايه كمان نجبلك فارس الصغير تربيه مع ورد ، ده انتي قربتي تجننيني ياسمسمتي من حنية قلبك ديه
فظهرت أبتسامه سريعه علي محيا سميه ثم تلاشت سريعاً لتهب فيه قائله : ايه سمسمتك ديه ، ألزم حدودك لو سامحت
فظل هشام واقفاً للحظات يتأملها .. حتي اقترب منها وامسك ذراعيها دون ان يفكر بأبنته التي تحملها : اتعدلي ياسميه ، مش عشان بحبك وعايز ارضيكي هتسوقي فيها
فهبطت دموعها بغزارها علي ذراعيه لتقول من بين شهقاتها : اه ماهو كان باين انك بتحبني ، لاء يابشمهندس انت استغليت حبي ليك وخدعتني ، حرمتني من اجمل ايام عمري ، وصدمتني وانا لسا بحاول افرح.. ضحكت علي قلبي ، فاهم ازاي تضحك علي قلبي اللي حبك
فبدأت الطفله تبكي من صوت صراخهم العالي ، فتأملها هشام قبل ان يمتد بيديه ويمسح دموعها بأنامله : طب هنفضل لحد امتا كده ، ثم قال مبتسماً : مش اللي بيحب بيسامح ، طب اديني فرصه وانا هخليكي متندميش انك سامحتيني ، انا بجد بقيت محتاجك ياسميه بلاش تبقي حنية قلبك مع كل الناس الا انا ...
فضمت سميه الطفله الي احضانها كي تُهدء من صراخها وعقلها سارحاً فيمن احبت وخذلها
.................................................. ..............
ظلوا يتأملون هرولت الأطباء اليها والابتسامة تعلو وجههم .. بعد ان اخبرتهم تلك الممرضه بأنها قد فاقت من غيبوبتها بعد ان دخل اليها زوجها ودخلت هي خلفه كي تعطيها احد الحقن التي امر بها الطبيب في ذلك المحلول
فأبتسمت امال من بين دموعها بعد ان لمحت ابتسامة ابنة اخيها الشاحبه وهي ممدّه علي فراشها في المشفي والاطباء حولها يفحصونها ويوسف ممسك بيدها يقبلها ، فألتفت بجانبها لتربط علي كتف فارس قائله : شوفت ياحبيبي مش قولتلك رحمة ربنا وسعت كل شئ .. الحمدلله
فنظر فارس لعمته بأعين باكيه من الفرح : الحمدلله .. الحمدلله
ثم عاد يتأمل اخته ثانية من خلف ذلك الزجاج الذي يرونها منه .. قائلاً بحب : حاسس ان روحي دلوقتي رجعتلي ، نيره ديه فعلا مش اختي بس ديه بنتي كمان .. انا مش هبعد عنها تاني ولا هسيبها تبعد عني
فأبتسمت امال بحنان وهي ناظرة علي ابنة اخاها ايضاً تتأملها بعد اسبوعين قد قضوهم وهم جالسين في المشفي : مش انت اللي ربتها من وهي طفله عندها 12 سنه ..ثم تذكرت امر هنا اخيراً قائله: برضوه تليفون المزرعه بايظ ومش عارف تكلمها
فحرك فارس رأسه بيأس بعد ان أفاق من صدمة اخته : هطمن علي نيره وهنزل مصرعلطول ..قلبي مش مطمن عليها وكلمت هشام النهارده قولتله يسيب كل حاجه وراه ويروح يشوفها ويطمني عليها ، ثم ابتسم بشوق : وحشتني اوووي هي واللي في بطنها
فربطت أمال علي كتفيه بحنان .. حتي خرجوا الاطباء سامحين لهم بالدخول للأطمئنان عليها
.................................................. ...............
جلست روز بجانبه وهي تتذوق نبيذ كأسها بصمت .. لتترك الكأس من يديها بعد ان ارتشفت اخر مافيه .. متطلعه الي محمود الجالس امامها وبصوت أنوثي : انت كده هتجنن البنت يامحمود ، حرام عليك
فضحك محمود .. حتي تنهد بضيق : انتي ليه بقيتي متعاطفه معاها ياروز ، ثم بدء يحيطها بذراعيه وهي يتأمل تفصيل جسدها : جو قريبك ده انتي واثقه منه ، اصل مش مطمن ليه بالمهدئات اللي بيدهالها متنسيش اني دكتور صيدلي في الاصل
فبتعدت روز عنه حتي قالت : مش معقول تكون لدرجادي بتحبها ، اكيد في سر
فقهقه محمود بقوة حتي نهض وهو يدخن سيجارته بأعين لامعه : البدايه من ايناس .. لما فارس اتجوزها وحرمني منها انا اللي اقدمتله ايناس علي طبق من فضه صحيح هي مكنتش تستاهل بس حرق قلبي علي اول حب في حياتي .. ثم صمت قليلاً حتي قال : وبعدين هي جات لعنده زي الملاك وبصراحه استخترتها فيه بس اكيد هي وايناس واحد .. عاشت معاه شهور من غير مايبقي في رابط ما بينهم وبعدين هو اتجوزها ...ثم تذكر امر والدته قائلا : لحد ماجات قصة والده اللي اكتشفت انه كان زوج امي
ثم بدء يتمايل من السكر .. حتي وقف امام تلك الجريده ناظراً الي ذلك الخبر الذي صنعه .. فأقتربت منه روز بعدما فهمت ما ينوي علي فعله : انت ناوي علي ايه يامحمود
فنظر اليها محمود قبل ان يصعد لأعلي مُتجهاً الي غرفتها .. فاتحاً الباب بذلك المفتاح الذي في حوذته .. مقترباً منها بعد ان وجدها ساجده تُصلي ببكاء ، فظل يجول في الغرفه ذهاباً وأياباً حتي انتهت من صلاتها .. فتأملها ساخراً وهو يقذف تلك الجريده امامها .. فنظرت هنا للخبر وعيناها منهمكه من كثرة البكاء حتي صرخت فيه قائله : لاء انت كداب .. مستحيل
فقترب محمود منها وجثي علي ركبتيه امامها وهو يقول : لو انا كداب .. فأكيد الجرايد المصريه مش هتكذب
فسقطت بعيناها ثانية علي ذلك الخبر الذي جاهدت نفسها كثيراً كي لا تصدقه .. حتي بدئت تشعر بأن أنفاسها تنسحب ببطئ .. وسقطت جانباً وهي فاقدة وعيها !!
ويصبح كل شئ بين امل وحب ووداع وقهر ونفوس تبحث عن لا شئ ..

رياح الحب ونسمات الألمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن