الفصل الأول ( الوحش )

11.7K 191 0
                                    

مع غروب شمس يوم آخر ، يطوى كباقي الأيام ، يسير بخطى ثابتة ، بقميصه الأسود الملاصق لعضلاته البارزة ، يشمر عن ساعديه المغطاة بعروقه البارزة ، يتوشح سكينه المفضلة ، التي لازالت تتقاطر الدماء منها ، هالة السواد والخوف تحيط به ، يدخل في ممر طويل ، يقطعه بسرعة بخطواته الواسعة تبعا لطوله الفارع ، حتى يصل الى ذلك البيت الصغير ، بيت يتوشحه السواد من كل جانب ، تغطيه الأشواك الحادة ، يحرسه مايقارب عشر كلاب ضارية ،حقا لا يصلح للعيش ، يتوجه نحو المرحاض ، يبدأ بإزالة قطرات الدماء عن ساعديه ، ثم ينزع قميصه المعبق برائحة الدماء ، يلقيه باهمال نحو السلة ، ويبدأ في أخذ حمام دافئ ، يعتقد أنه سيزيل تلك الخطايا عنه ، أو يمسح الدماء الملقاة على ظهره ، يخرج بعد بضع دقائق وهو يلف تلك المنشفة القصيرة حول جسده المفتول ، وخصلات شعره الداكنة المبللة بقطرات الماء ، ينظر نحو المرآة ، لا يسعه التذكر كم مرة شاهد نفسه فيها ، قد تكون بضع مرات في حياته لا أكثر ، ينظر نحو انعكاس صورته ، كان جذابا بماتحمله الكلمة من معنى ، ذقنه المهملة زادته رجولة وحدة ، عيناه السوداوان لايتميز فيهما البؤبؤ عن القزحية ، ملامحه القاتمة ،
يبتسم بسخرية ويبدأ في ارتداء ملابسه وتسريح شعره ، يصب لنفسه كأسا من النبيذ ويشربها دفعة واحدة ، يمسح فمه ويخرج من غرفته ، يصعد نحو الأعلى ، الطابق العلوي ذو الغرفة الواحدة ، تبدو كأنها نقطة البياض في عالمه الأسود ، يدخل الغرفة بهدوء شديد ، يبتسم بعفوية صادقة وهو يرى ذلك الرجل يجلس على كرسيه المعتاد ويستمع إلى تلك الموسيقى الهادئة ..

تقدم يا عزيزي جاك ، لما لاتزال واقفا هناك ..

ابتسم جاك ، وهو يتقدم نحو جده ، مقبلا رأسه بحنان بالغ ، لطالما اعتاد جده أن يشتم رائحته عن بعد ، حتى بدون أن يتكلم كلمة واحدة ..

جاك : كيف حال جدي العزيز .. يبدو بصحة جيدة اليوم ..

قهقه الجد ضاحكا : حفيدي العزيز الوحيد ، أنا بخير طالما أنك تطمئن علي باستمرار ..
جاك : هل أخذت دوائك ياجدي ؟!
الجد : لا تبالغ في القلق ، فأنا لن أعيش كثيرا ..
ومد يده ليتلمس وجه حفيده ، التقط جاك يدا جده وقبلهما بحب قائلا : ستعيش ياجدي طويلا ، هيا فلتخلد إلى النوم .

أومأ الجد بالموافقة ، فحمله جاك إلى سريره ودثره جيدا في غطائه ، مقبلا اياه ومتمنيا له أحلام سعيدة .. وأغلق الباب خلفه .

نزلت دمعة ساخنة على تلك التجاعيد التي أرهقتها الحياة ، وهمس لنفسه قائلآ :
أتمنى أن تكون بخير ياجاك ، لا أزال أشتم رائحة الدماء تفوح منك كالعادة ، أتمنى ألا تكون نهايتك قريبة ..

أغمض عينيه بألم ، وغط في نوم عميق ..

في جهة أخرى حيث تتسلل تلك الصغيرة ، انها بالفعل تبلغ التاسعة عشر ، ولكنها تتصرف كطفلة في الثالثة من عمرها ، تتسلل نحو مكانها المفضل ككل ليلة ، تفتح الثلاجة لتصنع عدة شطائر ، وتنتقي أكبر كأس لتملأه بعصير البرتقال المفضل عندها ، وتأخذ بعض قطع البسكويت وألواح الشوكولا وتنطلق خارجة ، ولكنها ما إن تعود للمطبخ ، لتأخذ كيسا ضخما من رقائق البطاطس في فمها ، وتتوجه بحذر نحو غرفتها ، لتضع كنوزها المسروقة على سريرها الفوضوي وتنظر نحوهم بانتصار ، لتهمس لقطتها الصغيرة النائمة : لقد بدأت حفلتي المفضلة ..

بعد أن اطمئن جاك على جده .. نزل إلى الطابق السفلي ، وتحديدا إلى غرفته ، أزاح الخزانة بسهولة ، غير مستبعدة عن قوة جسده ، ليفتح ذاك الباب وينزل عن درجاته المظلمة ، نحو مكان قد شهد العديد من الأحداث والأشخاص ، ينظر نحو تلك الجثة المعلقة ، آثار الجلد على جسدها ، الدماء الجافة في كل مكان ، يبدو أنها لقت حتفها من شدة التعذيب ، يجلس على كرسيه المعتاد صابا كأسا من الشراب ، يتلذذ به وهو يتأمل تلك الجثة ، وكأنه يشاهد فلما مشوقآ ، ثم مايلبث أن يبصق عليه بملء فمه وبكافة مشاعر حقده وكرهه ..
قائلآ لنفسه :
أكاد أنتهي من هذه الحفلة ..

حمل تلك الجثة وألقاها في حفرة عميقة ممتلئة بأشباهها ، وغطاها بفخر ، وكأنه فاز لمرة أخرى في كأس العالم ..

يضحك بصخب هز أنحاء الغرفة ، ولولا أنها غرفة مانعة للصوت ، لكان جده استيقظ من صخب ضحكته ...

وردتي البيضاء Where stories live. Discover now