مقال

153 8 0
                                    

بقلم د. ذوالفقار سويرجو .

نتيجة لاتساع رقعة دولة الخلافة العباسية جغرافياً و تمركز القوة العسكرية للدولة العباسية في العاصمة السياسية بغداد ... كان من السهل ظهور حركات و وفرق انشقاقية في أطراف دولة الخلافة و كان لظهور الدعوة الإسماعيلية الشيعية أثرا كبيرا في اضمحلال نفوذ دولة العباسيين ... فقد كان دعاة الإمام الاسماعيلي و ورسله في مناطق عدة كاليمن و بلاد فارس و شمال أفريقيا يقودون حركات سياسية انفصالية بطابع روحي عقائدي طمعا في إقامة دولة يعتبرها الإمام الاسماعيلي مركز الإسلام و يعتبر أهلها حماة هذه الدولة و حملت رسالتها فينطلقون إلى المناطق المجاورة لحمل دعوتهم و خاصة إلى العاصمة الروحانية بالدولة العباسية " الحجاز " ...

و من منطقة السلمية في الشام يرسل الإمام دعاته إلى شمال أفريقيا لعزل شمال أفريقيا عن مركز الخلافة في بغداد ناهيك عن بعدها الذي سيمنع الجيوش العباسية من الوصول إلى هناك لارتفاع التكلفة الحربية و عدم قدرة مركز الخلافة على ذلك . ناهيك عن موضع مصر الجغرافي الذي سيساعد على عزل بلاد الشام عن بغداد ...

تلك الدعوة لم يكن سيكتب لها النجاح لولا ظهور جبهة جديدة على الطرف الآخر من الدولة العباسية في منطقة بلاد فارس و التي ظهرت فيها حركة انفصالية خففت الضغط على الجبهة المصرية و الأفريقية حيث بداية الدعوة الإسماعيلية هناك .... هذه الحركة الانفصالية يدعى حسن الصباح "زعيم دولة الحشاشين " ...

ولد حسن الصباح في مدينة " قم " الإيرانية لعائلة شيعية أثنى عشرية عام 440 هـــ . تنحدر أصول هذه العائلة من اليمن من منطقة حمير , تلقى ثقافته الدينية الشيعية الإسماعيلية في مدينة القاهرة ... 

لقد استغل حسن الصباح و الذي ينتمي إلى المذهب الاسماعيلي الشيعي انشغال دولة الخلافة العباسية في بغداد بالمواجهات في شمال أفريقيا واليمن بهدف إقامة الدولة الإسماعيلية الثالثة و التي كان مقرها قلعة ألموت على قمة جبل من جبال البوز في منطقة الديلم الفارسية استولى عليها حسن الصباح و يقول بعض المؤرخين أنه اشتراها بمبلغ 3000 دينار ذهبية و قام بتجديدها و تطويرها و بناء التحصينات و تزويدها بالماء عن طريق نظام ري متطور حتى أصبحت ألموت قلعة حصينة لا يمكن اختراقها و جعل منها قاعدة ارتكاز للانطلاقة بدعوته الدينية و تحقيق مآربه السياسية للسيطرة على المناطق القريبة في بلاد فارس و استطاع ذلك في مدة زمنية قصيرة بعد حروب عديدة مع دولة السلاجقة في المنطقة و تم هزيمة السلاجقة و إعدام وزيرهم ..

لم يكن حسن الصباح رجلاً عادياً بل كان له سحرا مغناطيسياً و تأثيرا على أتباعه يفوق الخيال فكانوا ينفذون أوامره دون أي نقاش حتى و لو تعلق الأمر بأن يقتل أحد قادته نفسه أو ولده و كان السر في ذلك أن حسن الصباح كان يقوم بتوفير مادة الحشيشة لوزرائه و جنده و قادة العسكر و وأتباعه حتى أدمنوا عليها كما يقول بعض المؤرخون و كان ولاؤهم مرتبطا بالحصول على مادة الحشيش بشكل مستمر فرغم شهادة بعض المؤرخون بأن هذا القائد الغريب كان رجلاً منظما و سياسيا محنكاً من الطراز الأول و رجل علم و دين و صاحب دعوة دينية تميل إلى الحداثة و التطوير في الوقت الذي رأى فيه آخرون أنه كان داعية للإلحاد و الكفر و تمنوا عدم تكرار تجربته في التاريخ الإسلامي ....

و لكن ما اجتمع عليه المؤرخون أن الرجل و طوال فترة حياته في قلعة ألموت و التي امتدت 34 عاماً لم يخرج من مقره إلا مرتين تفقد فيها الحصون من أعلى قلعته أما بقية حياته فأمضاها في قراءة الكتب و كتابة تعاليم الدعوة و إدارة شؤون المملكة كان رجلاً صلباً و وشديد الميراس حاسما في أحكامه دون تردد أو تراجع و دون أي استثناءات و كان يمنع شرب الخمر منعاً باتاً فلم يتجرأ أحدا في قلعته و في الوادي الذي يلتفها على شرب الخمر مدة 34 عاماً لدرجة أنه أمر بإعدام أحد أبنائه لأنه قبض عليه متلبساً في شرب الخمر . 

كان حسن الصباح يتبع في دعوته إلى الإمام نزار ابن المستنصر "أخ الخليفة الفاطمي الإمام المستعلي " أحد دعاة المذهب الاسماعيلي الشيعي و كانوا يعملون ضد الخليفة الفاطمي الإمام المستعلي بالله الذي انقلب عليه أخيه الأكبر نزار الأحق بالإمامة و الخلافة و الذي فر إلى الإسكندرية و قاد ثورة ضد أخيه انتهت بمقتله و بهذا انشقت دولة الحشاشين عن الخلافة الفاطمية الإسماعيلية و أصبحت فرقة مستقلة عن الفاطميين في القاهرة ...

لقي حسن الصباح تأييدا كبيرا لدعوته و حركته الانشقاقية في بلاد فارس و أعلنوا التمرد ضد دولة السلاجقة في إيران و الدولة الفاطمية في مصر و تعاظمت قوة دولة الحشاشين في بلاد فارس و امتدت على بلاد الشام عام 498 هــ . توفى حسن الصباح عام 518 هــ , و خلفه ابنه الأكبر كان ملكياً وراثياً ... 

و استمرت دولة الحشاشين في زرع الرعب في كل مكان من حولها و بسط نفوذها على سائر الأقاليم في المنطقة حتى انتهت دولتهم على يد القائد المغولي السفاح هولاكو و الذي دمر حصونهم و وقلاعهم و كتبهم و نظام الري المتطور في جزيرة ألموت و لقد وصف أحد المؤرخين " الجويني " فكرهم بالأباطيل و الأضاليل في المذهب و العقيدة و خلط المصحف بالفلسفة و إخراج فكر جديد يسمى " إخراج الحي من الميت " ...

أما المؤرخ فرهاد دفتري و هو من المؤرخين الحديثين قد رأى في مساهمات دولة الحشاشين الفكرية و والفلسفية بأنها أساساً للحركات الثورية في تاريخ الحركات الثورية الإيرانية و أنها جديرة بالمعرفة و والإطلاع . إن هذه الدولة التي قامت في بلاد فارس 449 هـ 649 هـ ....

و رغم قيامها بأمر من الإمام الاسماعيلي سواء في السلمية أو في القاهرة إلا أن السلطة الحقيقة كان في أيدي الدعاة و الحكام الذين بشروا بالدعوة و الدولة أما الولاء للسلطة الإمامية في القاهرة كانت شكلياً و صورياً .

و عليه نقول أن دولة الحشاشين قامت على أساس نزعة استقلالية سياسية عن سلطة الفاطميين في القاهرة و سلطة العباسيين في بغداد و اتخذت من الوجهة الدينية و المذهبية شعارا للتغطية على نزعة الاستقلال العرقي و القومي , و اتخذت من ادعاء الانتماء إلى أهل البيت ستاراً لمحاربة الدولة العباسية في بغداد بعكس دولة القرامطة الاشتراكية التي قامت في منطقة البحرين قبل هذه الدولة بـ 250 عام و التي استقلت استقلالاً تاماً عن الإسماعيلية الشيعية منذ بداية الدعوة القرمطية و قيام الدولة في البحرين و حتى نهاية تلك الدولة عام 378 هــ و التي دعت إلى فصل الدين عن الدولة من خلال الممارسة و التطبيق الذي رأيناه في دولة القرامطة

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Nov 06, 2017 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

الحشاشونWhere stories live. Discover now