الفصل الثانى

30.7K 1.1K 64
                                    

كان الذهول والصدمة واضحين على ملامحه ..

ثم لم يلبث ان تمالك نفسه وهو يمسك زراعيها ويهزها بعنف شديد وهو يصيح :" ماذا فعلت بنفسك؟ من سمح لك ان تخرجى بهذا الشكل ؟ هل راك عمك ..او زوجته ..كيف سمح لك ان تضعى كل تلك المساحيق ..من سمح لك ان ترتدى مثل هذا الفستان العارى ؟"

كان صياحه دافعا الى نهر الدموع الذى انفجر من عيونها ..

ولكنه لم يكتفى وانما اخرج منديلا ورقيا وهو يمسح وجهها من المساحيق بعنف ..

صياحه جمع بعض الاقارب ليعرفوا سببه .

سحبت زراعيها من يده وجرت نحو المنزل .
كان اشد يوم مر عليها ..يوم من الاذلال ..
لم تعرف ليلتها كيف قامت واغتسلت او دخلت للسرير ..كانت منهكة القوى ..لا تعرف كيف استغرقت فى النوم..ولكنها تعلم انها مرضت فى الصباح لمدة اسبوع كامل ..لم تتحرك من السرير..
لم يزورها ..
وانما فى نهاية الاسبوع جاء ليزورها احد ابناء عمتها ...اخبرها بتلقائية بانه سأل عليها قبل سفره ..
صدمت ..
لقد سافر .

حاولت ان تتمالك اعصابها وان يبدو صوتها طبيعيا وهى تساله :" سافر؟؟...الى اين ؟"
فكان الرد مقتضبا :" الى الاسكندرية ..سيعمل فى شركة جديدة غير التى كان يعمل معها فى المدينة ".
اذن فلقد سافر
لما؟
لما لم ياتى لزيارتى ؟
هان عليه الود بيننا ..
هل ما فعلته له دور فى دفعه نحو الابتعاد ؟
هل علم بمشاعرها واراد ان ينهى ذلك الحب الصبيانى ؟
هل ؟
وهل ...؟
ولكن الغريب ان ابتعاده لم يغير فى مشاعرها نحوه اى شيء وانما زاد عليها الشعور باليأس ..ذلك الياس الذى حاولت فى البداية ان تخفيه تحت دعوى المرض حتى ما عادت تأبه ان تخفيه ..
ثم جاء اليوم المشؤم ..
بعد سفره بعدة اشهر
كانت فى زيارة لابنة العمة التى كان فى يوم عرسها اخر مقابلة بينهما ..عندما قالت ابنة العمه فى معرض حديثها :" لقد تزوج امجد ".
لم تعرف كيف تلقت الصدمة او كيف تحركت ووصلت الى منزلها ..
كانت كلمة ابنة العمة كالرصاصة الموجهة الى قلبها .
تزوج
امجد تزوج
حبيبها تزوج
لم تبك
لم تنفعل
لم يظهر عليها اى شيء سوى ان شعرت بانسحاب روحها من جسدها ..
ماتت وهى على قيد الحياة ..
ماتت ولكن مازالت تتنفس.
ذلك القلب الذى مازال ينبض بالحياة ..مات مع الخبر الذى نزل عليها كالصاعقة ..
واليوم رغم مرور سبع سنوات على ذلك ؛اكتشفت ان قلبها عاد لينبض من جديد.فما مر من سنين واحداث لم تشعر بها ..
حتى عندما حاول التقرب منها رجال اخرين سواء فى الجامعة او من الجيران او من الاقارب ايضا .لم تشعر بهم حتى انها سمعت احدهم يصفها يوما بجبل الجليد..الباردة والمتبلدة المشاعر والاحاسيس ..
لم تشعر يومها بالاهانة فهى موقنة ان قلبها ميت .
اذن فمن الطبيعى الا يكون عندها مشاعر او احاسيس ..
هو لم يخطيء فى حقها او يهينها ..بل هى الاسفة لانها لم تشعر بهم ...
كان فى دخولها كلية الهندسة وفى نفس القسم الذى تخصص به امجد بعض السخرية ..
فهى تعرف لماذا اختارت تلك الكلية او ذلك القسم. انها تشعر به حولها ..تتسائل هل جلس يوما على هذا المقعد او استخدم تلك الاداة او سمع ذلك الدكتور بينما يشرح له هذة المادة ..
اليوم ..هاهى تودع كلية الهندسة حيث لم يعد فى الدراسة سوى شهر واحد ..مازالت تراه يسكنها ..
من اسبوعين ..كانت عائدة من الكلية ..رأته..
كان يقف فى شرفة منزلهم ..
لم تصدق ..
ربما تتخيل ..
فتحت عيونها تتاكد من صورته ..
يبدو حقيقة ..لا وهما ..
رأته يلتفت ويراها ..
ابتسم .
ابتسم لها
اذن هو حقيقة ...
هو موجود
تأملته ..هو مازال كما كان فقط بضعة شعيرات بيضاء على فوديه دليل على السنوات الماضيه ..دليل على كونه ليس خيال ..
لقد عاد
عاد
رقص قلبها فرحا ..
هز رأسه بتحية لها ..
تذكرها ..
لم ينساها..
لم تعرف كيف ترد تحيته ..
ابتسمت ثم دخلت المنزل بسرعة ..
تكاد ترقص ..تغنى ..
فجاة جاءها هاجس انه لم يعد وحيدا ..ربما عاد ومعه زوجته وابناؤه ..
تلاشت الفرحة ..
وارتسم الحزن والعبوس عوضا عن الابتسامة ..
جلست على مائدة الطعام بين العم واولاده ..كانت تلوك الطعام فى فمها دون ان تشعر له بمذاق ؛عندما بدات زوجة العم فى سرد ما سمعته فى جلسات النميمة مع الجارات او فى السوق .
وجاء الخبر ..
اغمضت عيونها حتى لا يري احدهم فيهما الالم .بينما تسمع زوجة العم تقول :" جارنا المهندس امجد عاد بالامس ليلا ..يقال انه بعد زواجه سافر الى دبى مع زوجته للعمل ..واليوم جاء وحيدا ..ولقد سمعت من احدى قريباته انه طلق زوجته منذ اكثر من عام ..وعاد وحيدا ".
لم تكن بطبعها تفرح فى آلام الناس ..ولكن هذة المرة شعرت بغبطة..لم تملك معها سوى الابتسام ابتسامة عريضة سرعان ما مسحتها عن وجهنا حتى لا يفطن لها احد .
كان سؤال العم متزامنا مع سؤال احد ابناؤه :"لما قام بتطليقها؟".
كادت ترد على عمها :" لا يهم يا عمى ..المهم انه قد عاد ..عاد حرا مرة اخرى ".
ولكن زوجة العم ردت :" لا احد يعرف ..ربما لعدم الانجاب ".
وهنا هز الجميع رأسهم مؤيدين للفكرة ..حيث ان الزواج قد استمر لاكثر من خمس سنوات .
شردت بينما زوجة العم مستمرة فى سرد باقي الاخبار التى سمعتها عن الجيران والاقارب ..
دخلت غرفتها مسرعة تفتح الشرفة التى تطل على منزله ..كانت قد اغلقتها منذ سنوات متحاشية النظر من خلالها حتى لا ترى ذكريات طفولتها وحبها المستحيل .
ففى هذا المنزل يسكن حبيبها وجلادها .

طوال الاسبوع التالى كانت تراه كل يوم ..بل انها كانت تراه فى اليوم الواحد اكثر من مرة .حتى شكت الا تكون جميعها لقاءات بمحض الصدفة .
ففى الصباح تجده فى احدى شرفات منزله .اما جالسا يقرا كتابا او جريدة او يسقى النباتات ..او يهاتف احد اصدقاؤه ..كل مرة تراه فيها يبتسم لها .
فتخفض راسها فى حياء .
مازالت ابتسامته رائعة كما كانت منذ سنوات ..
مازال ساحرا ..
لم يفقد سحره ..ولولا تلك الشعيرات البيضا لربما حسبت انه لم يمر اى يوم منذ تركها
حقا لم يمر زمن على قلبها ..
وكانها كانت تحتفظ به فى احد الثلاجات وعندما عاد خرج وذاب عنه الجليد ..لينبض له ثانية .
كانت تراه ايضا عند عودتها .فتارة يكون خارجا من المنزل ولا يبدو متعجلا ..وتارة اخرى يحادث صديقا امام باب المنزل ..ومرة يبدو منتظرا صديقا ..فيقف متأففا ينظر الى ساعته كل دقيقة .
كاد غرورها ان يوهمها انه يفعل ذلك من اجل ان يراها ..
وان كل ما تراه ما هى لا حجج ليراها ..والا لما توافقت كل تلك الصدف ..
ولكن كيف ..انه ليس مراهقا ليفعل ذلك ..
ولم يكد يمر عشرة ايام على عودته وعلى صدفه حتى جاء لزيارة عمها ..
كانت تتوقع ان تكون تلك الزيارة لاى سبب الا ان يكون لطلب يدها وسط ذهول العم وحيرته وبين رقص قلبها وفرحته وقع عليهما الخبر ..
لم يرد العم سلبا او ايجابا

الشبيهةOù les histoires vivent. Découvrez maintenant