27 | لِصٌ في المَعبد

Start from the beginning
                                    

كان هناك شخصٌ مختفٍ بعباءةٍ لم تتوضح وجهه، نظر لسريرها لحظةً أغمضت بها عينيها؛ ثم أبعد نظره غير مُهتم ومقترباً أكثر من إحدى الخزائن الخشبية القديمة بطرف الغرفة، راحت تسمع أصواتَ تحركها .. يقوم بدفعها، تتساءل لماذا؟

استدارت ببطء وهدوء كي لا يسمع، كانَ لا يزال يدفعها بجهد لثِقلها؛ حتى توقف .. نظر أسفله للأرض وقام بإمساك مقبض حديدي متصل ببابٍ مربَّع في الأرضية، رفعه للأعلى ثم دلف ونزل فيما بدا درجاً للأسفل، أغلق خلفه المدخل وحلّ الصمت من بعده وقد اختفى الدخيل عليه.

وقفت إليس بسرعة واتجهت نحو ذاك المكان، فكرت في خيار اتباعه من عدمه؛ لتقرر بالنهاية التوقف والانتظار هنا، لِم تزعج نفسها بالنزول؟ سوف يصعد مجدداً بالتأكيد؛ إذ من غير المعقول أن يترك خلفه مكان بابه السريّ مكشوفاً هكذا.

مرّت ربع ساعة قبل أن ينفتح الباب مُجدداً. خرج منه الدخيل حاملاً كيساً ممتلئاً رماه أرضاً، ثم اتجه للخزانة ينوي دفعها، وما إن انتهى من ذلك حتى نظر لكيسه؛ الذي لم يعد موجوداً.

-" أين تظن نفسك ذاهباً؟ " استدار بسرعة مُتفاجئاً، وما رأى جعل قلبه يدقّ رعباً. فتاةٌ شاحبة البشرة مُرتديةٌ رداء نوم أبيض؛ بضع خصلات من شعرها الأسود على وجهها منبسطة وعينان حمراوتين تلمعان بثقة تحت ضَوء قمر المتسلل من النافذة.

فزع وتمتم:" اللعنة، شبح؟! " ظلّت ترقبه بحدّة بضع ثوان ثم حوّلت نظرها للكيس، فتحته وإذ بها تجد العديد والعديد من قطع النقود والذهب، بالإضافة لعدةٍ من شمعدانات الفضّة والكؤوس القيّمة ! ابتسمت. " اللص، بالطبع. " نظرت له وكادت تضيف قولاً؛ إلا أنها تأملت وجهه لحظات ثم قالت رافعةً إحدى حاجبيها." انتظر لحظة، أشعر بأنك مألوف. أأعرفكَ من مكان ما؟ " وفي حين انتظرت منه إجابة، لم يقوَ هو على تحريك إصبع؛ إذ ما زال يحاول استيعاب كنهها هل بشرٌ أم فعلاً شبح !

صاحت إليس:" أوه، أجل، تذكرتك ! ألست قاطع الطريق ذاك الذي حاو قتلي وسرقتي قبل أن يستدرجني لمعقل فرقته؟ عجيب ! ما الذي تفعله هنا؟! "

عاد لوعيه وخطف منها الكيس وحاول الهروب، إلا أنها وبحركةٍ من قدمها للأمام جعلته يتعثر ويسقط أرضاً، نزلت لمستواه وهمست في أذنه:" أتعلم؟ هؤلاء الناس قد ساعدوني، أخال أني بحاجةٍ لردّ الدين؛ وتخليصهم من مشكلتهم بتسليمك سيكون مناسباً؛ ألا توافقني؟ "

بحركة سريعة أخرج سكيناً صغيرة من جيبه حاول إصابتها بها؛ إلا أنها أمسكتها بالفعل مجاريةً إياه في السرعة وألقته بعيدة. همهمت وقالت:" لا يبدو أنك تخطط للانصياع، أخال أن الأفضل هو تسريع الحال واختصار الوقت بتسليمك فحسب .. كجثة. "

بلع ريقه، وحاول على قدر ما يستطيع التخفيف من توتره، قال:" حسناً، دعينا نستوضح بضع أمورٍ في البداية. " رفعت حاجباً فابتهج لاستعداديتها لسماعه، فأضاف سريعاً:" كل ما أسرقه لا يُعد من سرقتي بالأساس، إن هذا المخبأ وكل الأغراض التي أسفله كنت قد وجدتها فحسب، أي أن اللص الحقيقي هو بين العاملين والكهنة هنا يخبئها بهدوء وخِفية من وقت لآخر ولا أحد يعلم بشأنه ! كل ما بالأمر أني اكتشفت المكان، وبالطبع ما أحب اللص سرقتي لمسروقاته، فضرب الحجر في عصفورين فاستغلني لرمي كامل التهمة كذا تركيز الانتباه عليّ عسى أن يتمكنوا من الإمساك بي والتخلص مني. " هزّ كتفيه ثم ابتسم ساخراً. " مثلما استغللته بدوره وأغراضه لدفع دين. "

أرجعت إليس خصلات من شعرها للخلف وردّت متبرمة:" جعلت رأسي يؤلمني ! تقول إن اللص الحقيقي للمكان هو من بين كهنته، وأنت مجرمٌ أمسى ضحيةً أيضاً؟ " أومأ لها فأطرقت برأسها مفكرة، ابتعدت عنه قليلاً مضيفة :" سأصدقك، مخبأ كذاك من المستحيل يمتلئ بالمسروقات من قبل لصٍ مقتحم، لابد ان هناك مخططاً رئيسياً، وإن كان هذا صحيحاً، فأهنئه؛ إذ لابد أنه استفاد من هذا ولمدةٍ طويلة الآن. "

-" بالضبط ! أليس من غير العدل ذلك؟! "

علّقت مستغربة:" بالطبع هو غير عادل، لم سيفكر مجرم في العدالة؟ "

استطرد:" إن لم يمكن كشفه فليدعني وعلى الاقل استفيد من أفعاله ! ثم أنه لم يبقى الكثير، تبقت هذه المجموعة ولن أعود مجدداً ! صحيح أني لصٌ بدوري، لكن فكرة سرقة أكثر من عشرة آلاف قطعةٍ تجعلني أقشعرّ. "

جحظت عيناها مع قولها مندهشة:" عشرة آلاف؟! من ذا الذي تدين له بهكذا مبلغ؟! "

نظر نحو الكيس، شارداً لوهلة كأنما يسترجع حدثاً ما، ثم أجاب:" مثلكِ، شخص أعانني عوناً كبيراً ولم يطلب حتى مقابلاً. لكنني أصرّ على ردّه، رغم أني حقيقةً لا أعلم مكانه الآن. "

-" غريب، لص يملك أخلاق. " علقت بسخرية، ثم وقفت وقالت عابسة:" رغم ذلك، يستحيل أن أسمح لك بأخذ ممتلكات من أعانوني هنا. "

غضب ونوا مهاجمتها، غير أنها أشعلت نيران فوق أصابع يدها اليسرى ما أفزعه مجدداً؛ مدركاً كونها ساحرة. ابتسمت. " لديك دقيقةٌ لتتخذ حركتك القادمة التي ستقرر مستقبلك قبل أن أفعل أنا. "

بدا جدّ منزعج، لكنه تجاهل مشاعره وارتفع متجهاً للباب؛ مغلقاً إياه بهدوء ومتسللاً هارباً.

تنهدت واتجهت نحو النافذة أين قررت الانتظار حتى رؤية الشروق، تتداخل عليها بعضٌ من نسمات الشتاء الباردة؛ وترى المدينة من علوها الشاهق وثلوجٌ كانت أسقفها قد كست، بضع أشخاص ينبثقون بهذه الصبيحة ليستعدوا لأعمالهم، وأضواء خافتة صادرة من بيوت مداخنها تُحرِّر دخاناً جمّاً.

نظرت نحو مكتبٍ بجانب سريرها أين تمركزت النظارة أعلاه مع حقيبتها، تأملتها عن بعد قليلاً ثم تنهدت. نقلت نظرها نحو مكان الخزانة والباب السري تحتها، همهمت وتمتمت." أتساءل، من قد يكون اللص هنا؟ "

•|🍌|•

عرش الساحرةWhere stories live. Discover now