26 | شبحُ المَاضِي

2.3K 347 48
                                    

 -" أنتِ شيطان، تعلمين ذلك؛ لِم المماطلة؟ " همسٌ مخترق تغلغل أعماقها كوسوسة شيطانية ملعونة، أو علّها كانت كذلك بالفعل.

-" لستُ كذلك، أتركني .. " همست بدورها، شاردةً تنظر للبحيرة أمامها والتي اتخذتّ لوناً رمادياً كئيباً.

ردّ ساخراً:" تحبين القتل، الاستيلاء والسرقة وكذا التلذذَ بالدِماء، إن لَم تكن هذه بصفات شيطان؛ إذن فهي صِفات ماذا؟ ملاكٍ مثلاً؟ "

لم ترد بعدما قال؛ إلا انها بأعماقها تمنت أن يبتعد، تمنت وترجت لكن لا فائدة؛ لازَمها هذا القرين الشيطان منذ سنة الآن، تماماً بعد دخولها بحالات اكتئاب قوية مُوالية لموت والديها؛ والذي كان بسبب عمليّة اغتيال أتمها بعض السحرة الذين لم يُعلم لأيّ جهةٍ يعملون. كانت طفلةً في العاشرة، وباتت تختنق من كل القصر ومن فيه أولئك الذين يُطوقونها بنظراتهم أينما حلّت وكأنما حُرمت عليها الخصوصية للأبد منذ رحلوا.

-" كل الأطفال مَلائكة قبل أن يكبروا؛ سواكِ، أنتِ شيطان منذ خلقتِ ! " همس مجدداً، بنبرةٍ أعلى صوتاً وأكثر إيحاءً وثقة .

-" لستُ .. كذلك. " تمتمت مترددة، وما إن استشعر ترددها حتى استغله فورياً وشرع يلقي بسهومه:" مما أنتِ خائفة بأي حال؟ نحن أقوى المخلوقات، نفعل ما نريد ولا أحد يقهرنا؛ وإن اعترفتِ بكونكِ منّا فستفعلين كل ما أردتِ فعله بمن تكرهينهم، أليس كذلك؟ "

احتضَنت الصغيرة قدميها ببطء، نظرت للسماء أعلاه، والتي بدورها كانت رماديةً كثيفةً بالغيوم، وتساءلت:" لكن.. من أنت؟ "

أطلق ضحكة خافتة خبيثة، ثم أجاب في رويّةٍ هو الآخر:" أنا أنتِ، نفسكِ الحقيقية التي تحاول التحرر لكنك تُقفلين عليها، هيا؛ افتحي الباب يا عزيزتي وأعتقيها، سترتاحين كثيراً. "

هدوءٌ وسكينة، لا زقزقة ولا حفيف يُسمع؛ كما لو أن الطبيعة نفسها قد خضعت لهذا الكيان الذي بدوره يُحاول اخضاع كيانٍ ماديٍ آخر.

أكمل بكل بطء وتركيز مع الكلمات:" هيا، لن تخسري شيئاً، أليس كذلك؟ "

نظرت للسكين الموضوعة بجانبها بضع ثوان، ثم تحرّكت يدها تلقائياً نحوها وتمتمت:" حسناً . "

لكنها خسرت الكثير، الكثير بالفعل ..

دماء متنازلة ..

خطوط حمراء على طول الشارع الأسود، دائماً ما طلبت منهم الاعتراف بها وعلى الأقل كصاحبة قدرات ومهارات؛ إلا أن أولئك السَحرة الملاعين لم يردوا عليها سِوى بالطرد وأحيانا الضرب والإعتداء، ولعلّ ذلك للأفضل؛ إذ أن كرهها تضاعف عن ذي قبل بعد تدخلهم في مقتل والديها، وها قد عُوقبوا ! عوقبوا جميعاً الآن وهاهي دمائهم قد شكلت لوحةً مأساوية على طول جسدها وثيابها عنوانها فلتحترقوا بجحيمكم..

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن