*P1*

643 68 51
                                    

البارت الأول من بينوكيو الرسام 🎨

تاليف لينا عبدالله

صوتُ نايٍ ساحرٍ عُزف من مكانٍ مجهول ، موسيقاه خيالية تشوش العقول ، كنبيذٍ محرمٍ أذهب عقول الرجال ، ليترك كل رجل في القريةِ المكان، جن جنون النساء ، فإلى أي مكانٍ فر هؤلاء ؟

صوتُ بكاءِ الأطفال علا و طغى في المكان ، فهذه التي تلطم لفقدان أبو العيال ، و تلك التي تنوح لفقدان الحبيب و المختار .

إلا أن الغريب في الأمر ، أن في صباح ذاك اليوم ، عاد كل شيءٍ إلى ما كان ، و كأن شيئًا لم يكن ، و أما النساء فتناسين الأمر ، أم أن ذاكرتهن قد مُحت !

و في كلِ يومٍ يتكرر الحال ، يختفي الرجال ليلًا ليعودوا في الصباح ،فأين يذهب الرجال ؟ و ما سر ذاك الناي ؟!

في عصر يومٍ من الأيام أقبل عجوزٌ أحدب الظهر ، أبيض الشعر ، برفقة قردٍ و هرمونيكا إلى نفس القرية المزعومة ، فأخذ يعزف أعذب الألحان و يجمع من حوله فلانٌ و علان ، و قد لفت الأنظار بعزفه الجميل ، و رقصه الغريب العجيب.

أقبل العمدة و على وجهه العجب ، ما قصة هذا العجوز الهرم ، جسده مهترئ مقوص ، إلا أن عوده أقوى من شجر الصنوبر ، و عظمه اقصى من حجر الصوان ، فها هو يقفز و يتشقلب هنا و هناك ، و كأنه قردٌ أو بهلوان .

ليُجيب العجوز ببساطة ...

-ما أنا يا سيدي إلا عجوزٌ رسام  ، أطمع بجمع بعض القروش من السكان ، فمن أراد أن ارسمه فليقبل قبل الزِحام ، و أشهد بأني ماهرٌ بالنحت و الحفر و الألوان ، و أعمالي على ذلك خير برهانٍ .

فتح عربته التي يقودها حصان كأيامِ زمان ، و إذ به يُفصح عن لوحات و مجسمات خارقة الجمال ، لتُبهر النساء برسم هذا الرسام ، و يتقاتلن في نقاشٍ حاد ، مضمونه من المحظوظة صاحبة أولى اللوحات .

رسم الرسام العجوز ابتسامة واسعة على ثغره ، و ترك الهرمونيكا التي بين يديه جانبًا ، ليصُّف النساء المتوحشات في طابور ، و يحدد معهن موعدًا .

و على قارعة الطريق اتخذ له ملجأً ، ليبعثر مقتنياته و أدواته هنا و هناك ، و على حوائط و أرضية تلك المنطقة عُلقت تحف الفنان.

أقبلت المختارة الأولى شامخة تتبختر ، تمسك بطرف فستانها من الأمام بينما ذيله يتمختر ، تتحرك بصعوبه ملحوظة فمع ثقل كتلتها ترتدي أطنانًا من الحلي ، و لا ننسى مساحيق التجميل التي تزن كيلًا .

جلست على الكرسي المسكين ، ذو الأرجل الرفيعه الأشبه بعيدان الثقاب ،  لتتخلخل أرجل المسكين ، و من ثم يردى قتيلاً.

و يالحرج تلك البدينة ، بعد وقعتها الأليمة !

فبالرغم من أطنان الطحين على كلا الوجنتين ، ظهر احمرار وجهها واضحًا جلياً ، خاصةً بعد تبعثر كيانها و تبخر كبرياؤها .

ليقترب الرسام العجوز أحدب الظهر ، مقوص الجسد ، فيساعدها على النهوض ، بينما لسانه الطليق ينطق ، و ثغره يبتسم ...

-دعكِ من كلماتهن و همساتهن ، أنتِ جميلة كما أنتِ ، احبي نفسك ليحبك الآخرين ، و جربي أن تكرهي نفسك لتري الجحيم، لا عيب في كونكِ بدينه قليلًا ، فكلنا بشر و جميعنا سواسيه .

لتقف تلك المرأة و كلها ثقة ، فتنفض عن فستانها الأحمر القرمزي الغبار ، و تقف متكئه على إحدى الجدران ، استعدادًا ليرسمها العجوز حلو اللسان .

إلا أن أمر ذلك العجوز غريب ، و قرده الأهوج أغرب !

فبالرغم من كبر سنه و ترقرق عظمه ، إلا أن حركة يديه خفيفه كخف الريشة ، فها هي فرشاته بالكاد تلمس القماش ، ليبعثر خطوطًا هنا و هناك ، و يطرش ألوانا في كل مكان .

و لكن العجب العجاب في أمره توقفه المفاجئ عن الرسم ، و لم يكتفي بذلك حتى فها هو يتجه إلى الهرمونيكا الخاصة به ، و ها هو بدأ يعزف !

تفاجأت تلك البدينة من تصرفات الخرف العجيبة ، و قد تيبس ظهرها و ضعفت ركبتيها من طول وقوفها ، ما به ذلك المجنون ألا يرى حالها ؟!

تحركت أخيرًا و قد طفح كيلها ، و ما عادت تقوى على تحمل هذه المهزلة ، حتى أن نفسها كاد ينقطع من ضيق ثوبها ، و رقبتها المتها من ثقل جواهرها .

أقبلت من لوحتها الخاصة و هناك كانت المفاجأة ، لتصفع العجوز الهرم ، فتطير الهرمونيكا و تحط على الأرض ، و لو لا لطف الله لطار على الأرض سن ...

يها العجوز المجنون ، ما هذه القمامة ؟أهذا ما كنت تتبجح به منذ ساعة ؟

و بفرقعة من أصابع يده أمر القرد أن يحضر الهرمونيكا ، و بفرقعةٍ أخرى أمره أن يسكب دلو الألوان على اللوحة و من ثم يقلبها .

لتشهق المرأه دهشةً ، من فعل الرسام ، فتنطق فجعه و في نفس الوقت عجبه ...

-و الله إنك لرسام دجال .

صفقت له و بحماسة توجهت لتخطف اللوحة من مخدعها ، إلا أن القرد سبقها و خطف اللوحة قبل مجيئها .

استلم الرسام اللوحة من بين يدي القرد أسود الشعر ، ليجيب المرأة .

-لا يا انسه أنا أُسلم لوحاتي فقط قبل المغادرة ، عليك الإنتظار إلى أن أنهي رسم من أراد مني رسمه ، و من ثم يمكنك أخذ لوحتك ، و أخذ أنا نقودي .

لم تمانع ذلك فهذه حريته الشخصية ، و غادرت بعد ذلك المكان لتحل محلها أخرى .

استطاع العجوز رسم معظم النساء ، و ها هي الساعة تدق لتعلن حلول منتصف الليل ، فيعم الهدوء أرجاء المكان ، وتصبح القرية مخيفة ، و كأنها مسكنٌ للأشباح .

لملم العجوز أشياءه مستعدًا للرحيل ، ليعود بعد ذلك في الغد فالرزق في هذه القرية وفير ، إلا أن أمرًا غريبًا قد حدث ، منع حدوث مبتغاه .

فها هو صوت الناي يُعزف من جديد ، فيشوش عقول الرجال ، و يجعلهم كالمنومين ، بلباس النوم تدفق رجال القرية للخارج ، من كل حدبٍ و صوب ، و حتى العجوز الرسام لم يسلم من ذلك السحر و انساق مع المنومين إلى اللامكان .

إن لصوت الناي ذاك عذوبه و لحن ، تجعل القلب يرقص و العقل ينام ، فما الذي يحدث لرجال القرية و إلى أين يأخذهم الناي ؟!

#يتبع

رايكم ؟

توقعاتكم ؟

قرأت البارت ، فضلا صوت 🌟
وضع تعليقا يعبر عن رأيك 💬

بينوكيو الرسام |©2017Where stories live. Discover now