19 | بيكا والساحرة المزعومة..

2.7K 341 44
                                    


-" شُعور رائع. " تمتمت إليس، تُحرك قدميها الحافيتين مُداعبة سَيل الجدول الجبلي النقي .

أتت موجة مِن نسيم عليل داعبت شعرها الذي أخذ يتطاير معه بحُرية، أبعدته وراحت تُحاول جمعه، ثم رَفعت رأسها تتأمل السماء الشبه صافية مع غيومٍ قطنية هنا وهناك متفرعة منتشرة، تتحرّك بروية.

بدأت تُغني فجأة، بعدما حفّزها الجو الجميل. كانت أُغنية شعبية بين أطفال العاصمة تعلمتها بدورها منهم، حول الحبّ والسلام والبط بطريقةٍ ما. لَم تكن تعلم بأن لَها صوتاً لافت يُمكن حتى استغلاله لإنعدام معايير الفن لديها، لكن كل ما همّها حقاً هو أن يريحها. أن ترتاح من مشاعِرها وأفكارِها المكبوتة عبر تحويلها لكلماتٍ عَجيبة ملحنة واطلاقها كطير سجين انتظر حُريته بفارغ الصبر في الهواء ..

ارتدت حذائها مُجدداً بعدما بدأت بالإرتعاش مِن بُرودة المياه، حَملت عُود الخشب الذي عليه السمكة المَشوية من حطب النار المُنطفئة قربها، ثم ارتدت حقيبتها ومشت ماضية في طريقها .

فحيح الأشجار حَولها منحها راحة اكثر، فراحت تتنهد بِعمق، قالت بعد لحظات:" وُفقت في اختيار هذا الطريق بدل الرئيسي. إنه مهدئ للأعصاب. " استخرجت خَريطتها وأخذت تُطالعها قليلاً. " على هذِه الوتيرة، سأصل مع حُلول المساء لبلدة كاديوس هذه، قد ارتاحُ قليلا هناك ثم أكمل الطريق نحو آستيس. " فَتحت الجيب الأصغر للحقيبة لتخبئها مُجدداً؛ وأثناء ذلك لَمحت تِلك الورقة الصغيرة، الورقة التي تركها، فاجتاحت وجهها ملامح حُزن بسيطة، إلا انها سُرعان ما وَضعت الخَريطة فوقها وأغلقت الجَيب متنهدة .

قَضمت قليلا من السمكة، ثم راحت تُكلم نَفسها:" كل هذا الأمر مُريبٌ محيّر. بدايةً من الورقة المختومة، ثم حديثه عن ماضيه وتأكيده وقوفه بصفي. لستُ أدري أسبابه وما ينويه، إلا أنه لمّح وبالدرجة الأولى لكون رحيله غير متعلق بوالده. بعد كل شيء، يستحيل أن يعود إليه بعد كل ما فعله. " أليس كذلك؟ راحت تسأل نفسها، تُغرقها الحيرة ويقضمها الشكُ دون هوادة. كيف يمكنكِ التأكد؟ لم تدري، كلّا، لم يمكنها من الأساس، وما كان لها إلا الثقة به، والأمل فيما هو حسنٌ له ولها. " لكن، ' ولا تستعملي السِحر مجدداً ' تُراه ماذا قد يعني بها؟ كيف لي ألاّ أستعمل السحر أبداً؟ رمى عليّ كمّ ألغازٍ ورحل فجأة ! " وبالنهاية، به أو بدونه، كان عليها الاستمرار في سبيلها دون أيّ تضييع للوقت هي في غنى عنه.

منذ بداية الرحلة كانت معه، وأن تستمر فيها هكذا وحدها شكّل عليها وضعاً جديداً. كأن الدنيا أضحت أهدأ دون سابق إنذار. " هو ليس جديداً، بالتفكير بالأمر. الوحدة دائماً ما كانت جزءً لا يتجزأ من حياتي حتى مؤخراً، وهاهي تهرول عائدةً لي. " تمتمت ساخرة.

توقفت في لحظة بُعيد ما اخترق مسامعها صوت دقِّ طُبول غريب؛ قادم من جِهة الشرق، استغربت وتسلل لها الفضول، من ذا الذي يعيش بمُنتصف الغابة؟ مخترقة الأشجار من جهة إلى أخرى مُتتبعة الصوت مَشت، حتى رأتهم بعدما أزاحت كمّاً من الشجيرات. كانت تبدو كقرية صغيرة؛ ذات بيوت بسيطة خشبية ومواشي ودواجن تسرح بمعظم الأرجاء، لكن شكلها لم يهمّ بقدر ذاك الحدث الغريب الذي يَحصل بمنتصفها ..

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن