12 | وداعاً، ماركون.

3.4K 363 33
                                    

-" موز ! أخيراً سآكل شيئاً أحبه ! آه، هناك مخبزةٌ أيضاً ! " رددت إليس وهي تتجول هنا وهناك بسوق روني بحيوية، عيناها تُشرقان بالحماس .

حدق بها كايرو مستغرباً، وسأل وهو يمسكها من يدها كي لا تطير من محلَ لآخر كل ثانية:" لِم كل هذا النشاط؟ قبل يومين على حدِّ علمي تم إسقاطكِ من الحكم ! وأنتِ سعيدة؟ "

أبعدت يده متوقفة، كان وجهها يفضح الابتهاج الشديد الذي تملك صاحبته. أجابت:" برغم كل ما حدث، يستحيل ألاّ أتمتع بهذا الشعور الذي وبأعماقي لطالما تشوقت لعيشه ولو بضع دقائق، إنه الحرية ! حيثما لا أحتاج القلق من هجومَ أو دفاع، من قيام الكل بمهامهم كما هو مطلوب؛ من شعبٍ يأكل أو يجوع، مِن كشف احدهِم لحقيقتي أو لا، ولا انزعاج من ارتداء أثواب كبيرة أو إتباع قوانين سخيفة .. إنها .. إنها الحُرية حقاً !! فقط أعيش حياتي الخاصة ولا قلق من أي شيءٍ آخر. "

رفع حاجباً، متسائلاً:" أتقولين انكِ غيرتِ رأيكِ بشأن استرجاع مَملكتك؟! "

زحف حماسها بعيداً لحظة ما ذكر الوضع؛ فاستقامت وعبست، لكنها ردّت بكل ثقة:" بالطبع لا، بقدر ما وددتُ تجربة هذا الشعور سابقاً، كنت أيضاً مقتنعة بأن حياتي وإن كُتب عليها أن تكون كما كانت فستكون، ولن أرتاح أبداً إن حاولتُ التهرب من تلك الحقيقة. وهو ما يحصل الآن؛ فمهما حدث، سأستعيد مكاني، وعُنقاً عنقاً ممن ساهموا بخيانتي؛ فسأدفعهم لذلك الثمن غالياً. " كان يراها مؤخراً تارةً مرتاحةً لتخلصها من العرش والحكم؛ وأخرى تعِدُ بكلِّ نبرةٍ مرعبة باستعادته. كان ذلك مربكاً له.

-" أنتِ لا ترتاحين في تلك الحياة؛ لكنكِ لن ترتاحي أيضاً إن حصل وتخليتِ عنها؟ أنا لا أفهم. لِم تتمسكين بالحكم بشدة رغم أنكِ لا تحبين حياة الملوك؟ "

-" لأنها ليست مجرد أسلوب حياةٍ مترفٍ ومتعب وكفى، إنها مهمة؛ واجبٌ حُمّل إليّ وما يمكنني التخلي عنه. أو عمّن تقع مسؤوليتهم عليّ من رعيتي. " ابتسم ساخراً. كان سبب ارهاقها الدائم واضحاً للغاية.

-" ما المضحك؟ " سألته.

-" كلاّ، فقط .. المُلك لا يعمل بتلك الطريقة، ولا أدري إن كنتِ بالفعل تُدركين ذلك أم أنكِ تعلمتيه. " بدت الحيرة واضحةً عليها. شرح:" المُلك لا يتعلق بالدرجة الأولى بالرعية. ذاك ما يعلموكِ إياه، ما يقوله المنطق والمفاهيم المعروفة؛ الملك الجيد هو ذاك الذي لا يغفن له جفنٌ قبل أن يضمن راحة رعيته. لكن لا. الحقيقة، وإن اتبعتِ هذا الكلام، ستنهارين أسرع مما يُمكن أن يحيكَ من حولكِ خطةً لتهديمك. أسرع مما يمكنكِ فيه احداث أيّ تغيير بمملكتكِ حتى. المُلك متعبٌ يا إليس، مُتعبٌ للغاية وإن لم تكوني بقادرة عليه؛ سيُحطمك تحطيماً أنتِ ومن معك. وتلك القدرة لا تأتي إلا من رغبةٍ كامنة قويّة في التملك. المُلك متعبٌ لكن تعبه يزول حالما يرى الملك ما بين يديه من قوةٍ وجبروت. " وهنت إبتسامته قليلاً، وأُضيفت عليها مسحةٌ من حزن، مستكملاً:" أنا لا أملك ذلك. حتى مع حبي لشعبي، حتى ومع رغبتي في تعويضهم عن أوجاعهم التي سبق ما تعرضوا لها وبعضهم ما زال من الحرب؛ وحتى مع امتلاكي ضغينةً لبلاد أخرى بأكملها، أنا لا أملك تلك القدرة. أيقنت ذلك من فترة، وفضلّت ألا أقحم نفسي فيما لا طاقة لي به وفيما سنتهي غالباً بكارثة إن حصل لن تقتصر آثارها عليّ وحدي. "

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن