دلفت الأميرة فانحنى الجميع لها.  افتتحت المأدبة، وأخذ الحضور بالتحاور وتذوقّ ألذ أنواع الطعام؛ سعادةٌ بادية على وجوههم تؤنسهم موسيقى هادئة كانت تُعزف. وصحيحٌ انها كانت مأدبة؛ إلا أن الأميرة لم تأكل شيئاً من بدايتها .. بل لعلّها لم تأكل منذ الأمس من التوتر!

سرعان ما تم عزف مُوسيقى مختلفة ليبدأ البعض بالرقص، تمت دعوة الأميرة لذلك من العديد من الشبان- الذين لا تعرف معظمهم- لكنها كانت ترفض كل مرة، مُكتفيةً بتأملهم تارة؛ واختطاف بضع نظرات نحو العرش بأخرى، ينبض فيها قلبها نبضاً سريعاً. شعرّت بغصّة في حلقها، وراحت تدعو التحرر من خوفها هذا منه الذي لا يريد مطلقاً تركها من أكثر من شهرٍ الآن رغم أنها لم تعاني أيّاً منه قبلاً حال الجلوس عليه. 

توقفت الموسيقى، أتت إليزابيث حاملة بيدها الكأس الملكي، كنزُ عائلة فوليمر الملكية والذي لَم تهتم إليس بأمره يوماً رُغم أمرها للخدم بالمحافظة عليه نظراً لأن والديها كانوا يعشقونه، بداخله سائلٌ ما تفحصته إليس بنظرها مستغربة، هي متأكدة بأنه لم يحتوي يوماً على أيّ سائل من قبل ! قالت إليزابيث مع نفس الابتسامة، تُحاول شرح أمره لها:" هذه هديةُ عيد ميلادكِ، جلالتكِ. انه ماءٌ مقدسٌ أوتي به خصيصاً من أقدم معبدٍ للراسيمية في بلادنا؛ المتموقع بأعلى قمةٍ كذلك. يقال أن من يشربه ينعم بالسعادة والهناء طوال حياته ! اتفق الوزراء سابقاً على أنها ستكون أفضل هدية لفخامتك، سعادتكِ من سعادة شعبنا قبل كُل شيء ! " لم تكن إليس مؤمنة بهذا الهراء، بيد أنها  انتبهت لما حولها؛ ووجدت أنظار الجميع مركزةً عليها. لم تكن من النوع الذي يتوتر بسرعة بوجود الآخرين؛ لا تستحب ذلك لكنها تُجيد السيطرة على نفسها، لكن الآن، توترها تضاعف فجأة وقد شعرت بمدى المسؤولية التي تحملها؛ كانت هديةً من الوزراء، إن رفضت الآن فكيف سيرونها لاحقاً؟ متعجرفة لا تأبه لهم ولآرائهم؟ التوافق معهم أمرٌ جدّ ضروري.

تناولتُه من عندها وأخذت تنظر له بصمت، قررت شربه والانتهاء من الأمر. بدأت بتقريبه من فمها وأحسّت بالغرابة، كانت تشعرُ بأنه دواءٌ ذو طعم مقرف توجب عليها شربه.

-" كلا ! إليس ! لا تشربيه ! " نظر الكل لمصدر الصوت مندهشين، كان قادماً من النافذة المفتوحة بجانب القاعة، من أشقر معروفٍ عند البعض ومجهول عند الآخرين، وهم بأي حال لَم يهتموا لهويته، اسرع لحيث الأميرة وأخذ الكأس منها وكسره تحت أنظار الجميع الحاقدة .. لقد أفسد مُخطط السم !

-" ما الذي .. " قالت الاميرة مستغربة، بينما قال:" حمقاء ! كان هذا سماً ! لو لم آت بالوقت المناسب كنت لتكوني ميتة الآن ! "

-" لماذا مازِلتَ.. " وقبل أن تكمل جملتها دفعها نحوه بعدما كاد خنجرٌ مرميٌ أن يصيبها في قلبها..

نظرت الأميرة بصدمة نحو مصدره، لتجده الجنرال الأعلى نفسه الذي اشهر بالإضافة للحراس وبعضٍ من الرجال بالقاعة عن سيوفهم، قال بنبرة باردة يبدو أنها لن تختلف مهما تغيّرت الظروف:" استسلمي فقط يا أميرة، لن تفيدكِ المقاومة كما ترين .. سنسهل طريقة موتكِ إن فعلت. "

صاحت إليزابيث من مكانها قائلة بعصبية:" ما الذي تقوله؟! فقط اقتلوها وخلصونا ! "

انتقلت لها أنظارُ إليس في تحديقةٍ طويلة كما لو أن أحبالها الصوتية قُطعت، كانت لحظتها حيثما شعرت بألمٍ داخليّ يعتريها بين شعور الصدمة كان شديداً ولربما أكثر من ذلك الذي كانت لتعانيه لو اخترق الخنجر الذي رُمي قلبها .. ألمُ الخيانة.

ردّ آزون :" حسناً، كما تريدين .. "

-" وكأنني سأسمح بهذا ! " قال ذلك كايرو الذي رمى عليهم فجأة شيئاً كروياً صغيراً أخذ يدور بسرعة لينفجر مالئاً المكان دخاناً أسوداً.. ارتبك الجميعُ وكثيرٌ منهم اعتبروه بالفعل ساحراً، سمع صياح الجنرال الآمر بأن لا يدعوهما يفّران، تحرّك بسرعة واخذ بيد إليس ليخرجا من نفس النافذة التي دخل منها.

بعدما نزلا، اتجه للحديقة أين خرجا من مدخلَ سري كان بين الأعشاب أرشدته نحوه إليس.

جريا لبعض الوقت مبتعدين عن القصر حتى لمح الحصان أين تركه، قال قبيل أن يصعد:" هيا اصعدي، سأساعدك .. "

وقفت إليس متصلبة بمكانها لتقول فجأة، أو أخيراً:" لكني .. لا أريد .. "

لم تُجد وضع كلماتها أو مشاعرها في جملةٍ مفهومة، لكنه خمّنها من معرفته القصيرة بها. تنهد. رفع بيده رأسها، لتنظر له وقال:" أعلم أن كل هذا مُفاجئ جداً، وبأعماقكِ أنتِ تفكرين بالعرش؛ صحيح؟ لا تقلقي، سنستعيده ! هروبنا الآن لا يعني الاستسلام، ستعودين للإنتقام من الجميع وإستعادة مكانك ! أنا واثقٌ من ذلك، سأكون معك ! فلا تقلقي، حسناً؟ "

ما مرّ عليها قبل قليلٍ كان ثقيلاً بحيث أن عقلها بالكاد يتّقبل، لكنها أدركت يقينياً بأنه على حقّ. حاولت ارجاع اتزانها لنفسها بأخذ نفسٍ عميق، لا وقت للصدمة الآن، عليها تخطيها، عليها التصرف وعليهما التحرك قُبيل أن تسوء النتائج أكثر فأكثر. صعدت للحصان جالسة بشكلٍ جانبي عكس طريقتها المعتادة بسبب ارتدائها لثوب، وصعد بعدها في الأمام لقيادته، وانطلقا..

سألت بعد ابتعادهما قليلاً:" إلى أين سنذهب الآن؟ "

-" بيتي. انه بعيد عن أي مدينة لذا لا تقلقي، سنكون بأمان .. لفترة. "

كان عقل إليس مشتتاً كلياً، تحاول السيطرة على مشاعرها كما تفعل دائماً إلاّ أنها وجدت ذلك هذه المرة بالفِعل المُستحيل !

وجوههم راحت تتراقص بفِكرها وهم يدّعون السعادة، يمثلون وعلى قسماتهم تظهر ابتساماتٌ لم تعرف حقيقة معانيها. الجميع .. حتى إليزابيث ! لا، ألم ترها بأمّ عينها؟! هي نفسها كانت تشجعهم ! فقط .. لماذا؟! ما الذي فعلته لتستحق هذا منهم؟! وإن كانت قد أخطأت ربما هل ثمن خطئها الخيانة الجماعية؟! الرغبة في قتلها؟! غزت الأسئلة رأسها تِباعاً غير سانحةً لها بأيّ فرصة لترتيب أفكارها، وبعد ثواني قليلة وجدت أنها ما عادت قادرة على تحمل كل ذلك ببساطة؛ فتمسكت بكايرو أكثر وأخذت تبكي..

نظر لها وهلةً مُتئسفاً لحالها، ثم نقل عينيه للشمس المُقبلة على الغروب؛ والتي تساءلت بدورها عمّا يمكن أن يحمل القدر لهذين الهاربين..

•|🍎🍌|•

آرائكم الجميلة للآن؟ (。・ω・。)💙

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن