3 | عِندما تغضب..

6.2K 570 41
                                    


" هيا، هيا، إعملي ! إنها تلمع ! " برقتُ عيناه حماساً، " و .. آه تباً، لَم تنجح .. مجدداً ! " وسرعان ما بهتت. منزعجاً، رفع الشاب ذو الشعر الأشقر المُبعثر نظّاراته عن عينيه لرأسه، ثم اتجه لوسط الساحة حيث ارتمت بوسطها كرةٌ مزخرفة بخطوطٍ زرقاء تُنير، رفعها لينطفئ الضوء بعد لحظات، تساءل بينما يتفحصها:" لستُ أفهم، شحنتها قبل دقائق بطاقةٍ كبيرة من السائل الحارق، لِم يختفي بسرعة؟ ألا ينجح إلا عندما يُستعمل مباشرةً من يد الساحر؟ كلاّ، هذا ليس منطقياً، انه سائلٌ لا مهارة ! "رما الكرة بغضب لتدخل بين أغصانٍ كثيفة لشجرة دون أي اثر، صارخاً:" يوماً ما، ستجنني هذه الأجهزة ! "

تنهد واستلقى على الأرض المُخضرة النضرة. عمّ رأسه ضجةُ أفكار حول مشاريعه الحالية بين نظريات وحقائق ثم تسؤلات، كان راغباً في بعض الراحة منها ففرّ بعينيه مُلتجئاً لتأمل السماء. كانت صافية تماماً، وما كان يُحبذها كذلك، بين ثناياها، راح يتذكر كالعادة أيام كان يقوم بالتأمل بطفولته مع أخته التوأم، وكيف كانا يتشاجران على تحديد أشكال الغيوم دائماً، لتأتي أمهما وتفكّ النزاع ضاحكةً قُبيل أن تنضم لهما.

حسناً، أخته بالسماء الآن، ولربما ستكون الرؤية أوضح لها من هناك، وكذا أمه التي ارتاحت منه ومن مَصائبه الدائمة كما كانت تقول. وضع ذراعه على عينيه ثم أغلقاهما يستمع للحفيف. مثل هكذا ذكريات، كانت تبعث داخله حُزناً عميقاً رغم جمالها. يتذكر كيف أنها بعيدةٌ عنه الآن، وما يُمكن استحضارها أبداً؛ كيف ذلك وكِلتاهما رحلتا عن هذه الحياة، آخذةً معهما كل ألوانها التي أضحى مؤخراً يسعى لإستعادتها بسُبلٍ جديدة. رحلتا، وتركتاه وحيداً يُعاني مع متسلّط هو والده، والذي قد تخلّص منه أخيراً بعد أن صرعه بأمر تولّي حُكم القبائل وانه قد حان الوقت، غير مهتمٍ بأيٍّ من رغباته، وبالطبع هو لم ولن يصغي لأيٍ مما يطلبه أبداً، بل هو وصح لحدٍ يتضايق لحظة اختراق صوت ذاك الرجل أذنه !

وقف، مُلقياً نظره نحو كوخه الخشبي القريب الذي ظللته شجرةٌ عالية. شرع يسير نحوه، مُتمتماً:" الابتعاد عن هذا المكان. إنها ما تزال بالفكرة المُرعبة حتى مع مرور بعض الوقت. " أخذ نفساً مع مرور نسيمٍ بارد منعش، واستجم بسماع أصوات الطير تُزقزق سعيدةً بالأشجار المُحيطة. " الجو جميلٌ اليوم. "

حال اقترابه من مدخل الكوخ سمع صوتاً شاذاً عمّا يحفظ من أصوات لهذه المنطقة. أدار رأسه يبحث عن مصدره من الطريق المؤدية لمخرج الغابة، وما كان له مبتغاه إذ لم يرَ أحداً. حال تقريره الدخول ارتفع الصوت وتبين، وأدرك أنه صوت حصان." عجباً، أتراه قد أتاني زائرٌ ما؟ " تساءل مُستغرباً، لم يقابل أحداً منذ نزل لأقرب بلدةٍ من أسبوع لشراء غِذائه واحتياجاته اليومية. انتابه الحذر رغم ذلك، فلا أصدقاء كثيرين له بالتأكيد.

خرج من بين الأشجار الحصانُ الأسود وفارسه. كان شخصاً واحداً، نحيلاً يرتدي عباءةً قانية لم يعرفه منها الأمير حتى نزل من أعلى احصان ونزع قلنسوتها. " أوه، سيدي الأمير ! قد وجدتك أخيراً ! قلقتُ من فرضية كوني ضعتُ بين غياهب هذه الغابة. " كان أحد مُخبري والده. بدا عليه الاضطراب، وكان مُتعرقاً، بالكاد تحملاه قدماه.

عرش الساحرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن