الفصل السابع

56.2K 1.4K 40
                                    


خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل "مراد" الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى "بسمة" وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :
- مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى
شعر "مراد" وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.


لحظات وسمع طرقات على باب غرفته .. لم يحرك ساكناً .. وقف واجماً مقطب الجبين سمع والدته من خلفه تقول :
- عجبك كده أهم مشيوا بسرعة ومرضيوش يعدوا أكتر من كده
التفت "مراد" اليها ببطء .. كانت النار تشتعل داخل عيناه .. زأر كأســـدٍ غاضب:
- مش عايز أبداً .. أبداً .. أسمع كلام فى موضوع الجواز ده تانى .. أنا مش عايز أتجوز .. ولا محتاج انى أتجوز
ثم أكمل بصرامة :
- لو جبتيلى سيرة الجواز تانى أنا هسيب البيت وأخد شقة أعد فيها لوحدى
قالت امه بحده :
- وليه متديش لنفسك فرصة انك تعرف البنت
قال بعنف :
- البنت اللى أول ما خرجت من باب بيتنا قالت لمامتها كفاية انه معاق .. هى دى اللى عايزانى أتجوزها .. عشان تتكبر عليا وتحسسنى بالنقص طول عمرى .. أنا لا هسمحلها ولا هسمح لغيرها انها تقلل منى أو تمس كرامتى .. عرفيها ان أنا اللى رافضها مش هى
قال ذلك ثم خرج من الغرفة بغضب .. تنهدت أمه بحسرة وحيرة وضيق .

توجه "مراد" الى سيارته وأغلق الباب بعصبيه وانطلق بأقصى سرعة .. كان الغضب بادياً على وجهه وهو يسير مسرعاً بدون وجهةمحدده .. وكلما زاد افراز الأدرينالين فى دمه .. زاد من سرعة سيارته .. حتى كادت أن تنحرف عن الطريق .. كان يشعر بأن بداخله بركان ثائر .. يريد أن يفرغه ليرتاح .. لكن هيهات .. لا طريقه لإفراغه أبداً .. وصل الى الطريق الصحراوى .. ثم أوقف سيارته على جانب الطريق كان يلهث وكأن خرج من سباق للعدو .. استغرق الأمر ساعة ونصف حتى استطاع التحكم فى غضبه .. أدار مقود السيارة وعاد فى طريقه مرة أخرى .. أدار المسجل ليستمع الى ترتيل آيات الله .. فشعر بسكينه داخل قلبه .. ولانت ملامحه قليلاً .. وأصبح أكثر هدوءاً .. أثناء توجهه الى بيته .. سمع آذان العشاء ينطلق من مكبر أحد المساجد الصغيرة على الطريق .. أوقف سيارته وتوجه الى المسجد توضأ ووقف يصلى .. كان يطيل كثيراً فى سجوده وكأنه لا يريد لجبينه أن يفارق أرض المسجد .. ثم يبتعد عنه ليعود اليه مرة أخرى فى لهفه .. أنهى صلاته ورحل الجميع لكنه ظل فى المسجد .. أسند ظهره على أحد الأعمدة .. بدا عليه الوجوم والشرود .. اقترب منه الإمام قائلاً :
- مالك يا ابنى فى حاجه
نظر اليه "مراد" قائلاً :
- لا يا شيخ مفيش حاجه
تفرش الشيخ الأرض بجوار "مراد" وقال له :
- ارمى حمولك على الله .. هو وحده اللى بإيده الحل
تمتم "مراد:
- ونعم بالله
أكمل الشيخ :
- ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج .. الدنيا دى دار ابتلاء .. ولازم الواحد يصبر ويحتسب
ثم نظر الى "مراد" قائلاً :
- تعرف ان أى حاجه بتصيبك فى الدنيا بتكفر من سيئاتك وحملك فى الآخره .. تعرف ان حتى الشوكة لما تشكك بتكفر عنك سيئاتك .. ده مش كلامي أنا ده كلام النبي صلى الله عليه وسلم "لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا أذى إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة".. شوف رحمة ربنا بيك أد ايه
بدا على "مراد" التأثر فأكمل الشيخ قائلاً :
- الصبر يا ابنى نعمة من ربنا وثوابه عظيم .. بس أهم حاجه تصبر صبر جميل .. يعني تكون راضى .. مش تصبر بسخط ولأن مش قدامك حاجه الا انك تصبر .. لا .. تصبر وانت راضى وبتقول الحمد لله .. ربك بيقول
{‏ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏ }‏‏
أومأ "مراد" برأسه وابتسم للشيخ قائلاً :
- شكرا يا شيخ كنت محتاج أسمع الكلمتين دول .. ربنا يباركلك
ربت الشيخ على كتفه ثم نهض .. سكن "مراد" قليلاً ثم غادر المسجد وتوجه الى سيارته وهو يشعر بأنه أصبح أفضل حالاً وأكثر راحة .

قطة فى عرين الأسدजहाँ कहानियाँ रहती हैं। अभी खोजें