الفصل الأول

102 17 11
                                    

بين أشجار الغابة التي لاترى بسبب وشاح الضباب الذي زاد ذلك اليوم وحجب الشمس عن المرور إلى أرض الغابة كان المشي بالنسبة للرفاق كمن يمشي في نفق مظلم.

توقفت وأرخت جسدها على جذع شجرة؛ بدأت جودي تشعر بالإرهاق، بعد برهة اكتشفت أنها تأخرت عن أصدقاءها، فقفزت ناهضةً وأخذت تجري في تلك الغابة دون هدف أو دليل.

سارت طويلًا باحثةً عنهم: تنادي عليهم، وتفتش عنهم بين الحشائش التي بالكاد تراها، وبينما هي كذلك رأت ضوء كان يطير في الهواء، زُرعت أبتسامة في وجهها وهرولت ناحيته وهي تلوح بيديها هاتفةً:
-يارفاق أنا هُنا.

ضحكت بسرور عندما اقترب منها الضوء الذي أنار لها المكان لترى ظِلال غريبة تحوم في المكان، اختفت أبتسامتها، وتجمدت قدميها عن الحركة ولم تستطع الهرب بينما استمر الضوء بالاقتراب، أغمضت عينيها وتراجعت وهي تتأت:
-سنآي هذا مقلب سيء.

واصل الضوء الاقتراب واستمرت الظِلال بالتجوال حول المكان مما جعلها تهرب وتراوغ عند ركضها من بين الأشجار حتى اصطدمت بقوة في شجرة، وفي ظل ذلك الوضع كانت تتمنى ظهور أي أحد من رفاقها لينقذها.

بعد مرور بعض الوقت، جلست باكيةً تحت شجرة لها أغصان متشابكة، جمعت قدميها إلى صدرها ومن بين شهقاتها صرخت متأتأة:
"النجدة! المشعوذة ارسلت اتباعها للقضاء عليّ "

زاد اقتراب الضوء وزادت صرخات جودي، خرج صوت جهوري من جهة الضوء :
"ماالذي تفعلينه هنا أيتها الصغيرة ؟" 

استمرت بالعويل غير مستوعبة بأن الذي تحدث ماهو إلا رجل:
-ابتعد عني، لا تأخذني إليها لتسرق ظِليّ.

أنحنى بجذعه نحوها لا يدري كيف يطمئنها، وهي تخبط بذراعيها في الهواء وتصرخ بصوت عالي يظهر مدى خوفها، وعندما شعرت بهدوءه وهو يجلس بجانبها فتحت عينيها، ثم تكلمت وهي تمسح دموعها :
-هل ستقتلني كما قتلت الرجل وزوجته؟

ضحكات تعالت من الرجل وتحدث بنبرة مطمئنة :
-لاتخافي ياصغيرة لن أُذيكِ.
ثم أردف متسائلًا:
-ما الذي أتى بكِ إلى هنا وحيدة؟

ألتفتت نحوه تنظر إلى وجهه لتتأكد من أنه رجل حقيقي، ولولا خجلها منه لقرصته، ثم أجابت مفسرة بنبرة أكثر هدوءًا:
-لقد كنت مع أصدقائي لكنني تأخرت عليهم ولم أرى الطريق.

ثم سألته وهي تقف نافضة ماعلى ملابسها من غبار:
-هل رأيت أصدقائي؟
وأردفت شارحة أوصافهم أكثر:
فتاة ذات شعر بني تحيط رقبتها بوشاح صوفي، وفتيين متشابهين تمامًا إلا أن أحدهما يرتدي نظارة.

وقف هو الآخر وتحدث وهو يشير لها بأن تتبعه:
-تعالي سأساعدك على العثور عليهم، فلا يجب لفتاة مثلكِ المشي في هذه الغابة وحيدة.

احتارت بين الرفض أو الذهاب معه؛ قد يكون من اتباع المشعوذة مخفيًا شكله الحقيقي خلف لطفه معها، في الأخير اختارت الذهاب؛ فلن تسامح نفسها إن حدث لهم مكروه يكفي أنها السبب في دخولهم هذه الغابة، تبعته وهي تنادي أصدقاءها.

ساعدها كثيراً ضوء المصباح الذي كان بحوزة الرجل على رؤية الطريق، كانت غابة متشعبة الأشجار، وأصوات البومات وصراصير الليل قد صدحت في المكان.

تقدمت لتمشي بمحاذاة الرجل؛ كانت تسمع صوت إحتكاك أوراق الأغصان بالهواء المتحرك كلما خطت خطوة ظانة بإن ظِلال الغابة تتبعها.

بعد فترة من المشي بين أشجار قد تسلقت شجيرات عليها رأت جودي وشاح سلينا وقد علق على غصن شجرة، تلفتت في جميع الاتجاهات باحثة عن صاحبة الوشاح، كانت تصرخ متمنية بإن تكون رفيقتها بإمان:
-هل أنتِ هنا سلينا؟ أجيبيني أرجوكِ.

بينما الرجل يخطو معها بصمت أينما ذهبت ممسكًا مصباحه.

فجأة بقرب شجرة قد حفرت السنين تعرجاتها على جذعها، رأيا ظِلاً يتحرك مبتعداً عنهما، لحقت جودي به وقد نسيت بأنه قد يكون ظِلًا مختطفًا؛ قلقها على صديقتها زرع الشجاعة فيها.

توقف الظِل عندما لم يجد طريق للهرب منهما، كان الظِل يهتز ولا يصدر أي صوت سوى أنفاسه المتلاحقة، همست جودي وهي تقترب من الظِل وداخل أعماقها تصرخ "كوني سلينا":
 -سلينا! هل هذه أنتِ؟

توقف الجسد المهتز عن الحركة وسقط، اقتربت جودي أكثر والرجل بمصباحه الذي وضعه على الأرض ليتضح أن الجسد جسد سلينا، نادتها وهي تحركها لكنها لم تجب؛ فقد أُغمي عليها. 

حمل الرجل سلينا على ظهره وتبعته جودي ممسكة المصباح وتمتمت مأنبة نفسها:
-هذا بسببي، لو حدث لهم مكروه لن أُسامح نفسي.

وبعد مشيهما مسافة بسيطة ظهر ظِلان من خلف إحدى الأشجار، فزعت جودي ووقفت خلف الرجل مختبأة :
-اتباع المشعوذة، ياألهي أنقذني !

ضحك الرجل واقترب من الظِلين وكأنه باقترابه سيدحض ادعاءاتها:
-لاوجود لمشعوذة في هذا المكان. 

كانت صرخات تصدر من الظِلين كلما اقترب أكثر منهما، اجحظت جودي عينيها وهي تكتم ضحكتها:
-بيتر وسنآي.

غابة الظِلال   _قيد التعديل_Where stories live. Discover now