- مشمشة فاسدة

1.5K 189 152
                                    


الفصل الثامن..
هُدَى طيرٌ جرِيح..
.
.

كل ما رأيته كان الظلام، بوحشته، بزواياه الأربع، و منقاره الحاد. يتلبسني فيزيدني جنونا عما أنا فيه. اللون الأسود.. لطالما أحببته بطريقة غريبة.

ربما لأنه كان أنا.. ربما لأنني حين عجزت عن حب نفسي.. أحببت لوني!! فهو يبدو مثقوبا لا نهاية له، لا بداية له في الأساس. تجتاحك رغبة بتفكيك عناصره لكن الحقيقة أنه هو من يتوغل إليك على اطراف أقدامه كلص يغتالك رغم أنك مجرد نحاس، أنا مجرد.. قصدير.
يجعلني ذلك أتسائل أنحن بزمن يكون فيه القصدير جميلا؟!

والدي، كان يكره اللون الأسود. كان يقول لي أنه لونٌ قاحط، ممل، و لا نفع منه غير الشفقة. فوالدي كان واثقا بعجوبيةِ أن أساس وجود الأسود الأبيض بحد ذاته. لقد أخبرني..

"المعجزات كثيرة، و من بينها ولادة الأسود كابن عاق لجلالة الأبيض."

قدسه و كثيرا، الأبيض. آمن أننا جميعنا نملك لونا لكن لا أحد يتسم بالأبيض، فالأبيض للخالق وحده، نقطة الوجود و بداية الكونية. على عكس الأسود الذي مقته. و الذي قال أنه أكثر لون يظهر على الناس بشيوعية.

أن لون معظم الناس فحمي.. يشتعل بدون عود ثقاب، و يخمد بدون ماء.

والدي كان يملك ذلك الجنون بالألوان، ربما لأنه رسام و ربما لأنه عاش ببيت فنان. لقد كان يستطيع معرفة صفات الجميع بعد بضع جمل و ربع كلمات. كل ما يحتاجه هو تحديد لون الشخص.

فٱمي كانت لونا أخضر عشبي، هادئة و يسهل تحريك مشاعرها لا تبخل على أحد بطيبها لكن حين يساء إليها فهي تتيبس دفعة واحدة، لتقتل زرعها و من يستفيد منه.
هذا ما قاله..

قال ايضا أن سايمون ذو لون عِنابي، أنه مشوك و مؤذ للغاية، رغم بهيته و رغم ندرة الأشخاص اللذين يليق بهم،اللذين يسمح لهم. لكن ذاك اللون معاد جدا بقدر دفئه و حنيته..

والدي أعطانا جميعا ألوانا ليانا سيلين لوسي و حتى أنا بالصغر..

قال لي أبي أن لوني.. مشمشي.

لأني دافئة حلوة الطعم لا يُشبع منها، و أنه مجرد خطإٍ هرموني، كوني الوحيدة بالعائلة ذات الخصلات السوداويِة. أني مزهرة و امتلك تلك الرائحة المميزة، الربيعية !!

ويال والدي المسكين.. لأنه رسب دوما بالعلوم، لم يعلم أن المشمش حين يجف ماءه، ستذبل أوراقه و يموت جذره. والدي لم يعلم أن المشمش حين يفسُد.. يكتسي لونا أسود. إلا أن يصبح غير قابل للأكل.. للمرافقة.

فأنا و يا أسفي عليها.. أصبحت مشمشةً فاسِدة.

ضربت جفوني للمرة الخمس و الثلاثين بدقة، ينساب نفس السائل المر على وجنتاي و لم ٱمانع ذلك فالحر بالغرفة جعلني أتعرق. حركت يداي قليلا أتأكد ثانية، اهي الكبلات أم مجرد وهم و نتائج وسن.

رواية || أين غرفة المنكسرين؟!حيث تعيش القصص. اكتشف الآن