شعر بوخزة خفيفة في صدره، ليست شعورًا بالذنب الصاخب، بل إدراك هادئ لكنه ثقيل:ليس من العدل أن يجد غاري نفسه عالقًا مع شريكٍ يختبئ خلف الصمت.
خفف من اتكاء جسده على الوسادة قليلًا، أغلق الكتاب ببطء، وكأن صوت انطباق صفحاته إعلان خفيّ عن قراره بكسر عزلته، وضع الكتاب جانبًا، ثم ألقى نظرة سريعة الى غاري قبل ان يقول بنبرة حاول أن يجعلها عفوية، وإن كان الافتعال يطلّ من أطرافها:"إذًا...كيف كان تدريبك؟"
رفع غاري رأسه ببطء، كأن السؤال انتشله من شروده، دبّت الحياة في ملامحه من جديد، ارتسمت على شفتيه ابتسامة خفيفة، بينما تهللت عيناه تلمعان ببريقٍ حيّ وهو يجيب:"حسنا....لم يكن سيئاً."
اكتفى آرثر بابتسامة صغيرة، دون تعليق، وكأنه لا يريد أن يقاطع ذلك الانسياب الذي بدا كأنها عوده الحياة في ملامحه.
تابع غاري، بنبرة تحمل صدقًا أكثر مما توقع أن يبوح به:
"لكن غوست...طريقته في التدريب لا تشبه أحداً."
رفع آرثر حاجبيه قليلًا، ينصت باهتمام. لم يكن آرثر يسمع الكلمات فقط، بل كان يراقبه في صمتٍ يشبه التأمل، وكأن شيئًا في هذا الانفتاح المفاجئ شد انتباهه.
رأى في غاري كيف تنساب الحياة من كل تفصيلٍ فيه؛ من طريقته في تحريك يديه، ومن النبرة العفويه التي يتلوّن بها صوته وكأنها تعرّي ما في داخله دون قصد.، وحتى وجهه...بتعبيراته البسيطه كانت تفيض بالحياه.
كانت عفويته وهو يتحدث تحمل ذلك النوع من الجاذبية التي لا تُصطنع، جاذبية تجبر من أمامه على الإصغاء، على البقاء حاضرًا وكأن الصمت وحده لا يكفي لاحتواءها.
كان في عينيه بريقٌ مألوف لآرثر، لمعةٌ رآها من قبل، لكنها الآن بدت مختلفة...أوضح، أعمق، كأنها خرجت من أعماق روحه. بريق يجعل من يراها يرغب دون وعيٍ في أن يطيل النظر، فقط ليحفظ هذا الضوء قبل أن يخفت.
اما غاري فكان يكمل حديثه، وكأنه سمح لصدره أن يتنفس أخيرًا:"أسلوبه...وكأن كل كلمة منه هدفها ان تكسر شي فيك...لا يعطيك فرصة حتى لتلتقط أنفاسك."
صمت قليلًا، ثم اكمل:
"لكن الغريب...انني أريد ان أكون حد توقعاته."
لم يرد آرثر مباشرة، بل صمت لوهله كأنه يفكّر في الكلمات قبل أن يمنحها حقها في الظهور. ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة، تلك التي لا تحمل سخرية ولا مجاملة، بل شيئًا أقرب إلى الفهم العميق، ثم قال بنبرة هادئة، كمن يصل إلى استنتاج بعد تأمل طويل:"ربما لأنه يرى فيك شيء...وإلا لم يكن ليدربك بنفسه."
تردد في عيني غاري شيء من الراحة
ثم قال بابتسامة خفيفة:"ربما..."
سادت لحظة سكون قصيرة بعدها، لكنّها لم تكن صمتًا بارداً كما في السابق، بل كانت أقرب إلى راحة مرافقة للوجود. ثم قطعها غاري، نبرته استعادت شيئًا من المرح وهو يقول:"إذًا... ألا زلت ترفض الذهاب لصالة الترفيه؟"
YOU ARE READING
ROACH
Mystery / Thriller"حين يختار الضوء أن يتجسّد في هيئة إنسان، يمشي في المكان فتنبض الحياة من حوله بلا عناء. حضوره وحده يكفي ليحوّل المسار، ليخفف ثقل العتمة، ولينسج حياة حيث كان الفراغ سائداً. كل خطوة منه توقظ شيئًا غائبًا، وكل ابتسامة منه تترك أثرًا في النفوس، كأن العا...
part 3
Start from the beginning
