الفصل الحادي عشر

8 4 0
                                    

   الأحد 19 أبريل 1321

                      توماس روبنسون

كنت ما أزال أشعر بنظرات حارقة توجه نحوي حينما كنت أتفحص حدة المنشار ، لكني قررت تجاهل الأمر معزيا إياه لقلة النوم التي لم أحظى بها....

لقد نمت لأربع ساعات لا غير !

   كان ذلك قمة البؤس لي ،أنا الذي أعتدت النوم لأكثر من ثلاث عشرة ساعة!

   تساءلت عن الذنب الذي ارتكبته حتى حصلت على مثل هذا العقاب الشديد، و بعد التفكير لوهلة أدركت أني غارق في الذنوب حتى أذناي لذا فعلي تحمل الأمر فحسب...

   كنت أدرك تمام الإدراك أن الخروج من هذا الأمر سيستغرق فترة طويلة إذا استمررت في طريق الفضول الذي أسلكه، لكني لشدما رغبت في معرفة ما يحدث ، لم أكن أنوي أن أدع المزيد من الدماء تسفك ناهيك عن أخذ حق أولئك الذين انتهى بهم الأمر متفحمين...

    لذا باشرت في قطع الجذر غير آبه بالهراء الذي كان الغلام يتفوه به!

فكيف تطالب  شخصا كان غارقا وسط كومة من  الكتب العلمية بتصديق أن مجرد كلام أو تعويذات تطلقه بضعة نساء خرفات من شأنه أن يصنع تأثيرا في العالم الواقع أو أن يستدرج مخلوقات لا علم لك بمكنونها؟

حسن، كان مَدِّي لِيَدي الحاملة للمنشار و بدأ قطع الجذر آخر ما تذكرته قبل أن يغشيني الظلام و تطن أذناي بصوت مزمار حاد...

   فتحت عيناي بعد وهلة لأجد نفسي وسط غابة مقفرة لم أعهدها من قبل...كانت أوراق الأشجار قد هجرت أغصانها منذ وقت طويل تاركة إياها وحيدة ، متيبسة، مترمد لونها و عطشانة جذورها التي تصارع الموت و سط التربة الدامية و الممتلئة عضما و جماجما...

    تحركت بضعة خطوات قبل أن أدرك أني أسير وسط بركة أحمر لون مائها بل ربما كانت بركة دماء!

( تمنيت ألا تكون دماءً بشرية!)

   حينها لم يكن لي علم بالمكان الذي أتواجد فيه أو كيف وصلت له ، تمشيت بين البقايا البشرية ببطء فاغرا فاهي ، جاحضة عيناي ، غير قادر على التحكم بخطواتي...لقد كنت كالمنوم مغناطيسيا !

   خلال دقائق من المشي غير واعٍ ، وجدت نفسي أقف أمام شجرة ضخمة، لقد كانت نفس الشجرة العملاقة وسط الغابة بل و إنها كانت محملة بالجثث البشرية المحروقة بأعداد أكبر من التي رأيتها سابقا...

كانت الجثث معلقة من أعناقها كالمنتحر  الذي مل حياته و سئمها، الفرق الوحيد هو أنها لم تكن تبدوا راغبة بالخلاص على الإطلاق بل بدت مغصوبة على ذلك...أسوء شيئ هو أن تؤخذ حياتك دون رضا منك!

   في تلك الأثناء كان الرعب قد نال مني ما ناله، و دقات قلبي تكاد ترمي به من مكانه ليرى النور، لكن جسدي كان آبها أن يبدي أي رد فعل للموقف ، لا أدري كيف أفسر الأمر، لقد كنت كالمشلول لكن واقفا و قادرا على المشي...أوه أجل لقد وجدتها، كنت مجردا من المشاعر ليس داخليا و لكن خارجيا لم أقدر على إخراج مشاعري للخارج مطلقا ...

فجأة و دون سابق إنذار بينما أنا واقف أتأمل ذلك المشهد الغثيث دون أدنى رغبة مني رفعت إحدى الجثث رأسها المائل لتجحض عيناها الزرقاء اللامعة و يسيل الدم من فمها خيطا غير منقطع منقطا على جسدها المتفحم، لتصيح لكن بصوت مبحوح غير قادر على الخروج :

" أ...أرجوك ساعدني...أنزلني! "

...لقد كانت تبكي دما!

سرعان ما حذت البقية حذوها ليهتفن في آن واحد :
" س ...ساعدنا ... أنزلنا من هنا...أرجوك ...أرجوك ! "

    كان الكيل قد طفح بي بالفعل ، فمتى تحدثت لي الجثث يوما طوال عقودي الأربع التي عشتها بل و حتى في العقد الذي زاولت فيه الطب و كثرما رأيت الأموات؟... كان الأمر جنونيا تماما بل ضربا من الخيال...كنت أواسي نفسي بقول أن الأمر مجرد كابوس و سأستيقظ منه عما قريب...

لكن الحال لم يكن كذلك فبعد مرور ما يقارب الدقيقة لم استيقظ ، و بدأت أظن أن ما تراه عيناي ليس إلا حقيقة مجردة ، فأي كابوس يكون بهذا الطول و الواقعية؟

   كابرت بشدة محاولا تحريك جسدي و الإبتعاد عن الهول الذي أراه ، لم أكن أريد سوى الإختباء في مكان ما بل أردت أن أنسى المشهد بأكمله و أصبح أصما كي لا أسمع تلك الأصوات الأشبه بالفحيح ، فقد كان شيئا أكثر مما يمكنني تحمله!

   بعد الكثير من المحاولات أخيرا تمكنت من تحريك قدماي ، بالرغم من أن الأمر كان مؤلما بعض الشيئ و كنت أتحرك ببطء شديد بينما أتراجع للوراء مذهولا و مرعوبا في ذات الآن!

   وسعت من خطوات أكثر لألتفت في محاولة للفرار من الكابوس الذي يكاد ينتزع روحي ...

   و في الجهة الأخرى بينما كنت ملتفتا قابل و جهي وجها آخر ، و جها غير آدمي!

  كان ذا ملامح غريبة ، لقد اجتمعت فيه كل الصفات التي من شأنها أن تجعل أيا من يراه يغمى عليه....

    إني لا أدري حتى كيف أصفه!

كان كائنا طويلا جدا لكن درجة انحناء ظهره جعلت وجهه الخالي من الجلد ، بارز العيون ، عريض الفك ، دامي الأسنان، مقضوم الأذنين و أشعث الشعر في مقابلتي تماما...

   دارت عيناي في حجرهما بسرعة شديدة في محاولة لإستعاب ما تراه و بحثا في سجلات العقل الباطن عن مصطلح تندهه به ، و كان الشيئ الوحيد الذي عثرت عليه هو الشيئ الذي لم أكن أؤمن به : الشيطان!

    يبدو أني محظوظ حقا لكي أعيش و أرى الشيطان بأم عيني بينما نصف ملابسي كان مليئة بالدماء و تطرب أذناي أصوات الموتى التي تطلب النجدة!

   بعد ذلك غاب الإدراك الذي لم يمض إلا ثوان فحسب منذ أن استطعت استعادته ، ليُترك لي شعور واحد فحسب ، شعور بأن جسدي يحترق حتى العظام مع أن النار لم يظهر لها لهيب على جسدي المنكمش الشاحب ...

صرخت متألما بشدة قبل أن أخر فاقدا وعي تحت أعين ذلك الكائن الذي أطلق عليه عقلي لفظ الشيطان!

شجرة الموتWhere stories live. Discover now