الفصل الثاني:يسار (الجزء الثاني)

153 21 11
                                    

تركتهم مع مشغل الموسيقى وتوجهت خلف البار، كنت أسكب كأسين من الماء عندما دخلت إحدى الفتيات إلى الحانة، كانت تبدو ضائعة إلى حد ما.

رأيتها تنظر حولها كما لو لم تكن في مكان كهذا من قبل، وعندما وقع نظرها على طاولة فارغة كانت في الجهة المقابلة لي، اتجهت إليها مباشرة.

ظللت أتابعها بعيني حتى وصلت إلى الطاولة وجلست عليها، ولم أعي أنى كنت أحدق بها طوال تلك المدة إلا عندما فاض الكأس عن آخره وتدفق الماء في المكان.

أمسكت بمنشفة ومسحت الفوضى التي صنعتها. وعندما نظرت إلى أمي رأيتها تقلب وجهها بين الفتاة وبيني، اوف...آخر شيء أحتاجه حاليا هو أن تحاول أمي الجمع بيني وبينها. فهي تحب لعب دور الخاطبة كثيرًا.

يجب أن أخرجهم من هنا بسرعة. حملت كأسي الماء إليهم ثم ناولت أمي بطاقتي الائتمانية وأنا أقول لهم:

- "يا رفاق!.. هناك مطعم للمشويات في أخر الزقاق.. يمكنكم أن تذهبوا إليه وتتناولوا العشاء فيه على حسابي."

قالت أمي بتأثر وهي تضع يدها على صدرها:

-"أنت لطيف جدا"

ثم نظرت إلى والدي وقالت:

"عزيزي، لقد ربيناه جيدا للغاية. دعنا نذهب للاحتفال بأبوتنا باستخدام بطاقته الائتمانية".

فقال والدي متفقًا معها: "نعم بالفعل لقد أثمرت تربيتنا فيه".
ردت أمي: " ربما يجب علينا إذا أن ننجب المزيد من الأطفال."
ضحك أبي وقال "أنت في سن اليأس عزيزتي. هل تتذكرين"
قالت أمي وهي تمسك بحقيبتها: "نعم هذا صحيح"

ثم حملت أكواب الماء ليأخذوها معهم أثناء ذهابهم، وقبل مغادرتهم سمعت والدي يتمتم قائلا:

-"يجب أن نطلب أغلى طبق في القائمة فهو من سيدفع على أية حال".

أطلقت الصعداء ثم عدت إلى الداخل، التفت يمنة ويسرة حتى وجدتها في نفس مكانها تجلس بهدوء في الزاوية، وهي تكتب في دفتر ملاحظات.

ريان لم يكن هنا في الوقت الحالي، لذا ربما لم يأخذ أحدهم طلبها بعد. يسعدني أن أتطوع لهذا، اقتربت منها وسألتها.
-"ماذا يمكنني أن أحضر لك؟".
-ردت من غير أن تنظر إلي: "ماء وعلبتي مشروب غازي من فضلك"

فذهبت لأحضر طلبها؛ وعندما عدت وجدتها لا تزال تكتب في دفتر ملاحظاتها، حاولت إلقاء نظرة خاطفة على ما تكتبه، لكنها أغلقت دفترها ورفعت عينيها إلي وهي تقول:
- "شكر . . ".

توقفت في منتصف ما أعتقد أنه محاولتها لقول شكرًا لك. سمعتها تتمتم بكلمة لم أتبينها وهى تضع الماصة في فمها.

كانت تبدو مرتبكة..لا أعلم لما كنت مهتما بأمرها لهذه الدرجة؟ لما كنت أريد أن أسألها عن أشياء كثيرة؟ كاسمها مثلا! من أين أتت؟ ولم تبدو تائهة لهذا الحد؟ .

ولكن من خبرتي في امتلاك هذا المقهى لسنوات طويلة فأنا أعلم أن هذا ليس بالفكرة جيدة. فطرح الأسئلة على الأشخاص الوحيدين أمثالها يمكن أن يتحول بسرعة إلى محادثات غير مرغوب فيها ويصعب التخلص منها... لكن لم يلفت أحد نظري من قبل كما فعلت هي.

أشرت نحو المشروبين أمامها، وقلت: "هل تنتظرين شخصًا آخر؟"
قالت وهي تسحب الكأسين نحوها: "لا! أنا فقط عطشة." ثم نظرت إلى الطاولة مجددا وهى تستند على كرسيها.

وبعد ذلك سحبت دفتر ملاحظاتها وأعطته كل اهتمامها. فهمت أنها تنهي المحادثة، ذهبت إلى الطرف الآخر من المقهى لأمنحها بعض الخصوصية. وعندما عاد ريان من المطبخ أشار برأسه في اتجاهها وسألني: "من هي؟"
قلت: "لا أعرف، ولكنها لا تناسبك."
قال رافعا أحد حاجبيه : "ربما لا تناسبني...ولكن قد تناسبك أنت!"
قلت بابتسامة صفراء: "اممم...مضحك جدًا."

ما يذكرني به Where stories live. Discover now