الفصل الأول: كنّة (الجزء الأول)

374 23 24
                                    

الفصل الأول
كنة:

كان موجودا هناك كما توقعت على جانب الطريق، ذلك الشاهد الخشبي الصغير، مثبت في الأرض ومحفور عليه تاريخ وفاته، سليم كان سيكره ذلك، أراهن على أن أمه هى من وضعته هناك.
قلت بصوت عال قليلا:

-"هل يمكن أن تتوقف للحظة؟"

تباطأت سرعة السيارة شيئا فشيئا حتى توقفت تماما، خرجت من السيارة واتجهت إلى مكان الشاهد؛ حركته بقوة من جانب لآخر حتى أخذ الطين ينزلق عنه شيئا فشيئا ثم انتزعته تماما من الأرض.

تساءلت في نفسي عما إذا كان قد مات في هذه البقعة تحديدا أم في مكان آخر على نفس الطريق.

فأنا لم أعر تفاصيل الحادث اهتماما كافيا أثناء المحاكمة؛ بمجرد أن سمعت أنه قد زحف لعدة ياردات بعيدا عن السيارة، أخذت أهمهم لنفسي في محاولة مني للتشويش على ما كان الشاهد يقوله حينها.

وحتى لا أضطر إلى سماع ذلك مرة أخرى اذ تحولت القضية للاستئناف اعترفت على نفسي بأني المذنبة؛ وذلك لأنني كنت نظريا كذلك، ربما لم أفعل شيئا ليقتله حينها ولكن ما لم أفعله كان ما قتله بكل تأكيد.

لقد ظننتك ميتا يا سليم! ولكن الموتى لا يمكنهم أن يزحفوا على الأرض أليس كذلك؟

عدت للسيارة من جديد وأنا أحمل الشاهد بيدي، جلست في المقعد الخلفي وانتظرت من السائق أن يكمل طريقه من جديد، ولما لم يفعل اختلست النظر إليه في المرآة الجانبية فوجدته يحدق بي بحاجب مرفوع....ثم قال:

-"سرقة شواهد الموتى من على جوانب الطرقات لهو فأل سيء على صاحبه، هل انت متأكدة مما تفعلين؟".

نظرت بعيدا وأنا أقول كاذبة: "نعم أنا من وضعته هناك أولا".

وعندما بدأ بتشغيل سيارته من جديد كنت لا ازال أشعر بوقع نظراته علي.

شقتي الجديدة كانت على بعد ميلين فقط من هنا. في الجهة المقابلة لتلك التي كنت أسكن فيها قبلا في هذه المدينة ؛ فبعد تفكير طويل ارتأيت أن هذا المكان أفضل؛ وبما أنني لا أملك سيارة فقد قررت أن يكون سكني الجديد أقرب ما يمكن إلى وسط المدينة حتى يسهل علي السير الى العمل ذهابا وعودة.

هذا في حال إن وجدت عملا أصلا! فإيجاد وظيفة لي بماضي هذا وقلة خبرتي يعد ضربا من المستحيل، وبناء على ما قاله السائق فها أنا الآن أحمل الحظ السيء معي أينما حللت.

ربما كان سرقة شاهد سليم ذا فأل سيء علي حقا ولكن! أن تترك شاهدا على وفاة شخص هو أكره ما يكون لتلك الشواهد، والذي لم يفتأ أن يعبر عن هذا كلما مر بواحد منها...لهو -في اعتقادي- ضرب من الفأل السيء أيضا.

كنت قد طلبت من السائق أن يمر على هذا الطريق خصيصا من أجل هذا؛ كنت أعلم أن أمه لا بد وأن تكون قد تركت شيئا ما في مكان الحادث وشعرت بأني أدين لسليم بإزالته.

ما يذكرني به Where stories live. Discover now