الفصل الثاني: يسار (الجزء الأول)

154 21 7
                                    

الفصل الثاني
يسار:
كنت اركن سيارتي في الزقاق الخلفي للحانة، عندما لاحظت الطلاء الأرجواني الذي يزين اظافر يدي اليمنى؛ آه...لقد نسيت أني كنت ألعب لعبة التزيين مع فتاة في الرابعة من عمرها الليلة الماضية، ولكن إن نظرت لنصف الكوب الممتلئ؛ فإن طلاء الاظافر البنفسجي يتماشى مع قميص عملي كثيرا.

عندما خرجت من السيارة وجدت ريان يلقي حقائب القمامة في صناديق إعادة التدوير المخصصة لها امام المقهى، وعندما رآني نظر مباشرة إلى كيس الهدايا الذي احمله ثم تقدم ليأخذه من يدي وهو يقول:

- "ماذا؟ ...دعني اخمن!... فنجان قهوة آخر"

فتح الكيس ونظر بداخله وبالطبع لم يكن سوى فنجان قهوة...كما يكون دائما، وأخذه هو من غير ان يشكرني ...كما لم يفعل ابدا.

لم نكن نتحدث عما تشير اليه هذه الفناجين، فقد كنت اشتري له فنجانا كل يوم جمعة ؛ حتى بلغ عددها الان ست وتسعون فنجانا، ربما يجب أن أتوقف عن هذا! فشقته باتت ممتلئة عن اخرها بتلك الفناجين، ولكني لم اكن لأتوقف الآن، خاصة بعد أن مر ما يقرب من المائة أسبوع منذ ان توقف عن التعاطي؛ وأنا بت متلهفا للفنجان الذي سأعطيه إياه في الأسبوع المائة لفترة ليست بالقليلة؛ فقد كان فنجان لفريق (دنيفر برونكوس)، أكثر فريق يكرهه على الإطلاق.

أشار ريان بيده إلى الباب الخلفي وهو يقول:

-"هناك زوجين بالداخل يقومان بإزعاج الزبائن، ربما تود أن تلقي نظرة عليهم"

كان ذلك غريبا! فلم نعتد التعامل مع هذا النوع من الاشخاص في مثل هذه الساعات الأولى من المساء عادة؛ سألت ريان:
-"أين هم؟"
-فرد علي: "بجوار مؤلف الاغاني" .

ثم نظر إلى يدي وقال:
-"ولكن ما هذه الاظافر الجميلة يا صاح! لم أعهد منك مثل هذا التأنق"

فرفعت يدي إليه وانا احرك أصابعي وأقول بجدية ساخرة:
-"حقا!... لقد أحسنت صنعا بالنسبة لفتاة في الرابعة".

فتحت باب الحانة لأجد صوت أغنيتي المفضلة ممتزجا مع صوت اغنية اخرى سيئة كثيرا مما جعل من الصوت مزعجا كفاية لأي سامع؛ فتكونت في بالي فكرة عن ماهية الدخلاء وقلت في سري غير مصدق.. 'بالتأكيد لا...لا يعقل هذا'.

مررت عبر المطبخ إلى الصالة الرئيسية، وعندها رأيتهم في الحال؛ كانوا يميلون على مشغل الموسيقى، اجتزت الطريق اليهم بهدوء، لأراها تضغط على نفس الأربعة أرقام مرة تلو مرة تلو مرة.

نظرت من فوق أكتافهم إلى الشاشة بينما كانوا يقهقهون كأطفال مشاغبين فرأيت اغنية (قطة على الحبل) وقد وضعت في خانة التشغيل لتتكرر ست وثلاثون مرة تباعا.

تنحنحت قائلا:
"هل تظنون ذلك مضحكا! تجبروني على أن استمع لنفس الأغنية للست ساعات القادمة" .

استدار ابي إلي عندما سمع صوتي وقال:
- "يسار"

ثم جذبني لعناقه بينما ابتعدت امي عن مشغل الموسيقى وهي تقول:
-"كنا نحاول اصلاحه فقط، نحن لن نفعل ذلك أبدا حبيبي".

فقلت لها ضاحكا: "بالتأكيد لم تفعلي".

ثم جذبتها لعناقي هي الأخرى. لم يخبروني يوما بموعد مجيئهم؛ بل يأتون فجأة ويبقون لمدة يوم أو يومين ثم يعودوا لترحالهم مره اخرى.

نظرت من خلفي إلى ريان الذي أتى بفاتورة الحساب وقلت له:

-"هل فعلت ذلك بهم؟ أم أنهم جاءوا على هذه الحال؟"

فهز ريان كتفيه وقال: "قليلا من الاثنين".

ردت أمي تقول مبررة: "هذه هي الذكرى السنوية لزواجنا"
فقلت لأبي: "أتمنى أن لا تكونوا قد جئتم بالسيارة إلى هنا".

رد علي قائلا: "لا لم نفعل فسيارتنا في الورشة تخضع للفحص الروتيني ولهذا أخذنا سيارة اجرة إلى هنا"

ثم ربت على خدي وتابع: "أردنا أن نراك ولكننا هنا منذ ساعتين تقريبا...لقد انتظرناك طويلا حتى تأتي ولكننا سنغادر الآن لأننا نشعر بالجوع".

فقلت له: "لهذا عليكما إخطاري أولا قبل أن تأتيا. فانا عندي ارتباطات أخرى".

سألني ابي متجاهلا ما قلت: "هل تذكرت أن اليوم هو ذكرى زواجنا" بالطبع لم أتذكر لقد تاه عن ذهني فقلت له بحرج: "لا..أنا آسف"

سمعت أبي يقول لأمي:

-"قلت لك...ادفعي هيا عزيزتي"

مدت أمي يدها إلى جيبها واخرجت ورقه بعشرة سنتات؛ إنهما يتراهنان على كل شيء يخصني تقريبا حياتي الخاصة، الإجازات التي اتذكرها، المباريات التي لعبتها، ولكنني كنت متأكدا إلى حد كبير أنها هي نفسها العشرة سنتات، تمرر بينهم ذهابا وايابا على مدار عدة سنوات.

رفع والدي كأسه الفارغ وهو يهزه ويقول: "املأه لنا مجددا أيها النادل." أخذت كأسه وأنا أقول:
- "ماذا عن بعض الماء المثلج؟"
قلت في نفسي: فهذا ما تحتاجونه حاليا.
يتبع.

ما يذكرني به Where stories live. Discover now