حجيّة السنة

44 7 5
                                    

بسم الله الرحمن الرحيم.

- «لكن ألا تظنين أن السُّنَّة غير صحيحة؟ فلا يمكننا الجزم بصحتها، لذا لا أهمية لها، علينا الاعتماد على القرآن فقط، فهو الصحيح»

¡Ay! Esta imagen no sigue nuestras pautas de contenido. Para continuar la publicación, intente quitarla o subir otra.

- «لكن ألا تظنين أن السُّنَّة غير صحيحة؟ فلا يمكننا الجزم بصحتها، لذا لا أهمية لها، علينا الاعتماد على القرآن فقط، فهو الصحيح».
كان ذلك ما قابل فتاتنا سارة على الإنترنت، حيث كانت تتصفح مواقع التواصل وتقرأ التعليقات من مختلف النماذج.

ثبتت وهلة أمام ذلك التعليق الذي بثَّ الشك في نفسها، فلم تفكر أبدًا في هذا الأمر من قبل، أحقًّا جميع السُّنَّة مشكوك بها؟ أم أن المصدر هو من يحدد لنا ذلك؟

لم تترك للشك مجالًا، وقد توجهت مباشرةً لوالدها، تسأله بفضول: «أبي، كيف أعلم أن السنة صحيحة؟ فهل هي فعلًا تقل أهميةً عن القرآن وليست مصدرًا حقيقيًّا للشرع؟».

اِلتفت الوالد لابنته باستغراب لسؤالها، فابتسم قليلًا ثم قال برفق: «لا يا ابنتي، فالسنة مهمة أيضًا، فهي تسنُدُ القرآن».
- «لكن كيف ذلك؟».
- «حسنًا، لنفترض أنه لدينا القرآن فقط، وقد ذُكِرَ أنه علينا الصلاة في القرآن... لكن، القرآن لم يخبرنا كيف نصلي، وكم مرة سنصلي في اليوم؛ نأتي للزكاة أيضًا، ستجدين أنها فُرِضت علينا في القرآن، لكن لم يخبرنا القرآن متى يجب علينا أن نتزكى؛ وهذا يُظهِرُ العلاقة الوطيدة بينهما، فكل منهما معتمد على الآخر في توضيح التفاصيل، وغيرها الكثير من العبادات التي ذكرتها السنة فقط».

صمتت الفتاة وهلة، تفكر في ما قاله، ثم أضافت بتساؤل: «أهذا يعني أنه علينا اتباعها أيضًا؟ أم اتباع ما يقوله القرآن فقط؟».

- «نعم، بالطبع علينا اتباعها، فقد قال اللّٰه تعالى في سورة الحشر: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ۚ}، وفي سورة المائدة: {وَأَطِيعُوا اللّٰهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ}، وغيرها الكثير من الآيات في كتابه».
ظلت الفتاة تفكر في ما قاله، ثم أضافت: «أكانوا قديمًا يعلمون هذا؟».
- «بالطبع!»، جلس الأب على كرسيه، ثم أكمل: «كان الصحابة يطيعون الرسول كما أمر الله تعالى، فقد كانوا يحتجون ويستدلون بها، فقد قال المقدام بن معدي، عن الرسول ﷺ: (ألا هل عسى رجل يبلغه حديث عني وهو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالًا استحللناه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمناه، وإنَّ ما حرَّمَ رسول الله كما حرم الله)؛ وغيرها من الأدلة، وهي ما تظهر لنا اتباع الصحابة للرسول».

همهمت سارة باهتمام، ثم نظرت لهاتفها لحظة، تقرأ ذلك التعليق مجددًا، ثم قالت وهي تعقد حاجبيها: «لكن.. كيف سأعرف أن هذا الحديث صحيح؟ ألا يمكن أن يكون الراوي كاذبًا؟».

- «بالطبع، هم لن يأخذوا الحديث من أيِّ أحدٍ يصادفونه!» ابتسم الأب ثم أضاف: «إن أخذ الحديث من الراوي له شروط عدة، الشرط الأول: عدالة الرواة، أي أن يكون الراوي سليمًا في دينه، فلا يأخذون الحديث ممن يُعرَف بارتكاب المعاصي والمحرمات، لأنه قد يتجرأ على الكذب.
والشرط الثاني هو الضبط، وهو اختبار رواية الراوي ومقارنتها بروايات الثقات، خشية من خطأ الراوي».

توقف الأب عن الحديث لحظة، يلتقط أنفاسه ويترك لابنته مجالًا لاستيعاب ما قاله، ثم أكمل: «ولديكِ أيضًا شرط اتصال الإسناد، فإن وجدوا انقطاعًا في الإسناد، فإنهم يحكمون عليها بالضعف.

نضيف إلى ذلك الشرط الرابع، وهو -باختصار- سلامة الحديث من الشذوذ، ويكون بأن يخالف الراوي كلام الثقات، فهذا يردُّونه ويرفضون روايته.

ونأتي للشرط الخامس والأخير، وهو السلامة من العلة، فيحاول العلماء الكشف عن العلة التي تظهر مع جمع طرق الحديث، فحتى إن توفرت جميع الشروط السابقة، لذلك يقومون بجمع الأسانيد، ويقارنون بينها لترجيح أفضلها، ويستخرجون بها الأخطاء والعلل الخفية».

أنهى الأب كلامه بابتسامة تعتلي محياه، وهو ينظر لابنته ويتمعن ملامح وجهها، ثم أضاف مستذكرًا: «كدتُ أنسى! هناك أيضًا الإجماع، فيقوم مجموعة من الثقات المجتهدين في عصر ما بالاتفاق على صحة ما ورد في الرواية، وكما ذكرتُ آنفًا، قد أجمعوا على وجوب اتباع السنة».

أنهى الأب كلامه أخيرًا، فنظرت الابنة للتعليق لحظاتٍ قبل أن تبتسم وتقول لوالدها: «فهمتُ الآن! كنت متشتتةً قليلًا حيال هذا الأمر، جزاك اللّٰه خيرًا!» ثم توجهت لغرفتها وهي تفكر في ما قاله.

Has llegado al final de las partes publicadas.

⏰ Última actualización: Feb 01 ⏰

¡Añade esta historia a tu biblioteca para recibir notificaciones sobre nuevas partes!

على بصيرةDonde viven las historias. Descúbrelo ahora