الفصل 07:القبض على عدوّنا

41 6 6
                                    

هطول المطر لم يتوقف منذ البارحة، و كان ضوء البرق لامعا في السماء يتلوه صوت الرعد المخيف.

كنا متجمعين على مائدة الطعام نأكل ما طهته أوليفيا لنا وتبين أن لها مهارات بالطبخ فقد كان أكلها لذيذا، كان لدينا العديد من الأدوات كالملاعق و الصحون من الخشب و التي يعود الفضل لمارتن في صنعها حيث أنه كان يمضي وقتا طويلا دون ملل ينحت على الخشب و يصنع أشكالا عديدة كما يريد.

لا يزال اختفاء سعيد و فايوليت غامضا ولن نعرف إجابةً للأسئلة التي تدور بذهننا حتى نبدأ تحركاتنا لكن مع غزارة الأمطار هذه فنحن محتجزون داخل الكهف.
أكملت طعامي ثم حملت بندقيتي وجلست مسنِدا ظهري إلى الجدار و بدأت أنظف فوهتها و أمسحها جيدا ثم حشوتها بالرصاص استعدادًا لأي طارئ، كنّا جميعا منغمسين في التفكير حتى قاطع جورج ذلك الصمت قائلا"بما أنني فقدت يدي فلا أقدر على تقديم أي عون لكم، كما أن أوليفيا لا تستطيع القيام بشيئ لذلك فسأعتمد عليكما يا فرانك و مارتن في استعادة سعيد و فايوليت"

-قلت له"لا تشغل بالك كثيرا، بمجرد توقف الأمطار سننطلق باحثين عن عدوّنا الجبان

-قال جورج"عليكما أن تتسللا بين أشجار الغابة و تذهبا حيث رأيتَ ذلك البيت فلعلهم هناك لكن يجب الحذر فلا نعلم مكانهم بالتحديد ولا عددهم"

انسدحت أوليفيا في فراشها و يبدو أنها ستنام مع أن وقت النوم لم يحن بعد، أما مارتن فلم يبدِ أي ردة فعل بينما ظلّ صامتا يتأمل مسدسه بين يديه.

اختفى صوت قطرات الغيث فخرجت لأتفقد المكان بالخارج ووجدت أن المطر قد توقف فعلا وارتسمت ألوان قوس المطر في السماء عاليا التفت إلى مارتن و قلت له"مارأيك أن نبدأ مهمتنا الآن فلا أطيق حالنا ونحن جالسون هنا دون حَراك"

-رد عليّ"ليس لدي أي مشكلة في هذا، سأتحرك وقت ما تشاء"

قمنا بالاستعداد جيدا وقلت لجورج أن يبلّغ وداعي لأوليفيا فقد كانت نائمة ثم انطلقنا إلى بيت خاطفي سعيد و فايوليت، قمت بحمل بندقيتي على ظهري وتذكرت حينها أيام الخدمة العسكرية التي أمضيت وقتا طويلا أتدرب و أطور من خبرتي العسكرية فيها.
كنا نعتمد على الجبل الكبير الذي يتوسط الجزيرة كمرجعٍ لتحركاتنا، ومنه يمكننا الوصول إلى أي مكان نريد بكل سهولة.

شققنا طريقنا بين أشجار الغابة حتى وصلنا إلى الجزء الثاني من الجزيرة وتابعنا سيرنا اتجاه المكان الذي أتذكر أني رأيت فيه ذلك البيت لكن الظلام حلّ ونحن على الطريق فاضطررنا إلى اللجوء إلى أحد المرتفعات في الغابة كي ننام و حتى بلوغ فجر اليوم الموالي لم أرقد بسلامٍ فقد كان تفكيري مشوشا ولا أعرف ما القادم من الأحداث الغريبة التي تتوالى علينا.

توغلنا في الغابة أكثر و أكثر حتى سمعت صوت مشي صادرٍ من أحد الاتجاهات، نبّهتُ مارتن و تخفينا بين الأشجار

رفعت بندقيتي و صوبتها نحو الحشائش الطويلة التي كانت تتحرك بفعل الكائن الذي خلفها وفي لحظة لم أشعر كيف ضغطت على الزناد و أطلقت النار، ارتفع صوت إطلاق النار في الأرجاء وحلّقت الطيور عاليا في السماء خوفا من صوت البندقية.

نهضنا لنرى فريستنا وإذا به ذئبٌ صغير له فرو رماديّ شديد الجمال، أشفقت عليه حقا لكن لا وقت لنضيعه.
أكملنا سيرنا حتى وصلنا إلى المكان المقصود، لقد كان كوخًا مصنوعا من الخشب و يبدو رثًّا وقد مرّ زمن طويل منذ إنشائه.

قمنا بإحاطته أنا ومارتن و كنت رافعا بندقيتي ومستعدا لإطلاق النار في أي لحظة، بدأنا بالإقتراب ببطئ من ذلك الكوخ و بحركة خاطفة دخلت إليه موجها سلاحي إلى الأمام لكن يا للصدمة!
لم يكن أي أحدٍ هناك، يبدو أنه لا يعيش على هذه الجزيرة بشرٌ أبدا، لكن إن كان كذلك فما تفسير اختفاء رفقاءنا؟!

و أنا على هذه الحال حتى ناداني مارتن الذي كان خارج الكوخ، خرجت لألبي نداءه وقد لاحظ وجود بقعة من الفحم على الأرض الناتج عن اضرام نارٍ على الخشب وقد كان دافئا. فقال"لقد كانوا هنا بالفعل و يبدو أنهم فرّوا بعد سماع طلقة بندقيتك، لكنهم لن يبتعدوا كثيرا"
بحثت بالمكان جيدا ثم اقتفيت آثار أقدام لعدة أشخاص متجهة في أحد الإتجاهات في الغابة، أسرعنا وقمنا بإتّباعها وقد كان يبدو أنها تقودنا إلى الشاطئ.

أصبحت خطواتي سريعة جدا و ارتفعت وتيرة دقات قلبي من التوتر، وصلنا أخيرا إلى الشاطئ و أخذت نظرة حول المكان جيّدا فرأيت أربعة أشخاص على الطرف الآخر من الشاطئ. و بعد التدقيق عرفت أن سعيد واحدٌ منهم.

قمت بإطلاق طلقة نار للتمويه بالبندقية في اتجاههم لكنها أفزعتهم حقا و ظنوا أنهم سيُقتلون فأصبحوا يركضون بسرعة سالكين إحدى الطرق البعيدة.

كان أحد الأشخاص يجرّ سعيد الذي كان غير قادرٍ على الجري جيدا لسبب ما، و قد كانت بينهم أيضا فايوليت التي كانت تركض و معها فتاة أخرى.

هرعنا خلفهم و بدأت المسافة بيننا تتقلص فقرر ذلك الشخص ترك سعيد على الأرض وأكمل مع فايوليت و الفتاة الأخرى لوحدهم، وصلت إلى سعيد وكان مربوطا بالحبال حول كلّ مناطق جسده فنزعتها عنه.
كان يتنفس بشدة و بسرعة، تنهد ثم قال"اذهب خلفهم بسرعة، لا تدع فايوليت بين أيديهم"

أكملت خلفهم وتركت مارتن مع سعيد، بدؤوا بالتوغل بين الأشجار ولم أتوقف عن الركض أبدا حتى وصلنا إلى مساحة مكشوفة خالية من الأشجار عندما رأيت ذلك الشخص يحمل فايوليت رهينة و يضع سكينا على رقبتها و بجانبهما فتاة في نفس عمر فايوليت تشاهد الموقف في خوف و صمت.

-قلت لذلك الشخص"مالذي تريده منّا و لماذا قمتم باختطاف أصدقائنا"

-قال"لا تخف فليس لي نيّة سيّئة أبدا، إنّما نحن مفقودون مثلكم على هذه الجزيرة منذ زمن بعيد"
بدأ يضيف بعض الكلام الغريب يبرر به أفعاله لكن ذلك لم يكن مقنعا لي أبدا.

صوّبت بندقيتي و أطلقت النار فأصابت فايوليت في رجلها فلم تستطع الوقوف وسقطت على الأرض مما جعل جسمه مكشوفا ففرّ هاربا لكنني أطلقت طلقة ثانية نحوه وكانت في أسفل قدمه.

عندما أطلقت على فايوليت لم يكن ذلك خطأ بل فعلته عمدًا، فعند الوقوع في موقف كهذا يمكنك إصابة الرهينة إصابةً خفيفة غير قاتلة ممّا يجعلها عبئًا على المجرم فيضطرّ إلى تركها خلفه و الهرب دونها.

لم يستطع إكمل السير و سقط على الأرض بعد مسافة قصيرة ممسكا بقدمه، فانقَضّيتُ عليه و أمسكت به جيّدا و قلت له "الآن ستُلَقّى ما تستحقه أيها الحقير"

أركادياحيث تعيش القصص. اكتشف الآن