{مُفتـرَق-الـرحلة والنتيجـة.}

Start from the beginning
                                    

كان صباحًا هادئًا بالنسبةِ إليه، ولكن أُذنيه التقطتا صهيلًا بعيدًا للحظة وهنالك وقعُ حوافر تقتربُ من الأفق ليقتحم المشهد. هذا ما جعل قلمه الفحمي يتوقف عن الحركة، وارتفعَ ناظريه بخفةٍ نحو المصدر حيثُ الشرق على يمينه. لمعت خيوطٌ من الذهب أمام جُفنيه حين تحركت خصلاته قريبًا من عدستيه الّتين بانتا فاتحتين تحت تأثير الشمس، وشاهدَ جيمين جلدًا حالكًا يلمع كسيارةٍ كلاسيكيةٍ أنيقة.

كان خيلًا أسود مُهيب في البعيد، دفعَ باسترخاءِ الأشقر حينَ ضيّق عينيه الهادئتين بصمت وكأنه يحاول أن يتعرّف على مالكه من تلك المسافة، فكِلا الإيرلين يملكان خيلًا ملكيًا حالكًا، ولكن جُفنيه رفَّا باندهاشٍ صغير لمّا رأى رأسًا بلونِ شعرٍ فاتح يُباغِت ناظريه، فراحَ يُحدق في لحظةِ إدراك بأنه يرى الآنسة إيميليا تمتطي الحصان مع.. الإيرل جونغكوك؟

ذلك المشهد لم يكُن طبيعيًا له، فالجميع يعلم بأن الإيرل الأصغر لن يُشارك خيله الخاص مع أيِّ أحد، والآن هو يفعلها مع الآنسةِ التي أظهرَ استياءه من وجودها؟ هدأت تلك العيون الثعلبية التي تراقب الحدث بصمتٍ تام من بعيد، ترتسم في وجهه تعابيرٌ مُتفحصة وهو يشاهد الآنسة تقفز على مهلٍ من فوقِ الحصان الذي وقف ثابتًا كما لو أنه مُدرّبٌ بشكلٍ خاص لإطاعة الإيرل، الذي كان يُراقبها بوجهه البارد المُعتاد فيما كانت تستقر هي على العُشب.

كان يبدو أنها أبطأت لتعتاد على السيرِ مجددًا بعد امتطاءها للخيلِ لأوّل مرة، ولكنها لم تجرؤ على لمسِ جونغكوك بل قامت بترتيبِ هندامها والنظر نحوه لتُبادله نظرةً دامت لثانية فقط، لأنها قامت بالانحناء له على الفور في وداعٍ له والتفتت سريعًا لتُغادر من هناك. فِعلتها الصغيرة هذه جعلت الأشقر يُدقق بهدوء في نظراتِ الإيرل نحوها حين بدأت تتجه نحو القصر، وسرعان ما تحرّكت تلك العيون الكحيلة لتنظُر في البُن الجامد من بعيد.

لم يكُن جيمين بحاجةٍ إلى أكثرِ من هذه النظرة ليُدرك شيئًا مهمًا، فذلك الوجه الساكن للإيرل الأصغر دفعه إلى مُبادلته التحديق للحظات.. ثم يومئ له برأسه احترامًا من هناك في تحيّةٍ له، لكنّ جونغكوك حدّق به ببرودٍ وحسب، ثم شدَّ اللُجام على خيله الذي تحرّك فورًا كي يأخذه بعيدًا مُجددًا بعد أن أوصلَ الآنسة إلى وجهتها، فراحت النسمات تُلاعب الخصلات الحالكة للحنطاوي المُبتعد الذي أشاحَ بوجهه وانطلق في طريقه.

راقبَ الأشقر سيّده يرحل ببساطةٍ عن المشهد وقد اتّبعته عينيه بهدوءٍ تام، يُراقب توهج الشمس على الجلدِ الحالك للخيل ومالكه المُظلم الذي بقيّ ظهره مترائيًا لجيمين حتى ابتعد في الأُفق يأخذ معه صوت وقع الحوافر على العشب، ثم تحرّكت أنظاره نحو إيميليا التي كانت تقترب من القصر بخطواتها الحذرة، كما لو أن هنالك فكرةً في رأسها تمنعها عن التركيز، فقد بدت تعابيرها له صامتة وعينيها شاردتين أمامها لدرجةٍ منعتها من الانتباه لوجوده حتى. 

صـــه || HUSHWhere stories live. Discover now