الحادي والعشرون

61.6K 5.8K 2.5K
                                    


قيل: "من كان مع الله فلن يضره ضعفه، ومن لم يكن مع الله لن تنفعه قوته!"
فاللهم اجعلنا في معيتك.

صلوا على نبي الرحمة..

___________________

اشباح الماضي تلاحقك ولا فرار لك منها سوى إليها، لا تنفك تقفز أمام عيونك، تفتح لك ذراعيها وهي تقول ببسمة واسعة ( أولم تشتق لوجعي وسوادي ؟؟)

وهو كان لديه من الماضي ما يكفي ليظل طوال حياته في المنطقة المظلمة ...

كان يسير عائدًا في ميعاده المحدد من تلك الورشة التي يعمل بها كصبي مساعد، لكن وقبل أن يخطو نادر لشارعه اتسعت عيونه بقوة ضاربًا جبهته حانقًا من ذاكرته اللعينة :

" نسيت الشنطة بتاعة مَقدس "

وسريعًا استدار صوب مقر عمله، متخلفًا عن ميعاده المعروف في العودة، لينجو من كارثة أصابت تلك الأسرة جميعهم دون استثناء لأحد .

امسك نادر الحقيبة وهو يتحدث لرب عمله الذي كان يستقر بمقعده أمام المحل يسحب دخان ارجيلته بكل أريحية :

" لا أنا كده خلاص خلصت انهاردة ومش عايز اتأخر، اصل انا عايز ارجع قبل ما اختي تنام واديها الشنطة دي هدية "

كانت يتحدث بسعادة كبيرة وقد أوشك على أن تنبت له أجنحة، لا يصدق أنه وبعد أيام عمل طويلة تمكن من شراء حقيبة مدرسية جديدة لشقيقته الحبيبة، الآن يتخيل نفسه يقدمها لها وهي تنقض عليه بالتقبيل والعناق وهو يبادلها الحب حبًا مضاعفًا .

لكن ذلك الرجل المقيت الذي يعمل معه أجبره على البقاء وانهاء ذلك العمل الذي جاءه متعجلًا، وضع نادر الحقيبة أعلى أحد المقاعد بحذر شديد، ثم تحرك ينهي ذلك العمل سريعًا يتمتم بغضب :

" افضل أنت طول الوقت قاعد تشد في الشيشة اللي في ايدك وملكش ريحة اللازمة وفي الآخر ترميلي قرشين "

وهكذا تأخر نادر أكثر وأكثر عن موعد عودته، حتى مرت ساعتين، وبمجرد أن انتهى من نصف العمل، قرر أنه يكفي تأخرًا، حمل الحقيبة وركض سريعًا خوفًا أن يوقفه ذلك البغيض، يركض وهو يسمع سبابه له وتوعداته بالويل .

ونادر يضحك بصوت صاخب، يهرول بين الطرقات صوب المنطقة التي يقطن بها، حيث كان عمله يبعد عن منزله ..

وبمجرد أن خطى للشارع الخاص بهم حتى رأى تجمهرًا للجميع؛ البعض يتحسر والبعض يضرب الاكفة قهرًا على ما حدث، لم يفهم نادر شيئًا، لكنه تجاهلهم وسار صوب منزله.

لكن لحظة واحدة، لحظة توقف بها العالم حوله وهو يرى منزلًا محترقًا وصرخات تعلو من داخله، وذلك المنزل لم يكن سوى ......حياته .

سقطت الحقيبة من يد نادر وقد ارتجف جسده بقوة وشعر بطنين قوي اصمه عما يحيط به، الجميع يتحرك ويتحدث وهو لا يرى سوى منزله الذي يشتعل أمام عينيه، ابتلع ريقه يتحرك بأقدام مرتجفة صوبه، دهس الحقيبة أسفل أقدامه وكأنه يدهس معها طفولة ضاعت من بين أنامله ..

ما بين الألف وكوز الذرة (مكتملة )Where stories live. Discover now