العيب في بَنِي آدم | مُحاولة سيطرة |

" مواجهة نَفس " ١٧

مُنيرة مُرشدة للتائه ولكنك بعيدة كبُعدِ القمر .. بجانبكِ أقف أنظُر إليكي كما ينظُر لهُ النجم ، ماءك جاري وأنا كالغريق في النهر .. أُريدُ الغوص بكي ولكني لا أقدر علىٰ الحركةِ لأني تعبتُ مِن الرَجم ، عينان بها مُقل كالشفاء .. وأنا مُقلّي تذوب بُكاءٍ مِن فرطِ الشقاء ، جئتُ مِن أخرِ البلاد ركضًا للحبيب .. بالرغمِ مِن أنني في بلادِ الحبيب غريب ، جنة الحُور أُريد التنعم بها كأي ملاك ..ولكني في نار بَنِي آدم أُعاني مِن شتىٖ أنواع الهلاك ، آدم علىٰ أرضِ البشر وبها كُل شيطان وابليس .. نزلتُ أرجو رحمةٌ ربي ولكني في صميمي أدري بأنني أهيس

ساجد .. جبهته تُلامس الأرض ويُناجي .. يهمس في باطنِ الأرض وتصل همساته السماء السابعة ، كَبر وقام قاعدًا ودموعه تتسابق في الهطول ، كَتب بيدهِ علىٰ نفسهِ حمم جنهم قبل أن يموت .. يلتقط أنفاسه بصعوبة وهو يقول التشاهد الذي يُنهي به الصلة بينه وبين ربه ، رفع يده عاليًا مُطأطأ الرأس وهو يقول بقلب يرتجف :

- قصدتُ بابك بعد أن أُغلقت كُل الأبواب .. قصدتك بعد أن جفّ نهر عصياني وأطلب إستسقاء لغفرانك .. تايه ضايع معرفش فين الطريق ولا الخلاص .. بداية كُل شئ كان غلط ولكن أطلب منك مِسك الخلاص ، عارف إني ذنبي كبير لكن عارف إن مغفرتك أكبر وهترزقني بيها .. دخلت في موضوع وممكن يكون نهايته غضبك عليّا بس أنا عبدك الضعيف الغلّاط وأنتَ رب العبد ده وعارف نواياه .. طمعان في كرمك ومغفرتك .. طمعان في رحمتك ونورك .. دلني ودل الخير عليّا ، مش عاوزك تزعل مني وأوعدك إني هصلح مِن نفسي عشان لو مكتوبلي أموت قريب أكون مُستعد أقابلك

ونهىٰ رجاءه بالصلاةِ على النبي وقلبه يلتمس الإجابة وسرعة الإستجابة وبعد أن إستكان وهو يُسبح علىٰ يده إرتجف بدنه خوفًا أثر الصوت الآتي مِن خلفه :

- المفروض تطلُب العفو يا عُمران مش المغفرة ..

ألتفت برأسه ببطءٍ وهو يبتلع بتوترٍ وسأله بإرتجاف :

- إيه الفرق يا آدم ؟.

أبتسم لأنه ذكره ب"آدم" وأصبح يثق أنهم بدأوا التفرقة بين نفسُه ونفسِه فأجابه بعد أن ذهب وجلس بجانبه بهدوء :

- المغفرة إن ربنا يسامحك على الذنب بس لسه مكتوب في كتابك .. زي ما تقول كده إنك كتبت كلمة على ورقة وجيت شطبت عليها آه أنتَ خفيتها بس لسه أثرها موجود

أخذ نفسه وهو يُكمل موضحًا بعد أن رأىٰ مستمعه ينصت بإنتباه :

- أمّا العفو بقى ده بيبقى مُسامحتك على الذنب وكمان بيتمسح خالص مِن كتابك زي نفس الكلمة إللي كتبتها في نفس الورقة بس الفرق إنك مسحتها خالص مش شطبت عليها .. يعني ببساطة العفو بيشتمل معاه المغفرة عشان كده سيدنا النبي نصحنا نقول : اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفُ عنا

ونهىٰ كلامه وهو يربط عليه ببسمةٍ هادئة قبل أن ينهض ويتركه :

- هون على نفسك يا عُمران .. كلنا بنغلط أو أصلًا أحنا نازلين نغلط ونطلب العفو