الرشفة السادسة: غسق

Start from the beginning
                                    

"- اهدأ يا أندرياس ستكون بخير! لم يتبق الكثير أساسا"

وصلته كلمات مايكل المهزوزة بخوف واضح فلسعت وجهه لفحة نسيم بارد تلاحقت على اثرها أنفاسه بجنون و هو يطالع شعرها المتطاير بعنف...
و فجأة... انبثقت من حوله صرخة جماعية لحشد مذعور... و هبط قلبه بين قدميه حين ارتخى حبلها في لحظة غادرة... و تهاوت!

حبلها المرتخي التفّ حول رقبته هو كسلك حديديّ شائك قبض على حلقه يمنع شهقته من الإفلات و أنفاسه من التحرّر! تهاوت فتهاوى ثباته... صرخت فصرخ نبضه... ارتطمت... فوخزته قدماه!
انفرط السلك حول حلقه فتفجّرت أنفاسه بعنف في شهقة نهمة للهواء! عندما التقفها الحبل محبطا سقوطها المدوّي فارتطم جسدها بإحدى الصّخور النّاتئة بقوّة مفزعة بعد أن جعلت من نفسها درعا بشريّا للفتاة المتعلّقة بها!
جحظت عيناه و غشى بصره و هو يحدّق بالشاشة لا يكاد يصدّق أنّها ما زالت حيّة! بل حتّى بزغت و نهضت بترنّح ململمة شتاتها لتواصل طريقها نحو الأسفل معوّلة على ذلك الحبل اللعين الذي لا يعرف ان كان سيصمد الى النّهاية دون أن ينفرط مجدّدا!

"- مايكل لا أستطيع... أرجوك..."

خرجت كلماته متحشرجة مرتاعة و قد تفاقم وخز قدميه فلم يدرك حتى تلك اللحظة أنه نشب فيهما أضافره بشدّة لا بدّ أنّها حفرت آثارها على جلده... محتقن الوجه مخطوف الأنفاس ما فتئ ينتفض على كرسيّ العجز و هو يراقب بأمّ عينيه الفتاة التي... يكرهها... و هي تتأرجح مع الموت!

"- اهدأ! ابق هادئا أندرياس!"

وصلته همسة مايكل المهدّئة و استشعر تربيتته القويّة على كتفه في محاولة منه ليهدّئ من روعه فاستجمع أنفاسه التي بدأت وتيرتها تتباطأ شيئا فشيئا مع تقلّص المسافة بين قدميها و الأرض!
دقائق عصيبة مرّت تنافس الدّهر بوطأتها لتكلّل في النّهاية بأوّل تصفيق صدح من حوله دون أن يثير أعصابه هذه المرّة! فهم كانوا يحتفون بكونها صمدت... بكونها على قيد الحياة!

"- انتهى... أوشكت على الوصول! تعال! لنذهب إليها!"

هتف مايكل ببهجة وجِلة هو الآخر فطالعه أندرياس بعينين غير مصدّقتين... ثم ألقى عليها نظرة متحققة أخيرة... قبل أن يهبّ متحرّكا بكرسيّه يتقدّمه الى السيّارة التي طارا بها الى حيث فريق الانقاذ... الى حيث روميلي!

ــــــــــ

سيّارته الرياضيّة المسروقة من المستودع تراءت له من بعيد... هناك حيث ترامت سيارات الاسعاف و الصحفيون و الجيش على جانبي الطريق المنشود!

اندفع الى خارج السيارة ما أن ضغط مايكل زرّ انزال المنصّة فصفعته النسمة الجليديّة القادمة من أفق الجبال القريبة التي كانت تتدلى روميلي على إحداها قبل دقائق!

صُدِم بالزحام الذي اعترض طريقه يحول بينه و بين تلك الخيمة الخضراء الضخمة ذات الراية الحمراء المنتصبة خلف عدّة حواجز أمنيّة حمتها من تطفّل الأشخاص الوحيدين الذين قضى نصف حياته هاربا منهم: الصحفيون!

قيثارة ديامنتس|| The Harp of DiamantisWhere stories live. Discover now