الفصل السادس والعشرون

137 2 1
                                    


الفصل السادس والعشرون
" انتي تدافعين عنه لأنك تحملين نفس كنيته.... ايوب أخاك انتِ .. اما انا و كريم فلا والف لا.."
أرتعد جسدها ...
وقد رشقتها بكلماتٍ حارقة وخزتها فسَّرت نيرانها لداخل جسدها حتى ضربت وتر الإدراك لديها... !
إدراك متأخر بأنها لا تشترك مع أيوب من ناحية الأم مثل شقيقيها فقط وإنما تحمل نفس اسم الاب ... والكنية ذاتها !
الآن أدركت زلفى رغم معرفتها سابقا أنها ليست ابنة بيولوجية لأبيها زهير... فأمام حنانه وابوته التي اعتادت عليهما لم يتجسد لها شكلا للأب إلا بشكله.. حتى
ذاك الرجل الذي قابلته بالمشفى...
والذي رأته قبل أيام مع عمها بالحقيقة هو ليس أب ايوب وليس زوج أمها السابق فقط وإنما هو والدها الحقيقي أيضا!
الحزن في هذه اللحظة لم ينتصر عليها رغم نزوحه لقلبها ...
ملامحها وإن صمتت فداخلها يحكي الكثير... شزرتها زلفى بنظرة مدهشة ، غاضبة ثم وببساطة غادرت وقد أغلقت باب الغرفة ، وباب اي جدال معها... !
توقفت زلفى اعلى الدرج ثم نظرت لأيوب من علو حيث كان يتضاحك مع أمها ... اخذت نفسا عميقا و بمهارة شديدة استعادة رباطة جأشها وكأنها لم تسمع شيئا عكر صفوها ... ونزلت لتشاركهم سمرهم !
بينما انجود هبطت جالسة على كرسيها نادمة ،خائفة من أن يعاد الماضي فتخسر والدتها مجددا....
فنهاية الأشهر من اي عام تشكل لهم توترا عظيما منذ زمن و حال امها تتبدل فجأة للأسوأ
لازالت تذكر صرخات امها التي شقت سكون الليل ....
لازالت تذكر علب الدواء المخفية بجارور أدوات التجميل....
ابتسمت بمقت وهي تنظر لكريم الذي يحدق بها متوجسا...
ادوات تجميلٍ كانت تبتلعها حتى تخفي بثور الماضي وتجمّل وجه الحاضر فينحرمون منها أياما إلى أن تنقضي تلك الفترة المضنية بهالاتها السوداء ... !
وكله لخاطر من ؟
وبسبب من !
ايوب ووالده ....
صفعة وصفعتين
ألهبت خديها .... !
وأمام صرخات امها المنفعلة ... وقفت تجادل أمها يجبروتٍ وقح
عادت لذكرى ذاك اليوم الذي هربت به إلى حبيبها " عَمْر .."
مقلدة حياة الغرب باحثة عن استقلالية ذاتها .. ضجرة من خناق امها وتدخلاتها ... امسكتها أمها من شعرها وهي تهذي وجسدها يختض بارتياع
" هددك بشيء ؟.... ماذا فعل لكِ عمران ..."
ظنت انجود بتلك اللحظة أن أمها اخطأت بنطق الإسم لكن بعدها و بأشهر قليلة " والد عَمْر"
عمها الذي يحبها ويتمناها كنة مستقبلية ، وضع بين أيديها ملفا طبيا قديما يشرح حالة أمها النفسية المريضة .. وقد ارفقه بتسجيل صوتي لإحدى الجلسات التي كانت بها أمها منهارة تحكي عم حصل معها ... ولمن لأبيها !!
وتشكيه مرار فراق ايوب ...
والأكثر وجعا ان امها بدأت تبكي حب أحمد ... فيحترق جوف انجود غيرة على حب والديها ... و رعبًا من أن يأتي ذاك اليوم الذي تلتق به ايوب فتتركهم ...!
نفضت رأسها عن همسات عمها ...
" لا ضير بعودتها ان كانت ستكون سعيدة "
صرخت انجود بحدةٍ أرضت عمها
" نحن عائلتها ... ! لا يحق لها تركنا لأجل العودة لمن تركوها ..."
فأكمل زيف ادعاءاته الكاذبة
" تحبهم ، هم ماضيها الجميل الذي عاشته ... ولا بقاء للحاضر أمام حضرة الماضي.. لو كانت نسيتهم او شفيت من بعدهم.. لم تبقى لكل هذا الوقت مريضة .. تصرخ بأسمائهم ليلا ... وتحدثكم عن ايوب صباحا "
أغلق كريم الباب خلفه ... فأجفلت قليلا... لكنها وبكل ندم عادت تهمس
ليتها لم تستمع إلى تسجيلات امها الصوتية التي تحدثت بها عن عمران واغتصابه .... فكرهت نافرة كل الرجال حتى
" عَمْر.."
فثلاثة من حروفه كانت كافية لتشمئز منه ... مبتعدة وقد قصّته من حياتها ..
عادت صفحات الماضي مجددا بأشخاص جدد
و كأن وصمة الاعتداء أصبحت ورثا تحمله الأم لابنتها ....
" عَمْر.."
وقفت تنظر لنفسها بالمرأة ... وعينيها السماويتين تغيمان بذكريات تأكل روحها أكلًا... نزعت قبعتها البشعة ثم اسدلت شعرها الاشقر المبهر ..
وعادت بذكرها لتلك الليلة ... عندما دخل عمر مجددا لغرفتها ليلة الصلح مع عائلتها بينما هي نائمة فأيقظها برفقٍ... هامسا اسمها... فتحت عينيها ... وظلمة الغرفة اشعلت فتيل الخوف...و فتيل الكره للرجال ...وعاد صوت أمها الملتاع الذي سمعته بالشريط المسجل يتسربل إلى تلابيب رأسها ويدور ... فتدور هي معه
" دخل بينما كنت نائمة بأمان ... ولم أدري اني سأستيقظ على حربٍ شعواء لا تعرف السلام "
توسعت عيني انجود حتى توضحت الحُمرةُ في بياضهما ...
بينما عَمر اقترب منها بهدوء ... وهو يهمس بصوت خافت بينما يقترب من سريرها
" لا تخافي أنا عَمر ... صعدت خلسة ... انجود لماذا تقاطعينني عزيزتي ؟"
لكن صوت أمها عاد ليدور برأسها مجددا .. وهي تهدر بانفعال
" هل من الطبيعي أن يعتدي ابن العم على ابنة عمه ... كيف يدنس المرء عرضه ؟!.. الا يشعر بالخزي ... لكن الآن أدركت أن كل الرجال ينقلبون وحوشًا ولعابهم يسيل قبلهم أمام أي إمرأة يرغبونها "
تفصد جبينها بالعرق .. بينما صرخت انجود به
" أخرج.."
رمش بعينه مصعوقا ما الذي يحدث لها ...
ماذا فعله لتخافه
أرتعش جسدها كقطة شرسة تستعد للهجوم ..
لم يكن ليفكر بأذيتها ... لكن صرختها العالية ... ارعبت سراب التي كانت بالمطبخ... فركضت حتى وصلت غرفتها ... ثم لحقها زهير مسرعا وانفتح الباب على مصرعه أمام مشهد ... تكرر معها مسبقا .. لكن هذه المرة انجود فوق السرير تحتضن ركبتيها لصدرها وتبكي وهو رغم دهشته... رغم خوفه من أن يساء فهم الأمر ... رأته سراب بوجهٍ ذئبي كوجه عمران ...
ودون أن تسأل ابنتها ... اقتربت من عَمر وهي تنتفض ... وعينيها تحملقان بهما
" ماذا.. ماذا فعلت ..."
وبذات الأصابع الخائفة صفعت وجهه ... بينما نظراته انتقلت لعيني عمه الساخطتين ... فقال بتلكؤ يدافع عن نفسه
" لم أفعل شيئا.. صعدت لأراها لكنها صرخت لم أفعل شيئا يا عم.."
دفعه زهير لخارج الغرفة بينما صعد ابو عَمر إليه ..
" أخبر ولدك أن لا مكان له في بيتي إن كان لن يحترم حرمته .."
بينما ابو عمر استاء بعد أن تأكد أن موازين خطته لكسب قرب ابنة اخيه وتزويجها من أبنه باءت بالفشل الذريع ...
تلك الليلة احتد الجدال ... وانقطعت الصلة بينهما ... !
أما سراب التي كانت الأفكار تأكلها خوفا من تتعرض ابنتيها لما تعرضت له مسبقا ... جن جنونها !
وقررت طمس جمالية أنوثتها و جعلها تبدو ذكورية المظهر فلا يقترب منها اي رجل يشتهيها لطالما كان جمال انجود يشكل لها خوفا وكانت على حق ... !
&&&&&&
الساعة تجاوزت منتصف الليل بساعة ...
لم يشعر اي واحد منهم بمرور الوقت ... حتى كريم الذي ينام باكرا بالعادة ... كان سعيدا بوجود أيوب ...
يرمقه منبهرًا كشيء جميل حل عليهم وإن كان غريبا ... !
يثرثر متحمسا ويخبر ايوب عن مدرسته عن اصدقائه ... وعن طبيعة البلاد بالخارج !
لكن الحزن رفيق وفيٌّ يزور قلب أيوب كلما سمحت الفرصة ... رغما عنه قارن بين حياة كريم و محمد من جميع النواحي ... !
قاطع افكاره قول كريم بنبرته المتحمسة ... وقد أشار لوجه ايوب متسائلا بعجب
" كيف حصلت على هذا الجرح ؟ .. اقصد ما سببه ؟ "
اختفت إبتسامة سراب وقد حدجت كريم بنظرة شديدة ، جعلته يتهرب من عيني امه وقد أدرك انه أخطأ ، بينما زلفى أثرت الصمت وبدأت تراقب ملامح وجه ايوب ... وارتباك أمها!
لم يصدم ايوب، لقد سمع هذا السؤال ألاف المرات .. مهما اختلفت أنوثة او خشونة الصوت ... فالإجابة واحدة ..
" تعرضت لحادثٍ وانا صغير "
عيناه ايوب التقت بعيني زلفى ... تلك الفتاة بها شيء ما يكشف دواخله ويسقط اقنعة صبره الزائفة...!
هتفت سراب آمرة ..
" هيا جميعا إلى النوم "
و بالطبع كريم همهم معترضا ... وعيناه تتلألأن وداعة
" هل انام الليلة عندك ِ ؟"
رفعت سراب حاجبيها وقالت بصبر
" كريم... سأعدُ حتى ثلاثة واجدك بغرفتك .."
ظنها تمزح معه .. وسترضخ لكن تلك النظرة الجدية الصارمة... جعلته يرفع يديه مستسلما قائلا بحماس وهو ينظر لزلفى
" حسنا سأنام بغرفة زلفى "
ابتسمت زلفى وقد رأته يسابقها إلى الغرفة دون سماع موافقتها ... لكنها ابدا ما كانت لتعترض بعد ما حدث ، فاليوم تحديدا !!
تحتاج انجود ان تختلي بنفسها وترتب أفكارها
€€€
جلست على السرير و ربتت على حجرها ، هائبا وربما خجلا ووضع رأسه بحضنها ... اصابعها الرفيعة تتغلغل بشعره وتداعبه بينما أيوب يتنعم بمسك رائحتها ... وبوفير حنيتها ...
وحضنها يحمل اثقالا ويضمد جراحًا لازالت تنزف منذ زمن....
اغمض عينيه بقوة وهو يتنهد ولا يبدو عليه النعاس
" احكي لي كل شيء منذ لحظة سفرك... "
تنهدت سراب وكأن الكلمات تتزاحم على شفتيها حتى تنطلق دفعة واحدة فقالت بتردد
" انتقلت للعيش مع اخي سامر ... تلك الفترة كانت من أكثر الايام عناءً ... كنت بحالة صدمة ... لا حول ولا قوة لدي حتى أواجه الحياة ... كنت انتظر موتي و اتمناه ... لكن النبض الصغير الذي بداخلي هو ما صبرني لاستحمل ... حتى تمشي ايامي "
اعتدل بجلسته ثم نظر إليها بعينين طفوليتين ... يترقب بفضول مختلطٍ بالوجيعة بقية حديثها ...
فأكملت و تلك الفترة تمر كفيلم بطيء جدًا ... لكن أيوب خرج صوته حانقا ... متهدجا
" لم تحاولي الرجوع ... لم تسألي عني "
توسعت عينيها وقد أدركت ان بقلب ايوب عتبا كبيرا عليها
" هددني ... قال أنه .. أنه سيأخذك مني و.. "
قاطعها متهدجا .. ثائرا وهو يشيح بيده ساخرا
" و بكلا الحالتين فعل !!"
هتفت بدفاع ... وهي تقف أمامه
" اخذك لكن وجودك معي كاد أن يقتلك... "
طفرت الدموع من عينيها
لا تصدق إلى الآن كيف هان عليها ايوب ... لتقتله !
فتابعت بنحيب ... وهي تتوسله إن يصدقها.... وأن يسندها لتخبره مافي خاطرها
" انا اسوء أم .... سيئة... حاولت قتلك كنت سببا شرع لموتك .. الأم أمان وانا ماذا فعلت بك يا ولدي!! .. جعلتك تعيش خائفا وسط الوغى ...
بأي حق أطالب بك ... "
شهقت باكية .. و دموعها تسيل بحرارة على خديها ... جلست على ركبتيها أرضا ... بينما ايوب وقف متيبسا .... وعينيه تغيمان بسحابة مثقلة بالدموع
رفعت وجهها الذابل إليه كوردة تنتظر اي ندى قد يسقط عليها فينعشها... لكن الهّم كان أكبر .. والوجع كان يتشعب اشتالًا بداخلها
" كل الناس .. كلهم اتهموني بالفسق و الجنون ... نظراتهم كانت ترمقني بطريقة اشعرتني كأنني عاهرة... حكموا عليّ وانا مظلومة ... وشدوا الواثق على رقبتي... كلهم قتلوني .. " ...
وضعت كفها على فمها تحبس عويل بكائها ...
فتابعت بقهر
" حتى القانون .. خسرت دعوتي به ...! شهدوا زورًا ... وبالنهاية البينة على المدعي واليمين على من أنكر ... أظهروني أمام المحكمة مجنونةً افترت كذبًا .. وخسرت مجددا .... "
انحنى ويديه تطوق جسدها كطوق نجاة ينتشلها من بحر الأحزان ! يضمها إليه و رغما عنه ينسل من شفتيه بكاء خشن... على حالهما
" ويلٌ لعمران على ما دمره فيهم...! "
عندما هدأت قليلا ... رفعت وجهها إليه
.. وقالت بتنشق
" ربما عشت طفولة سيئة... لكن صدقني كنت ستعيش الافظع لو عشت معي ... الأم تمنح الحياة... وانا فقدت ذاتي !..لم أكن قادرة على أن أكون سببا يشرع بقتلك مرة اخرى .."
مسح وجهها بكفيه الاسمرين ... يجفف دمعاتها ... قبل أن تسقط أرضا... بينما هي أكملت
" لم أكن قادرة على تربية زلفى لوحدي .. توفيت أمي وقد كانت تُعينني بتربيتها .. ثم انتكست حالتي مجددا... وكأنني لم اتلقى علاجًا قط .. واضطررت للزواج من زهير ... "
صمتت سراب وقد أدركت انها باحت له بسر لا يعرفه ...
بينما ملامح ايوب تجعدت لبرهة ثم وجمت فجأة ....! وصوت أحمد قرعه يضرب برأسها فيجرح قلبها
" وإن لم يكن ابني..؟! "
فهتفت بوجه أيوب بشراسة لا تقصدها لشخصه
" زلفى ابنة أحمد "
لا زال شاحب الوجه ... ارتفع حاجباه كإشارة حية أنه أدرك اخيرا ما قالته ... فقال مجليا صوته يردد بعجز عن إتمام جملته
" زلفى ... زلفى !!"
هزت سراب رأسها مؤكدة
" أحمد رفضها... وتفضل علي بإعطائها اسمه... مقابلا لتركك و ذهابي دون عودة... ووقتها فكرت كيف لطفلي أن يولد دون نسب .. تقلبت بين نارين أما أن اخسر حضانتك و تكسب زلفى اسم احمد ...! أو اخسر حضانتك بشهادة نفسية مختومة وتضيع زلفى تحت لقب ابنة حرام... "
ابتسمت بمرارة صعبة وشفتيها ترتعشان... هزت رأسها لابنها الذي يحرك رأسه رفضا
" مقايضة صعبة ... أليس كذلك!.. و بكلا الحالتين كانت هناك خسارة فادحة "
اعتصر ايوب عينيه وقد اغلقهما بقوة ... هاتفا من بين أسنانه
" ياااااا الله .."
كيف لأبيه أن يفعل ذلك... أن يظلمه ببعده عن أمه... وأن يظلم أخته التي لم ترى النور ويتخلى عنها .. "
فتح ايوب عينيه .. وقلبه يختض تأثرا .. رفع وجه امه ليهدر بقوة مفاخرة
" انتِ قوية يا امي ... تحملتِ الكثير ... سامحيني لأني صدقت اكاذيبهم... سامحيني لأني لم ابحث عنكِ كفاية ... خفت والله خفت... انك لا تردينني "
تهدج صوته وقد نضبت الكلمات أمام بحر الألم ...
لكن سراب عادت لتضمه وتقبل وجهه الذي سُقيَّ بدموعها ...
تلك الليلة نام ايوب بحضن امه هانئًا بعد شوق... وقد رجع طفلا صغيرا يتنعم بحضنها ... شاعرا بحنين لشعور فقده.... الراحة !
الآن فقط أدرك ايوب معنى تلك القصة التي انتهت عندما تحولت الجميلة إلى وحش ...
يبدو أن القاص ذئبٌ لبس رداء ليلى...!
&&&&
اليوم التالي ...
استيقظ على رنين هاتفه ... نظر للناحية الآخرى فوجد المكان خالٍ يبدو أن امه استيقظت باكرا ... انقلب على بطنه وقبل أن يغفو
عاد الهاتف يرن مجددا ... اجلى صوته ورد قائلا بصوت ناعس....
" صباح الخير عماه.."
هتف الآخر من جهته... وهو يمازحه
" صباح الخير يا عريس ... انهض لدينا عمل مهم "
رد ايوب بإيجاز واصابعه تتغلغل بشعره...
" انا في الحقيقة بِت في بيت أمي ..."
قال محمود بجذل ... بينما يرتشف قهوته
" ممتاز ... إذن اسمعني يا ولدي اتصلت بالوالي اليوم وأخبرته أننا مساءً قادمون لنطلب يد حفيدته ..."
مصعوقا ... غير مصدق ... نهض ايوب من فراشه
وهتف متسائلا
" اليوم.. اليوم؟؟... اقصد أليس النساء أولا "
فأردف عمه بمغزى وصله المقصد منه ....
" أنت قمت بالواجب.. واختصرت العادات "
صمت ايوب ... حديث الأمس ربما اصلح شرخ قديما ... لكنه أحدث شرخ جديدا بداخله !
اخفض رأسه.. بينما عمه قال بنبرة محذرة شديدة اللهجة
" ايوب لا مجال للتردد السادسة مساءً موعدنا ... تذكر ان الرجل يربط من كلمته ... و تعرف أيضا انه لا مجال للتراجع.. ؟ "
غمغم ايوب ... بصوت واهن...
" نعم أدرك .. لا تقلق يا عم ... انا واثق مما أريد "
تابع محمود قوله... يشرح له ماذا سيفعلون ... مذكرا اياه برفض والده بينما هو سيطلب يد العروس بنفسه
&&&
وقف يبحث عن علبة السجائر التي كانت معه .. أشعل سيجارة وبدأ يمج منها ... يفرغ بها توتره... وتناقض مشاعره... والخلاف الدائر بين قلبه وعقله....
سحب نفسا آخر... ونفثه نافثا همومه..
دخلت للغرفة بهدوء حتى لا تزعجه...وقد ظنته نائمًا ... !
بهتت ملامحها وهي تشاهده جالسا على السرير ... وقدمه تهتز توترا... بينما يسحب سموم سيجارته نفسا وراء الآخر ...
طرف نظره إليها حيث كانت امه واقفة تنظر إليه بسكونٍ غير راضية ابدًا ...
أخفض رأسه مخزيا من تصرفاته... اشاح وجهه للناحية الأخرى... بينما عكف السجارة لتنقلب لبطن كفه ....
همست سراب بخفوت ...
" الفطور جاهز "
وأغلقت الباب ... بينما هو قبض على السجارة غاضبا ... وحرارتها السعر و لا تؤثر به !
&&&
دموعها تنزل على خدها ... متوترة... خجلة
صباحا اتت سراب لغرفتها واخبرتها .. بطلب ايوب ليدها ... لقد تحدثت بإيجاز وكأنه أمر محتوم .. !
بينما نهلة تقف أمام خزانة ملاذ حائرة... وهي تحاول انتقاء فستانٍ مناسب..!
نهضت ملاذ من السرير ... ووضعت يدها على كتف نهلة وهي تقول ...
" خالتي لا أريد... أرجوك ساعديني "
لكن نهلة واصلت البحث قائلة باقتضاب
" هذا الأمر تتفاهمين به مع جدك..."
قضمت أطراف أصابعها بتوتر .. بينما قالت بصوت مهتز خافت
" ماما نهلة.. لماذا تتجاهليني!!... "
ارتعشت شفتي نهلة تأثرا... لطالما كانت ملاذ تستفز أمومتها ... وهي تناديها بماما نهلة ..
" اتجاهلك حتى لا اضربكِ... لأني لو ضربتك لن يقولوا ام و تربي ابنتها بل سيقولون زوجة عمها جارت عليها "
قالت ملاذ باستسلام وهي تمسك بيديها .. ترجو صفحها
" إذن اضربيني هنا لن يراكِ أحد ... "
استدارت نهلة تنظر إليها بزعل كبير .. بينما سقطت دمعات ملاذ التي قبضت على رسغي نهلة... لتهتف راجية وهي تهزها بحاجة مؤرقة
" لكن بعدهاا، ضُميني... ضُميني بقوة لصدرك ماما ... احتاج كثيرا لذلك ...."
وكانت تلك الشعرة الضئيلة التي أثارت شجن نهلة ... اخذتها لصدرها .. تضمها بكل القوة التي طلبتها ... بينما تشعر بجسد ملاذ يهتز منهارا من شدة البكاء ...
أخذت تمسح على ظهرها ... تتحدث معها أن كل شيء سيكون بخير ... هدأت قليلا ... وسكن جسدها .. لكن تلك التنشقات الغادرة تنسل من شفتيها رغما عنها ...
دخلت سراب إلى الغرفة ... حدقت بالمشهد الذي أمامها
وهمست لنفسها موبخة " لا وقت للمشاعر ... كل شيء يسير كما خططتِ "
ابتعدت ملاذ عن نهلة تداري وجهها بينما سراب ... تقدمت باغترار وفرشت فستانا بلونٍ أحمر داكن ...
وقالت لنهلة باختصار ..
" هذا الفستان سيناسبها.."
لكن نهلة قالت مستاءة غير راضية ..
" هذا الفستان من جهازك! ... لا داعي للتفريط به "
نظرت اليها و قاطعتها سراب قائلة بتمنن
" انه صغير اساسا لا حاجة لي به ... سيناسب ملاذ أكثر... فهي انحل من عند منطقة الصدر!.. "
خرجت نهلة من الغرفة .. بينما سراب نظرت لوجه ملاذ الاحمر .. وعينيها والمنتفختين فقالت موبخة
" هذا وجه عروس ؟؟"
عقدت ملاذ حاجبيها و اردفت.. وهي تتلاعب بأصابعها
" سراب لا أريد الزواج بأيوب "
هزت سراب رأسها تتصنع التفهم... بينما تلوح برأسها
قائلة بحدة
" يحق لكِ أن تحتاري وتختاري غير ايوب ... يوما أريد ايوب والآن لا أريد أيوب ... هل هذا انفصام ؟؟"
شحب وجه ملاذ ... بينما واصلت سراب كلامها بأقسى والطف الكلمات.. وقد رفعت سبابتها بوجه ملاذ ...
" عندما يتجاوز عن فعلت ابيك الشائنة.. متناسيا شيئا فشلنا نحن عائلتك أن نتناساه
... هذا يعتبر امرا جبارا منه ... ان تكوني ابنة عمران شيء غير مفرح لايوب على فكرة هل تعلمين؟؟ ... "
تقوست شفتيها تود البكاء لكن سراب نفضت رأسها وشعرها الاحمر تبعثر موشكا إن يتحول لسياط يجلد التي أمامها دون رأفة
" أنه يحبك .. يحبك وقد اختار قربك رغم كل شيء .. لا تخذليه ... ضعي يدك بيده .. وكوني بلسمه ودواءه "
سقطت دموع ملاذ على خدها بينما تقول بتأثر حقيقي
" أنا لا ارفض ايوب ... انت تعلمين مقدار حبي له ... لكن هل ترين ما يحصل شيئا عاديا ؟؟... أن يتزوج أيوب من ابنة مغتصب امه يجعلني اتوتر... مدركة أن ايوب قد يضعني سلاحا على خصره سيشهره بوجه أبي يوما ما!"
ابتسمت سراب بتهكم رغم إدراكها صحة كلمات ملاذ ... واحقيتها الطبيعية بالخوف
" لا تقلقي فمن تعرض لظلم لن يظلم... "
رمشت بعينيها الكحيلتين.. قائلة بيأس
" هكذا برأيك ؟ .."
ابتمست سراب برزانة و .... إشفاق!
" بالطبع... ايوب طيب جدا ... وتذكري دائما انه يحبكِ .. لن اكررها على مسامعك مجددا لقد انقلبت معدتي بسببك "
توردت وجنتيها .. وتنفست ملاذ اخيرا إكسير الحياة "
ضحكت ملاذ برقة بينما تقول بوداعة
" قد تكونين فظة أحيانا.... وربما دائما ... إلا أنني لا ارتاح الا بكلامك الذي يمنحني ثقة كبيرة "
رفعت سراب كتفها بغرور... بينما قالت بهدوء
" جهزي نفسكِ... لا أريد أن يهرب ابن خالتي المسكين عندما يرى وجهك المنتفخ كالعجين الخامر!"
توسعت عيني ملاذ برعب... ونظرت لنفسها بالمرأة... بينما سراب تحركت لتخرج من الغرفة .. فقالت ملاذ بهمس رقيق ...
" سراب..."
التفتت إليها الأخرى... بينما ملاذ همست بإمتنان
" انا لا أكرهك ... أحبك جدا"
ارتسمت ابتسامة مستفزة على شفتي سراب التي قالت بسخرية ...
" الحمد لله... سأعرف طعم النوم الليلة... "
&&&
كان يستعد للخروج من منزل والدته ... ظل هائبا لا يعرف كيف سيخبرها ... نظر لأشقائه ...
حسنا !هو سعيد جدا بمعرفة كريم الشقي و زلفى!
بينما تلك الشقيقة الاخرة غريبة الأطوار تنظر إليه خلسةً ... كانت نظراتها الكارهة تصله واضحة...
إجمالا هو أيضا لم يرتح برؤيتها.... يكفيه المجهود الذي بذله للان...!
&&
أصرت على مرافقته بطريقه ... فقالت كاسرة صمتهما
" بيت والدك قريب منا ... بينما منزلك أظنه بمنطقة بعيدة..."
هز ايوب رأسه مؤكدا وهو يقول ببساطة ...
"ليست بعيدة كثيرا ... لكن بيتي قريب على مكان عملي ... "
.. بينما قال هو متسائلا
" أكملت دراستك ؟ "
هزت راسها بتأكيد وهي تقول بهدوء
" نعم... تخرجت من كلية الزراعة ..."
عند وصولهما لمسافةٍ كافية...
توقف أيوب عندما لمح ابيه فاستدار لزلفى قائلا
" هيا عودي.. يكفيكِ ما مشيناه سيصبح المنزل بعيدا عنكِ.."
تقدم أحمد ماشيا بسرعة لا تناسب سنه ..
"انتظرا...."
التفتت زلفى لجهة الصوت .. بينما أيوب وضع يده خلف كتفها يدفعها برفق ...
" هيا سأرى أبي... وانتِ اذهبي..."
لكنها ماطلت بالتحرك ... لقد رأت عيني احمد معلقة عليها ...
وقف أمامها طارحا السلام بصوته الجهوري ... ثم مد كفه ناحية زلفى قائلا بمودة
" كيف حالك ... يا..يا..."
اختفى اسمها الغريب عن ذهنه ثم قالت بلطف
" زُلفى"
التقطت كفه ... بينما احمد ابتسم بخفر.. ثم حدق بأيوب قائلا بتوضيح حتى لا تكشف نواياه برؤيتها
" دعوت امك لطُلبتك ؟... ستأتي هند و عزيزة .. "
ثم نظر ناحية زلفى التي بدت مصدومة .. غافلة عن الأمر ...
احرج أيوب .. ثم قطب احمد حاجبيه مستفهما
" ماذا بك ألم تدعوها؟؟ "
ردت زلفى باستدراك... وهي تبتسم
" أم العريس لا تحتاج لدعوة يا عم ... لكن سنأتي بيوم الجاهة ... جميعنا إن شاء الله "
بهتت ملامح احمد .... فقال ببرود
" لعل المانع خير ؟؟..."
نظرت إليه.. قائلة ببطىء ... وقد التقطت إشارات لم تعجبها من حديث احمد
" أبي سيأتي هذا الاسبوع... امي أخبرت ايوب بذلك "
كان احمد يغلي من كلماتها ....
لكنه تمالك... نفسه بصعوبة بالغة .. بينما قال لايوب
" سأسبقك للبيت..."
بعد برهة نظر ايوب ناحية زلفى هامسا بشكر خافت ... فقالت بعتب
" لماذا لم تخبرها ... ؟ ..ستحزن كثيرا لأنك لم تدعوها "
فتح ذراعيه مشيحا بهما باستسلام ...
بينما قالت هي بنبرة هادئة ... قبل أن تستدير وتذهب
" مبارك لك... تمم الله فرحتك على خير .."
&&&&
" ارتحتِ الآن.. فعلت الذي برأسك"
قالها أمجد بغضب سافر
بينما سراب ردت ببرود ...
" مرتاحة جدا... "
رد أمجد بحيرة ... وهو يضرب كفيه ببعضهما
" انا لا أفهم كيف وافق جدي!!... "
قالت سراب بزهو
" ولماذا يرفض...ماذا يعيب ابن خالتي ليرفضه..."
استشاط غضب أمجد الذي قال بصبر يوشك على النفاذ
" تعرفين ما الذي يصبرني؟"
ردت بهدوء ...
وهيه تكتف ذراعيها بفضول
" أخبرني ماذا ؟ ..."
قال بخبث وهو يرقص حاجبيه مغيظا اياها
" رغم انهما حذراني من اخبارك لأجل أن تتفاجئي وتفرحي... لكن وددت أن أكون سباقا برؤية ملامحك .... وانا اخبرك أن جدي وشهم ... حددا موعد الزفاف بعد أسبوعين "
انتهى الفصل السادس والعشرون

رواية دع وزرك عنى لكاتبة داليا بسامDonde viven las historias. Descúbrelo ahora